خلال الأسابيع الماضية، كان يستحيل لزائر "رواق دولاكروا" في طنجة ألا يضيع في رحلته وتأملاته، وهو يستعرض الكائنات الغريبة التي اصطفّت في الزوايا، واحتلّت المكان بألوانها القزحيّة. فالمنحوتات التي عُرضت حتّى الأمس القريب، تحمل بصمات فنّان مغربي هو عبد الكريم الوزّاني... أعماله توحي أنّه يتحرّك داخل عالم طفولي، وأن شخوصه نبتت في بساتين تطوان الأندلسية المزهرة. وحده الوزّاني يملك مفاتيح الحديقة السحرية، وحده يعرف كيف يقطف ألوانها وأشكالها، لتتحوّل تحت أبصارنا إلى أشياء بسيطة، ساذجة في الظاهر، ما أن نعاشرها حتّى تتحوّل شخصيات في مشهد حافل بالشاعرية. فالوزاني يحدّد الخطوط والانحناءات والملامح الأساسية، تاركاً للأشياء أن تعبّر عن نفسها، للألوان أن تتنفّس بحرية. "اللعب" حجر الأساس في رؤيته التشكيلية، وقلّة كلامه عن أعماله تترك للمتلقّي أن يختار وجهته، ويبحر على طريقته بين تلك الكائنات المعدنية المزركشة. في صمت الفنّان دعوة للمتفرّج إلى دخول المأزق وحده، وملامسة تلك النظرة الساخرة، العابثة، البريئة إلى الأشياء. هنا الحركة التقطت على غفلة من الحياة، والبطة لها منقاران، والسيدة الواقفة لم يبقَ منها إلا نصف فستان أحمر، وذراعان زرقاوان، ودائرة بيضاء من كل جانب تقوم مقام العين... هكذا يرشح العبث من المعرض الذي زاره ل "الوسط" الزميل الزبير بن بوشتى. معرض يعكس نزعة "يديويّة" لدى عبد الكريم الوزّاني، في طريقة عمله على الفولاذ والجبس والقماش والأكريليك. والمجسّمات الطالعة من هذه الرؤية الضاحكة، لا تمتّ بصلة إلى الواقع الذي استعارت منه فكرتها الأصلية. يرى البعض في أعمال الفنّان/ الحِرفي لمسة سوريالية، وينقسم البعض الآخر بين قائل بجنوح إلى التجريد، وباحث عن نظرة فلسفية أو نزعة عصيان عن طريق التحريف والكاريكاتور... لكن كلّ ما في الأمر أن الوزّاني ما زال ينظر إلى العالم بعيني طفل يرفض أن يكبر.