مرت الأشهر من دون ان تنعقد القمة المغاربية المتوقعة التي ظهرت بارقة أمل لانعقادها في مطلع الربيع الماضي، من دون ان يتحول ذلك الأمل الى واقع فيما استمرت العلاقات المغاربية - المغاربية في التدهور. ومر عامان ونصف عام على انعقاد آخر قمة في تونس انتقلت الرئاسة بعدها الى الجزائر على أساس عقد القمة اللاحقة في أوائل كانون الثاني يناير 1995 في المغرب، بعدما كانت ليبيا رفضت قبول الرئاسة، احجاجا من العقيد معمر القذافي على ما اعتبره "موقفاً متخاذلاً" إزاء ما تتعرض له ليبيا من حظر دولي. وطرأت تحولات في الأثناء جعلت الحكومة المغربية تجمد مشاركتها في العمل المغاربي المشترك وتطلب وقفه موقتاً احتجاجا على ما اعتبرته "موقفاً جزائرياً معادياً على علاقة بقضية الصحراء الغربية". وبقيت العاصمة التونسية التي يتحدر منها الأمين العام محمد عمامو والذي يوجد مقره في الرباط، الوحيدة الساعية الى التجاوز والى احياء "ميثاق مراكش" ودفع العمل المغاربي المشترك الذي انطلق قبل 8 سنوات في قمة رؤساء الدول المغاربية الخمس، المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريتانيا، فيما يبدو ان الخلافات الحادة بين الجزائروالرباط صرفت العاصمتين بالكامل عن مواصلة طريق التنسيق والتكامل اضافة الى ان الجزائر التي تشكو من وضع داخلي واقتصادي صعب ليس العمل المغاربي الموحد من أولوياتها، خصوصاً أنها تتمنى أن يتم وهي في موقع قوة لضمان تأثيرها في المسار لا بقائها على هامشه. أما طرابلس المنشغلة بأوضاعها الداخلية المتأزمة نتيجة تحركات الاسلاميين وتدهور الأوضاع الاقتصادية والحظر الدولي المستمر، فانها لم تنخرط في العمل المغاربي المشترك الا على أمل أن يكون مدخلاً للوحدة العربية الشاملة التي لا يزال النظام الليبي يرى أنها لا يمكن الا أن تكون سياسية واندماجية قفزاً فوق واقع اقليمي ودولي غير ملائم، من دون استخلاص العبرة من التجارب العربية السابقة ولا التجارب الدولية. ومن هنا فإن حماس طرابلس لاستضافة لقمة وتولي الرئاسة التي رفضتها قبل سنتين وبضعة أشهر ينطلق من الرغبة في ضم مصر الى النادي المغاربي على أساس ان القاهرة عبرت عن رغبتها في ذلك الانضمام، وهو أمر ترك القرار فيه لقمة ما فتئت تتأجل مرة بعد مرة الى حد أنها لم تعد واردة على الأقل في المستقبل المنظور، ولم يعد الحديث عنها قائماً نظراً الى أهمية الخلافات التي تشق الصف المغاربي. حملات دورية ففيما عدا الخلاف المغربي - الجزائري لم يعد خافياً أن العلاقات التونسية - المغربية ليست في أحسن أحوالها، فالحملات الصحافية أصبحت دورية بين البلدين وتبلغ أحياناً حدة فعلية، وإذ تتولاها عادة، هنا وهناك، صحف معارضة أو مستقلة فإن كلا من الطرفين الرسميين يرى أصابع الحكومة الأخرى واضحة في تلك الحملات. وتبرز هذه الحملات شعوراً متبادلاً بأن الطرف الآخر لا ينظر اليه نظرة طبيعية. أما العلاقات بين الرباطوالجزائروتونس من جهة وطرابلس من جهة أخرى فهي في مد وجزر، فالحدود مع تونس تفتح مرة لتغلق في فترة موالية من دون أن يعرف السبب، وتتبع فترات الحرارة فترات برود أو هجومات تبدأ وتنتهي بلا سبب من وجهة نظر العواصم المغاربية الأخرى، فيما ان قبلة الاهتمام الرسمي الليبي تبدو متجهة نحو القاهرة الطرف الذي تنسق معه طرابلس من دون حدود. وتبدو موريتانيا بعيدة جداً وهي إذا كانت مهتمة بانتمائها المغاربي والعربي فإن عمقها الافريقي له جاذبية خاصة قوية، كما ان الوضع المغاربي ليس مشجعاً مطلقاً. وعلى رغم مرور 8 سنوات على قيام اتحاد دول المغرب العربي فإن وضع المبادلات لم يتحسن ولا يتجاوز حجم التجارة البينية بين البلدان المغاربية الخمسة 10 في المئة من جملة مبادلاتها، وهو طبعاً أفضل من نسبة 3 في المئة التي تمثل حجم التبادل البيني العربي وال 1 في المئة من حجم التبادل البيني الافريقي، لكنه يبقى ضعيفاً جداً باعتبار الامكانات المتاحة الحقيقية للمبادلات حيث لا زالت أجهزة التجارة الخارجية تفضل الاستيراد والتصدير من والى أوروبا التي تمثل حوالي ثلثي المبادلات الخارجية لكل الدول المغاربية. حواجز الرساميل ولم يتحقق انسياب الرساميل بين الأقطار المغاربية، كما أخذت توضع حواجز لم تكن موجودة أمام انسياب الأشخاص. وعاد العمل بالتأشيرة بين معظم الدول المغاربية ولو أن الأجهزة المشتركة لا تزال تعقد اجتماعاتها باستثناء الرباط التي أخذت