أكد زوو هانمين، الأستاذ الجامعي الصيني العضو في لجان حكومية اقتصادية رفيعة المستوى وتجمعات سياسية في شنغهاي، أن «الأزمة الاقتصادية في أميركا سببها مالي، فالمشكلة تعود إلى المصارف والشركات المالية الأميركية، ولم تتوقعها أي دولة قبل حصولها». وقال ل«الحياة» على هامش «قمة الأجندة العالمية» للمنتدى الاقتصادي العالمي، إن الصين «تبذل منذ الأزمة جهوداً جبارة للحفاظ على الاستقرار المحلي، فاستثمرت أربعة ترليونات دولار في مشاريع بعيدة الأجل في البنية التحتية. ولفت زوو، الذي شارك في اجتماعات «مجلس الصين» في «مجلس أجندة المنتدى الاقتصادي العالمي»، إلى أن الاقتصاد الصيني يسلك مساراً جيداً وسيحقق نمواً بنسبة 9.5 في المئة هذه السنة. وأفاد بأن الصين تعتمد سياسة الانفتاح الاقتصادي منذ 33 سنة، كانت قبلها بلداً فقيراً. فعام 1978، كان حجم التجارة الصينية الإجمالي مع العالم 21 بليون دولار، لكن البلاد أصبحت العام الماضي أكبر مصدّر عالمياً وثاني أكبر مستورد، بتبادل تجاري مع دول العالم ناهز ثلاثة تريليونات دولار. وتابع أن هناك نمواً في الاستهلاك المحلي الصيني، على عكس ما يعتقد الرأي العام الغربي، لافتاً إلى أن الأسبوع الماضي تزامن مع عطلة رسمية طويلة في البلاد، سافر فيها نحو 350 مليون صيني، داخل البلاد وخارجها، وأنفقوا مبالغ مالية ضخمة، مشيراً إلى وجود رحلات يومية لناقلات إماراتية بين مدن صينية والإمارات، وبالتالي، بدأ الصينيون يسافرون إلى الخارج ويستهلكون كسواهم من الجنسيات الأخرى. وحول سياسة رفع الأجور في البلاد، أوضح ل «الحياة» أن الحكومة الصينية تعتمد قاعدة مفادها أن «النمو في دخْل المواطن يجب أن يكون أسرع من نمو معدل التضخم السنوي». وأضاف أن نسبة رفع الأجور تختلف بين مقاطعة صينية وأخرى، وشنغهاي التي يقطنها 23 مليون شخص (من أكبر المدن عالمياً) أقرت العام الماضي 9.5 في المئة زيادة على دخل الموظفين في القطاع. وتابع أن شركات القطاع الخاص في البلاد، صينية كانت أم مشتركة مع شركات أجنبية، باتت تشكل 55 في المئة من اقتصاد البلاد ككل، وتوظف 60 في المئة من اليد العاملة في البلاد وتشكل 70 في المئة من الدخل الضريبي للدولة. ودخلت البلاد العام الماضي 100 بليون دولار استثمارات أجنبية مباشرة. البطالة في الدول المتقدمة وحول اتهام الصين بأنها سبب رئيس لارتفاع البطالة في الدول المتطوّرة، خصوصاً في قطاع الصناعة، أوضح زوو أن قرار إنتاج سلعة ما في بلد معيّن، كهاتف «آي فون»، تحدده معايير العرض والطلب. ولفت إلى أن العامل الصيني لديه «أفضلية تنافسية»، وإلا لما اختارت شركات أجنبية الإنتاج في الصين، فالشركات تتوخى الربح فقط لا غير. وتابع أن 10 في المئة فقط من مردود إنتاج كل جهاز «آي فون» واحد تذهب أجراً للعامل الصيني، في حين أن ال90 في المئة الباقية تعتبَر ربحاً للشركة صاحبة المُنتج، أي «آبل» الأميركية. ولفت إلى أن بعض الشركات الأميركية قرر أخيراً إعادة الإنتاج إلى أميركا، بسبب ارتفاع أجر العمال في الصين وتكاليف الشحن. وأوضح أن الصين، بسبب التركيز على الصناعة، تعاني نسبة تلوّث بيئي مرتفعة، وهي مضطرة إلى إيجاد وظائف لمواطنيها ولا يمكنها التوقف عن تطوير الصناعة، لكن الحكومة فرضت شروطاً حازمة على المصانع من ناحية النظافة البيئية، وتقوم بدورها في هذا المجال. وحول الشائعات في سوق المعادن بأن الصين تَمنع تصدير معادن الأرض النادرة المستخدمة في صناعات متطوّرة عدة، أكد أن بكين «لا تزال تلتزم كلَّ العقود الموقعة من شركات وجهات دولية، وتسلّم التزاماتها في وقتها»، واعتبر في رأيه الشخصي أن «هناك دولاً كاليابان قد تكون تضخّم الموضوع لمصلحة خاصة». سعر صرف اليوان وحول الضغوط المتكررة على البلاد لرفع سعر صرف اليوان أمام الدولار، أوضح زوو أن الدولة الصينية اتخذت قراراً بتصحيح السعر في الأجل البعيد، أي تدريجاً، فقبل عقد كان سعر صرف اليوان 7.8 للدولار وأصبح حالياً نحو 6.5 يوان للدولار، و «سعره اليوم يناسب متطلبات العرض والطلب في سوق القطع»، مضيفاً أن الولاياتالمتحدة، في رأيه، «تعتمد سياسة الضغط على الصين لأنها اقتصاد صاعد بقوة، تماماً كما فعلت مع اليابان منذ ثلاثة عقود، حين كانت اقتصاداً صاعداً وأصبحت بعدها ثاني أكبر اقتصاد عالمياً». واعتبر أن «لا يمكن الانصياع لرغبات دولة واحدة، فهناك احتياجات ل 1.3 بليون مواطن صيني على الدولة الاهتمام بها». وأوضح أنه «في حين أن الصين لديها فائض تجاري كبير مع أميركا، لديها من ناحية أخرى عجز تجاري مع دول كثيرة، منها دول أوروبية ودول الخليج العربي واليابان، لكن أحداً لا يلاحظ هذا الواقع». واختتم بأن «العَولمة هي ظاهرة عالمية مُشتركة، لا عودة بعدها إلى الوراء»، وهناك مصلحة للصين ومسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع الدولي للمساعدة في حل المشكلات الاقتصادية المستجدّة في أوروبا وأميركا وعالمياً «لأننا كلنا في باخرة واحدة»، وتوقع أن «يسير العالم نحو تأسيس قيادة عالمية جديدة برعاية مجموعة من الدول الصناعية والصاعدة وقوى إقليمية، عوضاً من أن يكون أحادي القيادة، أي بزعامة أميركا وحدها».