لا يزال الإنسان وحضوره الراسخ في اللوحة هو المحور الأساس لأعمال الفنان حسن إدلبي الذي اتجه من الكاريكاتور إلى التعبيرية في العمل الفني، بمعنى آخر من اللوحة الكاريكاتورية، بتفاصيلها الدقيقة والتزامها بالشخصية المرسومة، إلى الحرية المطلقة وغياب التفاصيل والاتكاء على المخزون الداخلي، للوصول إلى لوحة تعبيرية تعبر عن روح الفنان وأحزانه ومشاعره. إنه التحرر من العمل الصحافي المرتبط بالنشر وتوابعه وصعوباته، إلى التعبير الحر عن ذات الفنان ضمن الاختصار في ملامح الأشخاص إلى أبعد حد وتفجير الحالة التعبيرية لتجمعات بشرية تقف مواجهة المشاهد والحياة في حالة انتظار طويل أو يطول. انتظار ما لا يأتي. إنهم يقفون ولا ينكسرون ولا يطلبون الشفقة، على رغم اجتماعهم في مساحة اللوحة ولكنهم وحيدون في ما بينهم أو كان الواحد فيهم يصرخ: وحدي بينكم! يستعمل إدلبي، في تجربته التي يضمها معرضه المقام حالياً في صالة"آرت كوتور"في دبي نادي الغولف، كل ما لديه من تقنيات تخدم العمل الفني، فمرة تتفجر الألوان لتنطلق خارج الخط المرسوم، وتغطي جزءاً من الشخص المرسوم ولكنها تترك الوجه يظهر وكأنه هو الباقي الذي يقول، ومرة تتغير وضعيات الشخوص لتعطي تعبيراً جديداً وتكسر رتابة الآخرين، ولا تغيب رائحة الكاريكاتور وروحه عن اللوحة. يقول إدلبي:"إذا كان الفن هو تحطيم الشكل الواقعي وإعادة صياغته، فإن الكاريكاتور هو من أهم الفنون التي تعتمد على ذلك، ولذلك لا فرق بين الفنون إلا بأدوات التنفيذ". يضم معرض حسن إدلبي 25 لوحة منفذة بتقنيات عدة، مثل الأكريليك والمائي والأحبار وبمقاسات مختلفة، وفيه يبدو الفنان متعباً عندما يرسم أو أتعبته الوجوه المتعبة وأتعبه الانتظار، عندما يرسم بتقنية المائي تظهر شفافية عالية، ويظهر قدرة الفنان على الرسم السريع والارتجال الخطي الذي لا يمكن إصلاح الخطأ فيه. عندما يستعمل الأكريليك يظهر كملون يفجر ألوانه بالسكين حيناً وبالفرشاة أحياناً ليظهر الحالة التعبيرية في الوجوه والتكوينات البصرية، منها ما يتفجر تعبيراً وبعضها في حالة كمون... ينتظر الانفجار تعبيراً. والواقع، أنه يحاول ألا يتبع أسلوباً واحداً، فهناك تنوع يربط بينها خيط الوجدان والتعب... إن التجربة التشكيلية لحسن إدلبي هي نتاج طبيعي لما بدأه في الكاريكاتور والصحافة اليومية والأسبوعية، ويقول إن الكثير من الروائيين والشعراء يعملون في الصحافة فيتسلل أسلوبهم الأدبي إلى عملهم، وأحياناً العكس، وهذا يعطي تنوعاً واختلافاً في طريقة الطرح والمعالجة، ويبث حيوية في العمل الأدبي. ويضيف:"هذا ما مررت به ولا أزال من خلال التأرجح بين عملي في الصحافة وتجربتي التشكيلية. بمعنى آخر، فتحت الباب بين التشكيل والكاريكاتور، وهذا ليس جديداً فهناك كثير من التجارب العربية والعالمية سبقتني إلى ذلك، وهذا يؤكد ترابط الفنون وتواشجها".