تتداخل القضايا الأمنية وتتشابه في اليمن في أسبابها ونتائجها العامة، ويلعب الماضي دوراً رائداً وعاملاً مؤثراً في تحريك هذه القضايا والمشاكل الأمنية في مختلف مظاهرها سواء الدينية والحزبية والقبلية، إضافة إلى عصابات السرقة والتزوير والمتاجرة بالمخدرات. وتواجه الحكومة اليمنية، ممثلة في وزارة الداخلية وأجهزة الأمن، هذا الواقع بالحملات المباشرة وبالعمل على تطوير وسائلها وبلقاءات التشاور وصيغ التعاون والتنسيق مع الجيران والأشقاء لتعزيز جبهتها الداخلية، ومما يزيد المواجهة صعوبة وجود عناصر مضادة أهمها انتشار السلاح والمتفجرات، الأمر الذي يطرح السؤال عن الطريقة التي تتعامل فيها الأجهزة الأمنية اليمنية مع هذه الجبهة العريضة. هذا السؤال طرحته "الوسط" على المسؤول الأول عن الأمن في اليمن العميد ركن حسين محمد عرب وزير الداخلية في حوار بدأ من نقطة المواجهة الأخيرة مع أحداث المكلا. شهدت أحداث المكلا الشهر الماضي اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين أدت إلى سقوط جرحى وحدوث أضرار مادية. وبصرف النظر عن الأسباب المعروفة، أشرتم في بعض التصريحات إلى أن هناك أطرافاً تدخلت لتصعيد الأحداث. كيف توضحون هذه النقطة؟ - هذه الأحداث رافقها كثير من الالتباس، إذ حاولت بعض القوى السياسية أن تستفيد منها. وللتوضيح أكثر يجب ان نعود إلى بدايتها. فعندما وُجهت تهمة الاغتصاب أمرنا بتسليم القضية للنيابة العامة، وعلى رغم ان النيابة تحققت بأن لا أدلة كافية على الاغتصاب، فقد أصرت على أن تقدم الضباط المتهمين للمحاكمة، باعتبار أنهم مارسوا تجاوزات عندما اعتقلوا النساء الفتاتين اللتين وجهت احداهما تهمة الاغتصاب إلى ضباط من البحث الجنائي للتحقيق معهن. وظهر في القضية نوع من التهويل والزوبعة وحشد الناس إلى المحكمة حيث أنها كلما انعقدت تحصل الفوضى، وعندما نزلنا إلى المكلا لاحظنا ان هذه القوى السياسية تدفع إلى قيام أعمال شغب اثناء التظاهرة، بحيث تتحرك قوات الأمن لإيقاف الشغب فيحصل اطلاق نار وقتلى، لكن قوات الأمن سيطرت على أعصابها على رغم احراق بعض المؤسسات وضبط مسلحين داخل التظاهرة، ونحن أوضحنا ان من حق الناس التعبير عن رأيهم في مسيرة سلمية شرط ان يلتزموا الدستور والقانون ويأخذوا إذناً من الداخلية وأن لا يحملوا أسلحة ولا يمارسوا أعمال شغب. أكد بعض أبناء المكلا أن المسيرة كانت سلمية وأن سقوط جرحى كان نتيجة اطلاق النار على المتظاهرين من قبل قوات الأمن؟ - لكن ما حصل هو ان بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وتم ضبطهم ومع ذلك أطلقناهم، وتأكد لنا أن وراء التظاهرة دفعاً لأعمال عنف وأن هناك من تسلم مبالغ لهذا الغرض، خصوصاً من بعض الطلبة الذين حاولت هذه القوى استغلالهم، لكن الشخصيات والمواطنين في المكلا كانوا ضد الشغب وعملوا بالفعل على أن لا يحصل شيء من هذا. و"العرب الأفغان" ضمن الحملة أقر مجلس الوزراء أخيراً خطة أمنية وضعتها وزارتكم الداخلية، وقبلها كانت هناك خطة تنفذ. كيف تتحدثون عن علاقة هذه بسابقتها وعن أبرز أهدافها؟ - منذ أن جئت إلى وزارة الداخلية، عملت على وضع خطتين أمنيتين، إحداهما خماسبة وتختص بتطوير أجهزة الأمن لتواكب التطورات وتنسجم مع ما هو موجود في البلدان التي سبقتنا، من مؤشراتها مثلاً ان يكون لكل 20 ألف مواطن مركز شرطة ولكل ألف سيارة رجل مرور، وخطة أخرى أمنية ترتكز على الحد الأدنى من القوة والوسائل التي يجب أن تتوافر في مراكز الشرطة في المدن والمحافظات والمديريات، وهذه أقرها مجلس الوزراء وشكل لجنة لدرس المتطلبات اللازمة لتنفيذها. أين وصلتم في الحملة الخاصة بترحيل المقيمين في اليمن بصفة غير مشروعة. وما هو أثرها على عصابات السرقة والتزوير والمخدرات؟ - هذه النقطة من أهم المشاكل التي واجهناها بعد انتهاء الحرب وانتصار الوحدة 7 تموز/ يوليو 1994. وهي مسألة تواجد أعداد كبيرة من العرب وغير العرب المقيمين بطريقة غير شرعية ممن استغلوا الفترة الانتقالية والخلل الأمني خلالها. لذلك بدأنا تطبيق قانون اقامة الأجانب وواجهنا صعوبات في تنفيذه لأن كثيرين من هؤلاء كانوا يشاركون في عصابات سرقة ومخدرات وتزوير وثائق وجوازات ورخص وشهادات وترويج عملات مزيفة وغيرها. ومنذ عام وحتى الآن رحّلنا أكثر من 14 ألف شخص ولا تزال الحملة مستمرة. وكان من نتائجها ان انخفض عدد العصابات وحوادثها، فمثلاً، في شهر تشرين الأول اكتوبر 1994 بلغ المعدل اليومي لعدد السيارات التي تتعرض للسرقة بين 8 و10 سيارات في امانة العاصمة فقط، والآن انخفض هذا المعدل إلى حوالى سيارتين على مستوى اليمن كاملاً. وقبض على مئات من أفراد العصابات وهم الآن في السجون، وللأسف لم يحاكموا حتى الآن، لكن هذا من اختصاص النيابة والقضاء. وكيف تعاملت الحملة مع من يُعرفون ب "العرب الأفغان"؟ - الحملة طبقت من دون التفريق بين شخص وآخر وشملت كل المقيمين بصفة غير شرعية. في البداية ظهرت حملة ضد الحملة من قبل بعض المنظمات الدولية، لماذا؟ - كان ذلك من جانب منظمة اللاجئين الدولية، استناداً إلى تقرير غير صحيح بأننا نرحل اللاجئين الصوماليين النازحين إلى اليمن، وبعدها أكدنا للمنظمة أن حملتنا استهدفت فقط المقيمين بصفة غير شرعية. تفهمت الموضوع واعتذرت عما سلف منها. تقنين سوق السلاح ظهرت الآن في اليمن بدايات حملة جديدة ضد حمل السلاح، فما هي تفاصيل هذه الحملة؟ - حمل السلاح أصبح منتشراً لدينا بكثرة، وإلى جانب ما يسببه من حوادث ومشاكل، فإنه ظاهرة متخلفة نحاول الحد منها عن طريق تطبيق القانون الخاص بحمل السلاح بعد سد الثغرات الموجودة فيه، لمكافحة الظاهرة في المدن أولاً. والغريب أن المشكلة التي نواجهها ليست من المواطنين العاديين، بل من مسؤولين وضباط وشخصيات اجتماعية ومشائخ، ممن يتجولون مع مرافقيهم بالأسلحة ولا يفرقون بين حيازة السلاح وحمله، لأن الترخيص الذي تمنحه وزارة الداخلية لحيازة اقتناء السلاح لا يعني التجول به في كل مكان باستمرار، ولذا فعندما نبدأ بتطبيق القانون ستتم مصادرة السلاح من أي شخص يحمله في المدن. ألا ترون ان هذا القانون أعطى شرعية للمتاجرة بالأسلحة وبالتالي زاد من انتشارها وأوجد أسواقاً خاصة بها؟ - هذه المشكلة نحاول تقنينها على أساس أن لا مانع من أن توجد سوق للسلاح، لكن يجب أن يكون هناك ترخيص يحدد نوع السلاح ورقمه وكل المعلومات عنه، بحيث يُستفاد من هذه المعلومات في تحديد الجريمة التي يتم استخدام السلاح فيها. وفي هذه الحال لا خطورة من وجود السلاح ولسنا في هذا الدولة الوحيدة. اتفاقات التعاون الأمني على الصعيد الخارجي لقضايا الأمن، وقّعت اليمن اتفاقات أمنية مع بعض الدول الشقيقة والمجاورة، فما هي دوافع هذه الاتفاقات وأبعادها؟ - عندنا قناعة بأن الأمن منظومة متكاملة لا يمكن أن تنفصل فيها دولة عن غيرها، خصوصاً من جيرانها والدول التي ترتبط معها بعلاقات خاصة. ومن هنا وقعنا اتفاقية أمنية مع مصر وأخرى مع جيبوتي، وهناك اتفاقية معروضة مع المملكة العربية السعودية وأخرى مع سلطنة عُمان. ولدينا طموح لتوقيع اتفاقات أمنية مع كل الاشقاء والجيران لتنظيم التعاون والتنسيق الأمني وتحديد الإطار الذي يتم من خلاله التعامل في القضايا الأمنية المشتركة. كيف عالجتم مع مصر مشكلة التفريق بين اللاجئين السياسيين وأصحاب القضايا الجنائية في هذه الاتفاقية؟ - نحن في مجلس وزراء الداخلية العرب لم نصل بعد إلى مفهوم محدد ل "من هو الارهابي"، لكننا نقول إن من حق أي دولة أن تعطي حق اللجوء السياسي لمن يريد على أن لا يمارس نشاطاً سياسياً ضد أحد، وهذا هو ما يمكن ان يلتقي حوله الجميع. وأين وصل الاتفاق الأمني مع المملكة العربية السعودية؟ - أصبح جاهزاً للتوقيع. وكانت آخر رسالة عن الموضوع وصلتني عندما كنت في حضرموت في 5 حزيران/ يونيو الماضي، تسلمتها عبر مبعوث خاص من أخي وزميلي سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية. في إطار الأمن الاقليمي، كيف استقبلتم نبأ الانفجار في الخبر، ومن أي زاوية تنظرون إليه؟ - بعد الحادث مباشرة، سارعنا إلى الاتصال بسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز، وعبرنا عن استنكارنا وشجبنا لهذا العمل الارهابي الجبان، ووضعنا كل امكاناتنا في خدمة الأمن في المملكة العربية السعودية الشقيقة، لأننا نعتبر ان ما حدث لا يستهدف الأمن فيها وحدها، بل في المنطقة كلها، وأنه موجه إلى اليمن التي هي جزء من هذه المنطقة، فهو عمل ارهابي يستهدف المنطقة كلها، هذه هي نظرتنا إلى الحدث. تعريف الارهاب وما هي نظرتكم إلى العمل الأمني على المستوى القومي، ومدى قدرته على مواكبة مثل هذه الأحداث؟ - مجلس وزراء الداخلية العرب هو المجلس الوحيد في إطار الجامعة العربية الذي ظل محافظاً على كيانه وعلى العمل لتنفيذ قراراته، والفضل في هذا يعود إلى من بدأوا التأسيس له مستقلاً عن الجامعة العربية، وكان لسمو الأمير نايف دور كبير في هذا. وكما قلت فإنه لم يتم حتى الآن الاتفاق في مجلس وزراء الداخلية العرب على مفهوم محدد للارهاب، ونأمل أن نصل في اجتماع هذا العام، إلى تعريف صحيح وموحد لمسألة الارهاب. ويتم العمل الآن في عدد من المجالات ذات العلاقة بالموضوع، منها مجالات المرور والهجرة والجوازات والأمن العام، فانعقد في الشهر الماضي اجتماع على المستوى القومي للمديرين العامين للمرور واجتماع قبل أسبوعين لرؤساء إدارات الهجرة والجوازات والجنسية، وينعقد في الشهر المقبل اجتماع لقادة الأمن العام. وهذا في تقديري يقرب الفجوة بين الدول العربية ويساعد على الوصول إلى مفاهيم مشتركة. وما تحقق حتى الآن يعتبر جيداً وايجابياً، وإن كان أقل من مستوى الطموح، لكنه كثير إذا ما قورن بما حققته بقية الأجهزة في الإطار العربي.