لو كان لتموز يوليو بعض مواصفات نيسان ابريل الشهيرة لما تردد المراقبون في وصف تأكيدات الرئيس ياسر عرفات، ووزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز، بعد لقائهما الأخير في حضور العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، حول انطلاقة جديدة لمسيرة السلام، بغية توسيع اطار سلطة الحكم الذاتي الى مناطق في الضفة الغربية، بأنها "كذبة تموز". ولكن، ولأن بعض ما جرى من محادثات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، حتى الآن، ليس من نوع المزاح الثقيل الذي لا ينطوي على أي مسؤولية. فإن ما تنبغي قراءته ليس حجم الانطلاقة المتوقعة التي وعد بها عرفات وبيريز، وشدد عليها بيانهما المشترك، بل هل كان الاثنان قادرين فعلياً على حمل وعودهما الى شواطئ تموز، وتخطي حقول الألغام المزروعة على امتداد الفترة الزمنية المتبقية، وتجاوز الاحتمالات؟ هكذا تتوالد الأسئلة للحصول على اجابة واحدة: كيف يصل عرفات الى الأول من تموز، وماذا سيقول لمليون غزاوي وصلوا الى حافة الاختناق في ظل حكم هو، من بعض الزوايا، في مرحلة احتضار؟ قبل ان يلتقي بيريز بأيام فتح عرفات مقر البرلمان الفلسطيني. كان المشهد مثيراً. فقبل قرابة العام، وقف عرفات في المكان نفسه داخل حديقة "الجندي المجهول" ليلقي خطابه الأول بعد تسلمه السلطة في غزة وأريحا. أما هذه المرة فكان كمن "يتمرن" على مخاطبة البرلمانيين الفلسطينيين الذين صار لهم برلمان، بينما انتخابهم لا يزال معلقاً على ما اتفق عليه عرفات وبيريز من تفاصيل، لم يأت عليها بيانهما المشترك صراحة. فالمقاعد المعدة الآن تنتظر قرار الحكومة الاسرائيلية بتعديل أولوياتها، وتقديم موضوعي الانتخابات واعادة الانتشار المرتبطتين بشروط متبادلة، لكي تتمكن السلطة الفلسطينية من مدِّ نفوذها الى بقية أرجاء الضفة الغربية بدءاً من تموز المقبل. وحتى ذلك الحين ستظل الأنظار مركزة على التفاعلات السلبية الجارية الآن بين السلطة الفلسطينية وقوى المعارضة، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الاسلامي اللتين تعرضتا لمسلسل اعتقالات، طاولت كوارد وشخصيات في أعلى مراتب قيادتيهما، ما اذا كانتا، أو سواهما، ستكتفيان بمراقبة سير عرفات نحو المرحلة التالية بهدوء، أو القيام بعملية تفجير تنسف الجسور الموصلة الى الموعد الكبير، وتفتح احتمالات "الحرب الأهلية"؟ بما تنطوي عليه من احتمالات استكمال المرحلة الثانية من اتفاق أوسلو، على جثة المعارضة في أسوأ الأحوال، وأكثرها درامية، أو بانهيار الطرفين - سلطة ومعارضة - وفق أكثر التقديرات تفاؤلاً؟ بهذا المعنى، يمكن القول ان لا أحد على مستوى السلطة أو المعارضة في منطقة الحكم الذاتي يملك "وثيقة تأمين" على حياته السياسية، في ظل احتمالات مفتوحة، ما لم يتم دفع أحدى الفواتير، الثلاث التالية: وقف العمليات المسلحة التي تقوم بها قوى المعارضة وضمان ذلك، أو تجريد حماس والجهاد الاسلامي من اسلحتهما، أو اعتراف الحركة الاسلامية بالسلطة الفلسطينية. ولأن آخر محاولات تهدئة الخواطر فشلت في اقناع الأطراف بتقديم تنازلات ملموسة، فان السلطة قد تقدم على تحقيق احدى