هو في مصر "منديل أبو أويا"، وفي لبنان "منديل الأويا" فحسب. وغالب الظن انه شائع في أقطار عربية أخرى بتسميات مختلفة. أشهر أغطية الرأس هو، وكان من عناصر احتشام المرأة ومن عناصر زينتها وأناقتها في الوقت نفسه، وها هو تُنحِّيه اليوم مدنية مفرطة في تحررها من الحشمة وعودة متطرفة الى الحجاب" وجها العملة الواحدة في كلِّ عصر. السافرات استغنين كلياً عن الأويا، الا من اشترينه تذكاراً من معارض الأشغال اليدوية، والمتحجبات انصرفن عنه الى حجاب لا تزويق فيه ولا بهرجة" إذ هو أي الأويا حاشدٌ للتزويق والتلوين حتى صار أَدخل في الفن، وحتى صار في المشهد المدني الغربي الزاحف تراثاً. وجميلٌ ان يكون الأويا أحدَ أبرز المعروضات في معارض الأشغال اليدوية في القاعة الزجاجية التابعة لوزارة السياحة، وفي معارض الجمعيات النسائية في المناطق اللبنانية كافة" ففي هذا وفاء للتراث، وفيه اعتراف بحميمية ما طرزت الأنامل الرشيقة، وفيه احترام للموروث عن الأمهات والجدات. إذاً، فمنديل الأويا لم يخسر المعركة في مواجهة الحديث الوافد. ولعله - وهو يغيّر في وظيفته ويصبح زينة صالونات - يبقى فلذة من الماضي أثيرة محبوبة. مع ذلك فاللواتي يعتمدنه اليوم غطاء رأس قليلات، وهنَّ في الغالب ريفيات أكثر ما يخرجنه من الأدراج والصناديق في حفلات الأعراس. لذلك قلَّ كثيراً عدد الحرفيات المشتغلات بصنعه، وكان في الماضي صُنْعَ الحرفيات وصُنع الصبايا المقبلات على زواج، يتعلمن صنعه من الأمهات والجدَّات ويصرفن الوقت الكثير في اعداده جهازاً. ومع أن شغل الأويا داخل في عموم الأشغال اليدوية النسائية، فإن له خصائصه وتقنياته المميزة" فهو تحت اسمه هذا نتاج العمل بالإبرة والمكوك، وان كان يشبه الى حد بعيد أشغال السنارة وغيرها" فهو مثلها منديل موشى الحواشي بالخيوط الملونة والخرز، تماماً كالشالات و"القمطات" و"الايشاربات". في المناديل العادية استعملت خامات مختلفة كالقصاصات الهندسية المقتطعة من فيالج دود الحرير، واستعملت الأوراق الفضية المأخوذة من غلاف الشوكولا وبطانة علبة السجائر، وذكرت لنا سيدة ريفية انها استعملت قطع المعكرونة المخرمة، وأما شغل الأويا فأمره مختلف" انه عمل أرقى، وهو نتاج عمل دؤوب بإبرة مخصوصة ومكوك يحتاج العمل به الى خبرة ودربة وفن. وصنع الأويا حرفة جامعة للتسلية والفن والنفع المالي" فهي وسيلة ربة البيت الى تزجية وقتها اذا كانت لا تزاول عملاً خارج البيت، وهي بهذا الاعتبار مصدر لزيادة دخل الأسرة. وربما تخصصت سيدة بتسويق الأويا في المعارض والأسواق، وتعهدت لذلك تشغيل الآنسات والأرامل من ذوات الخبرة في حقل التطريز والتوشية، حتى أنَّ سيدات متعهدات كُنَّ يصدّرن الأويا، وسائر الأشغال اليدوية، الى فرنسا، باعتبار هذه الأشغال فناً شعبياً شرقياً. هكذا يتعايش الأويا مع نتاج حضارة العصر، كما يتعايش مع الحجاب الخالي من التزويق... ولكن المشتغلات به قليلات. ومن هؤلاء سيدة في بعلبك تفرغت له، تزجية للوقت، وتكسُّباً، وصارت لها شهرة. السيدة سعاد الرفاعي أم قاسم، تعرف الأويا باختصار، فتقول انه "قُطبة تصنع منها أشكال الزهور على اختلافها، وبها تُزيَّن المناديل والشالات"... معنى ذلك أن الأويا عنصر تجميل للمرأة؟ تبتسم أم قاسم و"تضيف الى معلوماتنا" فتقول: "ولا تنسَ ان المرأة الحسناء تزيّن الأويا في المقابل"! وتقول ام قاسم ان الصبايا اليوم يفضلن الأويا التي تزين "الفولار"، وتشير الى انها شخصياً شاركت في تدريب فتيات المنطقة على شغل الأويا في اطار برنامج الأممالمتحدة الانمائي في بعلبك والهرمل، وتخبرنا "أنَّ الفتيات كُنَّ سعيدات جداً". وتعتقد سعاد الرفاعي ان الأويا في لبنان "فن شعبي لبناني خالص لم يتأثر بفنون الآخرين". لنتحدث يا أم قاسم عن خامات الأويا وتقنياته؟ - استعمل خيوط "دي ام سي" وخيوط الحرير، وخيوطاً معدنية لتثبيت الزهور. وأعمل بواسطة ابرة ومكوك، مع اختلاف شغل الإبرة عن شغل المكوك طبعاً... كلاهما يؤدي وظيفة مختلفة في شغل الأويا. يبدو ان شغل المكوك أصعبهما؟ - شغل المكوك صعب جداً، ويحتاج الى تعلم كثير، وهو أسرع من حيث انجاز العمل... وعموماً لا يستطيع كل الناس الشغل بالمكوك، خصوصاً ان الخيط عندما "يزرد" يستحيل فك عقدته. تصنعين من الأويا أغطية موائد؟ - لا... ذلك شغل سنَّارة اسمه كروشيه. شال أويا كهذا الذي على رأسك، كم يستغرق وقتاً؟ - يحتاج الى شهرين من العمل اليومي. إذاً هو مكلف جداً... فمن يشتريه؟ - الثريات المقتدرات... وأرخص منه شغل السنَّارة. الأويا عنصر تجميل للمرأة... أو هو - كما تقول ام قاسم - يتجمَّل بالمرأة الحسناء أيضاً. فإلى متى تدوم حرفته؟ لا أحد يدري، ونحن لم نناقش مع أم قاسم قضية "العولمة" وقضية العودة الى الحجاب لمتميز بعدم التزويق، وهذا وتلك وجها عملة واحدة في عصرنا، شأنه شأن كل عصر.