الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    احتضان المارقين.. بين ندم الدول المحتضنة وخسارتها    السعودية وكأس العالم    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    وطن الأفراح    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    حلاوةُ ولاةِ الأمر    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    جدّة الظاهري    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    %91 غير مصابين بالقلق    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    وهم الاستقرار الاقتصادي!    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معسكر شرم الشيخ ينتظر سورية . السلام والانتحاريون : المواجهة القاتلة

لا مبالغة في وصف قمة شرم الشيخ بأنها قمة المظلة والانذار. مظلة دولية واقليمية لعملية السلام ممثلة بياسر عرفات وشمعون بيريز، وانذار لمن لا يزالون يراهنون على امكان تفجير هذه العملية بتفجير الحلقة الجوهرية فيها وهي الحلقة الاسرائيلية - الفلسطينية.
مظلة لبيريز عبر طمأنة الاسرائيليين الى ان ثمار عملية السلام تفوق آلامها. وهي رسالة تفيد ان بيريز يستحق الدعم والحصول على تفويض جديد في الانتخابات المقبلة. ومظلة لعرفات عبر طمأنة الفلسطينيين المؤيدين لخياره الى ان الرئيس العائد منتصراً من الانتخابات يحظى بدعم دولي واقليمي واسع. وهي مظلة للعلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ولما تحقق منذ انطلاق مدريد.
جاءت القمة بعدما تخطت هجمات معارضي عملية السلام حدود الاعتراض الدامي لتبلغ حدود التهديد بتفجير العملية برمتها. واذا كانت عملية السلام استطاعت احتمال غياب اسحق رابين بسبب وجود بديل جاهز هو أصلاً شريك كامل في اطلاقها، فإنها بدت بعد تفجيرات القدس وتل أبيب غير قادرة على احتمال غياب بيريز أو عرفات. فلا بديل من بيريز غير الليكود ولا بديل من عرفات في الوقت الحاضر. ولا قدرة لعملية السلام على الانتظار، تمهيداً لمعاودة محاولة التقدم على المسار السوري - الاسرائيلي، الا بوجود بيريز وعرفات وباستمرار الشراكة بينهما. والمظلة التي عرضتها قمة شرخ الشيخ هي مظلة سياسية وامنية واقتصادية.
وهي قمة انذار أيضاً فمن كلام كلينتون الى كلام عرفات عن "حماس" و"الجهاد" مروراً بكلام بيريز واتهامه لايران بدت الرسالة واضحة. فقمة شرم الشيخ وفرت أيضاً مظلة لانتقال معسكر عملية السلام الى الحرب على موارد المجموعات المتهمة بالارهاب وقدرتها على العثور على مأوى وتسهيلات.
هل يمكن ضبط حساب الخسائر والأرباح؟ ربما من المبكر الاجابة على نحو قاطع، لكن انعقاد القمة وما صدر عنها يساعد على قراءة أولية.
نجحت الولايات المتحدة في تنظيم رد واسع على محاولة تفجير الحلقة الاسرائيلية - الفلسطينية وأظهرت ان ما تحقق في هذه الحلقة يحظى بتأييد اميركي وروسي وأوروبي وبدعم غالبية الدول العربية، خصوصاً حين أكدت على السلام الشامل. ونجحت واشنطن أيضاً في دفع العلاقة بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية الى ما يشبه التحالف في المعركة ضد "الارهاب". وبدا ان كلينتون المتجه هو الآخر الى انتخابات لن يسمح بضرب أبرز انجاز حققه على الصعيد الخارجي.
ونجحت مصر في استعادة دورها كشريك في ابقاء عملية السلام حية خصوصاً حين حرصت على جعل الارهاب بنداً من بنود قمة صانعي السلام بدلاً من ان يكون السلام مجرد بند في قمة مكافحي الارهاب.
الغائب الكبير عن القمة كان سورية. وبدا واضحاً ان المشاركين في القمة حرصوا على عدم اتهامها أو انتقادها أو الايحاء بنية لعزلها. لكن مجرد انعقاد القمة وطبيعة المشاركة فيها أظهرا ان غالبية الدول العربية لا تتبنى وجهة نظرها في يتعلق باتفاق أوسلو وخيار معارضيه الفلسطينيين في معارضته وان تكن تتفق معها في ان العلاج النهائي للعنف يكون بالسلام الشامل وحده، والسلام الشامل متعذر من دون سورية. اما لبنان فقد أكدت القمة انه لا يستطيع حضور قمة تغيب عنها سورية… وبين الذين لم توجه الدعوة اليهم يمكن اعتبار ايران أبرز الخاسرين.
هل تندلع المواجهة القاتلة أم ان معكسر شرم الشيخ الذي ينتظر سورية سينجح في دفع عملية السلام الى حد يبطل الحاجة الى معركة فاصلة مع الانتحاريين؟
قمة شرم الشيخ مرشحة لأن تصبح نقطة تحوّل جوهرية في مسار الصراع العربي - الاسرائيلي الى درجة لا تقلّ اهمية عن تلك التي اتسم بها مؤتمر مدريد عام 1991 الذي دشّن عملية السلام المستمرة.
