أظهرت الحملة الايرانية على سورية في نهاية العام الماضي وجود تيار قوي في ايران يتخوف من فقدان "الحليف الاستراتيجي" لايران في الشرق الأوسط، لاعتقاده ان اقتراب دمشق من احتمال توقيع اتفاق سلام يفرض ابتعادها عن ايران. وفي المقابل أكدت التطورات وجود تيار آخر يدعو الى التمسك بتلك العلاقات مع سورية ويرى في استمرارها ضمانة لتخفيف الضغط الدولي على ايران "المتشددة" خصوصاً وانها قادرة على التوسط لدى الدول الخليجية وخصوصاً الامارات العربية المتحدة في نزاعها مع ايران حول الجزر الثلاث، ولدى مصر التي تتهم طهران بالتدخل في شؤونها الداخلية. والواقع ان التيارين مقتنعان ان التقدم السوري باتجاه التسوية يستدعي جردة حساب للعلاقة بين طهرانودمشق ووضع أسس جديدة للمرحلة اللاحقة، الأمر الذي تعبر عنه الديبلوماسية الايرانية في كل مرحلة يظهر فيها الكلام عن "تطور" أو "اجواء ايجابية" في المفاوضات السورية - الاسرائيلية، عبر محاولة ممارسة ضغوط على السوريين. وكان آخر الضغوط الحملة التي بدأتها صحيفة "ابرار" عشية الكلام على وجود اجواء ايجابية في مفاوضات السفير السوري في واشنطن وليد المعلم مع المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلي اوري سافير في ولاية ميرلاند قرب واشنطن، وصدور اشارات ايجابية في الاتجاهين بين المسؤولين السوريين والاسرائيليين. وبلغت الحملة اوجها عندما ألغت الرئاسة الايرانية زيارة كان مقرراً ان يقوم بها نائب الرئيس الدكتور حسن حبيبي ووزير الخارجية الدكتور علي اكبر ولايتي في الثاني من كانون الثاني يناير الجاري، لترؤس اللجنة العليا الى جانب نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام والوزير فاروق الشرع. ورغم ان قرار الغاء الزيارة جاء بعد يومين من صدور بيان وزراء خارجية دول "اعلان دمشق" الذي أيد "سيادة" دولة الامارات العربية على الجزر الثلاث و"التأييد المطلق لاحالة القضية الى محكمة العدل الدولية"، فان سبب "الانزعاج" الايراني لم يكن عائداً بشكل رئيسي الى نص البيان ذلك ان الوجود السوري في اجتماعات وزراء خارجية الدول الخليجية الست وسورية ومصر، ساهم كثيراً في تخفيف حدة البيان الختامي ولعب الوزير الشرع دوراً مهماً في ازالة فقرة "شديدة اللهجة" ضد ايران. وعلم ان الشرع نجح في اقناع الوزراء المشاركين بازالة فقرة تقول ان الوزراء عبروا "عن قلقهم من تنامي برامج ايران، لحيازة وتطوير اسلحة الدمار الشامل وبما يمثله ذلك من تهديد للأمن والاستقرار والسلام في المنطقة". وكانت الحجة السورية ان الموقف، في حال صدوره لا يميز بين ايران واسرائيل التي تملك ترسانة نووية قوية. هذا الأمر يؤكد ان استمرار العلاقة السورية - الايرانية ضمانة لعلاقة طهران مع دول الشرق الأوسط، خصوصاً وان تلك الفقرة كانت تلي الموقف من الخلاف الاماراتي - الايراني. ونتيجة للالحاح السوري على تخفيف اللهجة تجاه "الدولة الاسلامية" خسرت دمشق موقفاً أكثر قوة من الوزراء، في موضوع العلاقة مع تركيا. وازالة فقرة "البرنامج النووي" الايراني ادت الى ازالة فقرة نصت على مطالبة الوزراء "الحكومة التركية ايقاف الأعمال التي تلحق الضرر بالحقوق المكتسبة للدول المتشاطئة" على الفرات وهي العراق وسورية وتركيا وانهم "أعربوا عن دعمهم لموقف سورية العادل". وتضمن البيان فقرة تنص "ان الدول تدعو تركيا الى الامتناع عن تمرير المياه الملوثة الى الأراضي السورية والتوصل الى اتفاق