بعد المعرض الاول الذي شهد انطلاقتها منذ سنتين في "دار الندوة"، ها هي الفنانة الشابة والناقدة ريم الجندي تعرض في قاعة "نادي خريجي الجامعة الاميركية" في بيروت مجموعة من أعمالها الجديدة التي تكشف عن تبلور أسلوبها ونضج رؤيتها الفنية. ثلاث وثلاثون لوحة بين الباستيل والاكريليك، تندرج في السياق الذي سبق أن طرقته بهواجسها ومشاغلها، بأبحاثها وتساؤلاتها، ويمكن اختصاره بنزعة مساءلة اللون واستفزاز الشكل، والمضي بالتعبير الى أقصى احتمالاته. فمما لا شك فيه أن علاقة الجندي باللوحة، قائمة على ولع طفولي بالالوان أولاً، وعلى انشغال الفنان بهمّ قياس أبعاد الاشياء والكائنات، الحدود والعلاقات التي تجمع أو تفرّق بينها. وهي تفعل ذلك انطلاقاً من أنوثة مرهفة حاضرة أبداً، حتى في قدرتها على التلاشي والامحاء مع انحناءات الخط وفي ثنايا السؤال. وهذه العلاقة بالريشة، تقود ريم الجندي لا مفر الى منطقة الخطر: منطقة محظورة تبدو معها كل محاولة جديدة مجازفة في استفزاز الاحاسيس والمشاعر. كأننا بها تعمد الى الإلتفاف على السائد بدلاً من الدعوة الصريحة الى تجاوزه. وعبر المواجهة تبدو ثنائية الذكر والانثى حاضرة بالحاح، حضور تلك الرغبة في مواجهة الذات والجسد، كسبيل لانتصار محتمل على الوحشة أو مهادنتها؟، وحشة العالم الذي اكتشفته مبكراً في جحيم الحرب الاهلية اللبنانية ربما، بعبثيتها الهادفة ولاجدواها الخصب... هكذا توغل الجندي في "أحلامها الرطبة" عنوان لوحة من لوحاتها، تختبر الوصال والهجر، ترصد الزمن العابر... كل ذلك على أنغام موسيقى بلوز خافتة تتصاعد كبخار الرغبات الخبيئة والتساؤلات المعلقة لوحة "نوعي المفضّل من البلوز". من "شارع فردان" الى "نصفي الآخر حلو" تتعاقب المحطات، ويقرأ المُشاهد فصولاً من سيرة مؤجلة، مبعثرة كأوراق مراهقة فاجأها العمر... يلمس نظرة الى العالم آخذة في تحديد معالمها ولغتها الخاصة. إنها ريم الجندي تستقل بأسلوبها، وتتهيأ - بهدوء مدهش - للانعطافة الحاسمة، تلك التي ترافق الاعلان عن الولادة الفعلية لفنان.