شريكا رئيس الجمهورية السيد الياس الهراوي، في "ترويكا" الحكم، اي رئيسا مجلس النواب ومجلس الوزراء، هل سيتغيران، مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد، أم ان الرئيس الهراوي سيكمل الطريق متأبطاً ذراعي الرئيسين حسين الحسيني ورشيد الصلح، لا سيما وأن البلاد ستواجه على عجل استحقاقين. الاول يتعلق بدعوة "المجلس المنتخب" الى عقد جلسة برئاسة رئيس السن النائب الشيخ قبلان عيسى الخوري لانتخاب رئيس جديد للمجلس، والثاني يعود الى قيام حكومة جديدة خلفاً للحكومة الصلحية؟ يبدو، على الاقل، ان القديم لن يبقى على قدمه، بالنسبة الى رئاسة مجلس النواب وان الحسابات الميدانية ترجح حصول منافسة بين الرئيس الحالي أي حسين الحسيني ورئيس حركة أمل الوزير نبيه بري، بعدما قررت دمشق الوقوف على مسافة واحدة، ليس من المتنافسين الحسيني وبري فحسب، وانما أيضاً من عضو كتلة الانقاد والتغيير النائب محمد يوسف بيضون. وهناك من كان يراهن على أهمية الزيارة التي قام بها الحسيني الى دمشق وتوجت باستقبال الرئيس حافظ الاسد له في لقاء امتد أكثر من ست ساعات، وينظر اليها من زاوية أنها قد تؤدي الى إعادة النظر في الحسابات وصولاً الى إخلاء الساحة لرئيس مجلس النواب الحالي بحجة أن منافسه بري كان أبلغ عدداً من القيادات، وفي طليعتهم الرئيس عمر كرامي، انه لن يدخل في خلاف مع دمشق في حال شعوره بأنها تؤيد عودة "السيد" الى ساحة النجمة. الا أن بري حرص على أن يقطع الطريق على الذين يحاولون توظيف اللقاءات التي تعقد في دمشق على أنها تصب في خانة تقديم مرشح على آخر، وقال لعدد من النواب "ان موضوع ترشيحي لمعركة رئاسة المجلس لم يطرح في اللقاء الذي عقد بيني وبين الرئيس الاسد، كما اننا لم نتطرق الى هذا الموضوع على الاطلاق، وان كنت تطرقت اليه بشكل عابر في لقاءاتي الجانبية مع كبار المسؤولين السوريين". ويعزو بري سبب ترشيحه، على حد قوله ل "الوسط"، الى أنه قرر استعجال إعلان ترشيحه بعدما أحس بأن هناك من يعمل لصالح مرشح آخر بدلاً من ان يتخذ الموقف الحيادي، وأن كتلة التحرير التي يتزعمها كانت سارعت الى إعلان ترشيحه لقطع الطريق على كل من يحاول إستبعاده من الوصول الى ساحة النجمة... وفيما يقف الحسيني وبيضون، كما يبدو للوهلة الاولى، في خندق واحد، مستندين الى دعم قيادات فاعلة لها وزنها في المجلس النيابي الجديد وعلى رأسها الرئيسان الحص وكرامي، فان مصادر بري ترى أن الامور بينه وبين "الافندي" بدأت تعود تدريجياً الى حالتها الطبيعية، وان زعيم أمل يلقى دعم كتلة لائحة التحرير والوزير وليد جنبلاط وعدد من النواب المستقلين إضافة الى الاحزاب التي حصلت على عدد لا بأس به من المقاعد بسبب مقاطعة فريق كبير من الموارنة للانتخابات. كما ان بري يتمتع بدعم الرئيس الياس الهراوي، والى حد ما بدعم رئيس الحكومة رشيد الصلح، وان كان الاخير يفضل الوقوف على الحياد وعدم زجّ اسمه في عداد الناخبين الكبار في معركة الرئاسة الثانية. حتى ان مصادر بري تعتبر ان مجرد عدم لجوء دمشق الى اطلاق "غمزة" باتجاهه داعية إياه الى إخلاء الساحة لسواه، معناه انها ماضية في موقفها الداعي الى ترك المعركة تأخذ طابع المنافسة ومن يتمتع بتأييد أكثرية النواب تكون من نصيبه رئاسة المجلس. والذين يعتبرون ان المعركة اصبحت محسومة ينطلقون من حسابات سياسية هي ابعد من الخلاف القائم بين الهراوي والحسيني، حيث يفضل رئيس الجمهورية التعاون مع شخصية جديدة. اما على صعيد رئاسة الحكومة، في ضوء استعداد رشيد الصلح لتقديم استقالة حكومته، فان المعنيين بالامر يعلقون اهمية على القمة اللبنانية - السورية بين الرئيسين الهراوي والاسد التي ستقرر في ضوء المعطيات شكل الحكومة الجديدة وطبيعة الدور الموكل اليها. والمعطيات لا تتناول الحسابات المحلية من دون سواها من الحسابات الاقليمية والدولية على عتبة انعقاد الجولة السابعة من محادثات السلام في واشنطن، كما