هل يكفي ان يخوض حزب الله الانتخابات النيابية مرتين متتاليتين ليكون دخل النادي السياسي اللبناني واندمج في النظام السياسي، جواب وضّاح شرارة في كتاب عن حزب الله "دولة حزب الله، لبنان مجتمعاً اسلامياً" الصادر في بيروت عن دار النهار، جازم بالنفي، ولنفهم جواب وضاح شرارة نعود عبر الكتاب الى نشأة حزب الله ومسيرته التكوينية. كان المثال الايراني قائماً حتى قبل الثورة الايرانية. فهذه الثورة اعتمدت على نسيج شبكي من رجال الدين قوامه 185 ألفاً، فيما كانت طبقة رجال الدين الشيعة في لبنان في الاربعينات والخمسينات والستينات قاربت الانتهاء. لم يبق منها سوى 42 شيخاً بالعدد. وهي التي جاوزت في احصاء يومها ال 150 ألفاً، 42 شيخاً ل 500 قرية تقريباً، اي واحد لما يزيد عن عشر قرى . اما الاسباب فمنها انقطاع جامعة النجف يومذاك عن عصرها اذ بحسب شهادات بعض تلامذتها كان لبس الحذاء ونظافة الثوب والاكل بالشوكة والسكين وقراءة الصحف والمجلات اموراً مكروهة ومريبة، اما السبب الاساسي فانصراف ابناء العائلات التي تتوارث العلم الديني الى العلم العصري، وانصراف الناس عن رعاية رجل الدين الامر الذي جعله في غاية الفقر لا يصل الى الاربعة علماء ما يوازي معاش حارس. استحال طبعاً في غياب رجال الدين استعادة المثال الايراني الذي يجعل العلماء بمثابة الكوادر والطليعة في الحزب الثوري، لذا بدأت في اواسط السبعينات عملية معاكسة باشرها بالدرجة الاولى السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، ترمي الى انشاء معاهد للعلم الديني تقوم بنفقات طلابها، والنتيجة باهرة: ارتفاع العدد الى 450 رجل دين جلهم من العائلات غير المعروفة بتوارثها العلم الديني ونصفهم من البقاع الذي كان له من قبل حصة واحد على عشرة. اما الاسباب المباشرة فهي في زوال المشقة التي تقضي بتلقي العلم في العراق النجف وفي قيام المعاهد الدينية الحوزات المحلية بنفقة الطلاب، والاهم من ذلك ارتفاع مكانة رجل الدين بعد هبوط لارتفاع معاشه. اما العلم نفسه فتغير مفهومه، هو الآن مختصر نضالي اقل جدالية واكثر تركيزاً على التعبئة والنواحي العلمية. ذلك بالطبع يعود الى اسباب غير مباشرة: تفكك المجتمع الشيعي لأسباب من بينها النزوح الكثيف وتحولات المجتمع والدولة اللبنانيين، مما اوجد ازمة هوية وحاجة اتحاد استطاع السيد موسى الصدر القادم من ايران ان يحولهما الى حركة جماهيرية عريضة ذات افق لا يتعدى الدولة اللبنانية. لم تكن الثورة الايرانية حاصلة. لكن مثالها لم يكن غائباً: قيادة رجال الدين بالدرجة الاولى. هل يمكن اعتبار هذا الاعداد السريع لجيش من رجال الدين امراً عارضاً وعفوياً، قد نستنتج اذا لاحظنا فعالية عدد من المعارضين الايرانيين في لبنان يومذاك وجود مصطفى شمران الذي صار في ما بعد وزيراً للدفاع الايراني في قيادة حركة "أمل" بالاضافة الى السيد الغروي ومحمد جواد وسواهم نستنتج ان المثال الايراني لم يكن حتى في هذا الوقت المبكر غائباً. غير ان التخطيط والتدبير واضحان، لقد وجد الجهاز الاساسي وستليه عملية تكوينية طويلة استمرت عشر سنوات تقريباً الى ان اعلن ابراهيم السيد في رسالة الى المستضعفين في لبنان والعالم عام 1985 قيام "حزب الله". العملية التكوينية هذه كانت بالتوازي تحويل المسجد الى نواة للتعليم والتشريع والتحكيم الحكم خارج اطار الدولة، واستدخال بحسب عبارة الكتاب "أمل" التنظيم الشيعي الاساسي والوصول فيها الى مواقع اساسية في القيادة قيادة الجهاز العسكري تقريباً واستدخال "فتح" التنظيم الفلسطيني الذي قام