القصف الوحشي، الثاني من نوعه، الذي تعرّض له سوق ساراييفو، على يد ميليشيات صرب البوسنة، أعاد اللحمة الى الموقف الغربي، ودفع الحلف الأطلسي الى القيام بغارات جوية "فعلية" على المواقع الصربية، المحيطة بساراييفو وغوراجده وتوزلا. هذه المرة أتت محاولات الاختراق العسكري لتصب بوضوح في اطار المبادرات السياسية، من أجل تسوية شاملة للأزمة، وانطلاقاً من الأفكار والاقتراحات التي تقدمت بها مجموعة الاتصال. ولعل الانخراط السياسي الأميركي، بعد ثلاث سنوات من التسويف والتردد، ساهم بدوره في اعطاء صدقية جديدة للفعل الأطلسي. بيان الحلف الذي دعا جميع الأطراف الى ممارسة الاعتدال، شدد على دعم الجهود السياسية، وان كان للمرة الأولى، وصف الغارات الجوية بأنها عملية "حاسمة"، ولعل من المفيد التذكير هنا بأن الغارة الجوية الأولى التي قامت بها الطائرات الأطلسية المتمركزة في البحر الادرياتيكي عام 1994، أتت كرد فعل على القصف الصربي المتعمد لسوق ساراييفو. ان صدقية مجموعة الاتصال، وفعالية الأممالمتحدة بعد سحب العناصر الأخيرة لقوة الحماية الدولية من غوراجده، أصبحت تتوقف أكثر من أي وقت، على مدى الانخراط الفعلي للحلف الأطلسي. لكن لا يزال السؤال مطروحاً حول الاستراتيجية الفعلية للحلف، وما إذا كانت الغارات الجوية الأخيرة رداً آنياً وموقتاً على اعتداء صارخ في خضم المفاوضات السياسية، ام جزءاً من تصور أشمل للمساهمة في حل سياسي متوازن من خلال ملاءمة التصعيد العسكري. المفارقة في ذلك ان ما يسمى برلمان الصرب في البوسنة، أعطى موافقته على خطة السلام الأميركية. ومن باريس، بعد غارات الأطلسي، اعتبر الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش، ان الطريق أصبحت سالكة أكثر من أجل التوصل الى تسوية سياسية.