لكن ثمة فروقات أساسية بين الحدثين التاريخيين من شأنها أن تزيد من أهمية هذه القمة بالمقارنة مع مدريد، فيما قد تؤدي في الوقت نفسه إلى مضاعفة العراقيل التي يمكن أن تحول دون نجاحها في تحقيق الأهداف التي انعقدت من أجلها. ولعل أول هذه الفروقات الطابع الذي أحاط بانعقاد القمة والذي يختلف عن إطار مؤتمر مدريد. فما جعل ذلك المؤتمر مؤهلاً للشروع في عملية السلام، أنه جاء ثمرة توافق عام بين جميع الأطراف المعنية بالصراع على ضرورة ايجاد تسوية مقبولة له على أسس يمكن أن تشكل الحد الأدنى من تلاقي المصالح والأهداف. إذ كان واضحاً آنذاك ان أي تسوية سلمية قادرة على العيش يجب ان تحظى برضى الجميع وتحقق ما يمكن تحقيقه من مصالحهم، أو أقله لا تغضب طرفاً إلى الحد الذي قد يدفعه إلى الخروج من الاطار ومن التسوية ككل. وربما كان الفضل الرئيسي في استمرار عملية السلام و"صمودها" في وجه العوائق والمآزق المتعددة التي تعاقبت عليها خلال السنوات الخمس الماضية يعود إلى هذا الطابع الشمولي والتوافقي العام الذي قامت عليه وحرصت على التمسك به.
إلا أن قمة شرم الشيخ جاءت في إطار مختلف، وظروف استثنائية. فالدعوة إلى هذه القمة لم تنشأ بهدف إعادة توافق مفقود إلى العملية السلمية، أو لتكريس توافق مبدئي عليها أصبح مهدداً، بل جاءت في مواجهة "خطر أساسي" ينذر بنسف هذه العملية وإلغائها برمتها. ونتيجة لهذا "الخطر" المتمثل بعمليات التفجير التي كانت إسرائيل مسرحاً لها خلال الأسابيع الأخيرة، برزت فكرة عقد القمة تحت شعار "مكافحة الارهاب". وإذا كانت الحركة السياسية الذكية التي قام بها الرئيس حسني مبارك نجمت في تحويل هذا الشعار إلى آخر أكثر قبولاً وشمولية يركز على "دعم السلام" وإعادة تنشيط العملية السلمية، تصبح القمة "قمة صانعي السلام"، فإن الواضح ان الربط بين الشعارين أصبح أمراً واقعاً.
من "الاجماع" إلى "الفرز"
بكلام آخر فإن "الاجماع" الذي كان يشكل ركيزة مؤتمر مدريد والشرط الأول لنجاح العملية السلمية التي انبثقت عنه أخذ يتراجع الآن من حيث الأهمية لمصلحة عنصر جديد طرأ على المعادلة في المنطقة، وهو "الفرز" بين تلك الأطراف التي توصف بأنها "متمسكة بعملية السلام وحريصة على انجاحها" من جهة، والأطراف الأخرى التي "إما أنها لا تزال خجولة في إعرابها عن تأييد العملية والمضي فيها حتى النهاية، أو أنها معارضة لها من الأساس" على حد تعبير مصدر ديبلوماسي أميركي.
لكنّ الفرز المفترض بين أنصار السلام وخصومه، سواء في قمة شرم الشيخ أم في المرحلة المقبلة التي ستنشأ عنها، لن يكون بمثل هذه السهولة. والأرجح أنه سيكون أكثر صعوبة وتعقيداً مما يأمله البعض، خصوصاً على الجانب الإسرائيلي من المعادلة. وقد لا يكون الشرط الأول المطلوب لنجاح "قمة صانعي السلام"، وهو تلاقي المشاركين فيها على مجموعة من الأهداف والاجراءات المشتركة، متوافراً إلى الحد الذي ساد الاعتقاد في شأنه للوهلة الأولى. فإسرائيل، ومعها الولايات المتحدة بدرجة أقل، نظرت إلى القمة باعتبارها أولاً وأخيراً "اطاراً اقليمياً مطلوباً لمكافحة الارهاب والتصدي للأطراف المسؤولة عنه" و"الارهاب" المقصود في هذا المجال هو، بطبيعة الحال، ذلك الذي يستهدف إسرائيل وتقوم بتنفيذه تنظيمات إسلامية معارضة لعملية السلام بشكلها الراهن، مثل "حماس" و"الجهاد" في الداخل، و"حزب الله" في جنوب لبنان، إلى جانب تنظيمات فلسطينية ولبنانية معارضة أخرى. وحسب المفهوم الإسرائيلي، فإن هذه الأطراف تحظى بدعم قوى اقليمية، مثل إيران وسورية وليبيا. وبالتالي، فإن نجاح القمة في تحقيق أهدافها، من وجهة نظر هذا المفهوم، يتطلب "وضع حد لنشاط هذه التنظيمات في الداخل والخارج، ومحاسبة القوى الاقليمية الداعمة لها".
