ظل المنديل "أبو اويه" سنوات طويلة واحداً من أشهر معالم زينة المرأة المصرية في الاحياء الشعبية، وكان حي التربيعة العريق في منطقة القاهرة الفاطمية معقل صناعة هذا النوع من اغطية الرأس النسائية. ويقول سلامة حسانين بائع المناديل ان هذا المنديل عرف المديح والكلام الحلو وأغنية "منديل الحلو... يا منديلو" لعبدالعزيز محمود يذكرها كثيرون. واسعار المنديل الحالية تتفاوت تبعاً لنوع القماش وما اذا كان مطرزاً بالتراتر أم لا. وبشكل عام يتراوح السعر بين 3 و7 جنيهات مصرية. وهناك عوامل هددت هذا المنديل الجذاب منها انتشار محلات تصفيف الشعر وظهور انواع عدة التسريحات إضافة الى انتشار الحجاب والايشارب. اما انواع واشكال المنديل "أبو اويه" فهي عدة. فهناك الزرافة والمكوك والمقصقص، وأم خرز، وأم ترتر، والاويه أم ترتر وخرز. وتقول منى ابراهيم الباحثة في كلية الفنون الجميلة ان كلمة "اويه" تعني الكروشيه الرفيع وهي كلمة تركية. والمنديل من غير اويه عرفته مصر منذ أول العصر الفاطمي في القرن الثاني عشر، عندما كانت مصر تحت حكم العزيز بالله. وقتها كانت مناديل النساء تطرّز بغرزة السلسلة، اما الزخارف فكانت على اشكال طيور أو عصافير أو فاكهة. وظهر المنديل أبو اويه في مصر في بداية العهد العثماني اي في القرن السادس عشر ثم انتقل الى معظم دول حوض البحر المتوسط. وتروي ناهد محمد السيد التي تحمل شهادة ماجستير فنون في تاريخ الازياء وتطورها، قصة من عصر السلطان الناصر بن قلاوون، اذ كان هناك أمير يدعى سلار ابتكر منديلا يغطي الرؤوس اطلق عليه اسم "المنديل السلاري". الا انه كان يتحكم في طعام الملك الناصري في فترة صباه ويمنع عنه اكل الاوز والحلوى والاكلات الدسمة، ليس حفاظاً على صحة الأمير الصغير ولكن اقتصاداً في النفقات. لهذا كان أول ما فعله السلطان عندما تولى الحكم ان سجن الأمير المقتصد ومنع الطعام عنه حتى يموت جوعاً. وتضيف: كان في عهد السلطان قايتباي محتسب للقاهرة اسمه يشبك الجمالي اخرج مناديا ليحذر النساء من الخروج الى الشوارع وهن يرتدين المناديل فوق رؤوسهن. فأوامر الحاكم الجديدة طالبت كل سيدة بأن تضع فوق رأسها عصابة من القماش لا يقل طولها عن ثلاثة اذرع، وتجنباً للتلاعب في الطول كان القماش يختم بخاتم السلطان. ولم يكتف حاكم القاهرة بذلك، بل أرسل جواسيسه الى المجتمعات العامة والاسواق فاذا عثروا على احداهن وهي تعصب رأسها بمنديل قصير أهانوها وعلقوا المنديل في عنقها على مرأى من الناس لتكون عبرة لغيرها. وعن الذكريات الطريفة للمنديل أبو اويه ذكر صابر سمير استاذ التاريخ الحديث انه "منذ اكثر من مئة عام استاء خطيب الثورة العرابية عبدالله النديم من غزو ازياء الفرنجة التقاليد المصرية فكتب زجلاً اجتماعياً يحذر السيدات من مخالفة العادات ونشره في "التنكيت والتبكيت". كما حذر ايضاً الرجال من ارتداء الملابس الغريبة حتى لا يجلبوا لأسرهم الخراب نتيجة لهذا التقليد: "الحق عندك يا خويه يا اللي طليت وشكك بويه ولبست سرواك "أبو اويه" ومشيت تقلد لي النسوان وشرم برم حالي غلبان". وعن قصص المنديل أبو اويه بين أهل الفن تقول مريم فايق: "من ينسى منديل السيدة جليلة، حبيبة وملهمة الفنان سيد درويش، التي كانت تتميز عن نساء الاسكندرية بشقاوة ربطتها للمنديل أبو اويه الذي اضاء جبهتها بالترتر فخطف الانظار؟" لكن الفنان النابغة لم يغن للمنديل بل ل "ياللي قوامك". نجيب محفوظ كان من اكثر الادباء الذين فتنتهم بنت البلد، وهو صور حياتها وأزياءها في روايات عدة. ففي "السراب" نجد رباب بطلة الرواية معصوبة الرأس بالمنديل أبو اويه، وفي "قصر الشوق" تربط خديجة ابنة السيد احمد عبدالجواد رأسها بالمنديل نفسه. وقبل محفوظ بسنوات عدة رسم الدكتور محمد حسين هيكل شخصية زينب بمنديلها الفلاحي وثوبها الاسود في رواية "زينب". وجعل الكاتب الراحل توفيق الحكيم العانس "زنوبة" في رواية "عودة الروح" ترتدي المنديل أبو اويه الكحلي اللون. ولم تخل اعمال يوسف ادريس من ذكر المنديل إياه الذي كانت ترتديه عزيزة عاملة التراحيل في قصة "الحرام" وأدت فاتن حمامة دورها في فيلم بالعنوان نفسه. واليوم؟ ا نتهى زمن المنديل، كما يقول التاجر بكر عوض تاجر واصبح من مكملات ازياء الافلام والمسلسلات، اما زبائنه فينحصرن في راقصات الفنون الشعبية .