تأخذ بالاعتبار الخطة التي وضعتها المعارضة التي كانت اجتمعت في "فندق دالاس" في المعاملتين وخرجت بمقررات وصفت بأنها لم تقفل الباب امام قيام حوار بين الدولة والمعارضة على رغم ان "التيار العوني" يميل بالدرجة الاولى الى تنظيم صفوف المعارضة تحت عنوان متابعة معركة اسقاط الحكم... والذين استمعوا الى المداخلات التي تقدم بها عدد من اركان المعارضة ممن كانوا بالامس القريب على لائحة مؤيدي اتفاق الطائف، لاحظوا بأن مواقفهم جاءت متباينة مع الرموز "العونية" في خلوة دالاس، خصوصاً مع دعوتهم الى الحوار مع الدولة وعدم السير في ركب المعارضة منذ الآن ولحسابات أبعد من حسابات من يلتقي والحكم على الطائف ويختلف وإياه على طريقة تطبيقه وكذلك على توقيت اجراء الانتخابات النيابية. اي ان المعارضة لم تكن موحدة وان كانت توصلت الى بيان موحد، ويعود هذا التباين الى وجود فريقين: الاول يدعو الى الحوار من أجل رأب الصدع، والثاني يطالب باعداد خطة سياسية متكاملة ترفض الحوار. ويدخل حزب الكتائب في عداد المنادين بالحوار وكذلك الحال بالنسبة الى الشيخ بطرس حرب الذي أبدى استعداده للحوار شرط ان يكون للمعارضة وزن فاعل ومقرر في الحكومة العتيدة، اي انه طالب بطريقة غير مباشرة بضمان الثلث المعطل. ومع ان الحوار لم ينقطع بين الحكم وفريق من المعارضة، فهناك من يحاول السعي منذ الآن للتوصل الى صيغة يراد منها رأب الصدع بين البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير والرئيس الهراوي، ويتزعم هذه المحاولة عدد من النواب الموارنة المنتخبين. وفي انتظار جلاء الموقف على جبهة المعارضة من ناحية وعلى جبهة الحوار بينها وبين الحكم من ناحية ثانية، فان كثيرين بدأوا يتحدثون عن مواصفات الحكومة الجديدة. وتقوم هذه المواصفات، على وجود شعور لدى واضعيها بأن المعارضة يمكن الا تقتصر على الذين التقوا في فندق دالاس، فقد تنضم اليها اطراف وشخصيات جديدة، في حال ان الحكومة العتيدة بدأت تتصرف بشكل غير مدروس في تصديها للمشكلة الاقتصادية والمعيشية... فالمعارضة تراهن على تكرار الاخطاء من قبل الحكومة الجديدة على غرار الحكومات السابقة بحيث تقدم اليها ورقة أساسية يمكنها توظيفها على طريق متابعة حملاتها الاعتراضية... وهي تتطلع الى المجيء بحكومة حليفة لها أي حكومة لا تعطي الاولوية للشق الاقتصادي المعيشي... حتى ان رئيس الجمهورية يدرك هذه الزاوية ويحاول تفويت الفرصة على المعارضة من أن تنتزع ورقة اساسية تعد للعبها في إضعاف الحكومة الجديدة، وهو يتفق مع دمشق على هذا الصعيد. ويقول عدد من زوار العاصمة السورية أن كبار المسؤولين فيها يركزون على اهمية الدور المطلوب من الحكومة الجديدة في تقديم اداء اقتصادي يحول دون اضعافها من قبل المعارضة. ولا تزال اسماء المرشحين التقليديين مطروحة، لكن الاسم الذي سيكلف بتشكيل الحكومة الجديدة لم يحسم حتى الساعة، خصوصاً ان القيادة السورية تتحدث بايجابية عن الرؤساء الحص وكرامي والصلح، كما انها تتوقف امام اسم رجل الاعمال السيد رفيق الحريري. وهناك من يفسر الرغبة السورية في تعداد اسماء المرشحين التقليديين، بانه ينم عن قرار يقوم على ضرورة الانفتاح على الجميع بحيث لا يولد اختيار المرشح النهائي أية مشكلة على الاقل بينها وبين الآخرين ممن لم يقع عليهم الخيار. كما ان التطورات الاقليمية المرتقبة على جبهة المفاوضات يمكن ان تدفع الجميع الى اجراء تعديل على اسم الرئيس الجديد الذي سيكلف بتشكيل الحكومة لا سيما ان الهم الاقتصادي يبقى الاكثر حضوراً في المشاورات التمهيدية لتأليف الوزارة. فهل يكون الحريري الشريك الثالث في ترويكا الحكم الى جانب الهراوي وبري ام ان الرئيس الصلح سيعود للعب دور الشراكة؟ الجواب متروك للتطورات ولدورة الاتصالات التي بدأت بين بيروتودمشق والتي ستسفر عنها اسماء اعضاء "الترويكا" الجديدة، اي "الثلاثي" الذي سيكون على رأس لبنان في المرحلة المقبلة.