باشرت اللجنة المكلفة إعداد "قانون تجريم تحالف الاحزاب مع جماعات غير شرعية"، وسط تكتم شديد، إعداد الصياغة النهائية لمشروع القانون تمهيداً لعرضه على مجلس الشعب البرلمان في دورته الحالية. ويرأس اللجنة المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل، وتضم في عضويتها المستشار فتحي جويلي وآخرين من اللجنة التشريعية في المجلس. وجاء تشكيل اللجنة وإعداد مشروع القانون في ضوء تكليف مراجع عليا وزير العدل، في وقت لاحق لتشكيل وزارة الدكتور الجنزوري، اعداد مشروع قانون يسد كل الثغرات القانونية التي ينفذ منها "الارهابيون" إلى الحياة السياسية من خلال من يساندونهم او يتعاطفون معهم، ويحمي القيادات الفكرية والمثقفين من تهديد الجماعات المتطرفة. وعلمت "الوسط" أن مشروع القانون الجديد ينص على تجريم تعامل او تحالف الاحزاب السياسية - الحاصلة على ترخيص من لجنة الاحزاب في مجلس الشورى - مع الجماعات غير الشرعية غير المعترف بها رسمياً، او تلك التي أصدرت السلطات الرسمية قرارات بحلها، او تلك التي شارك اعضاء منها في اعمال ارهابية يعاقب عليها القانون. وتجرم نصوص مشروع القانون، حصول الأحزاب الشرعية على أية اموال أو أي شكل من اشكال الدعم المادي من تلك الجماعات، كما تجرم نشر دعايات هذه الجماعات في الصحف الناطقة بإسم الأحزاب، باعتبار ان هذه الجماعات "تعمل على هدم النظام الاساسي للدولة والمجتمع". وكذلك تجرم اقامة الاحزاب السياسية أية علاقات مع الحكومات او المنظمات الاقليمية والدولية المتورطة في دعم الارهاب الموجه ضد مصر ومساندته. ويحدد مشروع القانون المقترح عقوبة تقضي بسحب الترخيص من الأحزاب التي تخالف هذه النصوص، وبتجميد نشاطها وتقديمها إلى محكمة خاصة بتهمة "مساندة الارهاب"، ويمنح المحكمة صلاحيات حل هذه الأحزاب والغاء ترخيصها السياسي والتنظيمي والدعائي المسموح به. وتوقعت دوائر سياسية أن تثير نصوص المشروع تساؤلات مهمة عن مستقبل حزب العمل برئاسة المهندس ابراهيم شكري، الذي لا يتوانى عن اعلان تحالف حزبه مع "الاخوان المسلمين"، كما لا تتوانى صحيفته "الشعب" عن الدفاع عن الحكم الحالي في السودان. ومعلوم ان الحكومة وقياداتها الحزبية كثيرا ما اتهمت حزب العمل وصحيفته ب "مساندة الارهاب"، على رغم نفي قيادات الحزب هذا الاتهام مراراً. مخاوف حزب العمل من جهة أخرى تسود أوساط حزب العمل حال من الترقب والحذر والقلق، خصوصاً بعدما وصلتها أنباء مفادها ان احد المسؤولين قال في جلسة خاصة إن عام 1996 هو عام حزب العمل، وكذلك بسبب عدم دعوة رئيس الحزب، ورئيس تحرير جريدة "الشعب" الى لقاءين عقدهما الدكتور كمال الجنزوري، بعد توليه رئاسة الوزارة، مع رؤساء الاحزاب ورؤساء تحرير الصحف. وعلى رغم ان معظم قيادات حزب العمل يشعر بالقلق والخوف على وجود الحزب، الا ان ثمة توقعات مختلفة بينها أن قادة في الحزب يستبعدون اقدام الحكومة على تقديم الحزب مباشرة الى لجنة شؤون الاحزاب وطلب تجميد نشاطه، لاعتقادهم بان لذلك ثمناً سياسياً بحكم معارضة الاحزاب الاخرى هذا الاجراء، واحتمال اتخاذ موقف جماعي منه، خصوصاً بعدما اعلنت احزاب المعارضة، في ختام اجتماعاتها المشتركة على أثر ظهور نتائج انتخابات مجلس الشعب، وقوفها ضد تصفية أي حزب من الاحزاب القائمة. ويرجح هؤلاء ان يتم ضرب الحزب بهدوء من خلال الظروف المالية الصعبة التي يعانيها وصحيفته، بما يجعل نشاطه مجمداً بصفة واقعية