تصاعدت الجهود الديبلوماسية لاحتواء الأزمة التي اثارها استيلاء القوات الأريترية على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية في البحر الأحمر. وسعى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي ووزير الخارجية الاثيوبي سيوم مسفين الى ايجاد تسوية تمنع انزلاق البلدين الى مواجهة عسكرية. بعد لقائها الرئيس الأريتري اسياس افورقي التقت "الوسط" الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي تحدث عن ضغوط شعبية لاستعادة الجزيرة محذراً من "امور صعبة" اذا لم تنسحب أريتريا. وهنا نص الحوار: ما هي انعكاسات الاحتلال الاريتري لجزيرة حنيش على الشارع اليمني؟ - الشارع اليمني غاضب ومستاء جداً مما حدث من عدوان اريتري على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية، وهو عدوان لم يكن يتوقعه أبداً من قبل جيرانه في اريتريا نظراً الى العلاقات التاريخية وحسن الجوار التي تربط بين الشعبين اليمني والاريتري، وهي علاقات يمكن وصفها بأنها كانت على الدوام متميزة واستراتيجية، ناهيك عن الدور الذي أسهم به الشعب اليمني من أجل انتصار الثورة الاريترية وتحقيق الاستقلال لدولة اريتريا، وهو واجب على كل حال. لكن الشعب اليمني كان ينظر الى اريتريا كدولة جارة وصديقة ويتطلع دوماً الى تطوير العلاقات معها على كافة المجالات ومختلف الأصعدة، لكن للأسف العدوان الاريتري على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية بتلك الطريقة المؤسفة وجه طعنة مؤلمة الى ابناء شعبنا اليمني الذين ما كانوا يتوقعون ذلك من جيرانهم في اريتريا. وعموماً أنت موجود في اليمن وتستطيع أن تلمس رد الفعل بنفسك في الشارع اليمني. ما هو تعليقكم الآن على ما يتردد في الشارع اليمني من أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، رداً لاعتبار السيادة اليمنية؟ - لا أخفيك أن هناك ضغطاً شعبياً واسعاً على القيادة من أجل استعادة جزيرة حنيش الكبرى بأسرع وقت ممكن وهناك شعور عام بعمق الجرح الذي تسبب فيه اخواننا في اريتريا، وما كنا نود ذلك أو نتمناه، لكننا في الجمهورية اليمنية سنظل نتعامل مع الأمور من منطلق الشعور بالمسؤولية وبعقلية رجال الدولة ولن ننساق وراء أي محاولة تستهدف اشغالنا بمعارك نحن في غنى عنها. لكننا في الوقت نفسه سنظل متمسكين بكافة حقوق بلادنا المشروعة طبقاً للمواثيق والقوانين الدولية. وسنظل حريصين على اعطاء الخيار السلمي والجهود والوساطات والمساعي الحميدة فرصتها الكافية حتى نجنب منطقة البحر الأحمر أي توتر من شأنه تهديد الأمن والاستقرار والسلام للملاحة الدولية في هذه المنطقة الحيوية في العالم. نحن في اليمن دعاة سلام وضد الحرب التي لا تترك وراءها سوى الدمار وتعطيل جهود التنمية. هل قدم لكم الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي أي اقتراحات أو مبادرة لحل الأزمة مع اريتريا؟ - زيارة الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة لليمن كان مرتباً لها منذ وقت سابق، وبحثنا خلال تلك الزيارة في موضوع تعزيز العلاقات بين اليمن والأمم المتحدة كما تناول البحث الخلافات مع اريتريا على الحدود البحرية. وفي الحقيقة لم تكن لدى الأخ الأمين العام أي تصورات مسبقة لحل ذلك الخلاف، لكنه أبدى استعداداً، اذا ما رغب الطرفان ذلك، للقيام بأي مبادرة من شأنها تقريب وجهات النظر بين اليمن واريتريا لحل الخلافات بينهما سلمياً بما يصون الأمن والاستقرار والسلام في البحر الأحمر. ولقد أكدنا للأمين العام حرص اليمن على حل الخلافات مع اريتريا على الحدود البحرية عبر الحوار والتفاوض السلمي وطبقاً للمواثيق والقوانين الدولية وهو يشجع ذلك التوجه وأكد استعداده لدعم كل الجهود المبذولة من أجل حل الخلاف، سواء عبر التفاوض الثنائي أو من خلال المساعي التي يقوم بها بعض الأطراف الاقليمية. منذ استقلال اريتريا هل ما زلتم عند موقفكم من رفض الذهاب الى محكمة العدل الدولية قبل أن يسحب الاريتريون قواتهم من الجزيرة؟ - نحن لم نرفض الذهاب الى محكمة العدل الدولية، بل قلنا للاخوة في اريتريا وبعد استقلال اريتريا مباشرة، تعالوا نرسم الحدود البحرية بين البلدين، فأجابونا أن الوقت الآن غير مناسب وانهم في مرحلة تأسيس الدولة. وحتى عندما جاؤوا بانذارهم لحاميتنا العسكرية باخلاء جزيرة حنيش الكبرى اليمنية يوم 11 نوفمبر 1995 فاننا وكبادرة حسن نية اتصلنا بالقيادة الاريترية لاحتواء الخلاف وقدم وفدنا الذي ذهب الى أسمرا برئاسة الدكتور عبدالكريم الارياني نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية مشروع مذكرة تفاهم لحل الخلافات على الحدود البحرية على أساس الحوار والتفاوض الثنائي، وإذا لم ننجح فمن الممكن اللجوء الى التحكيم، وإذا لم نصل الى نتيجة يمكن اللجوء الى محكمة العدل ويستطيع كل طرف منا أن يبرز ما لديه من وثائق تاريخية وقانونية تضمن له حقه وفقاً لقواعد القانون الدولي. وبينما كان الاتفاق تم على مواصلة الحوار بعد شهر رمضان المبارك حول ما تضمنته مذكرة التفاهم فوجئنا بقيام الاخوان في اريتريا في مساء يوم الجمعة 15 ديسمبر بشن عدوانهم على جزيرة حنيش الكبرى واحتلالها بالقوة في محاولة لفرض الأمر الواقع، وهذا أمر مرفوض وغير مقبول لا من اليمن ولا من العالم الذي لا يقر مبدأ اللجوء الى القوة لاحتلال أراضي الغير. ولهذا نحن في اليمن أكدنا مراراً بأنه لكي تتم المفاوضات أو حتى اللجوء الى التحكيم أو محكمة العدل الدولية لا بد أولاً من ازالة آثار العدوان على جزيرة حنيش الكبرى واعادة الأمور في الجزيرة الى ما كانت عليه قبل يوم 15 ديسمبر 1995، ومن ثم يمكن الشروع في الحوار والاتفاق على الآلية المناسبة للحل. نقل عن الدكتور بطرس غالي قوله انكم مستعدون لسحب قواتكم من جزر في البحر الاحمر تطالب بها اريتريا وتشترط ذلك لسحب قواتها من حنيش، فما المشكلة اذن؟ - اعتقد بأنني أوضحت الاجابة عن هذا السؤال في اجابتي السابقة، ان الاشكالية أو الاعتداء الذي حصل على جزيرة حنيش الكبرى، وهي جزيرة يمنية، هو من جانب اريتريا. نحن لم نعتد ولم نرسل قوات للاحتلال ومع ذلك قلنا، كبادرة حسن نية، انه يمكن أن تخلى جزيرة حنيش الكبرى من أي وجود عسكري للجانبين وان تعود الأوضاع فيها الى ما كانت عليه قبل يوم 15 ديسمبر 1995 وحتى يتم البت في موضوعها سواء عبر التفاوض الثنائي أو الوساطة أو التحكيم أو محكمة العدل الدولية... ليست لدينا مشكلة في هذا الجانب. الخرائط الاريترية هل لديكم وثائق تاريخية تؤكد ملكية اليمن لهذه الجزر؟ - جزر ارخبيل حنيش يمنية بمنطق التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، والوثائق والأدلة كثيرة لدينا وحتى لدى الآخرين، ناهيك عن الوثائق الصادرة عن اريتريا نفسها. وهناك خرائط اريترية صدرت عام 1994 عن دولة اريتريا المستقلة حديثاً تؤكد السيادة اليمنية على هذه الجزر وتبعيتها لليمن وتم فيها رسم الحدود البحرية من جانب الاريتريين على جزيرة حنيش الكبرى من يقول بأن هذه الجزر ليست يمنية. لا نتهم غير اريتريا هل تعتقدون بأن هناك قوى دولية أو اقليمية دفعت اريتريا الى اتخاذ خطوتها المفاجئة باحتلال حنيش لخلق البلبلة في اليمن؟ - سواء كانت تلك القوى موجودة أو غير موجودة نحن في اليمن لن نتهم سوى الحكومة الاريترية التي قامت بالعدوان على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية وانتهاك المياه الاقليمية لبلادنا. بعد حادثة حنيش كيف تنظرون الى الوضع الأمني في منطقة البحر الأحمر؟ وما هو المطلوب من الدول العربية المطلة على البحر الأحمر في هذا الاطار؟ - لا شك ان العدوان الاريتري على جزيرة حنيش الكبرى اليمنية بالاضافة الى كونه يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة اليمنية والمياه الاقليمية للجمهورية اليمنية فهو يخلق بؤرة للتوتر في منطقة البحر الأحمر تؤدي الى تهديدات مستمرة للأمن والاستقرار وسلامة الملاحة الدولية في هذا الممر المائي والحيوي المهم للعالم. ومن مصلحة الدول العربية وشعوب المنطقة عموماً المطلة على البحر الأحمر ان تنسق وتتعاون في ما بينها من أجل ضمان الأمن والاستقرار والسلام في البحر الأحمر. سبق للرئيس الاريتري اسياس أفورقي ان طلب الحضور الى صنعاء ومقابلتكم للتفاوض على الجزر لكنكم رفضتم ذلك بسبب احتجازه للأسرى اليمنيين. فهل أنتم مستعدون لاستقبال أفورقي في صنعاء للتفاوض بعد افراجه عن الأسرى؟ - نحن قلنا للرئيس اسياس أفورقي عندما طلب الحضور الى صنعاء بعد احتلال قواته لجزيرة حنيش الكبرى واحتجاز أفراد الحامية العسكرية فيها انه من الصعب ان نستقبله أو نتفاوض وما زال هناك أسرى محتجزون وعدوان اريتري لم تزل آثاره. وقلنا له نحن نرحب باللقاء معك في صنعاء أو في أي مكان عندما يعود المحتجزون وتنهي اريتريا آثار عدوانها على جزيرة حنيش وهذا أمر منطقي ونحن نعتبر خطوة اطلاق سراح المحتجزين من أفراد الحامية العسكرية خطوة طيبة ومشجعة ويبقى ان يزيل الاريتريون آثار عدوانهم على جزيرة حنيش الكبرى وان تعود الأمور فيها الى ما كانت عليه قبل يوم 15 ديسمبر 1995م حتى يمكن للبلدين ان يشرعا في الحوار والتفاوض لحل الخلافات القائمة بينهما على الحدود البحرية، والأمر سهل اذا توافرت النيات الحسنة. نحن في اليمن لدينا رغبة صادقة في حل المشكلة سلمياً وقدمنا لاخواننا في اريتريا خيارات عدة للحل وهناك اتفاقية قانون البحار والقانون الدولي يمكن الالتزام بهما لتسوية الخلافات بشكل حاسم ونهائي. أوفدت صنعاء عدداً من المبعوثين الى عواصم عربية في ما يتعلق بالنزاع مع اريتريا على الجزر، ماذا حمل هؤلاء المبعوثون؟ - المبعوثون الذين ارسلناهم الى عدد من الدول الشقيقة والصديقة كانت مهمتهم شرح وجهة النظر اليمنية حول الخلافات مع اريتريا وتأكيد حرص اليمن واستعدادها لحل تلك الخلافات سلمياً وعبر الحوار والتفاوض، بما يحافظ على علاقات حسن الجوار بين بلادنا واريتريا ويحافظ على الأمن والاستقرار وسلامة الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر وهذا أمر يهم الجميع. ماذا عن نتائج المبادرتين الاثيوبية والمصرية؟ - الجهود والمساعي المبذولة من اثيوبيا ومصر تستهدف تقريب وجهات النظر وحل الخلافات بين بلادنا واريتريا، ونحن نقدرها كثيراً، وأكدنا في اليمن اننا حريصون على اعطاء تلك الجهود والمساعي الحميدة فرصتها الكافية للنجاح. المهم ان تتواصل تلك الجهود وان تتوافر النية الحسنة والرغبة في الحل من جانب الاخوان في اريتريا. كيف تصفون الموقف الاميركي من هذه الأزمة، والموقف العربي والدولي؟ - منذ البداية حرصت الولاياتالمتحدة على تأكيد رغبتها في ايجاد حل سلمي وسريع للمشكلة وشجعت الجانبين على التواصل والحوار الثنائي. أما الموقف العربي فهو جيد ومشرف وقد سعدنا بوقوف اشقائنا ومساندتهم للحق اليمني لادراكهم بأن ما حدث في منطقة البحر الأحمر أمر يهم جميع ابناء الأمة العربية والأمن القومي العربي. اما الموقف الدولي فهو بالتأكيد مع خيارات السلام وضد استخدام القوة لاحتلال اراضي الغير وفرض سياسة الأمر الواقع، فهذا أمر لا يقبله انسان والعالم لن يكافئ المعتدي بالتأكيد، ومن مصلحة دول العالم ان تعزز الاستقرار والأمن وسلامة الملاحة الدولية في منطقة البحر الاحمر لان أي تهديدات او اضطرابات في هذه المنطقة تنعكس آثارها على الكثير من دول العالم ومصالحها. ألا تخشون من تصاعد غضب الشارع اليمني على الحكومة، في حال استمرار الاحتلال الاريتري للجزيرة خصوصاً ان اليمنيين يتطلعون الى استرداد الجزيرة بأسرع وقت؟ - نحن سنظل نتمسك بالخيار السلمي لحل المشكلة مع اريتريا وهو الخيار الصائب والحكيم، والشعب اليمني يثق في قيادته ويدرك أنها لن تفرط في حقوقه المشروعة وستظل متمسكة بها وحريصة على صيانتها وهذا ما نقوم به الآن وفي كل وقت. ما هو تعليقكم على التحركات الديبلوماسية المكثفة لاريتريا في بعض الدول الخليجية. - ليس لدينا تعليق على ذلك. ما هو ردكم على تصريحات الرئيس الاريتري بأن الطلب اليمني بسحب القوات الاريترية من حنيش الكبرى قبل أي مفاوضات يعتبر "شرطاً مستحيلاً"؟ - نحن نعتقد بأن حسن النية يفرض اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 15 ديسمبر 1995، وهذا يشجع على التفاوض ويمكن المفاوضين من تحقيق نتائج مرضية، ومن دون الانسحاب من الجزيرة ستكون الأمور صعبة. ما هي آخر نتائج المبادرة الاثيوبية لحل ازمة الجزيرة مع اريتريا؟ - المبادرة التي يقوم بها الرئيس ملس زيناوي ووزير خارجيته احيلت الآن الى المؤسسات الدستورية لدرسها وابداء الرأي فيها، وهي تتضمن مقترحات بانسحاب الطرفين من جزيرتي حنيش الكبرى وزقر والذهاب الى التحكيم الدولي من دون تزامن، وعلى أية حال أحلنا مضمون تلك المبادرة الى مؤسساتنا الدستورية لتتخذ قراراً في شأنها.