أثار حادث انفجار صاروخ قرب مسجد بلدة فوروارد كاهوتا الحدودية في الشق الذي تسيطر عليه باكستان من ولاية كشمير المتنازع عليها الاهتمام مجدداً بقضية تلك المنطقة. وأكد مرة أخرى ان قضية كشمير نموذج لقضية الفرص الضائعة أو تلك التي يهدرها السياسيون لخدمة أهدافهم ومصالحهم. اما بالنسبة الى الكشميريين - وغالبيتهم مسلمون - فليست دماء ضحايا صاروخ كاهوتا سوى استمرار لنزاع عجز مجلس الأمن عن حله منذ العام 1948. ونفت الهند ان تكون قواتها اطلقت الصاروخ الذي انفجر قرب مسجد فوروارد كاهوتا وأسفر عن مقتل واصابة عدد من الأهالي. وبادر مراقبون الى الاشارة الى ان استغرابهم من النفي الهندي الذي رافقه تلميح الى ان القوات الباكستانية ربما أطلقت الصاروخ خطأ على مواطنيها. وقالوا ان ذلك يستحيل عملياً، اذ ان القوات الباكستانية ترابط على خط التماس أمام القرية، ولا يمكن ان ينطلق صاروخ الى الامام ثم يغير اتجاهه عكسياً ليسقط وراء الخط الذي اطلق منه. ويتولى اثنان من مجموعة مراقبي الاممالمتحدة المنتشرين في المنطقة منذ نهاية العقد الرابع التحقيق في الحادث الذي أثار غضباً حكومياً شديداً في اسلام أباد. وجدد مخاوف من ان يساهم في زيادة التسابق على التسلح بين الهندوباكستان اللتين تتنازعان السيادة على كشمير منذ استقلال الهند. ومع صيحات الغضب الباكستانية والتحفز الهندي للرد على أي تهديدات محتملة، طفا على السطح مجدداً السؤال المعلق منذ زمن طويل: هل من حل لمشكلة كشمير؟ وكانت الاضواء تسلطت على الاوضاع في كشمير في تشرين الثاني نوفمبر الماضي عندما رفضت المحكمة العليا في الهند اجراء الانتخابات النيابية في الولاية حسبما اقترح رئس وزراء الهند ناراسيما راو. وفضحت الضجة التي نشبت على الاثر موقف السياسيين الهنود ازاء كشمير ومستقبلها، ما دعا كثيرون من المتعاطفين مع القضية الى ابداء مزيد من الاشفاق على سكان كشمير. تاريخ الدم والخيانة عندما بدأ راو مشاريعه لاجراء الانتخابات في كشمير كان يأمل في الحصول على حلفاء جدد يستعين بهم على هبوط شعبيته في نيودلهي. لذلك صرح بأنه مستعد للتفاوض من دون قيد أو شرط على منح الكشميريين حكماً ذاتياً. غير انه عدل عن موقفه بعدما عمد صقور حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه الى عرقلة انتخابات كشمير. وأوضح راو انه قصد انه لن يتجاوز في اي مفاوضات في شأن وضع كشمير ما اتفق عليه الكشميريون مع رئيسة الوزراء الراحلة انديرا غاندي العام 1975. وكان اتفاق 1975 الذي أبرمه اسد كشمير الشيخ عبدالله مع السيدة غاندي أثار النقمة عليه من معظم انصاره السابقين الذين اتهموه بأنه "غدار" يريدون بها رميه بالخيانة. غر ان ذلك الانشقاق في صفوف الكشميريين يعد عاملاً اساسياً وراء اطالة أمد محنتهم. وحصر النزاع الى درجة كبيرة، في تناحر بين فئة تفضل الانضمام الى باكستان، وأخرى تفضل البقاء ضمن السيادة الهندية، وفئة ثالثة تحلم باستقلال تام. ولعب الشيخ عبدالله دوراً حيوياً ومهماً في التاريخ السياسي الحديث لكشمير. ومع انه بدأ حياته السياسية في اواساط الثلاثينات بتزعم "المؤتمر الاسلامي"، وهي تسمية تنظر نظراً شديداً الى اسم حزب المؤتمر الهندي الذي قاد الكفاح