تحاول ادارة التراث في دائرة الثقافة والاعلام في امارة الشارقة الاستفادة من مبانيها المرممة في عمق المدينة وتحويلها الى مركز معارض وفعاليات ثقافية يمور بالحياة، فمنذ فترة وجيزة استضاف بيت النابودة التاريخي معرضاً طريفاً لاجهزة الراديو خلال القرن الحالي. ويبدو ان مجموعة الاجهزة "الحاكي" قد تم جمعها من عدة اشخاص بعضهم مهتم باقتناء مجموعات قديمة من آلات العصر الشهيرة والبعض الآخر امتلكها عن طريق الوراثة. وعودة الى تاريخ معرفة ابناء الخليج بجهاز الراديو يقول المنظمون في كتيب صغير ان المذياع دخل أول مرة الى الامارات بداية الثلاثينات وعدّه الناس من عجائب الدنيا مصداقاً للقول يأتي زمان يتكلم فيه الحديد لكن الانتشار على مستوى العامة لم يتحقق الا مطلع الستينات مما دفع بأحد الاماراتيين راشد بن حمضة الى انشاء اذاعة شعبية بجهوده الخاصة العام 1961 أطلقها في مقهى يستقبل أهل البر والبحر في امارة عجمان الصغيرة ويبدو ان محطة البث هذه كانت الاذاعة الوحيدة على الساحل الاماراتي على امتداد 4 سنوات الى ان انشئت أول اذاعة شبه رسمية في امارة الشارقة العام 1968 واعتبرت يومذاك الاذاعة الثانية بعد البحرين وقد تم تطوير هذه الاذاعة فيما بعد لتكون لسان حال الخليج بأسره بعد اعلان اتحاد الامارات العام 1973. وبطبيعة الحال أصبح اقتناء اجهزة الراديو في ذلك الوقت ضرورة لكنه بقي حكراً على الأسر الميسورة مالياً وتم استيراد معظم الاجهزة عن طريق الهند باعتبارها مركز التجارة الدولية بين آسيا وشبه الجزيرة العربية مطلع هذا القرن. والناظر الى الاجهزة المعروضة يستطيع ان يكوّن فكرة شاملة عن تطور صناعة الوسائل المسموعة بطلة النصف الاول من هذا القرن بلا منازع منذ ان وضع توماس أديسون ماكينته العجيبة العام 1877 . ونجد ان اجهزة الراديو المعروضة في الشارقة تمثل اجيالاً مختلفة من انتاج فيليبس التي اقتصدت في استهلاك المواد الخام المستخدمة من الخشب والمفاتيح والحجم وغيرها من المواد، مع الوقت مقدمة انتاجاً متاحاً للعامة اوائل الستينات. وفي حين تبدو جنيرال الكتريك مهتمة بتحديد مواقع اذاعات بعينها فوق لوحة الارقام والمفاتيح فهي تقوم بالتركيز على موقع التقاط اذاعة البي. بي. سي البريطانية محددة في كل مرة موقع الاذاعة على خارطة القارة الهندية. كأن تكتب: البي. بي. سي كلكتا البي.بي.سي. مدراس البي.بي.سي بومباي وكأن الجهاز مخصص للاستماع الى هذه الاذاعة. والجهاز الذي يحمل هذه المسميات ظل يباع في أسواق الامبراطورية البريطانية ومستعمراتها وراء البحار حتى الخمسينات من هذا القرن! ويبدو ان العرب أقبلوا على الاجهزة الضخمة الحجم من نوع "ويغا" اذ يبدو ان منظرها الخارجي اوحى لهم بأهمية هذه الآلة وحرصوا على اعطائها حيزاً لا بأس به في بيوتهم مثلما هو الحال الآن بالنسبة الى اجهزة التلفزيون ذات الشاشة القياسية الحجم وربما يكون هذا متعلقاً بكبر مساحة المجالس العربية التي يلتقي فيها أناس كثيرون للسمر والاستماع فأجهزة ويغا تحمل بداخلها أكبر مكبرات الصوت الخاصة بهذه الاجهزة... المشكلة الوحيدة التي واجهها الزبائن العرب عند شرائهم ويغا هي ضرورة الحصول على عدد كاف من البطاريات المنفصلة معه واعادة تعبئتها بين وقت وآخر بشكل مكلف في حين لم تكن الكهرباء معروفة في جميع الاقاليم مرة أخرى يبقى الراديو حكراً على الميسورين. اما الايطاليون صانعو "راديولا" انتاج اندارد برودكاست ريد براندس فانهم اخذوا في اضافة لمسات جعلتهم موضع حسد في اوائل الثلاثينات اذ قاموا بنقل لوحة الارقام والتعليمات الى أعلى الجهاز بحيث يستطيع الباحث عن المحطات الاذاعات القيام بذلك وهو واقف أو جالس مستقيم الظهر ومرد ذلك الى ان المستهلكين ابدوا امتعاضهم من ضرورة الانحناء فوق لائحة الموجات والارقام في كل مرة. ويدخل الهولنديون ساحة الانتاج التجاري لهذه الاجهزة بتقديم نوردماند ويكتبون فوقه بلغتهم القومية ثم يغلقون ختماً نحاسياً يحمل اسم الكترا. ويأخذ الجهاز البريطاني المنشأ شكل قطعة الاثاث العائدة الى العصر الفيكتوري باناقة مبالغ فيها وتظهر ابرة الجهاز ناتئة داخل لوحة التعليمات نحاسية لامعة في حين يضع الاميركيون جهازاً آخر أقل فخامة واكثر بساطة في التصميم يحمل اسم ماركوني باللون الأسود. كثيراً ما نشاهده في الافلام الاميركية القديمة. ثم تدخل فايرستون السباق بتقديم جهاز متسمت لوحة التعليمات فيه شكل علمي مع توضيح مواقع الموجات القصيرة والطويلة. حدث هذا اوائل الستينات من هذا القرن وبعد مضي وقت طويل على انتشار هذه الاجهزة وربما يكون هذا مرتبطاً بانتشار معرفة الناس بهذه التفاصيل الفنية. المهم في الأمر ان طفل العصر المدلل في النصف الاول من هذا القرن بدأ يأخذ مكانه بين الانتيكات والتذكارات رغم انه حرَّك شعوباً وأمماً ضد مستعمريها مثلما هو الحال في منطقة الخليج التي تعرفت الى عروبة عبدالناصر ووحدويته عبر الاذاعة وانطلقت التظاهرات ضد البريطانيين باثر من صوت العرب.