والواضح ان هذه النظرة الإسرائيلية إلى القمة وأهدافها تتفق إلى حد بعيد مع نظرة واشنطن إليها. لكنها تفترق في المقابل، وبدرجة لا يستهان بها، عن نظرة مصر وغيرها من الأطراف العربية التي قررت المشاركة في القمة، بما فيها السلطة الفلسطينية. والفارق هنا لا يتعلق بالموقف من الارهاب وضرورة مكافحته، إذ هناك اجماع على ذلك لدى الأطراف المشاركة من عربية واقليمية ودولية، بل يتركز على الطابع "الاحادي الجانب" أساساً الذي تنطلق منه النظرة الإسرائيلية إلى هذه المشكلة، اضافة إلى التباين الحاد في تفسير اسباب الارهاب وجذوره وصولاً إلى تحديد الخطوات اللازمة لمحاربته. فهل تقتصر مثلاً على المزيد من الاجراءات الأمنية والعقوبات الجماعية، أم يجب ان تتسع لتشمل معالجة الدوافع التي تكمن وراء لجوء هذه الأطراف إلى مثل هذه الممارسات؟
النظرة المصرية والعربية
طبيعي ان الجانب العربي لا يمكنه النظر إلى الارهاب من مجرد كونه وسيلة تهدد أمن الإسرائيليين وكيانهم، وإلى اساليب مكافحته باعتبارها تهدف فقط إلى حماية ذلك الأمن وتعزيزه، فالارهاب يظل قبل أي شيء آخر تعبيراً عنيفاً عن حالة سياسية لها تاريخها وأسبابها. وهذه الحالة، في المنظور العربي عموماً، مردها، ببساطة، استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض فلسطينية وعربية، وغياب الحل الشامل والدائم للصراع، مع ما يساهم فيه ذلك من اشاعة للمناخ الملائم لاستمرار دوامة العنف والعنف المضاد.
أمام هذا التباين، كان لا بد من توسيع افق القمة لتصبح أهدافها أكثر تعددية وشمولية، فتحولت من قمة لمكافحة الارهاب إلى قمة لدعم السلام على اعتبار "ان الهدفين يكملان بعضهما" على حد تعبير ديبلوماسي مصري. وأورد المصدر في معلومات خص بها "الوسط" بعض خلفيات التحرك المصري السريع في الدعوة إلى عقد القمة، وهو التحرك الذي بدأ عملياً بعد زيارة قام بها إلى إسرائيل أخيراً مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية الدكتور اسامة الباز. إذ بدا واضحاً من المحادثات التي أجراها الباز مع المسؤولين الإسرائيليين "ان المصاعب المحيطة بعملية السلام، خصوصاً على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي بعد عمليات التفجير في القدس وعسقلان وتل أبيب، بلغت درجة الخطورة وباتت تهدد العملية من أساسها". وحذر الباز في تقرير رفعه الى الرئيس مبارك من "ان المناخ السائد في اسرائيل بفعل التفجيرات أصبح هاجساً أمنياً، وأن المسار الفلسطيني - الاسرائيلي بات مهدداً بالانهيار ما لم يتم انقاذه بسرعة". وأضاف المصدر الديبلوماسي المصري: "من هنا جاءت فكرة عقد قمة تهدف الى انقاذ عملية السلام، علماً بأن هذه الفكرة ليست جديدة، بل سبق ان طرحها الرئيس مبارك في أعقاب عملية تفجير مركز التجارة الدولي في نيويورك قبل أعوام". وأشار المصدر الى ما وصفه بپ"اختلاف الرؤى الأولية" في شأن القمة وأهدافها بين اتجاهين رئيسيين. الأول دعمته مصر، وهو ان "الغرض الرئيسي من القمة ينبغي ان يكون اخراج عملية السلام من غرفة الانعاش التي دخلتها" بسبب التفجيرات الفلسطينية من جهة، والجمود المسيطر على المسارين السوري واللبناني في انتظار الانتخابات الاسرائيلية من جهة أخرى. والثاني دعا الى التركيز على "اجراءات محددة لمواجهة الارهاب، ومحاولة تعويم رئيس الحكومة الاسرائيلية شمعون بيريز" الذي انخفضت شعبيته بشكل حاد لمصلحة تكتل ليكود نتيجة التفجيرات. وأكد المصدر المصري: "ان مسألة نجاح بيريز في الانتخابات هي شأن اسرائيلي داخلي. اما ما يعنينا فهو ازالة كل ما من شأنه عرقلة السلام، وهذا ما يستلزم البحث في موضوع الارهاب. لكن هذا البحث غير ممكن من دون التطرق الى أسبابها. والموقف المصري واضح حيال هذه النقطة. فنحن نرفض العنف والعنف المضاد، ولا نقبل ترويع الآمنين والمدنيين، كما نرفض سياسة اغلاق اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة".