برعاية كل الانشقاقات السياسية اللبنانية، بقي الحزب تقريباً جزءاً من حركة "أمل" ولم يؤد الى اعلانه حتى قيام عناصره بعمليتين انتحاريتين مدويتين في مقري القوات الفرنسية والاميركية افضتا عملياً الى رحيل القوات الدولية عن لبنان. انتُظِر خلاف داخل حركة "أمل" على المشاركة في هيئة الحوار الوطني المولجة بالتفاوض مع السلطة، والذي جدد خلافاً سابقاً على مشاركة نبيه بري في لجنة الانقاذ التي ضمت ايضاً بشير الجميل ووليد جنبلاط لإعلان "حزب الله" 1985. هكذا ولد الحزب كانشقاق ضخم داخل حركة "أمل" وداخل الطائفة الشيعية في لبنان. كان الخلاف واضحاً على حد الصلة بالنظام اللبناني والوفاق الاهلي. خرج الحزب الى العلن كاملاً تاماً بأجهزته السياسية والعسكرية فمسيرته التكوينية الطويلة بدت متساوقة منتظمة الى حد مدهش، وكأنها ثمرة تخطيط استمر سنوات، هل كان ذلك بتدخل ايراني، لا يخفي كتاب شرارة الذي يسمي حركة الحزب الحركة الاسلامية الايرانية ان الجسور المالية والسياسية والايديولوجية مفتوحة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، لكن المسيرة التكوينية نفسها كانت نوعاً من بناء جسم صلب منفرد بنفسه يتجه الى تحصين نفسه ومحيطه في ما يسميه وضاح شرارة معقلاً خاصاً الضاحية الجنوبية احد امثلته هذا يفترض بناء تنظيمياً وعسكرياً هو نوع من دولة مضادة لها عسكرها وتشريعها وفي ما بعد مدارسها ومستشفياتها وبنوكها واسواقها وكشافتها وبنى "حزب الله" على النزاع الاصلي وذيوله اي على الحرب وانقساماتها. وكان عليه ان يغذي اسبابها، لذا وجد بحسب الكتاب غايته في دوامها ودوام انقساماتها. فرفض "حزب الله" اي تسوية مع النظام الماروني، وتوعد اي نظام للموارنة فيه نسبة قوة، وهدد بنزاع لا يبقى فيه حجر على حجر. قيادة ظل هل يسع حزباً انبنى كدولة مضادة، وحصّن مواقعه وحوّلها الى معاقل منفردة، وقامت ايديولوجياه على الولاء لمرشد الثورة الاسلامية في ايران، وبني على انقسامات الحرب وحزازاتها، هل يسعه ان ينضوي في النادي السياسي والنظام السياسي اللبنانيين، كتاب وضاح شرارة يقول لا، ليس لأسباب تكوينية جرى ذكرها فحسب ولكن لدلائل ظاهرة، فالحزب قاتل كل القوى اللبنانية في شتى المواقع واعترض باستمرار على الدولة اللبنانية، ثم ان التعلل بديموقراطية الحزب لاعتماده الانتخابات او مشاركته في الانتخابات اللبنانية ليس كافياً اذا صح ما ذكر عن وجود قيادة ظل هي الآمرة الحقيقية واجهزة امنية وعسكرية لا تظهر الى العلن، كما ان لبنانية الحزب التي تظهر في دعاوة تستند غالباً الى حدث لبناني ليست اكيدة اذا صح ما ذكر عن وجود عضوين ايرانيين بالاضافة الى السبعة اللبنانيين في مجلس شورى الحزب، وما هو معروف عن جسور مالية بين الحزب والجمهورية الاسلامية الايرانية. اما مشاركة الحزب في الانتخابات اللبنانية وتصديه للمسائل اللبنانية السياسية والمطلبية فهما بحسب الكتاب مسايسة اكثر منهما سياسة، وقريب من ذلك قول قيادة الحزب لدى سقوط قتلى للحزب اثناء تظاهرة المطار لن نطلق النار على الجيش اللبناني او قولها بعد حادثة ثكنة فتح الله التي قتلت فيها قوة سورية 22 مقاتلاً للحزب سنثبت اننا اكبر من كل الجروح، لا يجد الكتاب في سياسة الحزب اللبنانية قبولاً بالنظام وسعياً للسلم الاهلي فالحرب الدائمة والبناء على الاضطراب الداخلي والحؤول دون الوصول الى تسوية داخلية والسعي لقلب النظام وتسليم الحكم للمسلمين الذين هم اكثر بحسب فتوى الامام خامنئي. هذه تبقى مشروع الحزب الاصلي وما عداها تكتيكات على غرار خدعة الحرب.