المعادلات الثلاث أو جميعها دفعة واحدة، ويتوقف ذلك على الطريقة التي ستتصرف بها المعارضة تجاه سلطة تجد في تحديد الأول من تموز موعداً لتحقيق أملها بتوسيع سلطاتها، المخرج الوحيد من مأزقها. وأغلب الظن انها لن تتهاون في منع أي محاولة لاغلاق هذا المخرج الأخير. وقد تقدم على تصعيد مبكر لقطع الطريق على معارضيها، الذين لم تقنعهم سنة من التجربة بضرورة التعاون معها، لتجاوز المأزق الراهن، والابتعاد عن سياسة التشويش على الأقل الى حين اجتياز المأزق. استراتيجية ضائعة اذا اخذنا بالأحكام القائلة باستحالة التأمين، راهناً على الأقل، على مستقبل أي من السلطة الفلسطينية أو معارضيها، نجد انفسنا قبالة الاستنتاج بأن تجربة الحكم الذاتي، الذي ولد في تموز 1994، تترنح على أعقاب تموز 1995. وان تجاوز الفلسطينيين شكلاً ما من الصدام لم يأخذ - في الضرورة - شكل الحرب الأهلية التي عرفتها بلدان ومناطق مثل الصومال والجزائر ويوغوسلافيا السابقة وغيرها، ليس ممكناً. وان ما جرى، حتى الآن، هو ضبط الأطراف المعنية للاحتمالات، وتنمية الاشتباك المفتوح لبعض الوقت تحت تأثير قوة "الردع المتبادل". وهي قوة بدأت ركائزها ومعادلاتها تختل، نسبياً بعد تقدم السلطة نحو "القضم التدريجي" لنفوذ الاسلاميين، حتى لو كان ذلك من خلال الاعتقالات والمداهمات والعمليات الأولية لجمع بعض الأسلحة. وقد فتح ذلك أعين الاسلاميين على حقيقة استحالة استمرار قبول السلطة الفلسطينية. ازدواجية النفوذ، ومخاطر استمرار دفع الأمور معها نحو الهاوية، حيث يمكن استبدال سياسة القضم التدريجي بالضربة الشاملة، اذ لم يعد أمام عرفات للتأمين على الحكم الذاتي سوى احد خيارين: ابتلاع معارضيه وفق أي صيغة للتصالح معه أو العمل ضمن قنواته الرسمية، أو التخلص منهم. ويغري الخيار الأخير عدداً كبيراً من رجال الأمن، على اختلاف تسمياته، ويعتبر مدخل بعضهم لاعادة التماسك الى السلطة التي كثر الحديث عن تفككها في ظل أسوأ ظروف عرفها قطاع غزة منذ ما يزيد على 30 عاماً. ويكفي لتأكيد ذلك مطالعة الشهادة التالية التي وضع صيغتها الطبيب النفسي الدكتور إياد السراج، وفقاً لاستطلاع للرأي، أجراه معهد يشرف عليه، على عينة من 250 مواطناً. بين الاستطلاع ان 51 في المئة من سكان غزة يعتقدون بأن وضعهم أصبح أسوأ مما كان عليه في عهد الاحتلال، وان 52 في المئة يعتقدون بأن اتفاق أوسلو لن يؤدي الى قيام دولة فلسطينية. وان 57 في المئة غير راضين عن اداء السلطة الفلسطينية. وان 69 في المئة يشكون من غياب الديموقراطية. وان 86 في المئة يعتقدون بأن الوضع الاقتصادي بات أسوأ مما كان عليه في عهد الاحتلال. وان 90 في المئة يعتقدون بأن تعيين أشخاص في وظائف شاغرة يتم بطريقة غير سليمة. هكذا بات مواطنو قطاع غزة يشعرون، بصورة متزايدة بأن الزمن المتبقي من عمر "جمهوريتهم" لا يشجع على استثمار أوراقهم السياسية في بورصة السلطة. ولكن هل يشجع، لاحقاً، على استثمار أفضل في سوق المعارضة؟ هنا، تتكشف الاجابة أيضاً، عن ظلال كثيفة من الشك حول قدرة المعارضة على استثمار تلك الأوراق التي بدأت تتكدس أمامها منذ وقت غير قصير. فبعض أوساطها بدأ يتلمس ان بضع عمليات عسكرية مهما بلغت دقتها، ومهما أوقعت من خسائر لدى الجانب الاسرائيلي لا يكفي لالقاء جثة السلطة الفلسطينية في شارع "ديزنغوف" في تل أبيب، أو رمي مخلفات اتفاق أوسلو عند مفترق نتساريم وكفر داروم، في وقت أخذت تزدهر فيه استراتيجية تتجاهل كل ما هو راهن، وتتحدث عن مهمات "ما بعد الجهاد"، الذي يتواصل بدوره "الى يوم القيامة" حسب بيان أخير لپ"الجهاد الاسلامي". وهذا وذاك يؤشران الى بداية انحدار المعارضة نحو هاوية التراجع. واذا نجح عرفات في اجتياز الأول من تموز يوليو وحقق انطلاقة ثانية، مهما كانت متواضعة، فقد تقع عند ذلك تحولات كبيرة غير متوقعة. فشل أمني مزدوج خارج منطقة الجدل السياسي المباشر ينبغي النظر الى النتائج المدمرة المترتبة عن القيام بنشاطات أمنية عنيفة. وأولها جمع حكومة اسحق رابين الاسرائيلية أوراقاً تكفي لارضاء القوى اليمينية الأكثر تطرفاً، لضمان مواقع انتخابية أفضل، واعادة رمي الكرة داخل ملعب السلطة الفلسطينية ومعارضيها، بعد فرض الحصار الطويل على غزة، وما يتسبب فيه من تجويع أكثر من 100 الف أسرة فلسطينية، غالباً ما يلجأ أفرادها الى اليأس والاحباط اللذين يدفعانهم الى التجنيد المباشر لتنفيذ أعمال عنيفة أخرى تبدو مفهومة ولكنها لا تنطوي على عناصر جوهرية لكسر الحصار بل تعمل على تشديده. وفيما تكشف العمليات العسكرية عجز السلطة الفلسطينية عن ضمان تعهداتها منع الارهاب، انطلاقاً من المناطق التي تسيطر عليها، وتكشف أيضاً عجز الجانب الاسرائيلي أمنياً، وتهريبه مأزقه لتحميل السلطة الفلسطينية كامل المسؤولية عن هذا النوع من النشاطات، فانها تقدم الدليل الأسوأ الى فشل المعارضة في ابتكار خيارات واقعية وعملية، تستطيع من خلالها التحدث بقوة، ولكن بعقلانية أيضاً، مع السلطة وإجبارها على مساومة من نوع آخر. ليس الواقع الأمني بنتائجه المعروفة بريئاً من مساعي الدفع باتجاه انهيار السلطة، وليس حال الحصار، شريكه الرئيسي، بغير حال الخنق التدريجي لها، ومع ذلك لا يمكن تبرئة السلطة نفسها من مسؤوليتها عن تغذية عوامل تفكك الوضع برمته. تفكك عام فمن جهة يستطيع الغزاويون الذين يضطرون الى المرور فوق وادي غزة الجاف التأكد من ان لا مياه فيه، وان عدداً من المستوطنات اليهودية بات يسيطر على مجرى النهر على بعد أميال معدودة من مقر السلطة الفلسطينية - أو "ديوان الحكومة" كما يطلقون عليه - ومن الجهة الأخرى، يتزايد الهمس فوق أعلى بقعة في غزة، حيث تعبر قصص ما يجرى هناك فوق هضبة المدينة لتنتهي عند مقر السلطة على مقربة من البحر. أما الموضوع الأكثر تداولاً، خصوصاً في المخيمات الأكثر فقراً في جباليا وخان يونس ورفح، فيتعلق بالفساد الداخلي الذي أصبحت روائحه أكثر ما يمكن تنفسه عبر كمّ من الاشاعات. قبل سنوات كان الأمر يتعلق بمنظمة التحرير، أما اليوم فانهم يتناولون المنظمة في شكل السلطة الذي انتهت اليه، حاملة معها كل اساليبها القديمة. فما الذي تؤكده قراءة الخريطة الأخيرة لتطور الوضع في مستوييه الحكومي والشعبي على حد سواء، ووسط الاثنين وبتداخل خطوط المعارضة التي تمر وسط الأزمة فتزيدها تعقيداً؟ لقد بُنيت، على عجل، هيكلية نظرية لسلطة الحكم الذاتي، خططت أيضاً على عجل على ورق شيكات الدول المانحة التي تعهدت قبل انجاز صفقة أوسلو ومن اجل اتمامها، وضع تغطية مالية كافية، تبلغ وفقاً للتقديرات التي تم الاعلان عنها وتداولها في شكل وعود وبشائر 2.1 مليار دولار، تقدم للسلطة الفلسطينية في خلال السنوات الخمس الأولى من عمرها. الا ان المتعهدين الدوليين قصروا تغطيتهم خلال ما يقرب من العام على ولادة السلطة، على 20 في المئة فقط من وعودهم المالية. وربما كان ذلك كافياً لتفسير موقف أخير أعلنه مسؤول التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الفلسطينية الدكتور نبيل شعث، الذي أعرب عن خيبة أمل كاملة، وحمل دعوة الى الفلسطينيين سلطة وشعباً بالاعتماد على الذات. وترافق هذا التطور الأخير مع تصعيد السلطة الفلسطينية اتهاماتها للمانحين الدوليين، خصوصاً الولاياتالمتحدة، بتزعم مؤامرة، بالتعاون مع اسرائيل لخنق السلطة، وافشال تجربتها، للتنصل هذه المرة من مسؤولية الاتفاقات المبرمة بين منظمة التحرير واسرائيل، تحت مظلة "البيت الأبيض" وفي فضاء حديقته الجنوبية. لكن سلطة الرئيس عرفات نجحت في اقناع فرنسا في اللحظة الأخيرة، قبل اشهار الافلاس، بمد يدها أعمق قليلاً في جيوبها، واخراج كم من الفرنكات يعادل 65 مليون دولار باتت أكسجيناً ضرورياً لتنفس اصطناعي يبقي السلطة على قيد الحياة من دون ان ينزلها عن سرير المرض المزمن. في هذا الوقت لم يظهر اركان السلطة وحلفاؤها الأساسيون في موقع القادرين على اجتذاب قناعات المواطنين، بقدر ما أصبحت وزاراتهم ودوائرهم مصادر للاشاعات. وادعت صحيفة معاريف الاسرائيلية ان بعض خلافات أركان السلطة الفلسطينية خرج الى العلن. في ما وصفته بپ"القصة الساخنة" بين وزير الاقتصاد أحمد قريع أبو علاء ووزير التخطيط والتعاون الدولي، الدكتور شعث. اذ عيّن شعث أخيراً في مجلس الانماء والاعمار الفلسطيني في بكدار. وبات واضحاً لأبو علاء، الذي يطمح لأن يكون الدعامة الرئيسية للمجلس ان اقتراب شعث الى هذا الحد من "بكدار" يهدد آخر طموحاته. وأشعل ذلك فتيل التنافس اذن، وزاد حرارة الأجواء داخل المؤسسة التي شُكِّلت من اجل الانقاذ. ويبدو ان أحمد قريع شعر بحدة الطوق من حوله. هذا ما ذهبت اليه معاريف التي قدرت، وهو تقدير تتفق عليه معها مصادر اخرى، ان يكون أبو علاء أكثر قبولاً لدى المانحين الدوليين، خصوصاً انه طالب مراراً بتخصيص أموال أكثر لتعزيز البنية التحتية، ما يحقق شرطاً مهماً وضرورياً من شروط الدول المانحة. وفي ربيع هذا العام، الربيع الثاني للسلطة، لم يعد الفلسطينيون يعانون من انتشار حساسية الوضع السياسي وتعقيداته، بل من تأثير غبار الاشاعات الذي طاول وزارة التربية والتعليم، التي اتهم وزيرها السيد ياسر عمرو بتوزيع الوظائف الادارية الرئيسية على مقربيه، مثلما تناقل المواطنون احاديث عن صفقات مالية وعمولات، وخصوا بذلك مشروع بناء فندق في غزة. صقور فتح غير ان أخطر أشكال التصدع من الداخل، هو ذلك الذي اقترب من أساسات أعمدة السلطة اذ ذكر ان بعض قادة "صقور فتح" الذين ساندوا عرفات في معركته مع الاسلاميين بعد أحداث مسجد