في كل مرة تتأزم العلاقات بين الولاياتالمتحدةوايران، وهي كثيرة، تركز واشنطن على الخطر او التهديد الذي يمكن ان يشكله امتلاك ايران السلاح النووي على الامن والاستقرار في الشرق الاوسط والعالم. واذا كانت كوريا الشمالية وقدرتها النووية قد احتلت حيزاً بارزاً من الاهتمام الاعلامي والسياسي الغربي الى حد ما في الفترة الماضية، وتركت الانطباع بأن مواجهة ما كادت ان تقع، فإن التسرب النووي الذي شهدته احدى محطات توليد الطاقة في ايران وأدى الى نقل حوالى 50 شخصاً من بينهم فنيون ألمان قبل حوالى ثلاثة اسابيع، اعاد ايران الى دائرة الضوء. وبعد قرار الرئيس بيل كلينتون فرض عقوبات على الشركات الاجنبية التي تتعامل مع ايران وليبيا، عاد المسؤولون الاميركيون للتركيز مرة اخرى على الخطر النووي الذي تشكله ايران على المصالح الغربية السياسية والاقتصادية. ولا تتضمن التقارير الاستخبارية الغربية عن السلاح النووي الايراني او امتلاك ايران قدرة نووية معينة اي دليل حسي او عملي يدعم هذه الاتهامات، حسب قول ديفيد اولبرايت رئيس المعهد الدولي للأمن والعلوم في واشنطن الذي يضيف بأنه "على رغم ان ايران موقعة على معاهدات دولية في شأن انتشار الاسلحة النووية بزيارة منشآتها، يتهم المسؤولون الاميركيون طهران بأنها تقوم بجهود سرية ومنظمة في الخارج للحصول على معلومات ومواد تتعلق بتطوير سلاحها النووي. وتوصف منظمة الطاقة النووية الايرانية بأنها الهيئة المسؤولة عن هذه البرامج السرية، في حين يشير بعض الدوائر الغربية الاخرى الى ان هناك وحدة خاصة في وزارة الدفاع الايرانية تتولى تجنيد عناصر اجنبية والاتصال بجهات خارجية في اطار جهودها لتطوير برامجها النووية. ولا تستبعد اوساط اميركية، على حد قول رئيس المعهد الدولي للأمن والعلوم، ان يكون رئيس الحرس الثوري الايراني المسؤول عن برامج ايران التسليحية. ومن بين التقارير التي تحتفظ بها اجهزة الاستخبارات الغربية تقرير يتحدث عن زيارة قام بها وفد ايراني الى مصنع ألبا للمعادن الثقيلة في كازاخستان المتخصص في صناعة مفاعلات للوقود وأخرى لمواد معدنية تستعمل في مجال الالكترونيات والفضاء وبعض الصناعات الدفاعية الاخرى، كما يملك المصنع المذكور فائضاً من اليورانيوم المشبع يزيد عن 600 كيلوغرام، ربما كان الوفد الايراني المذكور حاول التفاوض لشرائه. واتصلت الادارة الاميركية بالمسؤولين في كازاخستان بعدما علمت بزيارة الوفد الايراني وطالبتهم بمنع اي عملية بيع لطهران، وبعدما اكتشفت الولاياتالمتحدة ان منع ايران من شراء ما تحتاجه من مصنع ألبا ليس سهلاً، تدخلت واشترت المصنع بكامله. التعاون مع روسيا وفي كانون الثاني يناير الماضي ثارت ثائرة البيت الابيض بعدما علم المسؤولون فيه بأن موسكو وقعت اتفاقاً مع ايران لمساعدتها في بناء مفاعل نووي، وطالب الاميركيون موسكو بالغاء العقد بحجة ان طهران لن تتردد في استخدام الخبرة والتكنولوجيا الروسية لتطوير امكاناتها، وان ما تم التوقيع عليه بين البلدين ليس سوى مقدمة لحصول ايران على معلومات ومواد حساسة تساعدها على فصل مادتي البلوتونيوم واليورانيوم المشبعة. وزاد توقيع وزير الطاقة النووية فيكتور ميخالوف ونائب الرئيس الايراني حسن حبيبي ورئيس منظمة الطاقة النووية الايرانية من شكوك واشنطن، بعدما كشف عن توقيع بروتوكول سري بين