ماذا نقول في الديك سوى انه ديك؟ العرب وصفت الصفاء بعين الديك، والشاعر قال "قد زرتنا مرة في الدهر واحدة/ ثني ولا تجعليها بيضة الديك"، فقد كانوا قديماً يعتقدون ان الديك يبيض مرة في السنة. الديك لا يبيض، والا ما استحق اسمه، ولعل طموح كل رجل ان يكون ديكاً، أو ما يعادل الديك. ولا تقتصر الرغبة على "خدمة" الدجاجات، أو ما يعادل الدجاجات عند البشر، بل على المشية المختالة، والصدر العريض والصوت الرخيم. شخصياً، لم يعد عندي طموح أن أصبح ديكاً، فكل طموحي الا يعتبرني الناس فرخة يسهل نتفها. ولكن تذكرت أيام كنا ديكة بلدية وأنا أقرأ قبل أسبوع خبراً خلاصته ان محكمة لوزان الفدرالية، وهي أعلى هيئة قضائية في سويسرا، منعت ديكاً من الخروج من "القن" بين الساعة الثانية بعد الظهر، بالتوقيت المحلي، وحتى السابعة صباحاً، لأن الجيران احتجوا رسمياً، فصوت الديك الجاني يوقظهم في الخامسة من كل صباح. وكانت محكمة البداية أيدت شكوى الجيران، واستأنف أصحاب الديك حتى وصلت القضية الى أعلى محكمة، فثبتت الحكم الأولي، ومنعت الديك من الخروج الى المزرعة مع دجاجاته الثلاث قبل السابعة صباحاً. هل كان الديك السويسري من النوع العصبي القلق القليل النوم، او ان البشر هم الذين غيروا عادته حتى لم يعد يعرف الساعة، فيوقظ الناس قبل طلوع الضوء؟ السؤال له سبب، ويعود الى قصة للمرحوم سعيد فريحة مع ديك الحي، مع انني أذكر من أيام لبنان ان أشهر ديك كان ديك جريدة "النهار" الذي اختاره جبران تويني تيمناً، فتصدر جريدته مع كل مطلع شمس، بموافقة ديك الحي. عميد دار "الصياد" اقلقه ديك الجيران في الحازمية، فقد كان يصحو الديك لا أبو عصام قبل طلوع الفجر، ويصيح بصوت منكر تحت نافذة مكتب الاستاذ ويفسد عليه الهدوء ويبدو ان ديك الحازمية اجتمع مع ديك وينترتور، من أعمال كانتون زوريخ، في اختلاط الأمور عليه بسبب الأنوار الكهربائية التي جعلته يعتقد ان الشمس اشرقت قبل اشراقها فعلاً. وطلب الاستاذ من نسيبه فؤاد متري، وكان موظفاً في الأمن العام، ان يتدبر الأمر. واقترح فؤاد على الجيران بيع الديك له، فرفضوا لأنه يقود 50 دجاجة. واقترح فؤاد بعد ذلك ان يدفع عميد دار "الصياد" ثمناً مضاعفاً له في مقابل ان ينتهي وليمة على مائدته، ورفض الجيران بعناد. واستنجد سعيد فريحة في جعبته المشهورة بالحكومة، واعتبرها مسؤولة عن الضجيج في الحي، وقال ان الديك هذا مسؤول عن نزوح الناس من منازلهم وشققهم في الحازمية الى اماكن أكثر هدوءاً ويبدو ان الديك سبق الميليشيات كلها الى تهجير الناس، وكانت وسائله مجرد قنابل صوتية. وخسر سعيد فريحة المواجهة مع ديك الحازمية، مع انه ربح معارك صحافية مشهورة في لبنان، ومن المحيط الى الخليج. وان كان له من عزاء فهو ان حكومة فرنسا نفسها هزمت أمام ديكة "رواسي"، فبعد بناء مطار شارل ديغول هناك احتجت الديكة، أو أصحابها على وجه الدقة، من ازعاج الطائرات التي قطعت شهية الديكة، وأوقفت الدجاجات عن البيض، وكان ان الحكومة الفرنسية نقلت مزرعة تفريخ الدجاج على نفقتها الى منطقة لا يزعجها فيها ازيز الطائرات. وأعود الى ما بدأت به، فكل انسان منا يعتقد نفسه ديكاً، وهو في الواقع لم يكن ديكاً عندما كان شاباً، ولا يعقل ان يصبح ديكاً، وزوجته لم تعد فرخة.، وأهم من هذا كله انه ديك من دون حقوق، ففي الغرب هناك من ينتصر لديك وحقوقه، ونحن لا نزال نطالب بحقوق البشر.