بعدما قضى مايك تايسون بطل العالم الأسبق في الملاكمة ثلاث سنوات في السجن ثمناً باهظاً لاغتصابه ملكة الجمال ديزيريه واشنطن في أحد فنادق انديانابوليس تقاضى في الاسبوع الماضي 25 مليون دولار لقاء اجتياحه الملاكم بيتر ماكينلي في عملية لم تستغرق أكثر من 89 ثانية بمعدل 281 ألف دولار أميركي في الثانية الواحدة. مسلسل المهازل والواقع أنه بعد غياب قسري عن حلبات الملاكمة استمر 4 سنوات كان عشاق الملاكمة ينتظرون عودة البطل الأسطوري مايك تايسون على أحر من الجمر ولم يكن متوقعاً على الاطلاق أن تكون مباراة العودة مهزلة تضاف الى مسلسل المهازل التي تشهدها بطولات العالم للوزن الثقيل. قبل المباراة توقع الناقد الرياضي مايك كاتز في جريدة "نيويورك دايلي نيوز" أن يفوز تايسون بالانسحاب بعد 21 ثانية وذلك في تعليق ساخر يغمز من قناة المنظمين لاختيارهم ملاكماً مغموراً يدعى بيتر ماكينلي لمواجهة بطل من طراز مايك تايسون في مباراة العودة. وصحّ ما توقعه كاتز ولكن بعد 89 ثانية سقط فيها ماكينلي على أرض الحلبة مرتين: الأولى بعد سبع ثوانٍ من بدء المباراة والثانية بعد دقيقة و29 ثانية. وعندما نهض ليتابع المباراة قفز مدربه الى داخل الحلبة معلناً انسحابه فاضطر الحكم ميلز لاين الى وقف المباراة وسط شتائم الجمهور الغاضب وصيحات استهجانه. مدرب ماكينلي فيني فيكيوني برر تصرفه مدعياً أنه قام بما أملاه عليه حدسه حرصاً على سلامة ملاكمه كيلا يلقى مصير جيرالد ماكليلان أو جيمي غارسيا في اشارة واضحة الى وفاة الثاني واضطرار الأول الى استخدام كرسي نقّال في تحركاته. ماكينلي الذي دخل التاريخ رغم هزيمته كونه أول ملاكم يلتقيه تايسون بعد عودته الى الملاكمة لم يخجل من التصريح بعد المباراة: "فعلت كل ما بوسعي... لقد جئت لألاكم ولاكمت وخيَّبت آمال الصحافة التي اعتقدت أنني غير ندٍ لتايسون وغير جدير بمواجهته، وتايسون بالمناسبة ملاكم سريع وقوي جداً". مايك تايسون من جهته شكر الله الذي هداه الى اعتناق الاسلام في السجن وأضاف: "أنا لا أعلق أهمية على هذا الانتصار فقد هزمت من قبل ملاكمين أعظم خطراً من ماكينلي وبسرعة خاطفة... سأثبت قريباً أنني ما زلت الأفضل، ولكن عليَّ أن أتعلم أشياء كثيرة بعد انقطاعي عن الملاكمة وعليَّ أيضاً أن أصقل مهاراتي". غش منظم أما دون كينغ منظم الحفلة فقد أعلن بكل صفاقة: "لا يستطيع أحد أن يدعي أن ماكينلي لم يأت ليلاكم... لقد كانت المباراة عرضاً رائعاً ونحن فخورون بها". لكنه لم يشر طبعاً الى أن المباراة كانت ابتزازاً باهظاً للجمهور وعملية غش منظم بكل معنى الكلمة واساءة بالغة الى رصيد مايك تايسون الذي دفعه كينغ دفعاً الى اغتصاب ملاكم قاصر أمام عدسات التلفزيون. صحيح أن انتصار تايسون لا غبار عليه إلا أنه انتصار على ملاكم لا هو في العير ولا هو في النفير، وهو لم يتح لنا أن نكوّن فكرة واضحة عما إذا كان تايسون قد استعاد مستواه أو هو في طريقه الى استعادة مستواه السابق، وقد لا يكون بوسعنا أن نتحقق من ذلك في مباراته المقبلة في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر مع باستر ماتيس وهو ملاكم أفضل من ماكينلي لكنه بكل تأكيد دون مستوى تايسون. ولعل ما جاء على لسان شوغار راي ليونارد وهو واحد من أعظم أبطال الملاكمة يختصر حقيقة المهزلة - المأساة: "كنت آمل أن تعيد عودة تايسون الى الملاكمة عظمتها وكرامتها، لكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً. وفي هذه الليلة سقطت هذه الرياضة بالضربة القاضية". ضحيتان ترى أما آن الأوان لوقف مسلسل المهازل في عالم الملاكمة ولا سيما في الوزن الثقيل، وهي مهازل تسفر دائماً عن ضحيتين: رياضة الملاكمة التي يطلق عليها اسم الفن النبيل، والجمهور الذي أمعنت مافيات الملاكمة في استغلاله ونهبه بصورة يحميها القانون ويوفر لها التغطية الشرعية؟ مسكين جمهور الملاكمة فهو يستحق حفلات أفضل مما يقدم اليه المنظمون، وهو بدلاً من أن يقاطع تلك الحفلات ليقطع دابر الغش، نراه يتهافت على شراء البطاقات في السوق السوداء.