ماذا يمكن أن يُقال في قمة عربية مقبلة بعد أيام بعد أن اتفقت العرب على ترحيل القضايا الشائكة والمعلقة وحتى المصيرية إلى القمة ما بعد التالية أي في الجزائر العام 2005؟ التعليق الأول والوحيد هو أن هذه "القمة التونسية" انتهت قبل أن تبدأ، وأنه حكم عليها بالفشل مسبقاً وقبل محاولة اغتنام فرصة لقاء الزعماء العرب أو من سيحضر منهم لاستشراف إمكانية تحقيق أي تقدم ولو كان جزئياً أو محدوداً. إن سياسة ترحيل الهموم العربية إلى قمة الجزائر العام المقبل، نوع من أنواع الهزيمة العربية مع الذات في زمن التحولات المصيرية التي تواجه المنطقة. وكنا من المتفائلين عندما توقعنا اثر مداولات وزراء الخارجية العرب وحيال عدم تمكنهم من التفاهم على أوراق مشتركة لتفعيل آلية عمل جهاز الجامعة العربية، أن ترفع الانقسامات والآراء المتعددة إلى قمة تونس المقررة نهاية شهر آذار مارس الجاري. فإذا بالمعلومات الأخرى التي تحدثت عن شحن هذه الخلافات إلى قمة العام المقبل تطغى على اعتبار آخر وتضع منذ الآن القمة العتيدة في الميزان وفي مهب الأحداث والأعاصير الآتية إلى المنطقة. والذي تسنى له مواكبة اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة والتي كانت مقررة للإعداد لجدول أعمال القمة المقبلة خرج بانطباع سيئ عن رداءة الوضع العربي، إذ لم يتمكن الوزراء تقريباً، في الاتفاق على قضية واحدة ترفع إلى القمة بسبب التعارض الواضح بين الوزراء والدول التي يمثلون. وهذه نماذج مما حدث في هذه الاجتماعات. في بداية النقاش تقدمت كل من مصر والمملكة العربية السعودية وسورية بمبادرة مشتركة لتطوير آليات ومنظومة العمل داخل الجامعة العربية. وتكونت المبادرة من تسعة بنود وأربعة ملاحق، وهي: 1 إيجاد الآليات اللازمة للسياسات العربية لتحقيق أهداف ومقاصد ميثاق جامعة الدول العربية. 2 إنشاء الأجهزة والهيئات المعنية بتطوير خطة العمل العربي المشترك والتفاوض في شأن الآليات التنفيذية. 3 الرقابة على تنفيذ الدول الأعضاء لالتزاماتها وتقرير العقوبات المناسبة في حالة عدم تنفيذ تلك الالتزامات. 4 دعم العلاقات البيئية العربية. 5 تنسيق السياسات الأمنية والدفاعية والخارجية. 6 موقف عربي مشترك من المؤسسات الإقليمية والدولية والدول الأخرى. 7 الإسراع في تحقيق التكامل الاقتصادي. 8 إنشاء أجهزة رقابة ومتابعة. 9 الإصلاح الداخلي في كل دولة وفق خصائصها الوطنية. ويتضح من بنود هذه المبادرة أنها يمكن أن تصلح جامعاً مشتركاً بين الوفود العربية على مستوى الحد الأدنى من التضامن العربي. لكن الحساسيات العربية تحركت على الفور، وبدأ إطلاق النار على هذه الأفكار وعلى أصحابها من بعض الأطراف العربية. ودون الخوض في كثير من التفاصيل اختلف الوزراء على كل موضوع طرح للمناقشة وسقط الكثير منها ضحية التناقضات والتباينات العربية المعلومة. وبذلك انقسمت الآراء على العناوين العريضة التالية: مجلس الأمن القومي العربي والبرلمان العربي ومحكمة العدل العربية والمعاهدات الأمنية الموقعة بين بعض دول الخليج والولاياتالمتحدة وبريطانيا سورية اعتبرت ذلك عائقاً