والاستنتاج الذي وصل اليه المصدر الديبلوماسي المصري حول نظرة القاهرة الى "مرحلة ما بعد القمة" لافت في حد ذاته، إذ قال: "نحن نعتبر الارهاب مرفوضاً، والحرب على الارهاب واجب. وهذا ما يستدعي اتخاذ تدابير أمنية وسياسية عدة، منها اعادة النظر في حق اللجوء السياسي الذي تمنحه الدول الغربية للارهابيين وانصارهم، والبحث في مصادر تمويل هذه الجماعات، ومراقبة انشطتها ورصد اتصالاتها وتحركات عناصرها. لكن القضية الجوهرية في نظرنا هي ضرورة ازالة المناخ الذي يشجع الارهاب. وهذا يتم من خلال تسريع عملية السلام وتدعيمها، والتوصل الى اتفاقات على المسارين السوري واللبناني، وانجاح مفاوضات المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني… صحيح انه من الضروري اتخاذ اجراءات أمنية اضافية في مناطق السلطة الفلسطينية، لكن يجب في الوقت نفسه وقف الضغوط التي تمارس على الرئيس عرفات وعلى المواطنين الفلسطينيين في مناطق السلطة لأن زيادة هذه الضغوط ستولد الانفجار. وصحيح ان من الضروري تعزيز التعاون والتنسيق اقليمياً ودولياً في المجال الأمني، إلا ان ذلك ليس كافياً في حد ذاته. اذ ان عرقلة المسيرة السلمية بذرائع مختلفة يؤدي الى تعزيز اتجاهات الارهاب والتطرف في المنطقة، والى تزايد التساؤلات عن جدوى السلام وفاعليته، وعما تم تحقيقه من انجازات منذ مؤتمر مدريد الذي شكل بداية عملية التسوية. فالسلام هو الحل الحقيقي لمشكلة الارهاب".
النظرة الأردنية
وتتفق وجهة النظر الأردنية مع هذا الموقف المصري من القمة وأهدافها. فقد شدد المهندس سعد هايل رئيس مجلس النواب الأردني على ان "مكافحة الارهاب لا تكمن في محاربة مظاهره فحسب، بل ان الأهم هو ازالة أسبابه". وقال لپ"الوسط": "سينجح مؤتمر صانعي السلام في شرم الشيخ بقدر عزم المجتمع الدولي على حماية السلام في المنطقة واقناع الناس فيها بأن ظروفهم ستكون أفضل في مرحلة السلام مما هي عليه اليوم. اذ لا يمكن تجاهل جذور المشكلة التي تعود الى حرمان الكثيرين من حقوقهم، وقضايا الاحتلال والنازحين وحقوق الانسان، ناهيك عن الهموم المعيشية والاقتصادية والهوة الكبيرة بين الأثرياء والفقراء".
وحذّر رئيس مجلس النواب الأردني من "معالجة مظاهر الارهاب وممارساته بالارهاب المضاد لأن من شأن ذلك ان يدفع الى مزيد من التطرف". وتساءل: "ماذا نتوقع من أسرة عوقبت بأكملها ودمّر منزلها لأن أحد أبنائها لجأ الى استخدام العنف؟ أليس من شأن ذلك ان يدفع الأسرة بكاملها الى العنف؟ لا بدّ من تشجيع الديموقراطية ودعم نماذجها في المنطقة لأنها تشجع الانسان على اللجوء الى العلنية والمشاركة في الحياة العامة عوضاً عن اللجوء الى السرية والتطرف والعنف".
وشدد سرور على ضرورة "محاربة الرأي الذي يربط بين الارهاب والاسلام، فالارهاب لا دين ولا مذهب له. هناك معارضون للسلام من جميع الأطراف. وهذه المعارضة متنوعة ما بين مبدئية وأخرى تعارض آليات العملية السلمية وثالثة ترفض النتائج المتوقعة للمسيرة السلمية برمتها. وأرى ان التحدي الأكبر في مرحلة ما بعد مؤتمر شرم الشيخ سيكون الدفع بالمعارضين الى صفوف المؤيدين وليس العكس، وهو أمر قد يكون صعباً لكنه ليس مستحيلاً. اما شرط تحقيقه فهو شعور الجميع بفوائد السلام ومكتسباته".
