يواجه الرئيس هاشمي رفسنجاني صعوبات كبيرة أوجدها له المعتدلون قبل المتشددين. ويمكن رصد الوضع الذي لا يحسد عليه بعد مقابلته المثيرة في ايران مع شبكة سي. ان. ان عندما وقتها عشية احياء ايران الذكرى السنوية السابعة لحادث اسقاط طائرة الايرباص الايرانية بواسطة صاروخ اطلقته فرقاطة اميركية في الفصل الأخير من الحرب العراقية - الايرانية، الذي ادى الى مقتل 290 راكباً. وقصد رفسنجاني توجيه رسالتين: واحدة الى الولاياتالمتحدة، واخرى الى داخل ايران حيث حاول جس نبض الرأي العام في موضوع العلاقات مع واشنطن. وبدا واضحاً ان حديثه عن سياسة "الباب المفتوح ربما ستؤتي ثمارها مع الولاياتالمتحدة، بعد ان شعر المسؤولون الاميركيون ان الحظر التجاري على ايران أصبح يتيماً ويجب التخلي عنه. واعتبر رفسنجاني ان من الافضل ان يكون هناك شكل من العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين، وقد يكون بمقدور ايران واميركا في يوم ما اقامة علاقات افضل". وعبرت ايران الرسمية، ومن ورائها الصحف القريبة من رفسنجاني عن سياسة الباب المفتوح بالقول "نعم ان الرئيس الايراني صادق في نياته الحسنة حيال اميركا، وان مشاركة ايران وأميركا الى جانب سائر دول العالم التي تبدي حسن نية، تجاه الاهداف الانسانية، يمكن ان تثمر نتائج افضل... وان الزمن تغير على اية حال والعالم يتجه الى ان يصبح عائلة صغيرة، وهناك قواسم مشتركة عدة بين الشعبين الايراني والاميركي، وان التعاون المتبادل يمكن ان يكون مرآة للآخرين". واضافت الصحيفة التي يقال ان مساعد وزير الخارجية المسؤول عن ملف العلاقات بين ايران وأوروبا وأميركا، محمود واعظي، يشرف عليها ان خطاب رفسنجاني الذي اكد ان الباب مفتوح، هو في الواقع خطاب صادق ونحن نكرر بأن الباب مفتوح". اما صحيفة "طهران تايمز" وهي قريبة ايضاً من الرئيس، على رغم الانشقاق الذي حصل في قيادتها وادى الى ولادة "ايران نيوز"، فقالت "ان الرئيس رفسنجاني الذي تحدث من موقع القوة قال ان ابواب ايران مفتوحة امام اميركا، وعلى الاميركيين ألا يضيعوا هذه الفرصة". وأثار كلام رفسنجاني والصحيفتين غضب المعتدلين والمتشددين معاً. وشنت الاجنحة الايرانية المتصارعة هجوماً على الرئيس الايراني، واثارت ضده احتجاجات شعبية ركزت على تفاصيل كانت قادرة على اخراجه، الامر الذي دفعه بعد خمسة أيام فقط من تصريحاته عن "الباب المفتوح" الى التراجع عنها. حيث القى خطاباً مدروساً في جموع المصلين، تضمن انتقادات حادة للادارة الاميركية، فاتهمها بممارسة سياسة غير منطقية وعجولة غير عادلة مع ايران. وقال رفسنجاني الذي حرص على التواجد في منبر خطبة الجمعة الاولى بعد مقابلته مع سي. ان. ان ان الادارة الاميركية توجد الصعوبات لمضايقة الشعب الايراني وهو يمارس عملية اعادة البناء والاعمار لتحسين اوضاعه الاقتصادية. وقال مطلعون ان رفسنجاني بعث هذه المرة "رسائل داخلية لتهدئة الغاضبين من المواطنين، خصوصاً عائلات شهداء طائرة الايرباص، ولسحب البساط من تحت أرجل المعتدلين والمتشددين على السواء الذين يختلفون في كل شيء لكنهم يتفقون على وضع العصي في عجلة الرئيس التي تتحرك في اطار خطة التنمية الثانية، منذ توليه الرئاسة قبل سبعة أعوام". اللباس الشرعي وثارت مشكلة اخرى في وجه رفسنجاني تتعلق بالمقابلة التلفزيونية نفسها، ذلك ان الصحافية الاميركية الايرانية الأصل التي أجرت المقابلة لم تظهر ب "اللباس الشرعي" الايراني، على