كبيراً أمام التضامن العربي فيما ردت الدول المعنية بأن هذه قضية سيادية من حق كل دولة ولا يحق للدول الأخرى إقحام نفسها فيها. وتوزعت آراء الدول على الشكل التالي: دول طالبت بإنهاء هذه الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع الولاياتالمتحدة وإعطاء الأولوية المطلقة لمؤسسات العمل العربي المشترك لتحقيق الأمن العربي الجماعي. دول أخرى طالبت باستمرار العمل في هذه الاتفاقات حتى موعد انتهائها المقرر كونها اتفاقات دولية. ودول رأت أن "هذه اللحظة تاريخية" في حياة الأمة العربية وتطالب باستثمار هذه الخطة من أجل بناء مقومات عربية ناهضة للأمة العربية، ويطالب أصحاب هذا الرأي بضرورة الاعتراف والإقرار بأن هذه الاتفاقات الأمنية والعسكرية مع الولاياتالمتحدة "هي إحدى المشكلات التي أعاقت العمل العربي المشترك سابقاً، وأن استمرارها لا بُد وأن يفشل كل مشروع عربي طموح من أجل التعاون والاستقلال والعمل المشترك". إذن... هذه هي حال الأمة قبل أيام من انعقاد القمة. وحتى الآن لم تنل "قضية العرب الأولى والمركزية" النصيب الطبيعي من التداول والنقاش، خصوصاً في هذه الفترة التي يتعرض فيها الفلسطينيون بمفردهم وبشكل يومي ومتواصل إلى ما يشبه الإبادة الجماعية. فهل اكتفى العرب بدور إحصاء الشهداء والضحايا فحسب؟ حتى التنديد والاستنكار للممارسات الإسرائيلية سقط أخيراً من قاموس التداول العربي. وأقصى أمنيات الرئيس ياسر عرفات أن يضع الزعماء العرب قمة تونس قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على جدول أعمالهم! على أن قضية الساعة ضمن القضية الفلسطينية الكُبرى هي مسألة انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة من جانب واحد في وقت لم يعد بعيداً. وعن هذا الموضوع، هناك كلام أساسي يجب التوقف عنده. إن أي انسحاب إسرائيلي من أي شبر فلسطيني مرحب به بالتأكيد. لكن في شأن الانسحاب من قطاع غزة، ثمة الخشية أن يكون في هذه الخطوة العودة إلى مشاريع قديمة ومنها "غزة أولاً" ونقطة على السطر. أي غزة أولاً... وأخيراً! ثم أن ارييل شارون يود الانسحاب من غزة لأسباب وموجبات إسرائيلية أولاً قبل أن تكون خدمة مجانية للفلسطينيين. لأنه يعلم أن غزة قد تكون المطب الذي لا يريد شارون لجنوده أن يغرقوا فيه، لذا عمد في الأيام الأخيرة خاصة إلى تكثيف وتصعيد الهجمات على الفلسطينيين في المخيمات المحيطة بالقطاع كي يُبرر انسحابه المرتقب ويغطي "هزيمة الانسحاب" بالمجازر المريعة التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية يومياً. وثمة معلومات موثوق بها عن الزيارة التي قام بها اللواء عمر سليمان لرام الله واجتماعه بياسر عرفات ومناقشة خطوات ومراحل ما بعد الانسحاب. تؤكد هذه المعلومات أن وفداً أمنياً رفيع المستوى رافق سليمان إلى رام الله وناقش مع قادة أجهزة الأمن الفلسطينية "خطة أمنية محكمة" لتطبيقها في غزة عقب الانسحاب الإسرائيلي المزعوم. وتتكون الخطة من مراحل عدة وتطبق بشكل تدريجي خلال خمسة أسابيع حتى تستقر الأوضاع يجري خلالها تفعيل خطوات أمنية على الأرض، وأن