المفهوم الاسرائيلي: تباين لا تعارض
والتباين الذي ظهر بين القراءة العربية لقمة شرم الشيخ، والنظرة الاسرائيلية اليها من جهة ثانية لا يصل الى حدّ الخلاف بقدر ما هو "تمييز في الأولويات ونقاط التركيز"، على حد تعبير حاييم قورين المتحدث بلسان وزارة الخارجية الاسرائيلية وأحد المستشارين البارزين لرئيس الحكومة بيريز في الشؤون العربية، اذ يؤكد ان "لا خلاف على أهمية دعم عملية السلام، لكننا نعتبر ان ذلك لا يمكن ان ينفصل عن محاربة الارهاب، لأن الهدفين مرتبطان عضوياً. فالارهاب الحالي يهدف الى تقويض السلام وتدمير امكانات تحقيقه. ولذلك لا يمكن دعم السلام من دون مكافحة الارهاب، والعكس أيضاً صحيح". اما أين يبرز التباين، فهو في تشديد المصادر الاسرائيلية على ضرورة "عدم الاكتفاء باعلان المواقف والتصريحات، بل الوصول الى ممارسات عملية يتفق عليها المشاركون في القمة من اجل مكافحة الارهاب والحيلولة دون تحقيق أهدافه. عندئذ تكون القمة نجحت في تحقيق هدفها المعلن، أي دعم السلام والاسراع في تحقيقه". ويلخص قورين في هذا المجال موقف حكومته فيقول "طبعاً سيكون مهماً ان تطلع القمة باعلان مشترك يوافق عليه الجميع ضد الارهاب، وهذا ما نرغب فيه ونريده. لكن الأهم سيكون الاتفاق على الخطوات العملية التي يقرر جميع المشاركين في القمة تنفيذها ضد الارهاب في اطار استراتيجية موحدة تقوم على التعاون والتنسيق. فمثل هذا الاتفاق سيكون المؤشر الحقيقي على نجاح القمة في تحقيق أهدافها".
وما لا يفصح عنه قورين "رسمياً" في ما يخص النتائج الملموسة التي تتوخاها اسرائيل، تعرب عنه صراحة المصادر الاسرائيلية بصفة غير رسمية أو ضمنية. اذ يقول زئيف شيف كبير الخبراء الاستراتيجيين الاسرائيليين والمقرب من المؤسسة العسكرية: "لا بد من الاعتراف بأن مجرد جلوس الدول العربية على منبر واحد مع اسرائيل تحت شعار مكافحة الارهاب هو في حد ذاته نقطة تحول أساسية ينبغي التركيز عليها، وهو أيضاً يشكل في نظري الانجاز الأهم لاجتماع شرم الشيخ على المستوى السياسي والاستراتيجي العام. فهذا يعني ان العرب باتوا اخيراً على استعداد للاقرار بأن هناك مصالح أمنية مشتركة تجمعهم باسرائيل. كما انها الفرصة لتحديد من هو فعلاً الى جانب السلام في المنطقة، ومن يعارض هذا السلام لأي سبب من الأسباب". لكن شيف يبدي قدراً كبيراً من التحفظ حيال "قيمة" مؤتمر شرم الشيخ على صعيد "مكافحة الارهاب عملياً". ويقول: "ماذا يمكن للقمة ان تحقق على صعيد مكافحة الارهاب اذا لم تلتزم الدول المعنية اتخاذ خطوات واتباع سياسات تحول دون تحرك المنظمات الارهابية على أراضيها أو انطلاقاً من تلك الأراضي… خذ مثالاً على ذلك سورية التي تقدم الدعم والمأوى لمنظمات فلسطينية عدة ولجماعة "حزب الله" في جنوب لبنان. فهذه أطراف تعمل ضد السلام، وستستمر في عملها هذا طالما سمحت لها دمشق بذلك. ومع غياب سورية عن القمة لا أعتقد بأن المجتمعين في شرم الشيخ سيبحثون في هذه المشكلة جدياً. وسيبقى هذا الوضع معلقاً بالتالي الى ان يتم حل المشكلة مع دمشق نفسها. لكنني أعود وأكرر هنا ان الناحية الايجابية الأساسية المنبثقة عن هذا الاجتماع هي تكريسه حقيقة انه بات هناك الآن عرب واسرائيليون في خندق واحد مؤيد للعملية السلمية ضد عرب واسرائيليين آخرين معارضين لهذه العملية. وهذا التوزيع الجديد في المنطقة هو ما يجدر بالجميع العمل على تكريسه وتعزيزه على المستوى السياسي وايصاله الى حد التنسيق والتعاون على المستوى الأمني والعملياتي".