الطرفين يفسح المجال للتفاوض في شأن مفاعلات جديدة وتطوير حقول لاستخراج اليورانيوم وتدريب علماء ايرانيين في المعاهد الروسية، اضافة الى بناء مركز لفصل الغاز يستعمل لتشبيع اليورانيوم. واحتلت هذه المسألة حيزاً بارزاً في محادثات يلتسن وكلينتون في 10 ايار مايو من العام الماضي في موسكو حيث تراجعت موسكو عن موضوع بناء مركز فصل الغاز، بعدما اعترف يلتسن بأن البروتوكول الموقع يتضمن بنوداً قد تساعد على تصنيع مواد دفاعية، وباستثناء هذا التراجع ظلت بقية بنود البروتوكول سرية، الأمر الذي لا يزال موضع جدل بين موسكووواشنطن. ويخشى الاميركيون ان تكون مساهمة موسكو في البرنامج النووي الايراني، ولو بشكل غير مباشر، الفرصة المتوافرة لايران لتطوير سلاح نووي. وتعود قصة التعاون الروسي - الايراني النووي الى بداية السبعينات عندما وافقت المانيا الغربية على بناء مفاعل يستعمل لتوليد الطاقة في بوشهر التي تبعد 750 كيلومتراً الى الجنوب من طهران. وبدأت المانيا ببناء المفاعل في العام 1974، وبعد نجاح الثورة الايرانية في العام 1979 واندلاع الحرب العراقية - الايرانية في العام 1980، تعرضت اجزاء كبيرة من مفاعل بوشهر لاضرار بسبب قصف عراقي جوي مباشر له، وقد اوقفت المانيا مساعدتها لايران في بناء المفاعل المذكور بسبب شكوك راودتها من النيات الايرانية، ولتعرض بون لضغوط شديدة من جانب الولاياتالمتحدة لوقف هذا التعاون، الأمر الذي دفع الايرانيين للتفاوض مع موسكو طوال سنوات قبل التوصل الى توقيع البروتوكول الاخير الذي قدرت قيمته بحوالى 800 مليون دولار اميركي، وتتعهد موسكو بموجبه باستكمال بناء مفاعل بوشهر لتوليد الطاقة وتزويد ايران بمادة اليورانيوم المشبعة وتدريب خبراء ايرانيين في المعاهد الذرية والمختبرات الروسية. وعلى رغم الاتفاق الموقع بين موسكووطهران، يختلف الخبراء في البلدين على حجم الاستفادة من المعدات الالمانية الموجودة في بوشهر لبناء مفالع قوته ألف ميغاواط روسي يختلف تصميمه عن المفاعل الألماني. ويقدر الخبراء الروس انهم بحاجة الى خمس سنوات لتجهيز المجمع وتأمين المفاعل، مع ان ما بين 100 و150 فنياً ومهندساً روسياً من اصل حوالى 500 بدأوا عملهم هناك. ويسعى المسؤولون الروس لطمأنة زملائهم الغربيين بأن المفاعل الروسي الذي سيتم تزويد طهران به سيخضع لرقابة هيئة التفتيش التابعة لوكالة الطاقة الذرية، وأن موسكو ستعيد الى اراضيها مادة البلوتونيوم، مخافة ان تلجأ طهران الى تحويل بعضها الى مواد تستخدم لأغراض حربية اذا رفضت طهران الخضوع للتفتيش الدولي. العلماء والمال وما تخشاه الولاياتالمتحدة ولم تكشفه هو وجود صلة او تعاون بين البرامج الروسية والبرامج الايرانية من خلال استفادة طهران من الخبراء الروس او الشركات لتطوير برامجها النووية السرية، لا سيما ان روسيا تملك اكبر برنامج لعزل مادة اليورانيوم المشبعة في العالم. وأكثر ما يخشاه المسؤولون الغربيون ان تستغل ايران حاجة الفنيين الروس الى المال في مقابل الخبرات التي يملكونها. ويعرف المسؤولون الروس ابعاد امتلاك ايران السلاح النووي، لكنهم لا يتفقون مع الرأي الغربي بأن دولة مثل ايران تملك احتياطياً هائلاً من الثروة النفطية لا تحتاج لبناء مفاعلات لتوليد الطاقة، في حين يقول المسؤولون الايرانيون ان هذا يساعد ايران التي تملك مخزوناً