من "صح النوم" الى "حمام الهنا" ومن "ملح وسكر" الى "مقالب غوار" ومن "ضيعة تشرين" الى "صانع المطر" مروراً ب "غربة" و"كاسك يا وطن" وصولاً الى أفلام مثل "التقرير" و"الحدود"، كانت رحلة دريد لحام مع الفن طويلة، شاقة احياناً ممتعة في أحيان اخرى. وأخيراً، لمناسبة عودة دريد الى التلفزة، بعد ندرة حضوره السينمائي واعتزاله المسرح، حاولت "الوسط" ان ترسم مسيرته، من خلال حوار مطول معه وان ترسم سيرته الفكرية على مدى ثلاث حلقات هنا الحلقة الثالثة والأخيرة منها. بدءاً من ربيع هذا العام صار هناك خطر جديد يهدد شخصية غوار التاريخية التي ارتبطت باسم دريد لحام وارتبط بها. هذا الخطر يحمل اسم "أبو الهنا"، الشخصية الجديدة التي لعبها دريد في المسلسل الذي عرض خلال رمضان المنصرم واعادته الى الاضواء ليحتل من جديد موقعاً متقدماً بين كبار النجوم العرب. من هو أبو الهنا؟ وما هي علاقة دريد به؟ هذان السؤالان اجاب عنهما دريد في كلمة قدم بها للمسلسل وجاء فيها: "عندما قرأت احلام أبو الهنا للمرة الاولى، احسست بالغيرة من الكاتبين حكم البابا وسلمى كركوتلي، لقدرتهما على اقتناص احداث يومية كثيراً ما نعيشها أو نراها ولا نتوقف عندها، او شخصيات حولنا نتعامل معها من دون ان تلفت نظرنا بطريقة سلوكها أو اخلاقياتها. شعرت بالغيرة من الكاتبين لأناقة وصدق الحس الشعبي الذي كُتب به المسلسل ومفرداته التي اصبحت تاريخاً محبباً لأنها كثيراً ما استعملناها ونحن صغار ونسيناها في الكبر. احلام أبو الهنا صغيرة لكنها ليست خاصة، وكانت ستنتابني موجة من غيرة قاتلة لو ان احداً غيري جسد هذه الشخصية التي عشقتها والتي اتمنى ان أعيد الكرة معها في عمل آخر، او احلام جديدة مع مجموعة تشاجرت معها حيناً وعانقتها احياناً، واحببتها كل الحب". الذين شاهدوا مسلسل أبو الهنا، وهم كثر، اجمعوا على نجاحه وعلى ان دريد لحام بدا فيه، كعادته، متألقاً وكأن الرجل قد صمم على ان تكون عودته هذه بداية مرحلة جديدة في حياته. ونحن في "الوسط" حين التقيناه في دمشق وكان انتهى لتوه من تصوير هذا المسلسل، كان في علمنا ان دريد لحام عازم على العودة الى "غوار" على ضوء التفاعل الذي سيكون للناس مع شخصية أبو الهنا، ومن هنا تركز بعض الاسئلة حول عودة غوار، التي يبدو الآن انها لن تتم كما كان مأمولاً. المهم ان اجابات دريد عن اسئلتنا في هذا الصدد كانت صريحة واحياناً في غاية الديبلوماسية. وهنا الاسئلة والاجوبة الاخيرة في هذه الرحلة التي قمنا بها في حياة وأفكار فنان لا يكف عن العطاء والنجاح منذ اكثر من ثلاثة عقود. يبدو لي من خلال حديثك ان "هزيمة حزيران" ثم "انتصار تشرين" كانا في خلفية المسرح الذي انتجته بنجاح منذ "ضيعة تشرين" وحتى اعتزالك المسرح. - لنقل انه نبع لدي من خلال ذلك الاحساس الذي تكوَّن عندي وكان هو هو احساس كل الشباب العرب في ذلك الحين، وأنا حين عبرت عن احساسي انما كنت اعبر عن احساس الجميع في الوقت نفسه. في البداية كان الجمهور هو الذي يكتشفك، سواء أكان ذلك في سورية، أو في بقية البلدان العربية. ولكن مع "ضيعة تشرين" التي تجولت بها في مدن عربية عديدة كنت انت الذي يكتشف الجمهور هذه المرة. هل فوجئت باستقبال الجمهور لك كفنان عربي؟ - فوجئت، أجل. ولكن هنا لي ملاحظة تتعلق بكيف يمكن للمرء ان يكتب، او ينتج عملاً عربياً. فالحال انه ليس من الضروري لمن يريد ان يصنع عملاً عربياً ان يذهب ليرى بعينيه ماذا يحدث في الرباط أو في بغداد أو اليمن. يكفي ان ترى ماذا يحدث في أي متر مربع في أي شارع عربي حتى تدرك ماذا يحدث في طول الوطن العربي وعرضه. الامر مثل تحليل الدم تماماً، حسب المحلل ان ينتزع نقطة من اصبع المريض حتى يحللها ويفهم حالة الجسم ككل. ان أي رصد مجرد لأي شارع أو لأي رصيف عربي أو للحياة في أي بيت، يكفي لتبين ما يحدث في كل الشوارع والبيوت. لذا أقول لك انك كلما كنت اكثر محلية واكثر سفراً في بيئتك ومحليتك، كلما كنت اكثر عروبة وشمولية. في السبعينات والثمانينات صرت مسرحياً كبيراً ومعروفاً وراحت شخصياتك المسرحية تطغى على شخصية غوار. ووصل ذلك الطغيان الى ذروته في فيلمين لك على الأقل "الحدود" و"التقرير" حيث عالجت في الأول مشكلة الحدود والهوية العربية والثاني قضايا العدالة الاجتماعية والقيم والبيروقراطية، بعد ذلك كان نوع من الهدوء. أما الآن فثمة رغبة لديك في العودة الى غوار... لماذا؟ - لأني أحب غوار. غوار احبه كثيراً وأخاف عليه. أولاً، لأنني اذا كنت حققت في الماضي انتشاراً في الوطن العربي وارتبطت بعلاقة وثيقة مع المتفرجين العرب فان ذلك كان بفضل هذه الشخصية الساحرة. فلنقل اني خبأت الشخصية زمناً لخوفي عليها. مهما يكن فان كل ما عالجته بعد العام 1973 لم تكن له علاقة بأفكار غوار، من هنا كان اقحامه لو اقحمناه، سيسيء اليه واليّ. اذكر لك اننا حين كتبنا "الحدود" تناقشنا طويلاً حول ما اذا كان من الضروري ان يسند الدور الرئيسي لشخصية غوار، ووصلنا الى نتيجة مفادها انه لو لعب غوار الدور فستصبح القضية خاصة به. ولما كانت الحادثة التي يقوم عليها الفيلم عامة يمكن ان تحدث لطبيب أو عامل أو مثقف، قررنا ان يغيّب غوار. أنا أحب غوار كما يحبه الناس وأطالب به كما يفعلون. الهذا تفكر باعادته الآن؟ - نعم... على رغم علمي بأن المشروع قد لا يرى النور. لو عاد غوار، هل يعود بسبب الحنين اليه، أم بسبب حاجة مجتمعنا اليه اليوم؟ - بكل صراحة، قد يكون الحنين موجوداً. لكن الأهم منه حاجة مجتمعنا الى غوار. اننا نحتاج اليه لاننا بتنا بحاجة الى ضمير يوقظنا. فنحن الآن نعيش حياة يومية نعتاد فيها على كل شيء، على الغلط وعلى الغلاء، وعلى الفساد، اننا نتعايش مع كل شيء. مثلاً حين يرتفع ثمن سلعة اليوم بنسبة مئة في المئة لم يعد الأمر يدهش أحداً. في الماضي حين كان ثمن كيلو الخبز يرتفع قرشين كانت الثورة تندلع. نحن اليوم بحاجة الى عين تراقب من دون ان تكون اعتادت التعايش مع مثل هذه الامور. اذن، مهمة غوار ان يأتي من الذاكرة ليراقب مساوئ الحاضر... - بالضبط. يأتي غوار بعد عشرين سنة فتفاجئه التغيرات الجديدة فيدهش ويصبح عنده هاجس الدعوة الى العدالة الاجتماعية. اذا نظرنا اليوم الى الواقع العربي في ابعاده المتعددة السيئة، يمكننا ان نتوقف عند الواقع الفني، ونسألك، انت كفنان مناضل منذ ثلاثين سنة وأكثر عن طريق الفن، تنتج اعمالاً، ملتزمة او ترفيهية، عندما تنظر الى انواع الفنون في أيامنا هذه، كيف ترى الامور كناقد وكفنان وكمواطن؟ - أنا، بكل بساطة، أقول ان الحضارة لا تتجزأ. لا يمكنك ان تجد شعباً متقدماً في صناعة الساعات ثم لا يحترم عمله. الحضارة تمشي خطاً واحداً وكلاً واحداً. يعني لكي تعرف اخلاق شعب لا يكفي ان تراقبه في أي مدينة من المدن وفي أي شارع، لأنك على هذا النحو سوف لن ترى الا ظواهر الأمور. والفن ينطبق عليه القول نفسه: ظاهره في حركة وازدهار أما باطنه فيقول لنا انه اضحى فناً سياحياً مبتذلاً... اذن، هل توافق على ان ما آل اليه الفن يعتبر فشلاً لك ولكل الفنانين الآخرين الذين يقولون انهم حاولوا طرح القضايا الحقيقية وتنوير الناس طوال عقود من السنين؟ - ليس المهم ان اوافق أو لا اوافق. المهم مرة اخرى ان الحضارة لا تتجزأ. الفن لا يمكنه ان يعيش وحده، في واحة مزدهرة، وسط صحراء من الغلط والتخلف. ان استهلاكية الحياة اليومية والتراجع العربي العام على كافة المستويات لا يمكنهما ان يسمحا للفنان بأن يكون متقدماً عن مجتمعه، أو واقفاً على هامشه. لذلك أقول لك اننا بتنا اليوم شعباً قد يشتري الفرد منا أغلى ساعة في العالم لكنه نادراً ما يحافظ على مواعيده. بينما نلاحظ ان الفرد السويسري الذي يصنع أغلى ساعات العالم، قد يحمل أرخص ساعة لكنه يحرص دائماً على المحافظة على مواعيده. ان الحضارة أخلاق يا عزيزي، وليست "تلفون وفاكس ومرسيدس وأجهزة كومبيوتر". ونحن، في مجموعنا فقدنا الجزء الأكبر من الاخلاقيات التي كانت لنا. ومهما ارتدينا اليوم من فاخر الثياب ومهما ركبنا من غالي السيارات، لن نستعيد حسنا الحضاري. خذ مثلاً، رجلاً عنده سيارة فاخرة ويرتدي اكثر الثياب اناقة، يعبر بسيارته الشارع فيرى شاباً بحاجة الى مساعدة، انه نادراً ما يتوقف ليساعده، بينما يمر شاب فقير يركب جملاً أو دراجة مهترئة ربما، فيقف ويساعد المحتاج. مَنْ مِنَ الاثنين يمكن اعتباره الأكثر تحضراً يا ترى؟ في الظاهر المتأنق هو الاكثر تحضراً، ولكن حقيقة الأمر تقول لنا ان صاحب الاخلاق هو الحضاري. نحن بشكل عام لا نعيش تراجعاً حضارياً، بالمعنى الظاهر للكلمة، بل بالمعنى الاخلاقي. اليوم صار من الضروري اصلاح كل شيء. أما الفن، فرغم ان عليه دوراً كبيراً في هذا المجال، لا يمكنه ان يكون وحده المتقدم وسط صحاري البؤس التي تحيط بنا. الفن ليس جهاز شرطة في اعتقادك، اذا عاد غوار هل سيكتفي باعلان غضبه أم انه سوف يعمل من أجل اصلاح الأمور؟ - الفن ليس جهاز شرطة. غوار سيكتفي بأن يعلن غضبه. اهمية الفن انه يشكل مخزوناً فكرياً. والمخزون يفجر حالة الغضب عادة، ولكن من المرجح ان الغضب لن ينفجر اليوم، وربما لن ينفجر قبل أجيال، تماماً مثلما هو حال الشعر والكتابات والمواقف الفكرية التي سبق ان حققت مخزوناً فكرياً عاد بعد زمن طويل وانفجر على أيدي فتيان الحجارة خلال انتفاضة الأرض المحتلة. اطفال الحجارة ليسوا هم جيل النكبة. جيل النكبة سبقهم بأربعين عاماً، من الناحية الزمنية. أما هم فانهم الجيل الذي تفجر المخزون الفكري لديه وعلى يديه. لقد ظل الغضب مخزوناً وقائماً منذ "راجعون" حتى "الغضب الساطع آت"... وانتهى به الأمر لأن يتفجر لدى الجيل الخامس. الفن لا يقيم ثورة لكنه يشكل مخزوناً فكرياً هو الذي يفجرها ذات يوم. تذكر الثورة الفرنسية، هذه الثورة لم تنفجر طبعاً بسبب حكاية ماري انطوانيت والشعب الجائع وحكاية البسكويت، بل انفجرت بفعل مخزون فكري وفلسفي بقي يتراكم طوال عقود من السنين. هل تعتقد ان هناك انفجاراً عربياً مقبلاً؟ - ربما ليس غداً، وربما بعد عشرة أجيال. لكنه سيحدث فعلاً وبالضرورة، فان لم يحدث ستكون أمة غير جديرة بالحياة، آيلة الى الفناء والامحاء، وسيكون من الطبيعي لها، عند ذلك، ان تزول. كل أمة لا تنتج بل تكتفي بأن تستهلك انتاج الآخرين هي، على أي حال، آفة غير جديرة بالحياة. تستعمل في كلامك صوراً رمزية كثيرة، هل حاولت يوماً كتابة الشعر؟ - أبداً... ولم يخطر في بالي يوماً. طيب، أود ان اسألك عن شخصين لو كنت مكانهما، انت، وتصورت انهما الآن يراقبان مسيرتك، فكيف تعتقد يكون رد فعل كل منهما. الشخصيتان هما دريد الصغير الذي كنته قبل خمسين عاماً، ووالدك... - قد يكون في امكاني ان أخمن نظرة دريد الصغير الطفل، الى دريد لحام، من خلال احفادي الذين اراقبهم يومياً، وأراقب ردود فعلهم. انني غالباً ما آتي لهم بأعمالي يتفرجون عليها، وأراقب كيف يتفاعلون معها. ومن هنا أقول لك ان غوار يأسرني ويسحرني من خلال قدرته على التفاعل، اليوم، مع الاطفال. ان مجرد ان يتفاعل طفل من أطفال اليوم به غوار معناه ان لدى هذه الشخصية سحراً خاصاً يجعلها جديرة بالحياة. هذا بالنسبة الى دريد الطفل. أما بالنسبة الى أبي، رحمه الله، فربما كان، لو رأى مسيرتي، سيشعر بقدر من السرور والفخر. ربما كان من أمرّ عضّات عمري ان أبي غاب عن حياتي وأنا بعد في بداياتي. هل تشعر انه موجود اليوم في داخلك؟ - بالتأكيد. هل يراقبك ويشجعك؟ - بالطبع... وبشكل دائم. هل يحدث لك ان ترى اعمالك من خلال نظراته؟ - نعم، يحدث لي هذا كثيراً، وبالتواكب مع نصائح والدتي. فهما اللذان علماني ان أحب من بين كافة المخلوقات حيوانين هما الحصان والنمل. لماذا؟ والدتي كانت، في كل مرة افشل فيها في تحقيق عمل ما، تقول لي ان الفشل يجب ألا يهزمني، بل يجب ان يدفعني الى العمل اكثر، مثلما هو حال الحصان الذي ينهض دائماً من كبوته وهو اكثر قوة. أما النمل فانه أهم مخلوق على وجه البسيطة. انه أهم من الانسان واكثر صلابة منه. نحن "ياما نخرب بيوت النمل" ومنشآته، لكنه يعود في اليوم التالي ويبني من جديد. لدى النمل تصميم مدهش على الحياة والعمل. لقد علمني النمل ان ليس ثمة في هذا الكون شيء اسمه حظ. هناك الجهد. لو بذلنا جهداً ضاع 90$ منه ستبقى نسبة 10$ تكون كافية لمتابعة المسيرة. أبو الهنا وأحلامه الصغيرة حين تكون وحدك منصرفاً لتأملاتك، أي نوع من الاغاني تسمع؟ - مؤكد ان الغناء الذي افضله واسمعه هو غناء فيروز. فهي مع الاخوين رحباني عرفوا كيف يحولون الاغنية من فن مسموع الى فن محسوس. هناك في الواقع مطرب تسمعه، وهناك مطرب تحسه لأنه يعطيك صوراً رائعة تحرك لك مخيلتك. ليست مصادفة، اذن، ان يكون مسرحك شبيهاً بمسرح الرحابنة أو حتى، كما يقول البعض، استمراراً له...؟ - وهو أمر لا أنكره، بل يسعدني الانتباه اليه. فأنا شديد الاعجاب بمسرح الرحابنة. وكل ما اتمناه ان يعتبر مسرحي نقطة على هامش مسرحهم. انتهيت منذ فترة من تصوير مسلسل أبو الهنا، الذي عرض خلال شهر رمضان. من هو أبو الهنا؟ - المسلسل اسمه احلام أبو الهنا، وهو يتألف من ثلاثين حلقة، لكنه يشكل عملاً يروي حكاية متسلسلة، هو بالأحرى سلسلة من الاحداث تربط بينها أحلام ذلك الموظف الصغير أبو الهنا الذي يحلم، وأحلامه لا تتجاوز حجمه، احلامه مثله صغيرة وهي تكاد تشبه احلام كل المواطنين العرب. فاذا كان الراحل أوناسيس حلم بأن يمتلك يوماً كل بواخر العالم، فان أبا الهنا لا يحلم بأكثر من امتلاك دراجة. هل تعول كثيراً على هذه الشخصية؟ - بالطبع... ولكني لا ابني احلاماً كثيرة بصدد استمرارية ممكنة لها في حياتي. قال لنا كثيرون من الذين شاهدوا المسلسل ان الشخصية ناجحة. لو كان هذا الرأي عاماً، وبدأت شخصية أبو الهنا تطغى في ذاكرة الناس على شخصية غوار هل ستشعر بالغيرة؟ - لا أعتقد... فماذا لو فشلت الشخصية الجديدة ولم يتجاوب معها المتفرجون؟ - سأصدم وأتأمل الامور مطولاً. لكني لن اشعر بأن لدي مشكلة. انا، أخي ابراهيم، بعد عمري وتجربتي الطويلة، لم أعد ابحث عن فرصة عمل. اذن، مهما كان مصير عمل فني أقوم به، لن ادع ذلك يؤثر عليّ كثيراً. لو نجح عملي سأسر لا اكثر، اما اذا فشل فلن اشعر بأن نهايتي قد حلت. فأنا لا اشعر أبداً انني وصلت، أنا احب دائماً ان ابدأ من جديد. لأن الوصول معناه النهاية. ماذا عن مشاريعك التي يجري الحديث عنها بين الحين والآخر. مع عادل امام، في مصر، مثلاً؟ - عادل امام فنان كبير، وهو صديق احترم فيه اخلاصه لعمله ولأمته. ولكني لست ارى أي ضرورة تدفعنا لكي نقدم عملاً مشتركاً. اكرر لك هنا انك ان اردت ان تخدم العروبة، لست بحاجة لأية مشاريع كبيرة ومشتركة، حسبك ان تعبر بأصالة عن بيئتك المحلية فتكون عربياً ومفيداً. المسألة ان هناك فنانين يفكرون بعواطفهم لا بعقلهم، ومن هنا، في كل مرة يقوم فيها لقاء ما، يعود الحديث عن حلم الفنانين بعمل فني عربي مشترك، وكأن مثل هذا العمل سيكون منطلقاً للوحدة العربية. بصراحة أنا لا احبذ مثل هذا التفكير. كيف تقضي أوقات فراغك، هل تقرأ؟ هل ترسم؟ - على رغم ان اعمالي الفنية قلّت عن السابق فانه ليست لدي، تقريباً، أية اوقات فراغ. أنا شخص أمضي جزءاً كبيراً من وقتي في العمل العام. في السنة الماضية مثلاً، انهمكت طوال ستة أشهر في العمل على تحضير مهرجان الاغنية السورية، بشكل عام، دائماً لدي ما يشغلني، اضافة الى انني "بيتوتي" أحب تمضية ساعات اليوم في البيت، في تصليح الاجهزة ودهان الحيطان وتركيب الرفوف. سؤال أخير، يلاحظ بعض النقاد ان حضور المرأة في اعمالك الفنية غالباً ما يكون ثانوياً... - بالعكس. ان حضورها أساسي ومهم. في "الحدود" هناك البنت صدفة، وفي "التقرير" هناك الزوجة والسكرتيرة. صحافية سويسرية قابلتني مرة وقالت لي ان ما اعجبها في اعمالي هو حضور المرأة كشريكة لا كسلعة. انظر الى حضور المرأة في "غربة" والى غندورة في "ضيعة تشرين" انني انظر الى المرأة، في الفن والحياة على انها شريكة لا على انها سلعة.