وبما يعطل صدور الصحيفة. ويستندون الى القرار الذي اتخذته لجنة شؤون الاحزاب في مجلس الشورى أخيرا، وينص على خفض الدعم السنوي لكل حزب من الاحزاب من 100 الف جنيه الى 50 الف جنيه فقط. وكذلك بعد قرار منع الاحزاب من تنظيم بعثات الحج، وهي العملية التي كانت تدر دخلا سنويا كبيرا لكل حزب. ويزيد من اقتناع اصحاب هذا الرأي الظروف المالية التي تتعرض لها جريدة "الشعب" حالياً. فاضافة الى ما يسميه المسؤولون عن الصحيفة "الحصار الاعلاني" المفروض عليها، هناك مؤشرات جديدة تضاعف المتاعب المالية، منها مثلا مطالبة هيئات حكومية الجريدة أخيرا بسداد نحو ثلاثة ملايين جنيه، قيمة متأخرات عن ضريبة الدمغة الصحافية 36 في المئة من قيمة الاعلانات، وكذلك مطالبة هيئة التأمينات الاجتماعية الصحيفة بسداد متأخرات التأمينات الاجتماعية على الصحافيين والعاملين فيها. لكن قيادات اخرى في العمل ترى ان الحكومة ستقدم على خطوة تجميد نشاط الحزب، وأن سقوط ابراهيم شكري للمرة الأولى في تاريخه من الاربعينات، في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، مؤشر إلى ذلك. ولفتت إلى ان عدم دعوته ورئيس تحرير "الشعب" إلى لقاء رئيس مجلس الوزراء مؤشر آخر دُعي شكري بصفة رسمية إلى الاحتفالات بعيد الشرطة الشهر الماضي. وتطالب هذه القيادات باجراء تغيرات سياسية في الخطة السياسية للحزب، لخفض حال التوتر بينه وبين الحكومة، ولوقف إتجاه الوضع الى صدام معها سيكون هو الخاسر فيه. وحددت رؤيتها للتغيير باعلان فض التحالف مع "الاخوان المسلمين"، معللة ذلك بعدم مساندة "الاخوان" مرشحي حزب العمل في الانتخابات الاخيرة، وكذلك باتخاذ موقف مغاير للموقف الحالي من الحكم في السودان، بانتقاد انتهاك هذا الحكم الحريات. وتطالب هذه القيادات أيضاً باعلان موقف حاسم من قضايا التطرف والارهاب. ويرى مراقبو الحياة الحزبية في مصر ان ثمة سيناريو آخر لتجميد نشاط الحزب عملياً، وهو احتمال حدوث انفجار داخلي في صفوفه يؤدي إلى صراعات تشل فاعليته السياسية لفترة ليست قصيرة، بما يجعل الحكومة في وضع لا ترى ضرورة لاحالته على لجنة الاحزاب. ويعتقد هؤلاء بأن هذا الاحتمال قد يؤدي إلى انقسام بالطريقة التي حدث بها انقسام آذار مارس 1989. ويرجح هؤلاء المراقبون ان يدور الخلاف داخل الحزب على قضية التحالف، وديموقراطية اتخاذ القرار وسيطرة مجموعة سياسية بعينها على مقاليد الحزب. الأزمة التي تتفاعل الآن بين الحكومة وحزب العمل، ازمة قديمة تبرز حيناً وتخفت حيناً آخر وتتخذ اشكالا متعددة، مع ان الحزب نفسه، شهد في اثناء تشكيله، عام 1978، مساندة كبيرة من الدولة، إذ رأت فيه وقتها صمام الامان لحركة المعارضة السياسية، خصوصاً بعدما تصاعدت الخلافات بين الحكم وقطبي المعارضة الرئيسيين يومها، الوفد والتجمع. وأبدى الرئيس الراحل انور السادات حماسة شديدة لتشكيل العمل، وأمر عدداً من نواب حزبه "حزب مصر" وقتها بالانضمام إليه، حتى ان المرحوم محمود ابو وافية - صهر الرئيس السادات نفسه - انضم الى العمل وشغل موقعا رئيسياً في قيادته. ومعروف ان حزب العمل لم يتخذ في البداية موقفاً رافضاً لاتفاقات كامب ديفيد التي رفضتها الاحزاب الاخرى ودانتها، اذ كان موقفه التحفظ عنها من دون رفضها. لكن مواقف الحزب تطورت في ما بعد بخلاف ما تصور السادات، إذ وقف ضد الكثير من سياساته. الامر الذي انعكس على موقف الرئىس، حيث كان الدكتور محمد حلمي مراد الامين