مجلس الأمن القومي الفلسطيني هو الذي سيكون مسؤولاً بشكل مباشر عن تطبيق هذه الخطة بشكل متزامن في بعض مناطق الضفة مع النظر إلى طبيعة الأوضاع الاستثنائية القائمة حالياً في مناطق الضفة الغربية. ويندرج سياق الخطة وفق التسلسل التالي: في الأسبوع الأول: تقوم السلطة الفلسطينية أو المجلس التشريعي بالدعوة إلى عقد مؤتمر موسع في غزة برئاسة كل من رئيسي المجلس والحكومة، ويحضره جميع النواب والمحافظين وأعضاء لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، ووجهاء العائلات في غزة، إضافة إلى عدد من علماء الدين ورؤساء النقابات والاتحادات المهنية وشخصيات عامة. ومن المقرر أن يجدد المؤتمر مبايعة القيادة التاريخية والمنتخبة وتأكيد وحدة السلطة. وتصدر عن المؤتمر وثيقة تدعو المواطنين إلى التزام تام بأحكام القانون وعدم خرقه بأي شكل من الأشكال، والحفاظ على مكتسبات الشعب الفلسطيني، ووقف التدهور نحو الفوضى والاقتتال الداخلي. يصدر عن المؤتمر وثائق من المجلس التشريعي والقوى الوطنية والإسلامية ووجهاء قطاع غزة ورجال الدين ورؤساء والنقابات على أن يتم البدء بحملة إعلامية كبيرة فور انتهاء المؤتمر للحديث عنه ودعوة المواطنين إلى التزام القانون والنظام العام، على أن يتم نشر الإعلانات بطريقة متخصصة بحيث يخصص لكل قضية إعلان أو أكثر. تبدأ السلطة بعد أسبوع من الحملة الدعائية في تطبيق سلسة من الإجراءات بشكل متدرج هدفها بسط النظام العام وتكريس سلطة القانون. في الأسبوع الثاني: تبدأ الأجهزة الأمنية بتسيير دوريات في الطرقات والشوارع وفق النظام نفسه الذي كان معمولاً به سابقاً... حيث تنتشر أجهزة الأمن في الشوارع، بحسب خطة لتقسيم المدن إلى قطاعات وتكليف كل جهاز بالانتشار في قطاع معين وتسيير الدوريات فيه على أن تقدم الدوريات المساعدة لدوريات الشرطة. تقوم السلطة بنشر عناصر أمنية على مداخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، ولا تتدخل في عملها وإنما تكون مهمتها تحقيق الأمن ومنع اقتحام الوزارات والمؤسسات من الخارجين على القانون. تنظم الشرطة حملة واسعة لضبط السير في الشوارع من خلال أشكال عدة، كتسيير دوريات شرطة ثابتة ومتحركة في الشارع وإيقاف ومحاسبة المخالفين. تشكيل لجنة برلمانية برئاسة النائب الأول للمجلس التشريعي وعضوية رئيس لجنة الداخلية والأمن في التشريعي إلى جانب ثلاثة أعضاء آخرين من التشريعي تكون مهمتها استقبال شكاوى المواطنين الذين يتعرضون لأعمال مخالفة للقانون ويقدمون بلاغات إلى الشرطة ولا يتم الاستجابة لها، وسيكون من بين مهام اللجنة متابعة شكاوي المواطنين قدر الإمكان مع الجهات المعنية. كما تدعو الخطة إلى تشكيل لجنة في كل محافظة برئاسة المحافظ وعضوية رؤساء البلديات والمجالس المحلية التابعة للمحافظة وقادة أجهزة الأمن وتكون مهمتها متابعة كل القضايا ورفع التقارير إلى مجلس الأمن القومي أحياناً إلى غرفة العمليات الأمنية الفرعية بغزة. في الأسبوع الثالث: تباشر قوات الشرطة حملة أمنية موسعة تستهدف هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بسرقة