مكافحة الارهاب: الأمن أو السياسة؟
ويشدّد ضابط كبير سابق في الجيش الاسرائيلي متخصص في شؤون مكافحة الارهاب على هذه الناحية من القمة، فيقول: "نعم، نعرف جميعاً ان القمة هدفت الى دعم الحملة الانتخابية لشمعون بيريز ومساعدة الرئيس ياسر عرفات على تعزيز مواقعه في المناطق الفلسطينية. ولكن ما الضرر في ذلك؟ أليس شمعون بيريز وياسر عرفات من أنصار عملية السلام في المنطقة؟ ألن تشكل خسارة بيريز الانتخابات وفوز ليكود فيها ضربة للسلام، الا ينطبق ذلك أيضاً على اضعاف عرفات وتقوية "حماس"؟ لقد ارتكب الجميع - من اسرائيليين وفلسطينيين وعرب - أخطاء فادحة في الماضي. وربما حان الوقت الآن لتصحيح هذه الأخطاء… نعم، كان يجب على اسرائيل التصدي لپ"حماس" و"الجهاد" في المراحل الأولى لنشوئهما وعدم محاولة لعب هذه الورقة في وجه منظمة التحرير آنذاك. وكان يجب على عرفات القيام بما يقوم به اليوم قبل عشرة أيام أو عشرة أشهر، ليوفر على نفسه وعلينا كل هذه المشكلة. لكن ألا يقول المثل الانكليزي أفضل ان تأتي متأخراً من ألا تأتي أبداً؟ نحن ندرك تماماً مشكلة عرفات والسلطة الفلسطينية. فپ"حماس" و"الجهاد" جزء من المجتمع الفلسطيني، ولا يمكن للسلطة ان تتحمل الظهور بمظهر الأداة في يد اسرائيل، فهذا سيفقدها صدقيتها. لكن يتعيّن في المقابل المحافظة على صدقية السلام في نظر الاسرائيليين ايضاً. وفي اعتقادي، ان عملية المعالجة في الداخل بدأت فعلاً من خلال تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين أنشطة الأجهزة الاسرائيلية والفلسطينية. لكنّ المشكلة الحقيقية تظل في الخارج، وهي تحديداً في الدول التي تأوي الارهاب وتوفر لهم الدعم المادي والغطاء السياسي. ولن يكون حلّ هذه المشكلة ممكناً من دون محاسبة هذه الدول على ما تفعله. وسواء كنا نتحدث عن سورية أو ايران أو ليبيا أو العراق أو السودان أو غيرها، فإن المهم هو وضع حكومات هذه الدول على المحك… عليها ان تختار بين معسكر السلام ومعسكر الارهابيين وان تتحمل تبعات اختيارها!". ويختم الضابط الاسرائيلي المتخصص في مكافحة الارهاب كلامه قائلاً: "من هذه الزاوية، تكون قمة شرم الشيخ حققت أهدافها السياسية. أما مكافحة الارهاب والاجراءات الأمنية اللازمة في شأنه، فهذه لا تحتاج الى مؤتمرات قمة لبحثها، بل يتم الاتفاق عليها داخل غرف مغلقة".
ويتفق البروفسور بول ويلكنسون أبرز الخبراء البريطانيين في شؤون الارهاب والأستاذ في كلية دراسات الأمن والدفاع في جامعة "سانت اندروز" في اسكتلندا مع هذا الرأي الاسرائيلي في الكثير من جوانبه، ويدعو الى "تعميق مفهوم الشراكة بين الاسرائيليين والفلسطينيين وبين الاسرائيليين والأطراف العربية المعتدلة" على صعيدي مكافحة الارهاب والمضي قدماً في العملية السلمية. ويشدد ويلكنسون في صورة خاصة على ضرورة الربط ما بين عملية السلام ومكافحة الارهاب لأن "عملية السلام هي المستهدفة أولاً وأخيراً من قبل جميع المتطرفين سواء كانوا عرباً أم يهوداً". ويعتبر الخبير البريطاني ان "اظهار الدعم لكل من عرفات وبيريز في هذه المرحلة أمر مهم، وعلى المجتمع الدولي ان يفي بالتزاماته المالية حيال الفلسطينيين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية تدفع ببعضهم الى التطرف والعنف. والمطلوب بالحاح الآن هو اشعار الجميع بأن للسلام فوائد، قد تكون اقتصادية ومعيشية بالنسبة الى الفلسطينيين، وأمنية بالنسبة الى الاسرائيليين. أما دفع الناس الى اليأس - من هذا الجانب أو ذاك - فهو يعني دفعهم الى أحضان المتطرفين الرافضين للسلام".
ويصف ويلكنسون الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ضد "حماس" و"الجهاد" بأنها "شديدة الأهمية لأنها تكرس مفهوم الشراكة الأمنية في منظور الرأي العام الاسرائيلي مع الفلسطينيين. ويتعين على اسرائيل أيضاً ان تتخلى عن تعاملها مع الضفة الغربية وقطاع غزة كمناطق تابعة لها أو تحت حمايتها. وعليها ان تتوقف عن الضغط على عرفات أو تحميله مسؤولية الانفجارات الانتحارية الأخيرة… ان ما جرى أخيراً يتحمل مسؤوليته الفلسطينيون والاسرائيليون بالتساوي. والطريقة الوحيدة الى الأمام في مواجهة هذه المشكلة هي في المزيد من التعاون والتنسيق والاقتناع المتبادل بأن مصلحة الطرفين المشتركة تقضي بالعمل معاً ضد خصم مشترك. واذا نجح الزعماء العرب والاسرائيليون والدوليون المشاركون في القمة في تحديد مصالحهم المشتركة وخصومهم المشتركين، ومن ثم التصرف على هذا الأساس، يصبح ممكناً القول ان القمة نجحت في اداء غرضها".
