بين السرعة والتسرع شعرة دقيقة قطعها سائق وليامس - رينو البريطاني ديمون هيل على حلبة سيلفرستون فجنى على شوماخر وعلى نفسه، ونحره وانتحر مفسحاً في المجال أمام جوني هربرت سائق بنيتون - رينو كي يحرز لقبه الأول ولسان حاله يردد: مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدٌ والواقع ان كل الدلائل كانت تشير الى ان حلبة سيلفرستون ستشهد موقعة حامية الوطيس بين البطل شوماخر ووصيفه هيل، وراحت التصريحات التي أطلقها كلا البطلين قبل السباق تلهب المشاعر وتؤججها وتصب الزيت على نار المنافسة بينهما، وجاءت نتائج التجارب الرسمية التي احتل فيها هيل موقع الصدارة وحل شوماخر ثانياً لتزيد النار ضراماً. أما السباق بحد ذاته فقد وفَّر للمشاهدين قدراً كبيراً من المتعة والاثارة منذ البداية اذ استطاع سائق فيراري الفرنسي جان ألينري ان يحقق انطلاقة صاعقة أتاحت له في لحظات ان يقفز من المركز السادس الى المرتبة الثانية متخطياً هربرت وبيرغر وكولتهارد وشوماخر. ولئن نجح اليزي في اعاقة شوماخر فقد فشل في اللحاق بهيل وفي مجاراة الوتيرة التي فرضها هذا الأخير على السباق فوصل الفارق بينهما في اللفة الخامسة عشرة الى 15.8 ثانية، وبين هيل وشوماخر الى 16.6 ثانية. سوء التقدير وظل هيل متصدراً حتى اللفة الثالثة والعشرين عندما دخل المرآب لتبديل الاطارات والتزود بالوقود فانتقلت الراية الى شوماخر الذي استمر في الطليعة حتى اللفة الحادية والثلاثين وعندما دخل المرآب بدوره تصدَّر هيل مجدَّداً. ولما كانت خطة فريق وليامس - رينو تعتمد التزود بالوقود مرتين وخطة فريق بنيتون - رينو مرة واحدة، فقد تخلى هيل عن الصدارة لشوماخر في اللفة الحادية والأربعين وبعدما خرج من المرآب راح يقلص الفارق بينهما الى أقل من نصف ثانية مشدداً الضغط على شوماخر، الا ان حماسته المفرطة على ارضه وأمام جمهوره جعلته يخطئ في التقدير لدى قيامه بمحاولة متهورة ومستحيلة لتجاوز شوماخر المتهور عند منعطف بريوري Priory الضيِّق في اللفة السادسة والأربعين، فاصطدمت سيارتاهما وخرجا معاً من السباق. وهكذا ألغى هيل نفسه وألغى شوماخر من معادلة سيلفرستون مع ان الفوز كان في متناول يده لو انه ضبط أعصابه واعتمد الروية وتحيَّن الفرصة السانحة خلال اللفات الست عشرة المتبقية. أدى حادث الاصطدام بين هيل وشوماخر الى تصدر جوني هربرت السباق يليه كولتهارد. وهكذا انتقل الصراع بين وليامس - رينو وبنيتون - رينو من أبطال الصف الأول الى أبطال الصف الثاني. وبعد محاولات مستميتة قام بها كولتهارد نجح في تخطي هربرت، لكن لجنة العقوبات غرّمته عشر ثوانٍ جزاء لتخطيه حدود السرعة لدى دخوله المرآب فتصدر هربرت مجدداً وراح أليزي الذي أصبح ثانياً، يطارده علَّه يقتنص الفوز، لكن فرص التنافس بينهما لم تكن متكافئة فأحرز هربرت سباق سيلفرستون وهو لقبه الأول في سباقات الجائزة الكبرى فورمولا واحد وحل أليزي ثانياً وجاء كولتهارد في المرتبة الثالثة. وقد أعلن هربرت والفرح يشع من عينيه بعد فوزه: "لقد نصحت جميع اصدقائي بالمراهنة عليَّ في سباق سيلفرستون، أما أنا فامتنعت عن الرهان… هل تتصورون الى أي حد كنت غبياً؟". أما شوماخر الذي خرج من سيارته ممتقع الوجه بعد حادث الاصطدام، عبَّر عن سعادته لفوز زميله في فريق بنيتون فقال: "ثقتي بجوني كبيرة وعالية، فهو يملك كل المؤهلات ليصبح السائق الأول، وأنا يسعدني ان أعمل وأتعاون معه في فريق واحد. انه زميل مثالي". اهدار الفرص الذهبية وخلاصة القول ان سباق سيلفرستون كان مثيراً للغاية كما كان حافلاً بالمفاجآت، ومع انه لم ينته كما يتوقع ويشتهي الكثيرون، فقد أعاد الى سباقات الجائزة الكبرى وهجها وكسر رتابة الأسماء التي تتناوب على الفوز وأتاح لجوني هربرت ان يدخل "نادي الكبار"، وتجدر الاشارة الى ان ديمون هيل أثبت مرة اخرى انه بارع في اهدار الفرص الذهبية فأعاد حادث الاصطدام الذي تسبَّب به على حلبة سيلفرستون ما جرى في استراليا العام الماضي في سباق فورمولا واحد الأخير اذ كان بوسعه لو لم يستعجل الأمر ان يتفادى حادث الاصطدام وان يتوَّج بطلاً للعالم. صحيح ان هيل عبَّر عن أسفه وعن خيبته المريرة، لكنَّ ذلك لا ينفي مسؤوليته عن الحادث. وعليه ان يتعلم دروساً كثيرة اذا أراد ان ينافس جدياً على اللقب العالمي. ولعلّ أول درس ينبغي له ان يتعلمه هو ان عنب فورمولا واحد لا يؤكل حصرماً، ولئن كان من حقه ان يأكل الحصرم، فليس من حقه أبداً ان يجعل شوماخر والآخرين يضرسون.