يكفيها لمدة 70 عاماً على بيع النفط في الاسواق الدولية والحصول على حاجتها من العملة الصعبة. ويقول المسؤولون الروس ان الوكالة الدولية للطاقة النووية لم تتحدث عن مخالفة ايران للقوانين، اضافة الى ان بعض المسؤولين الروس يعتقد بأن ايران دولة مجاورة ومن المهم التعاون معها لمعرفة نيات مسؤوليها من خلال الدخول معهم في برامج مشتركة. وتتهم جهات غربية موسكو بأنها "مستعدة لعمل كل شيء من اجل الحصول على المال" في وقت يعاني فيه اقتصادها من وضع صعب. ويتحدى المسؤولون الايرانيونالولاياتالمتحدة وغيرها من الدول التي تتهم ايران بالسعي لامتلاك السلاح النووي، بتقديم اي دليل على ذلك. وفي مقابلة مع الرئيس هاشمي رفسنجاني قبل فترة، قال انه يتحدى الولاياتالمتحدة ان تأتي بدليل واحد يؤكد امتلاك ايران للسلاح النووي، وحينها ستقبل ايران كل الاتهامات الاخرى، لكن مثل هذه الاقوال لم يمنع وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر من القول استناداً الى معلومات مختلفة، ان ايران بدأت نشاطاً في منتصف الثمانينات للحصول على معلومات ومواد تقنية تساعدها في تطوير برنامجها النووي. وفي الاطار نفسه لم تنفع الاتصالات السرية والعلنية في ثني بون عن المضي في تعاونها مع ايران، ويذهب الألمان خطوة ابعد من موسكو ويقولون ان طهران هي اكثر تعاوناً من كوريا الشمالية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، ولعل هذا ما يفسر حرصهم على الاستمرار في التعاون الذي بدأ بين طهران وبون منذ العام 1979، وبين شركة "كي. دبليو. يو" التي تعتبر واحدة من أبرز شركتين تعملان في الحقل النووي في المانيا، على رغم الاعطال غير القابلة للاصلاح التي اصابت بعض اقسام المفاعل النووي في بوشهر بسبب انعدام الصيانة وتعرضه للقصف الجوي العراقي. وجددت ايران جهودها في المجال النووي في العام 1991 عندما منعت المانيا "كي. دبليو. يو" من استئناف نشاطها في بوشهر، فتدخلت شركة "سيمنز" وهي الشركة الأم ل "كي. دبليو. يو" وعرضت تزويد ايران بمحطة لتوليد الغاز، في حين رفضت فرنسا عرضاً ايرانياً للمشاركة في اشباع مادة اليورانيوم في مقابل تسوية ديونها المستحقة لها على فرنسا. وينفي المسؤولن الالمان ان تكون بلادهم تسعى الى تصدير مفاعلات الى ايران لاسباب تتعلق بالسلامة العامة والامن، وليس لأغراض تتعلق بالسماح للهيئات الدولية باخضاعها للرقابة ام لا، نظراً الى ان منطقة الشرق الاوسط والخليج مهددة باشتعال الحروب فيها فجأة حسب قولهم. ويؤكد المسؤولون الألمان ان مفاعل بوشهر تعرض للقصف الجوي العراقي ثلاث مرات على الاقل. ويرفض كبار المسؤولين في شركة "سيمنز" الألمانية التعليق على تقارير تحدثت عن ضغوط على المسؤولين في الحكومة الألمانية من أجل السماح لهم باكمال بناء مفاعل بوشهر. مفاعل غير مكتمل وتقول مريم اهرنيجاد الباحثة السابقة في مركز دراسات منع انتشار الاسلحة النووية والتي تعمل حالياً في قسم الحد من الاسلحة التابعة للأمم المتحدة، ان الكثير من التقارير الاعلامية تحدث عن قدرات ايران النووية، خصوصاً بعد توقيع البروتوكول الروسي - الايراني لاستكمال بناء مفاعل بوشهر الذي بدأته المانيا، وأبناء اخرى عن عزم الصين بناء مفاعلات اخرى لتوليد الطاقة. ولعل ما يعطي هذه التقارير ابعاداً اخرى هو حديث الولاياتالمتحدة واسرائيل