نحو "الشراكة الاقليمية"
واللافت ان الدعوات في اسرائيل والغرب الى "التمييز بين أنصار السلام وخصومه وبين داعمي الارهاب ومكافحيه"، والى "تكريس مفهوم الشراكة الاقليمية"، لم تعد مقتصرة على آراء خبراء ومحللين يعربون عنها بصفة شخصية كما كان الأمر حتى الماضي القريب، بل انها أصبحت تطلق بأشكال صريحة ورسمية برزت في صورة خاصة عشية انعقاد قمة شرم الشيخ، وعلى لسان أكثر من مسؤول اسرائيلي وأميركي، وبرزت معها ايضاً اتجاهات متزايدة نحو "تسمية الأمور بأسمائها" على حد تعبير بيريز. فكان ملاحظاً، على سبيل المثال، حرص رئيس الحكومة الاسرائيلية في أكثر من مناسبة خلال الأسبوعين الماضيين على الاشارة الى السلطة الفلسطينية ورئيسها بقوله: "انهم شركاؤنا في السلام الذي نود استكماله حتى تحقيق المصالحة التاريخية بين شعبينا… اننا لا ننتقدهم الا من زاوية حثهم على ضرورة تنفيذ التزاماتهم بموجب اتفاقاتنا معهم، ومواجهة الأخطار الارهابية المتمثلة في "حماس" وغيرها والتي تهددهم كما تهددنا…". بل ان المتحدث بلسان الخارجية الاسرائيلية كشف عن ان "الحكومة الاسرائيلية طلبت من واشنطن الاستمرار في دعم السلطة الفلسطينية رداً على الدعوات التي ظهرت في الكونغرس الأميركي مطالبة بوقف هذا الدعم في أعقاب العمليات الانتحارية داخل اسرائيل". وكان ملاحظاً في المجال نفسه أيضاً تشديد نيكولاس بيرنز المتحدث بلسان الخارجية الأميركية على "عدم جدوى الاستمرار في التعامل مع مشكلة الارهاب على انها صراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين أو بين الدول العربية واسرائيل. فالغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني ضد الارهاب، و"حماس" وغيرها من التنظيمات المتطرفة لا تمثل الا أقلية ضئيلة. ولذلك ينبغي دعم الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية في مواجهة الارهاب، ودعم المعسكر الاقليمي الذي يواجه هذا الخطر".
وهذه الدعوات تصبّ بوضوح في الاطار الذي انعقدت قمة شرم الشيخ من اجله، وهي تظهر في صور لا لبس فيها من خلال الخطب التي تبادلها الزعماء المشاركون، والتصريحات والتسريبات التي أدلى بها المسؤولون الديبلوماسيون والأمنيون الذين رافقوهم الى القمة. فالثابت ان اجتماع شرم الشيخ ليس امتداداً لمؤتمر مدريد، بل انه "بداية جديدة لعملية السلام على أسس جديدة تختلف جذرياً عن تلك التي انبثقت عن مدريد" حسبما قال لپ"الوسط" مصدر ديبلوماسي عربي رفيع شارك في القمة. وتابع قائلاً: "لم يعد ممكناً الاستمرار في عملية السلام من دون الأخذ بالاعتبار التحولات الاستراتيجية التي نشأت في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية. فهناك قوى تعمل ضد هذه العملية بات واجباً محاربتها ووضع حد لنشاطها. ومن يقف مع هذا المبدأ يكون جزءاً من عملية السلام، أما من يقف ضده فيكون للأسف ضد هذه العملية".