غزة، في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وقاموا باستعراض قوة مسلح كان بمثابة انذار للمعارضين، وتحذير من تجاوز الخطوط الحمر، بعض هؤلاء همس في اذن الرئيس بأن يسقط من حساباته الرهان عليهم في أي حرب داخلية. لقد أراد هؤلاء التخلص من ضغط الشارع المحتبس الأنفاس. اذا صح ذلك، فإنه سيكون ذا تأثير ايجابي في تحييد هذه القوى، ومنع الخلافات من الانتقال من مستواها الراهن بين القيادات السياسية الى الشارع الأشد احتقاناً. وعلى رغم ان مثل هذا الانطباع يشكل اغراء لقوى المعارضة على خوض الصراع المسلح ضد السلطة الا ان حسابات اخرى قد تعيق هذا الخيار، فلنر اذن ما في جعبة الاسلاميين الذين يبدون الآن أضعف من عرفات حتماً، وأقل قدرة على اجتياز مأزقهم، وربما يفتقدون بصورة شبه كاملة الى المرونة التكتيكية. دخل الاسلاميون وعموم المعارضين للسلطة حلبة الرهان على أساس انطباعاتهم التي عكست رغباتهم أكثر من استقرائهم لعناصر الواقع وتطوراته. فراهنوا، أولاً، على تصعيد العمل العسكري ضمانة لاسقاط اتفاق أوسلو. وتعاملوا، ثانياً، مع الاتفاق بوصفه مشروعاً سيئاً مئة في المئة، وحكم عرفات بالمعيار نفسه، ما جعل التعاطي مع كليهما مستحيلاً في وقت تبدو فيه قدرة المعارضة على تجاوزهما وتجنب هذا التعاطي مستحيلة أيضاً، والنتيجة ان حركة حماس تتردد الآن في كسر حلقة الصمت الأمني الذي يرين منذ آخر انفجار أمني. وتقدر بعض أوساطها ان التفجير التالي قد ينقل الأوضاع برمتها الى بوتقة الحرب الأهلية. وفي مواجهة هذه الحقيقة انقسم الفريق "الحماسوي" بين تيارين نادى أولهما بتجنب أي تصعيد مع السلطة، وافراغ بعض التصريحات المتطرفة من طاقاتها الحرارية، والبحث في سبل تفاهم، ولو موقتاً، مع السلطة قد يفضي الى اعلان صريح بالتوقف عن النشاطات العسكرية لفترة قد تمتد شهوراً. أما الفريق الثاني فيعتبر القبول بهذا المنحى استسلاماً للسلطة، وتخلياً غير مقبول عن مشروعهم الجهادي التحريري. ووسط هذا الفريق أقلية ترى انه اذا كان لزاماً على الحركة الاسلامية ان تخوض معركتها، حتى لو دخلت أتون حرب أهلية فعليها ان تحسم أمرها. لكن أدراك الغالبية لانهيار معادلة الردع المتبادل لمصلحة تقدم السلطة الفلسطينية التدريجي يهدد بتكرار الدرس التاريخي الأمر للحركة الاسلامية، بينما يفيد التعقل واعادة النظر في الحسابات في تجنيب الحركة الاسلامية مأساة أخرى، ويحتفظ لها ببنيانها الراهن دعامة من دعامات الحركة الوطنية. غير ان جميع هؤلاء يتساءلون: من يضمن بعض المجموعات أو الأفراد من اجتياز الخطوط الحمر في اليوم التالي؟ أي من يضمن عدم تعثر قدم عرفات أو بيريز أو رابين بلغم أمني آخر في الطريق الممتدة زمنياً من الآن وحتى أول تموز؟ سؤال يضع مفاتيح الحرب والسلم في غزة بيد المعارضة التي تتوقف على خطواتها التالية بقية الخيارات، وإن كان بعض هذه الخيارات ليس ما يشتهيه الفلسطينيون تماماً. وحدها المعارضة تستطيع ان تجعل حديث الحرب الأهلية "كذبة تموز". وعلى موقفها يترتب السؤال هل كان الفلسطينيون قادرين على الاحتفاظ بوثيقة تأمين ضد الحرب أم انهم فقدوا كل الضمانات التي تمنع وقوعها؟