كان من ابرز الاسباب التي برر بها قادة "ثورة الانقاذ الوطني" إنقلابهم العسكري في 30 حزيران يونيو 1989 القول إنهم اطاحوا الحكومة المدنية المنتخبة لإنقاذ الاقتصاد السوداني قبل أن يتدهور سعر الجنيه السوداني الى 20 جنيهاً في مقابل الدولار. كان الدولار الاميركي يباع في السودان بسعرين عندما وقع الانقلاب العسكري. سعر رسمي حكومي يبلغ 4.5 جنيه في مقابل الدولار، وهو سعر تتعامل به الحكومة مع المصدّرين، والمبتعثين، ولتوفير مشترياتها، وسعر آخر حر يبلغ 12 جنيهاً في مقابل الدولار. وفي 7 تشرين الأول أكتوبر 1991 أعلنت حكومة "ثورة الإنقاذ" أنها قررت خفض سعر الصرف الى 15 جنيهاً و15 قرشاً الجنيه 100 قرش في مقابل الدولار، وقررت إلغاء ازدواجية سعر الصرف ليكون الاخير موحداً. وفي 3 شباط فبراير 1992 أعلنت خفضه مرة ثانية لتصل قيمته الى 90 جنيهاً و90 قرشاً في مقابل الدولار. وفي 23 تشرين الأول 1993 أعلنت الحكومة أنها قررت تحرير الاقتصاد الوطني، ورأت على الأثر أن تستحدث نظام "نافذة البنوك"، معطية المصارف وحدها حرية تحديد سعر الصرف، على أن يعلن المصرف المركزي بنك السودان سعراً قياسياً خاصاً به. وأعلن في اليوم نفسه أن السعر بلغ 215 جنيهاً في مقابل الدولار. وواصل الجنيه مسلسل الهبوط ليبلغ 418 جنيهاً في مقابل الدولار بحلول 31 كانون الاول ديسمبر 1994. وعلى رغم حديث السلطات عن حدوث طفرات في نمو الاقتصاد الوطني، وتحقيق الإكتفاء الذاتي في مجالات الزراعة والنسيج والسكر، استمر هبوط سعر الجنيه، حتى بلغ أول أيلول سبتمبر الجاري 590 جنيهاً للدولار الواحد وهو السعر الرسمي الذي أعلنه بنك السودان المركزي، فيما بلغ سعر الدولار في السوق الحرة السوداء - خصوصاً سعر التحويل من حساب مصرفي الى آخر - 720 جنيهاً. وتشير تلك الأرقام الى أن سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه السوداني سجل ارتفاعاً بلغت نسبته منذ العام 1989 نحو 5678 في المئة بالنسبة الى السوق الرسمية، فيما بلغت نسبة ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء خلال الفترة نفسها 5878 في المئة. وذكر إقتصاديون حكوميون ورجال أعمال في سوق الخرطوم ل "الوسط" أن السبب الرئيسي في استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية يتمثل في دخول الحكومة نفسها السوق السوداء لشراء الدولار. وأشاروا في هذا الجانب الى أن الحكومة خسرت معظم مصادر دخلها الأساسية بالعملات الأجنبية، وهي عائدات الصادرات، وتحويلات السودانيين العاملين في الخارج، والمساعدات الخارجية. خسارة 6 بلايين دولار ويعتقد أن المصدر الرئيسي حالياً لتمويل الجهاز الحكومي، بما في ذلك حرب الجنوب التي ربما بلغت كلفتها اليومية مليوني دولار، يتثمل في التحويلات الإلزامية المفروضة على العاملين السودانيين في بلدان الخليج العربية وأوروبا الغربية. غير أن هذا المصدر نفسه آخذ في الإضمحلال نتيجة إحجام المغتربين عن