رغم انها وضعت على رأسها غطاء لم يسترها تماماً كما يريد الايرانيون. وحرصت الصحف المتشددة على نقل الاحتجاجات، ومنها صحيفة "جمهوري اسلامي" التي يرأس تحريرها أحد مستشاري الرئيس، وهو قريب من مرشد الثورة علي خامنئي. وقالت سيدة ايرانية "لم نكن نتوقع من الرئيس ان يجالس بهذا الشكل امرأة سيئة الحجاب، وعلى اولئك الذين رتبوا مثل هذه المقابلات ان يقفوا ليسائلهم الشعب الذي قدم الشهداء من اجل تطبيق احكام الاسلام". وقال آخر: "عندما يظهر رئيس الجمهورية الاسلامية على شاشة تلفزيون الجمهورية الاسلامية جالساً الى سيدة لم تلتزم الحجاب والمعايير الاسلامية وكانت في وضع غير مطلوب، فكيف نتوقع من النساء السيئات الحجاب تطبيق القوانين الاسلامية في شأن رعاية حجابهن". والطريف ان الحديث عن عدم رعاية الصحافية الاميركية الحجاب الاسلامي تزامن مع حديث لوزير الداخلية علي محمد بشارتي لصحيفة محلية قال فيه ان المعايير الامنية في ايران تختلف عنها في الدول الاخرى "ونحن بالنسبة الى أصول ثقافتنا، نحدد معيار امننا، واذا كان معيار الأمن في الدول الغربية يستند الى ثقافة العربي فان معيار أمننا في ايران هو الحجاب... ونحن اذا شاهدنا في البلاد انحسار الحجاب الاسلامي، فنقول ان خللاً حصل في الأمن الوطني. وبعبارة اخرى اذا انحسرت القيم الدينية عند المواطنين، فسنقول ان امننا الوطني تعرض للخطر". يفعلون ما يريدون ويقول الايرانيون كيف يمكن ايجاد توازن بين ما يقوله المسؤولون عن الأمن الوطني وبين الواقع الذي شاهدوه على شاشة التلفزيون الايراني الذي ينادي بالقيم ويحض على التزام المبادئ الاسلامية. وقال أحد الاحتجاجات، ان التوقيت كان بيد الاميركيين الذين ارادوا لمقابلتهم مع رفسنجاني ان تسجل تحدياً لمشاعر الشعب الايراني "وان الاميركيين يفعلون ما يريدون ومتى يشاؤون". وطالب المحتجون الذين زاد عددهم واتجاههم الرئيس بالاجابة على سؤال عن السبب الذي جعله يتجاهل ولو بالأشارة موضوع اسقاط الفرقاطة الاميركية للطائرة الايرانية. ومع ان جميع الاحتجاجات الداخلية استندت الى أقوال مرشد الثورة علي خامنئي والامام الراحل الخميني اللذين وضعا خطاً أحمر للعلاقات مع الولاياتالمتحدة، الا ان المعتدلين الذين انتصروا على منافسيهم المتشددين بحجة "حماية رفسنجاني ودعمه في برامجه الاصلاحية" كانت ضربتهم لرفسنجاني اكثر ايلاماً وهم يتبارون مع المتشددين عشية الانتخابات الاشتراعية العام المقبل. وكان لافتاً ان يحاول المعتدلون من خلال صحيفتهم "رسالت"، وضع رفسنجاني في مقابل الزعيم الديني خامنئي لنقل تداعيات عن "عدم تقيد رفسنجاني بتعليمات الولي الفقيه ومن قبله الامام الخميني الراحل" وقالت "رسالت" ان الذين يدعون الى سياسة الباب المفتوح، يمشون على غير الطريق، فلا تزيدهم سرعة السير الا بعداً، واضافت: "بين الباب المفتوح والطريق المغلق المسدود الذي اوصده آية الله خامنئي امام السالكين نحو اعادة العلاقات مع اميركا، بون شاسع وكبير". وتابعت: "ولن يصلوا في هذا الطريق الى اية نتيجة لأن المرشد اغلقه بوجههم". لكن هذه المحاولة لوضع رفسنجاني في مقابل خامنئي وكأنهما على طرفي نقيض لم تظهر واقعية، خصوصاً ان مصدرها اولئك "الذين يعملون بوحي افكار حزبية ويخططون للسيطرة الكاملة على مرافق النظام". قال ل "الوسط" أحد كبار مساعدي رفسنجاني وهو يشرح طبيعة الظروف التي استدعتها تصريحات الرئيس الايراني عن سياسة "الباب المفتوح" فيما