حظيت زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران السعودي لصنعاء باهتمام كبير لدى كل الاوساط الرسمية والسياسية والشعبية اليمنية. وتمثل هذا الاهتمام في الاستقبال الذي شاركت فيه هذه الاوساط في مطار صنعاء وعلى طول الطريق الممتد حتى قصر الضيافة في القصر الجمهوري حيث نزل الضيف السعودي ومرافقوه، وفي المواكبة الاعلامية الواسعة لوقائع الزيارة وفي اللقاءات والمحادثات التي عقدها الأمير سلطان والوفد المرافق له وفي مقدمه الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، مع الرئيس اليمني الفريق علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب، والسيد عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الوزراء وكبار المسؤولين اليمنيين. واعتبر مراقبون في صنعاء ان زيارة الأمير سلطان كانت مصدر استبشار وتفاؤل لدى عامة الناس في اليمن، مما يدل الى "اهمية هذه الزيارة المنتظرة منذ شباط فبراير الماضي، وأهمية العلاقات واللقاءات بين المسؤولين في كل من الرياضوصنعاء وما تتركه من آثار مباشرة تنعكس على حياة المواطنين في البلدين". ويشار هنا الى ما وصف به الرئيس اليمني صالح، الزيارة في حديث الى "عكاظ" السعودية بأنها "زيارة خير وبركة على البلدين ... ونأمل ان تدفع بالعلاقات بين الشعبين الشقيقين الى الافضل والاحسن لأنها علاقات حميمة ومتميزة". وقال الأمير سلطان لدى وصوله الى مطار صنعاء ظهر الاربعاء الماضي: "انني اعتبر نفسي وزملائي في هذه الزيارة المحببة الينا، بأنها زيارة ود واخاء وعمل لمصلحة علاقات الحب والاخوة والجوار والعمل النافع لبلدينا وشعبينا". اللجان المشتركة لها الأولوية وفي الاطار العملي، يمكن القول ان المحادثات ركزت على ثلاثة محاور رئيسية، أولها: موضوع اللجان الست المشتركة والمشكلة بموجب "مذكرة التفاهم" الموقعة بين البلدين في 26 شباط 1995 27 رمضان 1415 في مكةالمكرمة، الخاصة بترسيم الحدود. والثاني: اقرار جميع الاتفاقات التي تمخضت عنها القمة الثنائية بين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس علي عبدالله صالح في حزيران يونيو في جدة. والثالث: قضية التعاون الأمني في اطار الاتفاق الذي وقعه وزيرا داخلية البلدين في جدة في 28 تموز يوليو الماضي. واعتبر الجانبان موضوع اللجان المشتركة من حيث تقويم اعمالها وتذليل الصعاب التي تواجهها "في مقدم الموضوعات لما لهذه القضية من اهمية وأولوية خاصة"، كما قال الرئيس اليمني. اذ ان اعمال اللجان من وجهة النظر اليمنية، ظلت على رغم اجتماعاتها المنتظمة في كل من صنعاءوالرياض، "تراوح مكانها في الفترة الاخيرة ولم تتمكن من التوصل الى نتائج نهائية"... وكان لا بد من اجتماع ثان للجنة العليا يرأسها الأمير سلطان والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر المسؤولة عن الاشراف على اجتماعات اللجان وتذليل الصعاب امامها والتنسيق في ما بينها. ووصفت مصادر يمنية مسؤولة ل "الوسط" اقرار الصيغ النهائية لاتفاقات التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والفنية، بأنه "دفع بمجال الاتفاقات الى التعاون العملي المنظم". وأفادت ان قضية الأمن تأخذ مساحة واسعة في العلاقات السعودية - اليمنية، ثم اخذت مكانة خاصة في المحادثات ونتائجها، باعتبارها قضية متداخلة في قضايا التعاون بين البلدين، وفي مقدمها الاتفاق الامني. قضايا على كل المستويات وضمن هذه المحاور الرئيسية، تناولت المحادثات اليمنية - السعودية قضايا وموضوعات اخرى هي - بحسب المصادر نفسها - ذات علاقة مباشرة في معظمها بالمحاور العامة على المستويات الثنائية والاقليمية والعربية والدولية، ومن أبرزها، قضية المغتربين اليمنيين في المملكة وهي "قضية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وذات أثر فاعل في العلاقات بين البلدين الجارين". ومع اهتمام الجانبين بتنظيم هذه القضية من خلال ما تم الاتفاق المبدئي عليه في لقاء القمة الثنائية في جدة، وطبقاً للأنظمة السارية في كلا البلدين، الا ان هذه القضية "تحتاج الى مزيد من المشاورات بين المعنيين من الجانبين لوضع الأسس الخاصة بتنظيمها". وفي المستوى الاقليمي قالت المصادر نفسها ان الجانب اليمني بدا مهتماً بموضوعات منها "ما خلفته ازمة الخليج من توتر في علاقات اليمن مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي" وآفاق العلاقة مع مجلس التعاون. وكذلك تطرقت المحادثات الى "قضايا المصالحة العربية وعملية السلام العربية - الاسرائيلية في ضوء تطوراتها الاخيرة". الأبعاد والآمال وتجدر الاشارة الى ان المسؤولين في صنعاء، انطلاقاً من النهج الذي يعملون من خلاله على اصلاح الوضع الاقتصادي واعادة بنائه، يعلقون آمالاً كبيرة في ان تساعد زيارة الأمير سلطان "على دفع رأس المال الوطني السعودي للاستثمار في اليمن لما يمثله هذا من عامل مهم للنمو الاقتصادي في البلدين"، كما صرح بهذا الرئيس اليمني. وفي هذا الجانب أشار مراقبون في صنعاء ل "الوسط"، الى ان المسؤولين في الحكومة اليمنية كما يدركون اهمية الاستثمار السعودي والخليجي في اصلاح الاقتصاد، يدركون في الوقت نفسه ان هذا الموضوع مرتبط بمدى ما يتحقق من خطوات في جانب تطوير علاقة بلادهم مع دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية، وبمدى ما يتحقق من استقرار سياسي وأمني داخلي من ناحية ثانية، "وهذا ما يركزون عليه في المرحلة الحالية بشتى الجهود والوسائل". يضاف الى هذا ما يدركه المستثمرون في المنطقة من "فرص ذهبية للاستثمار في اليمن خاصة في مجالات الطاقة النفط والغاز والكهرباء والأسماك والسياحة"، وان مما يزيد من اقبال المستثمرين "توافر اليد العاملة وانخفاض اجورها وما تقدمه الحكومة من تسهيلات". وخلاصة القول ان المسؤولين اليمنيين عبروا بما حرصوا على تأكيده من حفاوة واهتمام بالغين بزيارة الأمير سلطان والوفد المرافق له، انهم ينظرون الى الزيارة باعتبارها في حد ذاتها مكسباً ونصراً كبيراً للعلاقات الثنائية بين البلدين والدولتين على كل المستويات وفي كل المجالات. لأن الزيارة، كما قال الدكتور عبدالكريم الارياني نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني "مثلت معلماً بارزاً في تاريخ العلاقات بين البلدين"، ولأنها استطاعت بالفعل ان تتجاوز سلبيات الماضي وان تستوعب القضايا القائمة وان تضع أسساً متطورة لمستقبل العلاقات بين البلدين على المدى المنظور.