الذي توج بالاستقلال، الا انه فاجأ انصاره العام 1938 بتخليه عن "المؤتمر الاسلامي" ليكون "المؤتمر الوطني" الذي دعا الهندوس والسيخ الى الانضمام اليه بمواجهة "الرابطة الاسلامية" التي تولت لاحقاً فصل باكستان عن الهند. ومنذ ذلك الوقت وباكستان تدعي ان الولاية ذات الغالبية المسلمة يجب ان تكون جزءاً من أراضيها. بينما تدعي الهند ان العلمانية هي الأصل في كشمير ولذلك ينبغي ان تبقى في اطار وحدة الدولة الهندية. وظهر منذ البداية ان "أسد كشمير" كان متضايقاً من "الوصاية الباكستانية"، وان تمسك بحق أهله في تقرير مصيرهم. وعندما اندفعت جموع الكشميريين في مقاومة الباكستانيين والهنود، رأت الهند نقل النزاع الى مجلس الأمن الدولي الذي قرر العام 1948 ان يحدد أهل كشمير في استفتاء عام مصير بلادهم "عندما تعود الامور الى نصابها الطبيعي". وعندما حصلت الهند على استقلالها امكن اقناع كل الولايات التي كان تحكمها عائلات مالكة مستقلة بنفسها بالانضمام الى وثيقة الاستقلال التي ترغمهم على التنازل عن ادارة شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية والاتصالات للدولة المركزية. وما ان حل العام 1949 حتى حولت الوثيقة الى اندماج بين جميع ولايات البلاد عدا كشمير. ترتيبات خاصة لذلك رأى "الآباء المؤسسون" للهند ان تمنح كشمير وضعاً خاصاً معترفاً به في الدستور. وتم التوصل على الاثر الى ما يعرف في ادبيات السياسة الهندية بالمادة 370 التي تنص على ان كشمير جزء من الهند لكنها تملك حق اختيار. أما الحكم الذاتي أو الانضمام الكامل الى الهند أو اجراء استفتاء لتقرير المصير. وتقرر السماح، في نطاق تلك الترتيبات الدستورية، الغريبة، لكشمير بتكوين مجلسها النيابي الخاص بها الذي منح وحده صلاحية تعديل او الغاء المادة 370 التي أقرها المجلس الكشميري العام 1954. غير انه بسبب خلافات واضطرابات جرى حله العام 1956. ومنذ ذلك الوقت وثمة أزمة مستحكمة: اذ ان البرلمان الهندي لا يملك حقاً يخوله تعديل المادة 370 من دون موافقة برلمان كشمير، غير ان الاخير غير مجود عملياً منذ 1956. ويقول القانونيون انه حتى اذا ألغيت المادة المذكورة من دستور الهند فان كشمير لاتزال تملك حق اجراء استفتاء لتقرير مصيرها ومن ثم تدويل النزاع.، وينص منطوق المادة 370 على ان من بين مواد الدستور الهندي البالغ عددها 398 مادة لا تسري على كشمير سوى مادتين هما: المادة الاولى التي تعرف الحدود الاقليمية للهند والمادة 370 نفسها التي تنص على ان البرلمان الاتحادي الهندي لا يملك ان يفرض تشريعاً على كشمير الا في مجالات الدفاع والاتصالات والشؤون الخارجية. وأمضى السياسيون ورجال القانون الهنود سنوات عدة يحاولون التخلص من تبعات ذلك الوضع القانوني الشائك والمعقد، حتى تمكن رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو من ابرام ما عرف ب "اتفاق دلهي" العام 1952 مع الشيخ عبدالله الذي عين رئيساً لوزراء كشمير. غير ان صقور نيودلهي الذين رأوا ان نهرو قدم لأسد كشمير قدراً من التنازلات أكبر مما يستحق عرقلوا تنفيذ "اتفاق دلهي". وفي العام التالي لفقت السلطات الهندية للشيخ عبدالله تهمة التآمر على وحدة البلاد، وقبضت عليه وحكمت