أكد مصدر في بيت خامنئي، ان المرشد يثق بشكل مطلق بحكمة رفسنجاني وقدرته على تعريف الامور، ولذلك "فآية الله خامنئي لا يعارض توجهات رفسنجاني في موازنة علاقات ايران الخارجية". وأوضح ان خامنئي لا يزال يرفض اقامة علاقات سياسية مع الولاياتالمتحدة "وهو ما ذكره رفسنجاني في المقابلة المثيرة. وفي هذا الواقع فان عودة العلاقات التجارية بين طهرانوواشنطن التي كان يجري معظمها بطريق غير مباشر، لا تلقى معارضة لأن مثل هذه العلاقات كانت قائمة منذ انتصار الثورة الاسلامية وظلت على حالها الى السادس من حزيران يونيو الماضي". تحريك الرأي العام الاميركي ونقلت شخصية قريبة من مرشد الثورة ل "الوسط" ان رفسنجاني هدف الى تحريك الرأي العام الاميركي ضد السياسة الاميركية حيال ايران من جهة، والى كسب علاقات مع الدول الاوروبية التي لا توافق على السياسة الاميركية الراهنة، من جهة اخرى. فيما ذكر آخرون على صلة وثيقة بالرئيس، انه اخذ في الاعتبار "المستجدات الاقليمية والدولية في ضوء دخول سورية عتبة التسوية في الشرق الأوسط، وما سيجر ذلك من استحقاقات لايران ودورها في المنطقة، سواء في الخليج والشرق الأوسط، وفي آسيا الوسطى والقوقاز، والعلاقات مع تركيا ودول البلقان، وغيرها من المتغيرات التي توجب على الرئيس الحديث بلغة بعيدة عن الشعارات الايديولوجية وهو يسعى ليرى العالم دولة مسلمة عصرية تدعى "ايران" في عالم يشهد تحولات خطيرة ومثيرة". وبالنسبة الى الحجاب الاسلامي، رأى هؤلاء ان رفسنجاني كان حريصاً على عدم الظهور بمظهر المتشدد على رغم ان الصحافية الاميركية كانت ملتزمة بالقدر الاكبر من الحجاب الاسلامي، وربما كانت تنافس اللواتي يعرضن مفاتنهن يومياً في شارع "ولي عصر" الطويل. وذهب بعض المطلعين الى القول ان التلفزيون الايراني نفسه يعرض باستمرار تمثيليات وافلاماً ايرانية لا تتقيد كثيراً بموضوع الحجاب، وان للضرورة احكاماً. وعن الطائرة الايرانية التي اسقطتها فرقاطة اميركية، قال المصدر القريب من رفسنجاني، ان الرئيس الايراني تعمد عدم اثارة هذا الموضوع لان بلاده بصدد كسب دعوى قضائية ضد الولاياتالمتحدة في محكمة العدل الدولية وليس من المصلحة اثارة هذا الموضوع عبر وسائل الاعلام وبواسطة رفسنجاني نفسه. وعلى اية حال مارست الصحف الايرانية، عدا القريبة من رفسنجاني، ضغوطاً غير عادية على الرئيس الذي حرص على ان يدافع عن سياسة حكومته متجاهلاً انتقادات خصومه ومنافسيه. مستنداً الى دعم خامنئي الذي قال ان "رفسنجاني كان وسيبقى عمود الثورة والنظام". واما ما يتعلق بالعلاقات الايرانية - الاميركية في مستواها السياسي، قال المصدر القريب من بيت مرشد الثورة، ان خامنئي لا يرفض في المطلق اقامة علاقات سياسية بين طهرانوواشنطن، لكنه يشترط ان تنتهي مثل هكذا علاقات لمصلحة النظام وان تعيد الادارة الاميركية لايران ارصدتها المجمدة وتدفع تعويضات لذوي ضحايا طائرة الايرباص وان تكون هذه العلاقات متوازنة. وليست كعلاقة الذئب والحمل، كما كان الامام الخميني الراحل يعبر عنها. وتؤكد مصادر ايرانية ان "الخط الاحمر على علاقات ايران الخارجية، لا يشمل سوى اسرائيل". وكان النظام العنصري في جنوب افريقيا في خانة الممنوعات، لكن طهران اعادت علاقاتها الديبلوماسية مطلع العام الماضي مع بريتوريا وهي جادة هذه الايام لتطوير علاقات اقتصادية ونفطية معها، بعد ان تغيرت الموازين وتهدمت السياسة العنصرية في جنوب افريقيا.