تحويل مدخراتهم الى المصارف الحكومية التي عمدت في السابق الى مصادرتها، أو صرفها بالعملات المحلية بأسعار غير مجزية. وفيما توقعت موازنة الحكومة الإتحادية العام الماضي أن تبلغ تحويلات المغتربين 400 مليون دولار، لم تتعد جملة ما وصل منها فعلياً 198 مليوناً. وقدر إقتصاديون في القطاع الخاص أن الدخل المفقود نتيجة سياسات الدولة تجاه المغتربين قد يصل الى 6 بلايين دولار سنوياً. وأشاروا الى أن جزءاً كبيراً من تحويلات المغتربين ومدخراتهم يتدفق نحو المصارف الاجنبية في مصر، والمصارف البريطانية. وتشير تقديرات غير رسمية الى أن المغتربين يدخرون رساميل في مصر تقدر بنحو 60 بليون دولار. وفي محاولة لتخطي الصعوبات الإقتصادية التي تواجه الدولة، نشطت الحكومة في التوسع في تطبيق سياسة بيع مؤسسات القطاع العام الى شركات القطاع الخاص وأفراده. غير أن الشبهات التي أحاطت عمليات التخصيص حالت دون تحقيق أي فائدة مرجوة للخرانة المركزية. ففيما توقعت موازنة السنة المالية 93/1994 أن تبلغ عائدات التخصيص 6 بلايين جنيه سوداني، لم يزد ما حصل فعلياً على 560 مليون جنيه: - 320 مليوناً قيمة قسط من ثمن بيع البنك التجاري السوداني. - 7 ملايين قيمة بيع الأراضي الإضافية الملحقة بمصنعي ريا وكريكاب للحلوى. - 27 مليوناً قيمة قسط من ثمن بيع فندق البحر الأحمر في بورتسودان شرق البلاد. - 150 مليوناً قيمة قسط واحد من ثمن بيع مؤسسة التعدين السودانية. - 55 مليوناً تمثل المقابل بالعملة المحلية لثمن مدبغة النيل الأبيض الذي قدر ب 452 ألف دولار. وأشار تقرير سري أعده مكتب المراجع العام للحكومة الى أنه فيما كان مقرراً أن تحصل الخزانة العمومية على 9 ملايين دولار نظير بيع مؤسسة ساتا باتا سابقاً لصناعة الأحذية وشركة النيل الأزرق للتغليف، أشارت جهات متنفذة الى أن ذلك المبلغ "اعتُبر جزءاً من سداد مديونية الدولة للشركة السودانية الإفريقية للإستثمار والتنمية". وأضاف التقرير في دهشة: "نحن لا نعرف كيف اقترضت الحكومة تلك المبالغ؟". محاسب بارز في القطاع الخاص قال ل "الوسط" إنه لا يتوقع أن يسفر تقرير المراجع العام عن شيء، "لأن التقارير السابقة تحدثت عن فساد أكبر من حادثة ساتا وشركة التغليف، ولم يحدث شيء". وأضاف: على رغم أن المادة 52 من قانون البنك المركزي السوداني بنك السودان تحظر على الأخير الدخول في أي نشاط تجاري، فإن التقرير الأخير لديوان المراجع العام أورد أن البنك دخل في مضاربة مالية مع بنوك إسلامية بلغت قيمتها 3.5 بليون جنيه سوداني، وعندما انتهت فترة المضاربة 3 - 6 أشهر أعلنت المصارف المذكورة أن المضاربة انتهت بخسارة محققة. وطبقاً لطبيعة عقود المضاربة فإن رب المال يتحمل الخسارة كاملة. "ولا تزال هذه القضية من دون حل على رغم أنها حدثت منذ العام 1992". التبرع الإلزامي ويلاحظ الزائر للخرطوم أن من الوسائل التي تعتمد عليها الحكومة الحالية في تمويل حاجاتها استنفار رجال