عادل ومقبول حول قسمة الفرات" وتطالب باعتماد أسلوب "المفاوضات"، للوصول الى "اتفاق نهائي حول قسمة مياه الفرات". المفاوضات لا الجزر في كل الأحوال، ان التوتر السوري - الايراني لم يكن بسبب حديث البيان عن "احتلال" ايران للجزر الثلاث وتأييد الموقف الاماراتي ومعارضة تجاهل طهران مبادرة رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ذلك ان البيان الختامي السابق للدول الثماني في المنامة في تموز يوليو الماضي تضمن المواقف ذاتها وان كانت لهجة الأخير اختلفت كثيراً عن بيان اجتماع كانون الثاني يناير العام 1994 الذي كان الطف ديبلوماسياً وجاء فيه ان الوزراء "دعوا ايران الى استجابة الدعوة الاماراتية لحل الخلاف بالطرق السلمية تمشياً مع القوانين والاعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل بين الدول"، وانهم أعربوا عن "الاهتمام البالغ" بدعوة الشيخ زايد الايرانيين الى حوار مباشر "حول احتلال ايران الجزر الثلاث". ويؤكد ذلك ان الانتقادات الايرانية ترجع الى الخلاف حول ملف المفاوضات، وان الصحف الايرانية اتخذت من صدور بيان "اعلان دمشق" ذريعة كي تبدأ في شن الحملة خصوصاً وان المسؤولين الايرانيين اعلنوا مراراً انهم "يتفهمون" مساعي سورية لاستعادة مرتفعات الجولان السورية المحتلة العام 1967 عبر المفاوضات وان كانوا يعارضون مفاوضات التسوية ككل، من منطلق ان العلاقات مصلحة مشتركة للبلدين وان "التنسيق" و"التعاون" لا يعنيان "التطابق الكامل" في السياسات الخارجية. اسباب التوتر تقول المصادر المطلعة ان الموقف الايراني كان "غير مفاجئ" وان كان أتى بعد كلام المسؤولين الايرانيين عن ان العلاقات "استراتيجية" وانهم "يتفهمون" مساعي سورية السلمية، وتشير الى تطورات اخرى ادت الى ذلك، هي: - استئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية في 27 من الشهر الماضي، وصدور مؤشرات على ان المفاوضات كان ايجابية، وتسريبات اسرائيلية ان المفاوضات تناولت "الارهاب" واغلاق مقرات منظمات فلسطينية مدعومة من ايران، وانها قطعت شوطاً مهماً في الحديث عن التعاون الاقتصادي. - اعلان الوزير الشرع ان سورية ضد التصعيد في جنوبلبنان وان الوصول الى سلام اسرائيلي - لبناني وانسحاب القوات الاسرائيلية، يعني ان "المقاومة حققت هدفها". وتم التعبير عن القلق الايراني في الزيارة التي قام بها وفد من قيادة "حزب الله" الى طهران في وقت متزامن مع انتخاب مجلس جديد للشورى فيه. - الرغبة السورية في تعويض الوقت الضائع خلال حكم اسحق رابين، وتسريع المفاوضات اثر تسلم شمعون بيريز ملف المفاوضات والحديث عن "صفقة متكاملة" تشمل ملفات الاتفاق السلمي كافة والعلاقات المستقبلية في المنطقة. وما يؤكد ان الموقف من مفاوضات السلام كان الأساس بالنسبة لايران هو ان العام 1994 شهد جموداً في العلاقات بسبب وجود حديث وقتذاك عن تطور مفاوضات السلام. وظهر ذلك في تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة مرات عدة الى ان عقدت في طهران في تموز يوليو الماضي، وأسفرت عن اعلان الايرانيين مواقف ايجابية من اعتماد سورية اسلوب التفاوض لاعادة الجولان، في اطار تأكيد استيعاب ايران الفعلي لجهود دمشق الديبلوماسية. استغراب وأسئلة وتستغرب المصادر السورية الانتقادات التي وجهتها الصحف الايرانية ومعها بعض المسؤولين الايرانيين خصوصاً ان هؤلاء ايدوا في وقت سابق مواقف سورية التفاوضية في ضوء العلاقة "الاستراتيجية" بين البلدين التي ظهرت أساساً في الحرب العراقية - الايرانية 1980 - 1988 حين وقفت سورية الى جانب ايران على رغم معارضة الدول العربية الأخرى لذلك. وأضافت ان الايرانيين اتخذوا المواقف قبل الحصول على "توضيحات" من الجانب السوري ازاء ما يحصل في المفاوضات مع اسرائيل "وان الجولة الأولى من المفاوضات لم تسفر عن الوصول الى اتفاق وان ما حصل الى الآن يتعلق بالاطلاع على مواقف الآخر لتحديد جدول أعمال للمفاوضات والجولة التي سيقوم بها الوزير وارن كريستوفر الى المنطقة، كما ان المفاوضات لم تتناول موضوع المقاومة والمنظمات المعارضة لمفاوضات السلام أو موضوع التعاون الاقتصادي بين سورية واسرائيل بل ان المواقف السورية لم تتغير من المطالبة بانسحاب اسرائيل الى خطوط 4 حزيران يونيو 1967. وتطرح المصادر عدداً من الأسئلة يعتبر ان على طهران الاجابة عليها قبل توجيه انتقادات شديدة الى دمشق، هي: "هل تعارض ايران الاعتراف بدولة اسرائيل، والى أي حد تعارض وجود دولة اسرائيل؟ هل تعارض طهران اعادة سورية اراضيها المحتلة عبر مفاوضات سلام، طالما ان سورية متمسكة باعادة كامل الجولان وجنوبلبنان؟ هل تعارض اقامة علاقات بين دمشقوواشنطن وتحسين تلك العلاقات خصوصاً وان مسؤولين ايرانيين وفي مقدمهم الرئيس هاشمي رفسنجاني غازل الولاياتالمتحدة في وقت سابق؟ ما هي مبررات وجود "حزب الله" في جنوبلبنان وعمليات المقاومة ضد القوات الاسرائيلية؟ هل هي تحرير جنوبلبنان أم شيء آخر؟". مصادر ديبلوماسية ايرانية قالت لپ"الوسط" في دمشق ان تحول "حزب الله" الى النشاط السياسي "ممكن" بعد التوصل الى اتفاق بين اسرائيل وكل من سورية ولبنان. وان طهران تؤيد عودة الجولان والجنوب. اما المصادر السورية فخلصت الى القول بأن وجود علاقات جيدة بين الدولتين لا يعني "التطابق الكامل بين سياسة البلدين الخارجية لأن لكل منهما مصالح في المنطقة والمطلوب هو التنسيق في القضايا التي تهم الجانبين" وأشارت الى تنسيقهما في موضوع معارضة تقسيم العراق أو قيام دولة كردية في شمال العراق، في اطار اجتماعات وزراء الخارجية الثلاثة السوري والتركي والايراني. وألمحت المصادر الايرانية الى احتمال قيام "حلف" بين الدولتين بعد توقيع سورية اتفاق سلام "اذ انه يسمح لسورية بابقاء علاقات جيدة مع التيار المتشدد في المنطقة الذي تتزعمه ايران في وقت تحافظ ايران على علاقاتها مع الوضع الاقليمي الجديد". وأكدت ان طهران حريصة على استمرار الاتصالات مع العاصمة السورية "اذ ان ولايتي أعلن انه سيزور دمشق في وقت قريب مع الدكتور حبيبي لحضور اجتماعات الدورة الخامسة للجنة المشتركة وان الموقف الايراني عبرت عنه صحيفة "كيهان" المقربة من الحكومة لأن نجاح العلاقات مصلحة للبلدين". وكانت الصحيفة كتبت "ان البلدين وقفا الى جانب بعضهما بعضاً في الأوقات العصيبة … وعلاقات الصداقة قائمة منذ أمد طويل وان سورية اثبتت قدرتها وقوتها وسيادتها من خلال ثبات مواقفها وان القيادة السورية بقيادة الرئيس الأسد تدرك تماماً ما هو جيد لمصلحتها ومصلحة جماهيرها". وزادت الصحيفة ان حكومة طهران "ستفعل كل ما هو ضروري لحماية علاقات ايران الودية مع سورية … وان انتقادات بعض الصحف لدمشق، ليست مواقف شعبية". واعتبرت المصادر السورية ان كلام صحيفة "كيهان" تأكيد لپ"متانة العلاقات بين الجانبين ووقف لبعض المقالات المتسرعة وغير المسؤولة التي ظهرت في الصحف الايرانية" قبل ذلك.