لا يزال الوضع في أفغانستان يتسم بعدم الاستقرار والهشاشة. ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل على الصعيد السياسي تتشكل كل يوم تحالفات وكتل جديدة. والفرقاء الأفغان ليسوا أحسن حالاً مما كانوا عليه عشية سقوط نظام الرئيس الشيوعي الدكتور نجيب الله. وأكثر ما يلفت إلى غموض الوضع الأفغاني أن الخط المنطقي المتوقع لبروز التحالفات العسكرية ينقطع كل يوم نتيجة ادلاء كل من أطراف الأزمة بتصريح يدل على موقف معاد منه لفصيل يفترض أن يقاتل معه في خندق واحد. ففيما يتعلق الرئيس برهان الدين رباني بالأمل في التحالف مع قوات الجنرال الأوزبكي عبدالرشيد دوستم، يعلن الأخير أنه لا يعترف بحكومة رباني التي أطاحها دخول قوات "طالبان" العاصمة كابول قبل أسابيع. وفيما يعلن وزير الدفاع السابق أحمد شاه مسعود أن قواته صدّت رجال "طالبان" من هذا الموقع أو تلك القاعدة بمساعدة قوات دوستم، ينبري الأخير ليعلن أنه لا يزال يلتزم الحياد في النزاع الأفغاني. ومع أن قعقعة السلاح لم تصمت يوماً في أفغانستان منذ بدء الجهاد ضد القوات السوفياتية قبل نحو 17 عاماً، إلا أن القوى الأجنبية - وهي اقليمية في الضرورة - المتهمة دوماً بالتدخل في الشأن الأفغاني لا تزال تحاول أن تلعب دوراً أشد تأثيراً في التسوية المحتملة للنزاع. ويبدو أن النزاع الأفغاني أشد استعصاء على الحل مما تعتقد عواصم عدة، والدليل على ذلك ان "عاصمتي" أفغانستان الحاليتين - كابول ومزار الشريف معقل دوستم - تستضيفان عدداً من المبعوثين الأجانب، فهناك الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوث الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ووزير داخلية باكستان. وخصص دوستم ساعات طويلة من وقته لمقابلة مندوبي رؤساء الجمهوريات السوفياتية السابقة التي تخشى أن يتسع نطاق سلطات "طالبان" ليهدد أمنها. وعرضت إيران وتركيا استضافة محادثات بين الفرقاء الأفغان، غير أن الثقة المفقودة بين بعض أولئك الفرقاء وطهران من جهة، وأنقرة من الجهة الأخرى، جعل تلك المساعي تبدو حرثاً في البحر. وتتضاءل أهمية الأزمة الأفغانية أحياناً حتى ينحصر اهتمام المتابعين بهل سيدخل أحمد شاه مسعود كابول أم ان دوستم سيتفق مع "طالبان" على صيغة مشاركة في الحكم. هذه الأسئلة وغيرها حملت "الوسط" على التحدث إلى اثنين من الأطراف الرئيسية الثلاثة في الساحة الأفغانية، وهما المهندس مسعود والجنرال دوستم. اتهم المهندس أحمد شاه مسعود وزير الدفاع الافغاني السابق الذي تخوض قواته قتالاً ضارياً ضد قوات حركة طالبان لاستعادة السيطرة على العاصمة كابول بعد انسحابها منها قبل بضعة أسابيع، حليفه المهندس قلب الدين حكمتيار، بإفساح المجال لقوات طالبان للوصول الى محيط العاصمة بسرعة. وقال في حديث هاتفي مع "الوسط" في مقر قيادته في جبل السراج، ان حركة طالبان تضعف يوماً بعد يوم وليس أمامها غير اخلاء العاصمة. ووصف مسعود تحالفه مع الجنرال الاوزبكي عبدالرشيد دوستم بأنه ليس موقتاً، وقال انه يرتكز على مبادىء أساسية، أهمها الحفاظ على استقلال افغانستان ومنع التدخل الأجنبي. وكشف ان قواته تحتجز أسرى باكستانيين قال انهم كانوا يقاتلون في صفوف طالبان. وفي ما يأتي نص الحوار: كيف تفسر عدم قدرتكم على الدفاع عن كابول على رغم انكم كنتم تسيطرون عليها منذ بضع سنوات؟ وبماذا تبررون انسحابكم السريع؟ - على مدى أربع سنوات قاومنا كل المؤامرات والخطط التي كانت تستهدف اسقاط كابول. ولم يكن بوسع حركة طالبان اختراق خطوطنا الدفاعية في محيط العاصمة والأماكن الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية. لكن الذي حصل في وقت لاحق ان قوات حركة طالبان توجهت الى جلال آباد ومنها الى ساروبي، وهذه المنطقة كانت تخضع لنفوذ الحزب الاسلامي وقواته بزعامة المهندس قلب الدين حكمتيار. هل يعني كلامك هذا أن قوات حكمتيار هي المسؤولة الى حد كبير عما حدث؟ - كان من واجب قوات الحزب الاسلامي الدفاع عن المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتها خصوصاً أن انتشار قواتنا هناك لم يكن ممكناً، ولم تكن الفرصة متاحة لنا للانتشار في محيط جلال آباد أو غيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة المهندس حكمتيار قبل بدء هجمات قوات طالبان ضدها تمهيداً لاحتلالها لاحقاً. ولعله من المفيد القول انه فقط في الليلة التي سبقت سقوط جلال آباد في أيدي قوات حركة طالبان أفسح المجال لقواتنا للدفاع عن المدينة، لكن هذه الفرصة جاءت متأخرة، بل جاءت بعدما تمكنت قوات طالبان من السيطرة على المناطق الخاضعة لنفوذ حكمتيار. متى تتوقع أن تحسم المعركة في كابول لمصلحتك؟ - نقوم حالياً بالتحضيرات اللازمة لهذه المعركة، وآمل في الوقت نفسه أن نجنب هذه العاصمة العزيزة المعركة التي تزيد من الاضرار التي لحقت بها على مر السنين بسبب الحروب والاشتباكات، من خلال موافقة قادة حركة طالبان على اخلاء المدينة وافساح المجال أمام الأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي للتدخل لوضع آلية أو صيغة مشروع سلام. وإذا رفضت حركة طالبان هذه الصيغة؟ - اعتقد أنهم سيمرون بنفس التجربة التي يمرون بها حالياً في شمال العاصمة كابول، اضافة الى أن سكان كابول نفسها بدأوا يعدون العدة للانتفاضة ضد حكم طالبان. هل تعتقد أن الحوار لا يزال ممكناً مع طالبان؟ وهل لا يزال هناك أمل في التوصل الى حل للأزمة الافغانية بمجملها؟ - انا اعتقد بشكل جازم ان حركة طالبان أخذت تضعف يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد ان انكشف للشعب الافغاني وجههم الحقيقي ومشاريعهم وخططهم. لقد رأينا كيف أخذوا يطبقون قرارات لم تحظ بتأييد أقل نسبة من الشعب الافغاني، اضافة الى أن هذا العمل من جانبهم قوبل بالادانة من كل العواصم العالمية. كما ان نجاح قوات طالبان في السيطرة على مساحات واسعة وزيادة عدد مقاتليها لا يعنيان بأي حال ان ذلك دليل قوة، إذ أن معادلة من هذا القبيل لا مجال لها في افغانستان، لأنها تتغير بسرعة. وكما ذكرت، الشيء الأساسي بالنسبة الينا أن هذه الحركة طالبان غير مدعومة من الشعب وتوجهاتها مرفوضة لدينا جميعاً. ما هو سر قوة حركة طالبان؟ من أين برزت؟ من يدعمها؟ - ان تدخل الحكومة الباكستانية في الشأن الافغاني واضح للكثيرين. ولعل أبرز دليل على هذا التدخل وجود أسرى باكستانيين كانوا يقاتلون في صفوف قوات حركة طالبان، وقعوا في قبضتنا بعد أن بدأنا شن هجماتنا لاسترداد المواقع التي انسحبنا منها تكتيكياً. هناك أدلة أخرى وهي الدعم السياسي والعسكري والمادي. وهناك دول أخرى تساهم في دعم حركة طالبان وتوجهاتها. تردد أن لموسكو دوراً أساسياً في قيام تحالف بين قواتكم وقوات الجنرال دوستم. ويتردد أيضاً ان ايران دعمت هذا التحالف من خلال تشجيعها لحزب الوحدة الشيعي على الانضمام اليه... - تربطنا بالجنرال دوستم علاقات وثيقة. واتصالاتنا معه قديمة. لكن بعد التطورات الأخيرة وسقوط كابول في أيدي قوات حركة طالبان، زادت وتيرة هذه الاتصالات وصارت يومية. كذلك تطورت العلاقات بيننا. في ما يتعلق بإيران، بذلت وزارة الخارجية الايرانية في السابق مساعي وساطة في الأزمة الأفغانية، وأجرت اتصالات مع مختلف الأطراف في محاولة لإيجاد قاسم مشترك بينها تمهيداً لحل الأزمة. أما بالنسبة الى موسكو فإن المسؤولين الروس لم يقوموا بدور عملي أو فعال لحل الأزمة الافغانية. هل تعتقد أن تحالفكم مع الجنرال دوستم موقت أو تكتيكي؟ - استند تحالفنا مع دوستم الى تفاهم في شأن قضايا أساسية. وآمل أن يستمر هذا التفاهم والتحالف طويلاً. ما هي أسس هذا التحالف؟ - هناك مبادئ وأهداف، أهمها الحرص على استقلال افغانستان، ودحر التدخلات الأجنبية في شؤوننا، والمحافظة على الوحدة الوطنية الشاملة لكل أبناء افغانستان وأعراقهم. ان تحالفنا مع دوستم يهدف الى تهيئة الأجواء لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الاتجاهات بعد وضع حد للقتال، ثم التحضير لاجراء انتخابات حرة في بلادنا بعد كل هذه السنوات التي شهدت فيها افغانستان حروباً شتى. هل تتوقع ان تكون عودتك الى كابول قريباً؟ - كما أسلفت فإن حركة طالبان لا تحظى حتى بنسبة واحد في المئة من دعم الشعب الافغاني، وآمل أن يدفعهم ذلك الى اتخاذ قرار حكيم بوقف القتال والانسحاب من كابول، وإذا لم يحصل هذا الأمر من جانبهم فإن تحركاً بسيطاً لسكان كابول ومماثلاً لما حصل في باروان وكابيسا في أوقات سابقة كفيل باخراجهم. وقد كان ما أظهرته قوات حركة طالبان من وحشية وبربرية وتخلف في تعاملها مع الشعب الافغاني واضحاً للعالم أجمع. واعتقد ان تاريخ افغانستان سيسجل لهذه الحركة ما يضعها في مكانة يندى لها الجبين خجلاً عندما تقرأ الأجيال المقبلة ما فعلته في المناطق التي خضعت لنفوذها. ما هو مستقبل "الافغان العرب" الذين لا يزالون في مناطق نفوذكم؟ - لا توجد في المناطق الواقعة تحت سيطرتنا عناصر عربية، ولا نعرف أماكن وجودهم. ولذلك لسنا في موقع يمكننا من الحديث عن مستقبلهم أو مصيرهم