المياه أو الكهرباء، والذين لا يسددون فواتير تلك الخدمات، على أن يكون وفقاً لترتيب الوضع الاجتماعي، ويتم الاستمرار في كل الإجراءات الواردة في الأسبوع الثاني وفي الحملة الدعائية مع التركيز على موضوع المياه والكهرباء تحديداً باعتبارهما من الموارد المهمة لتوفير الدعم المالي للسلطة. في الأسبوع الرابع: تبدأ الشرطة في الأسبوع الرابع بحملة كبيرة ضد الخارجين على القانون والمتهمين بقضايا ذات طابع جنائي على أن يتم الاستمرار في مواصلة الحملة الدعائية، مع التركيز على محاربة الخارجين على القانون وعدم تقديم الحماية لهم بأي صورة. في الأسبوع الخامس: تعلن السلطة عدم قانونية حمل السلاح في الشوارع والأماكن العامة والأسواق، إلا لعناصر أجهزة الأمن الرسمية. ويطلب من الفصائل والتنظيمات دعم هذا القرار والتعاون في تنفيذه، وهو ما يعني تسليم أسلحتها. تبدأ السلطة بعد ذلك بتوقيف الأشخاص الذين لا ينصاعون لقانون عدم حمل السلاح في المناطق العامة، ولا تتعارض الخطة مع أية اتفاقات سابقة أو مستقبلية ولا تتعارض مع أي خطط أمنية مقدمة للسلطة الفلسطينية، وتؤكد الاستمرار في عمل الأجهزة الأمنية المعتاد وتعزيز قدرات جمع المعلومات الاستخبارية لأي إجراءات تعتزم السلطة اتخاذها، فضلاً عن قيام وزارتي التخطيط والخارجية بشرح الخطة وتوفير الدعم المالي لتنفيذها على الأرض. تجدر الإشارة إلى أن الخطة سبق عرضها في اجتماعين منفصلين ضما نواب غزة في المجلس التشريعي وممثلي الفصائل الوطنية وجرى خلالهما نقاش آليات الخطة وضمان نجاحها. وتغيب ممثلو حركتي "المقاومة الإسلامية" حماس و"الجهاد الإسلامي" عن الاجتماع، كما شارك من أجهزة الأمن كل من رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطيني اللواء أمين الهنيدي والمدير العام للأمن العام اللواء عبدالرزاق المجايدة ومدير عام الشرطة اللواء غازي الجبالي ومدير الأمن الوقائي في قطاع غزة العقيد رشيد أبو شباك. واستناداً إلى مصادر فلسطينية أن كل الفصائل المقاومة وافقت على وقف عملياتها والتجرد من الأسلحة، إذا انسحبت إسرائيل من كل المناطق في قطاع غزة. إلا أن السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس عرفات، أصرت على التعامل مع قطاع غزةوالضفة الغربية كوحدة واحدة. وأن يتم الانسحاب من القطاع وأيضاً من الضفة الغربية، ولو جزئياً في هذه المرحلة. وبالإضافة إلى ذلك يجري الحديث عن استقدام قوات دولية محدودة العدد معظمها من القوات الأميركية تشكل عامل فاصل بين الأطراف المتنازعة. ورغم كل التصريحات الصادرة عن مصر بنفي القيام بأي دور، فإن معلومات أخرى تؤكد أن مصر ستدعى إلى دور ضابط للأمن على الحدود في الفترة الأولى ومن غير المستبعد أن تشارك قوات مصرية في وقت لاحق مع أطراف أخرى إذا دعت ضرورات الأمن. يبقى سؤال اليوم والغد وبعد الغد: كيف حال الأمة عشية القمة؟ العرب منشغلون بالبحث والاختلاف على جنس وجنسية التغيير الآتي إلى المنطقة: هل هو من صنع محلي أو مستورد بدلاً التركيز على طبائع ونوعيات مثل هذا التغيير والتطوير. * كاتب لبناني.