وسط جو من الترقب، صدرت مذكرات رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر تحت عنوان "سنوات داونينغ ستريت". والكتاب الذي طُبعت منه 250 ألف نسخة، كدفعة أولى، وجاء في 914 صفحة، تقاضت عنه المؤلفة 3.5 مليون جنيه استرليني. غير أنه لم يحمل كثيراً من المفاجآت، اذ كشفت مذكرات نشرها وزراء سابقون مثل وزير المال نايجل لوسون، ووزير الخارجية ثم نائب رئيسة الحكومة جيفري هاو وغيرهم معظم خفايا الأحداث المهمة التي شهدتها سنوات ثاتشر 1979 - 1990. وكان الترقب بدأ مطلع الشهر الجاري، أثناء انعقاد مؤتمر حزب المحافظين الحاكم، حين نشرت صحيفة "ذا ديلي ميل" العمالية، من دون اذن المؤلفة، مقتطفات من المذكرات تنتقد فيها ثاتشر رئيس الوزراء جون ميجور، ما أحرج الحكومة ورئيسها، خصوصاً انهم كانوا يحاولون جمع شمل الحزب "المنقسم" في المؤتمر تحت راية ميجور الذي واجه عهده أزمات متتالية. واستطاع المحافظون تفويت الفرصة على الصحيفة. كما أطلقت ثاتشر التي ما تزال تحظى بتأييد واسع ضمن الجناح اليميني في الحزب والحكومة وبين المعادين للوحدة الأوروبية، سلسلة من التصريحات امتدحت فيها أداء ميجور وعبرت عن ثقتها بحرصه على "المبادئ الأساسية" للحزب و"الثاتشرية". ولم تتردد "السيدة الحديدية" في توجيه النقد اللاذع الى خصومها في الداخل، خصوصاً جيفري هاو، الذي مهد في خطاب استقالته للانقلاب الأبيض الذي أطاحها، ومايكل هيزلتاين وزير التجارة والصناعة الحالي الذي استقال من حكومتها في العام 1986 ثم نافسها على رئاسة الحزب في انتخابات تقاعدت إثرها على رغم الفوز "غير الساحق" الذي حققته. وكان "الريفي" هيلموت كول وجاك دولور بين السياسيين الأجانب الذين عوملوا بشيء من القسوة في المذكرات. أما ميتران وشيراك وشميت وغورباتشوف فنالوا شيئاً من المديح الذي حظي رونالد ريغان بقسط وافر منه، بخلاف جورج بوش الذي لم "تنسجم" معه تماماً حتى أواخر أيامها في الحكم. ولئن لم تكشف المذكرات كثيراً من "الأسرار" فهي أثبتت، على الأقل، ان "البارونة" لا تزال تتمتع بنفوذ واسع تحاول حالياً تكريسه ل "انقاذ" جون ميجور من ورطاته التي تكاد لا تنتهي.