عليه بالسجن. وعينت بخش غلام محمد خلفاً له. وبدأت نيودلهي برنامجاً مكثفاً لفرض كل نصوص الدستور الهندي على كشمير. واتهم الكشميريون بخش غلام بأنه دمية في يد الهند. واستغل "أسد كشمير" تلك النقمة الشعبية ليكون مع حلفائه "جبهة الاستفتاء" التي عبأت الجماهير في ارجاء الولاية للثورة ضد السيطرة الهندية. وفي 1965 قررت الهند القضاء على آخر ما بقي من "اتفاق دلهي" وذلك بالغاء منصبي "صدر الرياسة" الرئيس و"الوزير الاعظم" رئيس الوزراء اللذين كانا أكبر منصبين تنفيذيين في كشمير. واستمر الوضع مضطرباً في الولاية حتى العام 1975 عندما وقع "أسد كشمير" اتفاقاً مع انديرا غاندي. وينص اتفاق 1975 على ان تبقى المادة 370 قانوناً أساسياً يحكم العلاقة بين الهند وكشمير، لكنه نص ايضاً على ان تبقى مواد الدستور التي طبقت على كشمير بعد العام 1953 سارية المفعول. وسرعان ما غضب الكشميريون على الشيخ عبدالله الذي اعتبروه انتهازياً. الأسد العجوز وخاض الأسد العجوز انتخابات الولاية التي اجريت العام 1977 وحقق مكاسب فيها بصعوبة شديدة، ولم يكن بمستطاعه تحقيق فوز يذكر ما لم يتخذ موقفاً معادياً للمركز نيودلهي وموالياً - بشكل غير معلن - لباكستان. غير انه ووجه بعاصفة مدمرة تمثلت في اتهام معظم وزرائه بالفساد. وهي الاتهامات نفسها التي طاولت ابنه فاروق عبدالله الذي تولى الزعامة بعد وفاته. بل بقيت الاتهامات التي وجهت الى الأب بموالاة المراكز منذ الخمسينات تلاحق الابن الذي نقم عليه مواطنوه بعدما شاهدوه العام 1987 يصافح رئيس وزراء الهند الراحل راجيف غاندي. ونجحت نيولهي في اقناع شاه صهر فاروق بالتآمر عليه حتى تمكن من اطاحته. وبعد اتهام فاروق بتزوير الانتخابات برزت الى السطح حركة انفصالية قوية العود. وتتصدر حركة الانفصال وهو مصطلح تطلقة الصحافة الهندية على أي مناوئ للسيادة الهندية على كشمير جماعات دينية متشددة تقول انها منعت من ممارسة حقوقها الديموقراطية لأنها تمثل شعباً غالبيته من المسلمين، وان الحل يتمثل اما في قيام دولة كشميرية مستقلة أو بالانضمام الى باكستان المسلمة. وتشمل حركة الانفصال مجموعات من الشبان الكشميريين الناقمين على الهند وعلى السياسيين الكشميريين المعتدلين. وينادي هؤلاء بالحرية الكاملة لكشمير، وفي اسوأ الحالات الانضمام الى باكستان، ويرى هؤلاء انه لم يعد ثمة سبب يعيد الثقة المفقودة بالهند التي رفضت السماح للكشميريين بانتخاب برلمانهم بطريقة ديموقراطية حرة، بل حرموهم من ممارسة الحكم الذاتي الذي نص عليه اتفاق المادة 370. وهكذا فأن اجراء انتخابات بقوة السلاح أو استخدام الصواريخ لترويع الكشميريين لن يحلا المشكلة، بل قد يزيدا الشعور بالحاجة الى الانفصال التام. خصوصاً ان طبقة جديدة من السياسيين في نيودلهي غدت تحذر من ان استقلال كشمير يعني عملياً السماح ب "افغانستان جديدة" في شبه القارة الهندية. وذكر الزعيم الكشميري فاروق عبدالله انه يطالب باعادة تطبيق اتفاق العام 1952، "سأنتظر حتى لو استغرق الأمر مئة سنة". وقال انه على استعداد لمصافحة رئيس وزراء الهند مرة اخرى" على امل ان يكونوا الهنود تعلموا من اخطائهم، ففي السياسة عليك ان تبقي الباب مفتوحاً وتواصل كفاحك".