العام وقتها على قائمة المتحفظ عليهم في ايلول سبتمبر 1981. وعلى رغم التهدئة التي سادت الحياة السياسية، بعد تولي الرئيس حسني مبارك الحكم، فإن اولى علامات توتر العلاقة من جديد بين الحزب والحكومة ظهرت في 1985 بعد تولي عادل حسين مسؤولية رئاسة تحرير صحيفة الحزب، بدلا من حامد زيدان، وتصاعد التوتر الى عام 1989، عندما اعلن الحزب تبنيه شعار "الاسلام هو الحل" في مؤتمره العام الخامس 1989، والذي لم تر فيه الحكومة والدوائر السياسية تحولا فقط في الخط السياسي للحزب وبرنامجه اقر الحزب برنامجا جديدا، بل عدته أيضاً مشاركة فعالة لجماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة التي سمحت قيادتها لبعض الكوادر بالانضمام الى الحزب. وزاد من اقتناع الحكومة بحدوث التحول انه جاء في اعقاب اعلان "التحالف الاسلامي" في انتخابات 1987 والذي سعى إليه حزب العمل بقوة ولعب الدور الاساسي في تحقيقه، وكذلك بداية كتابة رموز وقيادات من "الاخوان" بصفة دائمة في صحيفة "الشعب" مما جعلها صحيفة مشتركة بين الطرفين. وفي حين تصاعد موقف حزب العمل في تبني فكرة التحالف مع "الاخوان"، وتعززت رؤيته في طرح شعارات الاسلام السياسي في مؤتمره العام السادس عام 1993، وإذ عارض بقوة موقف الحكومة اثناء ازمة الخليج الثانية، فإن حدة الخلاف والصراع مع الحكم تصاعدت بدورها، إذ استدعت نيابة امن الدولة كلا من رئيس الحزب المهندس ابراهيم شكري ونائبه الدكتور محمد حلمي مراد وأمينه العام عادل حسين ورئيس تحرير صحيفته مجدي احمد حسين، وحققت معهم في بعض ما نشرته الصحيفة، واحتجز نائب رئيس الحزب لمدة يوم لاستكمال التحقيقات، وأوقف الامين العام نحو شهر للسبب نفسه. التوتر دائم إذاً بين الحزب والحكومة، والاتهامات متبادلة. و"التحالف الاسلامي" معلن منذ 1987، وبناء عليه دخل اعضاء من "الاخوان المسلمين" مجلس الشعب تحت مظلة حزب العمل. ووقتها حدثت ازمة كبيرة استندت فيها الحكومة الى قانون 40 لسنة 1977 الذي يمنع قيام الاحزاب على أسس دينية وإلى القانون الرقم 188 لسنة 1986 الذي نص في المادة "5 مكرر" على ان تكون لكل حزب قائمته الخاصة في الانتخابات، وانه لا يجوز ان تتضمن القائمة الواحدة غير مرشحي حزب واحد. ورد العمل بأن القانون نفسه لم يشترط تحديدا ان يكون المدرجون في قائمة الحزب من اعضائه فقط. واحتج بأن "الاخوان" تحالفوا في انتخابات عام 1984 مع حزب الوفد ولم تعترض الحكومة. وترى قيادة العمل ان موقفه من السودان معلن منذ 1989، أي منذ وقوع انقلاب الفريق عمر البشير، ولم تطلب الحكومة حل الحزب بسبب هذا الموقف. إذاً ما الجديد الذي يدفع المراقبين إلى القول إن ساعة حزب العمل قد حانت؟ هنا يربط المراقبون هذه التطورات بسياق ما تم مع "الاخوان المسلمين" من خلال خطين: الاول هو توجيه ضربات مجهضة إلى البناء التنظيمي للجماعة خصوصاً العمود الفقري، والثاني هو تشديد الحصار الاعلامي والشعبي حولها. وهنا يأتي سياق حزب العمل ضمن تصفية نفوذها. والجديد الثاني هو التصاعد الحالي في الموقف ضد السودان، والذي تشير تحليلات عدة الى ان اختناق الحكم هناك وسقوطه اصبحا مسألة وقت. ومن ناحية ثالثة فإن الحكومة باتت منذ فترة في موقع الهجوم لا الدفاع، في ما يتعلق بضرب جماعات التطرف، وهي تعتقد الحكومة بأن من دافع او يدافع عن تلك الجماعات مباشرة او مداورة قد حان. أي السيناريوهات سيتحقق؟ هذا ما ستكشفه الايام المقبلة.