من "التوافق" الى "الاختيار"
اذن، "قمة محورية" تهدف الى "اعادة فرز" للقوى في المنطقة، والى نقل العملية السلمية من مرحلة "التوافق" التي بدأت عليها في مدريد، الى مرحلة "الاختيار" التي ستميّز الوضع الاقليمي في أعقاب شرم الشيخ. وهي تهدف أيضاً الى تحديد الخطوط الفاصلة بين "معسكر السلام" وأنصاره من جهة، و"خصوم السلام" وحلفائهم من جهة اخرى. والاعلان الصادر عن القمة، كما خطابات الزعماء فيها، ينطوي على كل هذه النقاط، ويشير بوضوح الى الرغبة في قيام اطار استراتيجي اقليمي جديد يجمع ما بين اسرائيل والدول العربية وتركيا برعاية الولايات المتحدة ومباركة أوروبا، على أساس مجموعة من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، وتحت شعار دعم السلام ومكافحة الارهاب. ومن هذا المنطلق بالذات تكون قمة شرم الشيخ حققت أهدافها: من دعم بيريز وعرفات الى ضمان عدم انهيار السلام الاسرائيلي - الفلسطيني، ومن تكريس السلام الأردني - الاسرائيلي الى تعزيز موقع مصر كمرجع اقليمي ثابت في المنطقة، ومن تحديد ظاهرة الارهاب وشجبه، الى صياغة اجراءات وسبل تعاون مشتركة تهدف الى الحد من أنشطته. وهنا يتفق الخبراء على ان هذه الاجراءات لن تكون صعبة المنال طالما ظلت على المستوى التقني والعملياتي. اذ يقول السفير ريتشارد ديلكوكس رئيس شعبة مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الأميركية "سنزود الأطراف المعنية بمكافحة الارهاب كل احتياجاتها. وسندعم جهود السلطة الفلسطينية واسرائيل في هذا المجال، بدءاً من أدق التفاصيل المتعلقة بجوانب مثل الكلاب المدربة على كشف المواد الناسفة، واجهزة الالتقاط والتحسس والاستشعار، وصولاً الى التنسيق الدولي في مجالات تبادل المعلومات والرصد والاستطلاع ومراقبة خطوط الاتصال الدولية، وأنشطة العناصر المشبوهة أينما كانت، الى جانب العامل المهم المتمثل بأنشطة التمويل وجمع التبرعات ومتابعة حركة الحسابات المصرفية التي يعتقد انها تستخدم لدعم الجماعات الارهابية محلياً واقليمياً ودولياً… كل هذه أمور يمكن القيام بها والتنسيق فيها بين الأطراف المعنية في المنطقة وخارجها، والتعاون في هذا المجال مع حلفائنا في أوروبا وأنحاء أخرى من العالم. لكنّ جميع هذه الأطر والاجراءات تظل محدودة الفاعلية اذا لم تقترن بعمل سياسي حازم ضد الحكومات التي تؤمن الدعم اللوجستي والمالي والغطاء السياسي، ناهيك عن المأوى الجغرافي للجماعات المتطرفة… عندها تصبح المسألة سياسية لا أمنية".
وحسب هذا التقويم فإن "كل ما يمكن لقمة شرم الشيخ ان تحققه سيظل محدوداً بفعل المحدوديات السياسية التي لا بد ان تواجه أي جهد دولي أو اقليمي أو محلي حقيقي ضد الارهاب وداعميه" على حد تعبير الدكتور زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر. وما يكتفي بريجنسكي بالاشارة اليه تلميحاً هنا، يتحدث عنه المعلق الاسرائيلي زئيف شيف في صورة أكثر وضوحاً عندما يتساءل: "كيف سيتم تحديد خصوم السلام؟ ومن هي الأطراف التي تدعم الارهابيين؟ هل هي الحكومات التي لم توجه اليها الدعوة الى حضور مؤتمر شرم الشيخ؟ وماذا اذن بالنسبة الى الدول التي رفضت الحضور مثل سورية ولبنان؟ قد يكون سهلاً توجيه الاتهام الى الحكومات مثل العراق وليبيا وايران والسودان، لكن الوضع يصبح أكثر تعقيداً بكثير عندما يتعلق الأمر بسورية. فدمشق طرف أساسي في عملية السلام، ولا يمكن الوصول الى أي تسوية حقيقية وذات معنى للصراع العربي - الاسرائيلي من دون تحقيق السلام بين اسرائيل وسورية ولبنان. ولا اعتقد بأن الحكومة الاسرائيلية أو الادارة الأميركية أو أي طرف عربي سيكون مستعداً أو راغباً في تعريض امكان تحقيق السلام مع سورية لأي خطر. بل ان هناك اجماعاً في نظري على التمسك بسورية وابقائها ضمن عملية السلام كطرف وشريك رئيسي فيها".
سورية والسلام الشامل:
وهكذا يظل السؤال الكبير، بعد قمة شرم الشيخ كما قبلها، هو ذلك المتعلق بدمشق ودورها في العملية السلمية وما وراءها، أي موقع سورية على خريطة الشرق الأوسط مستقبلاً. فهي مطلوبة كطرف شريك في السلام وفي أي تحالفات اقليمية جديدة يمكن ان تسفر عنه. لكن ظروف هذا الموقع لم تنضج تماماً بعد، أقله من المنظور السوري. ومرة أخرى تبرز معادلة بسيطة: لا سلام شاملاً في المنطقة من دون سورية. واذا كانت دمشق، ومعها بيروت، فضلتا البقاء بعيداً عن قمة شرم الشيخ، فإن أي حديث عن دعم العملية السلمية لن يكون كفيلاً بالوصول الى أهدافه من دون العودة الى تحريك المسار السوري - الاسرائيلي في المفاوضات. أما مكافحة الارهاب فيمكن ان تحقق بعض أهدافها على المستوى الميداني والعملياتي، لكن نجاحها بالكامل سيظل مرتبطاً بالوصول الى السلام الشامل المنشود. وكما قال الرئيس مبارك في ختام القمة: "ليس المهم مدريد أو واشنطن أو شرم الشيخ… المهم هو الوصول الى السلام".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.