تقاطعها منذ الرسالة التي وجهها أواخر العام الماضي رئيس الحكومة وزير الخارجية المغربي الدكتور عبداللطيف الفيلالي، الى وزير الخارجية الجزائري بوصفه الرئيس الحالي لمجلس وزراء خارجية دول المغرب العربي يطلب فيها تجميد العمل المغاربي المشترك بسبب مواقف جزائرية من قضية الصحراء اعتبرت مضادة وعدائية للمغرب. وكانت الجزائر التي غابت طويلاً عن ساحة السياسة الدولية بسبب وضعها الداخلي قد عادت بقوة بعد حصول انفراج فيها للعب دور نشيط في المنطقة، وتحركت تجاه قضية الصحراء التي أجهضت مساعي قيام استفتاء فيها مما أثار السلطات المغربية وأدى الى تدهور في علاقات البلدين. وفي غياب أي تنسيق مغاربي فإن الأقطار المركزية الثلاثة، المغرب والجزائروتونس، أخذت تتجه توجهات أخرى جديدة. فالجزائر عادت بقوة الى المحيط الافريقي الذي وقف معها بقوة في قضية الصحراء الأمر الذي أدى بالمغرب الى تجميد عضويته في منظمة الوحدة الافريقية، إثر قبول حكومة الجمهورية الصحراوية فيها كعضو كامل الحقوق. وفي الفترة الأخيرة نالت الجزائر دعماً كبيراً من خلال موقف رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا المؤيد لوجهة النظر الجزائرية في شأن الصحراء، وهو موقف مهم نظراً الى ما يتمتع به مانديلا من احترام نتيجة كفاحه الطويل. خصوصيات المغرب أما المغرب فإنه يعتبر أن مجاله الطبيعي هو المجال العربي الاسلامي، فالملك الحسن الثاني هو رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الاسلامي، ولذلك شعرت الرباط بخيبة أمل بسبب عدم مشاركتها في القمة الثلاثية التحضيرية لقمة القاهرة الأخيرة. وهناك شعور معلن بأن المغرب كان لا بد أن يوضع له اعتبار خاص فلا يدعى الى قمة القاهرة كأي طرف من الأطراف غير الفاعلة. لكن الاعتقاد السائد في العواصم المغاربية هو أن المغرب سيواصل التحرك في هذا الاتجاه للحصول على موقع متميز على الساحة العربية الاسلامية. ومن جهتها فإن تونس التي ليست لها مشاكل خارجية من أي نوع ومع أي طرف، سواء على الساحة العربية أو الافريقية، تنوي تعميق سياستها في اتجاه واقعي يقتضي ربط علاقات متميزة لها أهميتها على الصعيد الاقليمي والدولي. فقد كانت قمة القاهرة تتويجاً لمسعى استمر أشهراً عدة. وبعد البرود الذي أصاب العلاقات التونسية - المصرية أثناء القمة الافريقية التي انعقدت في تونس قبل عامين، وعلى اثر ما حصل من اهتزاز فيها نتيجة خلاف الأجهزة الأمنية للبلدين على حراسة أمن الرئيس حسني مبارك لدى وجوده في تونس، وهو أمر كاد أن يثني الرئيس المصري عن البقاء، لكنه فضل تولي تسليم مقاليد رئاسة المنظمة الافريقية للرئيس زين العابدين بن علي ثم مغادرة البلاد على عجل، أخذ الدفء يدب الى تلك العلاقات بحيث عادت الأمور الى مجاريها ووصل الأمر الى حد أن الرئيس مبارك في قمة القاهرة الأخيرة أسند الكلمة الأولى في الجلسات العمومية الى الرئيس بن علي الذي رد التحية بمثلها. ويعتقد عموماً بأن مصر في حاجة الى علاقات متميزة مع تونس وهي التي تنظر بعين مفتوحة الى هذه المنطقة المغاربية وتسعى الى الانضمام اليها، وهي تعرف أن تونس هي الأنشط على الساحة المغاربية وبالتالي يحسن وقوفها الى جانب مصر في الوقت المناسب، خصوصاً أن بين سياسات البلدين أوجه تشابه والتقاء، ومنها قيام سياسات البلدين على ثوابت واضحة ومتقاربة. ومن جهتها تدرك تونس ان مصر استراتيجياً تمثل عمقاً لا غنى عنه في أي احتمالات ممكنة. ويذكر المراقبون في تونس أنه على رغم ان العلاقات كانت مقطوعة بين تونس ومصر في سنة 1961 في عهد الرئيسين جمال عبدالناصر والحبيب بورقيبة، فإن القاهرة أعدت العدة لمساعدة تونس أثناء حرب تحرير مدينة بنزرت من الفرنسيين. كما يذكر أنه على إثر احداث مدينة قفصةالتونسية سنة 1980 عندما حصلت محاولة زعزعة الاستقرار في تونس بواسطة كوماندوس مسلح من قبل الحكومة الليبية قادم من الجزائر، أعربت مصر عن كامل استعدادها لمساعدة تونس على رغم ان علاقات البلدين كانت مقطوعة إثر قرار مؤتمر قمة بغداد. وفي ما عدا هذا فإن العلاقات التجارية والثقافية التونسية - المصرية كانت تقليدياً واسعة النطاق، وأنها تعد مثلاً يحتذى سواء بالنسبة الى المنطقة المغاربية أو بالنسبة الى المنطقة العربية عموماً، وسواء كان الأمر في فترات العلاقات الطبيعية أو عند الاختلاف فإن المبادلات لم تتأثر كثيراً وتيارات التواصل لم تنقطع قط.