عن برامج سرية تسمح لايران بامتلاك السلاح النووي في غضون السنوات العشر المقبلة، الأمر الذي استبعده خبراء بريطانيون. واستناداً الى تقارير ومعلومات موثقة تقول اهرنيجاد ان مفاعل بوشهر لم يستكمل الجزء الثاني من مفاعل قوته 1300 ميغاواط من قبل شركة "سيمنز" او احدى الشركات المتفرعة عنها إذ توقف مع انتصار الثورة الايرانية، وعاد العمل لاكماله في العام 1984. وتعتبر بوشهر مركزاً لكلية الطاقة النووية التي تولت حتى العام 1992 تخريج 160 فنياً ايرانياً حسب قول فني ألماني، لكن غارة جوية عراقية في العام 1987 دمرت معظم اقسام المفاعل الذي يضم وحدتين منفصلتين، وقد تعرضت اجزاء المفاعل لأضرار جسيمة بسبب تعرضها للحرارة المرتفعة ولقربها من الرياح المشبعة بالأملاح الآتية من الخليج. وقدر الخبراء الألمان الذين زاروا مركز المفاعل الاضرار التي لحقت به بحوالى 4.6 مليار دولار اميركي. وقال محمد صادق آية اللهي ممثل ايران لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية العام الماضي ان ايران انهت بناء 85 في المئة من المفاعل في بوشهر، كما ان نصف المعدات في الوحدة الاولى جرى تركيبه. وقال اللهي ان العمل في مركز ابحاث بوناب للطاقة النووية بدأ، وأن الابحاث ستركز على القضايا الزراعية. وقد نقلت صحيفة "ازفستيا" الروسية عن مسؤول روسي قوله ان المفاعلات الصغيرة تستخدم من قبل الجامعات المحلية للابحاث الزراعية والطبية، وتبعد بوناب عن مدينة تبريز حوالى 80 كلم. وفي الأهواز على نهر كارون تبني الصين، بعد اتفاق مع طهران، مفاعلين في غضون خمس سنوات، قوة الواحد منهما 300 ميغاواط. وتشارك الصين في بناء مفاعلين آخرين في استيغال قوة الواحد منهما 300 ميغاواط. وكان مركز اصفهان التكنولوجي النووي افتتح في العام 1984 بمساعدة فنية من الصين بهدف اجراء ابحاث علمية. ويوجد في اصفهان مركزان يستخدمان لأغراض نووية، واحد كمكب لليورانيوم وآخر للعزل. وذكر خبراء الوكالة الدولية للطاقة النووية بعد زيارة اصفهان في العام 1992 انه لا توجد في المدينة وسائل لانتاج مادة اليورانيوم المشبعة، وان ما يستخرج منها يستعمل لأغراض طبية. وذكرت معلومات ان ايران رصدت حوالى 120 مليون دولار لاجراء ابحاث جيولوجية في منطقة غورجان، وان 18 خبيراً نووياً روسياً يقومون بهذه المهمة. وأكد رئيس سابق للاستخبارات الالمانية نبأ وجود الروس وقال ان 12 خبيراً روسياً كانوا في ايران في مطلع العام 1992. وكانت ايران قد اتفقت في العام 1990 مع الاتحاد السوفياتي قبل انهياره على بناء مفاعلين من نوع "في - 213" و "في في إي آر" 440 ميغاواط، لكن السلطات الروسية رأت في وقت لاحق انها لم تجد المكان المناسب في غورجان فقررت نقلهما الى بوشهر. وفي موعاليم كلايا قالت تقارير ان محطة لعزل مادة اليورانيوم المشبعة اقيمت بمساعدة فنيين باكستانيين وصينيين، وان خبراء الوكالة الدولية للطاقة النووية وجدوا مركزاً للتدريب الفني لموظفي الطاقة النووية الايرانية. واضافة الى مراكز ابحاث وغيرها في جامعة طهران ومصنع لاستخراج اليورانيوم في مقاطعة يزد او مركز للأبحاث في خرج، فإن المعلومات المتوافرة لا تؤكد وجود مواد قابلة للانشطار تتيح لايران دخول نادي الدول النووية او باتت على وشك امتلاك هذا السلاح حسب ما تروج له الاوساط الاميركية والاسرائيلية.