لم ينته الصراع الدائر منذ سنوات بين يسار حزب المحافظين البريطاني الحاكم ويمينه، على رغم ان الانتخابات الأخيرة التي كانت أعنف جولات هذا الصراع أسفرت عن فوز رئيس الحكومة وزعيم الحزب جون ميجور بپ"النقاط". فالتكهنات عن سعي ميجور الى ايجاد صيغة عمل تعطي الجناحين ادواراً متكافئة كي يضمن وحدة الحزب، بدت في غير محلها بعد الاعلان عن الوزارة الجديدة التي لم يقدم فيها رئيس الحكومة أي تنازلات تذكر لپ"خصومه" من المناوئين للتقارب الأوروبي والمطالبين بخفض الضرائب وتقليص الانفاق العام، مع ان هؤلاء يمثلون ثلث النواب المحافظين كما اثبتت الانتخابات الأخيرة. فهو استبدل اثنين من وزرائه السابقين اللذين عرفا بميولهما اليمينية "الصاخبة" التي دفعت أحدهما جون ريدوود لخوض انتخابات زعامة الحزب ضد ميجور، بآخرين أقل "تشدداً" يمينياً. الى ذلك، توحدت وزراتي العمل والتربية وحصل وزير العمل السابق والقطب اليميني الثاتشري مايكل بورتيللو على حقيبة الدفاع التي شغرت بعدما تسلم مالكوم ريفكند - اليهودي الذي يقف الى يسار الوسط المحافظ - وزارة الخارجية. ولئن كان في تكليف بورتيللو حقيبة الدفاع ترقية له، فمهماته الجديدة لها سلبياتها الكثيرة، اذ ستجرده من حرية ممارسة "شغبه" السياسي المؤذي الذي اتسع له وقت الوزير سابقاً، لأن حقيبة الدفاع تتطلب تفرغاً تاماً وعملاً لا ينتهي سيشغل صاحبه عن "هواياته" الاخرى. وهي ستقصيه ايضاً عن المساهمة في ادارة الحياة الاقتصادية للبلاد للمرة الأولى منذ وصوله الى الوزارة قبل نحو خمس سنوات. لكن على رغم انتصار ميجور في الانتخابات، وبخاصة في تشكيل الحكومة على نحو "موات" فالأرجح ان الهدنة الموقتة التي اعلنها جناحا الحزب اخيراً لن تطول. اذ بدأ اليمينيون "المتشددون" يتذمرون من تسلم كبير اليساريين مايكل هيزلتاين منصب نائب رئيس الوزراء الذي سيمنحه نفوذاً كبيراً. كما اعتبر بعض "خصوم" ميجور ان وزارته الجديدة لا تعدو كونها "اعادة توزيع المقاعد" على أصدقائه فحسب. وهكذا يبدو ان الانتخابات التي أرادها ميجور وسيلة "لتنقية الاجواء" ستوسع الشقة بينه وبين خصومه الذين قد يزيد عددهم، خصوصاً ان رئيس الوزراء لن ينجح، على الأغلب، في اقناع حزبه بأنه يقف في الوسط الحيادي. وربما اندلعت "الحرب الأهلية" في الحزب من جديد ووجد ميجور نفسه مرة اخرى بين مطرقة اليسار وسندان اليمين خلال السنتين الباقيتين من حكمه قبل ان يخلي السبيل، حسب استطلاعات الرأي، لحزب العمال الجديد برئاسة توني بلير المتهم بأنه "أشد محافظة من المحافظين"!