الأعمال والمؤسسات للتبرع. وقال رجل أعمال سوداني ل "الوسط" إنه اضطر الى قبول ما وصفه ب "التبرع الإلزامي" بمبالغ ضخمة "خشية تعطيل تراخيص يملكها أو أي عرقلة إدارية من هيئات حكومية تسيطر عليها الجبهة الإسلامية". وتتبرع المؤسسات النقابية التي يسيطر عليها عناصر الجبهة بمبالغ خيالية تصل الى بلايين الجنيهات السودانية. ويبدو أن معظم المرغمين على المساهمة يعتبرون أن مساهمتهم انتهت بانفضاض الاجتماع الذي يطلب منهم فيه التبرع، إذ إن إعلانات عدة تنشر في الصحف الحكومية وشبه المستقلة تناشد "الجهات كافة التي اعلنت تبرعها الإيفاء بالتزاماتها" حسبما ورد في العدد الأول من نشرة "السلاح الطبي" الذي صدر نهاية آب أغسطس الماضي. وتتضح المحنة الحقيقية للإقتصاد السوداني في عهد "ثورة الإنقاذ" من خلال التناقض بين ما تعلنه السلطات في شأن نجاحها في كبح جماح التضخم ولجم السيولة من جهة وما تورده السلطات نفسها في أوراقها الرسمية من إحصاءات مخيفة من جهة ثانية. ففيما لم يتعد حجم النقد المتداول العام 1980 إبان حكم الرئيس السابق جعفر نميري 522 مليون جنيه، وفيما لم يتجاوز 9 بلايين و676 مليوناً في نهاية عهد رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي، بلغ حجمه 160 بليوناً و55 مليون جنيه في كانون الاول ديسمبر 1994. ان الحكومة السودانية نفسها لا تداري فشلها في إنقاذ الاقتصاد، وإن كانت تنكر أن بعض سياساتها زادته تردياً، خصوصاً المحاولات التي اتبعها وزير المال السابق عبدالرحيم حمدي الذي يتهمه كثيرون بإرتكاب أخطاء فادحة لا يزال الاقتصاد السوداني يعاني منها. لكنها مع ذلك تسعى الى إصلاح الخلل، وتأمل أن تتمكن من تحقيق الانفراج المنشود. غير أن السؤال يبقى: كيف؟ وبأي وسيلة؟ ما الثمن الذي على السودانيين أن يدفعوه حتى تزول فاقتهم؟ كلفة المعيشة قبل "ثورة الانقاذ" وبعد توليها الحكم الجنية 100 قرش الدولار 12 جنيها 1989 / 720 جنيها حاليا السعر السلعة الوزن / المقدار أيار مايو أيلول سبتمبر 1989 1995 ريت السمسم رطل 3 700 جنيه لحم الضان كيلوغرام 18 1400 جنيه كيلوغرام 12 1200 جنيه السكر رطل 15 قرشا 450 جنيهاً االشاي رطل 12 جنيها 800 جنيه البن رطل 30 قرشا 150 جنيهاً لوح الثلج - 2.5 جنيه 250 جنيهاً الرغيف القطعة 15 قرشا 20 جنيهاً الكسرة خبز بلدي كيس 5 قروش 100 جنيه سمك النيل كيلوغرام 30 قرشا 1600 جنيه بيض الدجاج الحبة 10 قرشا 70 جنيهاً الاسبرو للصداع القرص نصف قرش 12.5 جنيه صحن الفول مع خبزة 50 قرشا 300 جنيه الارز كيلوغرام 60 قرشا 450 جنيهاً العدس كيلوغرام 25 قرشا 500 جنيه معجون الاسنان انبوب سيغنال 40 قرش 450 جنيهاً اعواد الثقاب علبة صغيرة 5 قروش 30 جنيهاً صابون التواليت محلي بوكيه 15 قرش 250 جنيها صابون التواليت مستورد لوكس 40 قرش 400 جنيه ماء الشرب كوز كوب قرش واحد 20 جنيها موسى الحلاقة - 25 قرش 30 جنيها التنباك السفة كيس صغير 50 قرشا 50 جنيها