يرتبط اسم الفنانة لبلبة، بالنسبة إلى متفرجي السينما العربية، بعشرات الأدوار الخفيفة والاستعراضية التي لعبتها خلال سنوات طويلة من عمل دؤوب، كان لا بد له أن يوصل هذه الفنانة ذات الطفولة الدائمة والتواضع المثالي إلى قمة في حياتها تمثلت في الدور المتميز الذي لعبته أخيراً في فيلم "ليلة ساخنة" إلى جانب نور الشريف، من اخراج عاطف الطيب الذي كان اعطاها دوراً جاداً آخر في فيلم سابق له هو "ضد الحكومة". في "ليلة ساخنة" لعبت لبلبة دور فتاة الهوى حورية التي تلتقي خلال ليل قاس وغريب سائق تاكسي نور الشريف ويعيشان طوال ساعات الليل والفيلم مغامرة انسانية شديدة الحنان والقسوة، ميزت هذا الفيلم الذي كان من أفضل ما أخرجته ستديوهات القاهرة في الآونة الأخيرة. وكان أداء لبلبة في الفيلم من الجمال والعفوية والتميز بحيث جعل منها مرشحة جدية للفوز بجائزة التمثيل النسائي في مهرجان القاهرة الدولي، قبل أن يوفر لها الفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيلم القومي قبل أسابيع، وكانت تلك أول جائزة تفوز بها هذه الفنانة التي اعتلت خشبة المسرح للمرة الأولى وهي في الثالثة من عمرها ولا تزال حتى اليوم تغوص في الفن معتبرة اياه حياتها وحاضرها ومستقبلها. في القاهرة، غداة فوزها بجائزة لجنة التحكيم التقت "الوسط" الفنانة لبلبة وكان هذا الحوار. ما هو شعوركِ ازاء هذا التكريم الذي تناليه للمرة الأولى بعد جهود سنوات طويلة، صحيح أنه تكريم بسيط وكنا نتمنى ان يكون أكبر، لكنه تكريم على أي حال، أليس كذلك؟ - احساسي الحالي هو انني في غاية السعادة، خصوصاً وأن ما يزيد من قيمة الجائزة أنها تأتيني من الدولة. فأنا أعمل في الفن منذ كنت في الثالثة من عمري، وحتى اليوم لم أحصل على أي جائزة من الدولة. الذي حدث أمس، هو انني توجهت إلى حفلة ختام المهرجان وأنا على غير علم بأني سأحصل على الجائزة. في المرة السابقة مهرجان القاهرة الدولي كنت على العكس من ذلك، شبه واثقة من ان الجائزة ستكون من نصيبي، وذلك لكثرة ما هنأني الناس على الدور ولكثرة ما تحدثوا عن الفيلم ليلة ساخنة، علماً أنه لم تكن هناك أفلام كثيرة في المهرجان. أمس، كنت ارتدي ثياباً بسيطة، كما لاحظت، لأني لم اعتقد أبداً أني سأدعى للصعود إلى خشبة المسرح. بل انني حين جلست على مقعدي في الصالة، كنت جالسة إلى الوراء بعض الشيء. وحين دخل يوسف شاهين ويسرا ثم عادل امام وجلسوا في المقاعد الأمامية، قلت في نفسي: ها هم هناك، إذن فالجوائز من نصيبهم تضحك. وفي لحظة من اللحظات نظرت إلى عاطف الطيب وابتسمت له ابتسامة تعني: "مالناش دعوة، إحنا ورا، والجوائز للناس اللي قدام" وقلت لنفسي: حسب الفيلم ان يكون نال اعجاب وثناء الذين شاهدوه. ثم اخذت اصفق بحماس للفائزين بجوائز الأفلام القصيرة. وحين جاء دور اعلان جوائز الأفلام الطويلة، جعلت المصادفة اسمي يذكر أولاً، بوصفي الفائزة بالجائزة الخاصة للجنة التحكيم. ارتبكت ونظرت بدهشة ولم أفهم ما يحدث إلا حين قال لي جمال سلامة: مبروك. عند ذلك رميت محفظتي في اتجاهه وركضت إلى المسرح سعيدة كالأطفال. كنت سعيدة ومرتبكة، كأني كنت أقول في نفسي: الجائزة ليست هي التي جاءت متأخرة. دوري في "ليلة ساخنة" هو الذي جاء متأخراً... الفرصة التي جاءت أخيراً اعتدت لعب أدوار خفيفة مرحة. وهذه هي المرة الأولى، أو من المرات الأولى التي تلعبين فيها دوراً درامياً حقيقياً. فما الذي يعنيه لك، ان يأتي تكريمك الأول عندما تلعبين الدراما لا الكوميديا؟ - الحقيقة انني منذ زمن بعيد أشعر ان في امكاني ان ألعب ادواراً غير تلك الاستعراضية والكوميدية التي اشتهرت بها. قبل الآن كان من الصعب علي ان أحصل على ادوار جدية. فمهنتي، في الأصل، كانت تقليد الفنانين. كنت أقلدهم على المسرح وحين بدأت عملي السينمائي اعطوني ادواراً مرحة واستعراضية، كنت أشعر دائماً اني راغبة في ان ترى الناس من عملي وجهاً آخر. غير ان احداً لم يتقدم لكي يوفر لي الفرصة المرتجاة، على الرغم من أنني، دائماً حين كنت أدلي بأحاديث صحافية او تلفزية، كنت أقول ان ما قدمته حتى الآن انما هو ربع ما أحب تقديمه، وأن هناك في داخلي أشياء أريد ان أعبر عنها ولم تتح لي اية فرصة لذلك. والحقيقة ان انتظاري طال، حتى كان اليوم الذي لعبت فيه في فيلم اسمه "الشيطانة التي احبتني"، كان فيلماً استعراضياً فانتازياً شعرت فيه انني أقول كل ما لدي في ذلك المجال وقلت لنفسي انني سوف لن اقبل بعد ذلك كل ما يعرض عليّ. قلت انني يجب ان اتغير وهكذا رفضت خمسة أفلام وست مسرحيات وبقيت سنتين مضربة عن العمل اقول: عايزة دراما. ولا شيء غير الدراما. في تلك اللحظة بالذات أتاني من حقق حلمي، وكان المخرج الكبير عاطف الطيب، الذي عرض عليّ دوراً رئيسياً في فيلمه "ضد الحكومة". قبل ذلك كنت أعرف عاطف، والتقيه في المهرجانات وكنت شاهدت بعض أفلامه وأعجبت بها. لذلك ما ان جاءني السيناريو حتى قرأته في ليلة واحدة فخفت… اذ وجدت الدور شريراً: دور محامية انتهازية تدخل المعتقل فيطلع كل ما لديها من شر. قلت لنفسي: ما هذا؟ أنا ألعب هذا الدور انا التي أغني للاطفال ويمتلئ وجهي بالبراءة. وتهت في حيرتي: أنا أريد الدراما وأريد ان أعمل مع عاطف الطيب فما العمل؟ ارفض؟ أقبل؟ اتصلت بعاطف الطيب لعله يبدد حيرتي فشجعني قائلاً انه يحب دائماً ان يعطي ادواراً لممثلين لم يعتادوا اداءها لذلك يرجوني ألا أتردد. فلا وقت هناك للتردد. حسمت أمري وصورت الفيلم، وكانت النتيجة ملفتة، رغم ان الرقابة الغت مشهدين. هذا الالغاء ازعجني، لكني احسست انني اجتزت امتحاني الأول، وأن الناس بدأوا يدركون انني استطيع القيام بأدوار مختلفة. بعد ذلك بشهرين لعبت "لهيب الانتقام" الى جانب نور الشريف. وكان هذا الدور ايضاً مختلفاً: دور زوجة تحب زوجها لدرجة انها تتورط في مشاكله. وبعد هاتين التجربتين أتت تجربتي الثانية مع عاطف الطيب، تجربة "ليلة ساخنة" التي اشعر انها قمة ما قمت به حتى الآن. والحقيقة انني عشقت شخصية صورية في "ليلة ساخنة" منذ اعطاني عاطف الطيب السيناريو، بل عشت أسابيع وأنا أخشى ان يسرق احد الدور مني. رأيت نفسي في شخصية تلك المرأة وادركت انه من الادوار التي يمكن للفنان ان يلعبها بحب ومزاج. لقد بذل عاطف الطيب في الفيلم جهوداً كبيرة. كنا نصور في بعض الليالي حتى الساعة السادسة صباحاً وفي برد الشوارع. خلال العمل على الفيلم نسيت المرآة والماكياج. احسست الدور وكانت كل دموعي ومخاوفي فيه حقيقية صادقة. اعطيك مثلاً، المشهد الذي يدور في بيت حورية، كان مشهداً قطع الى 76 لقطة، كنت ابكي خلاله، وبين اللقطة واللقطة كنت لا أغير جلستي حتى لا أخرج من الحالة العاطفية التي اعيشها. لقد كانت فرحتي كبيرة حين عرض الفيلم، للمرة الأولى، في قاعة المؤتمرات خلال مهرجان القاهرة الدولي، وتبدت ردود الفعل رائعة. فرحت لرد فعل الناس أمام مشهد النهاية وأمام بكائي. وقلت يا ريت الزمن يتيح لي لحظات أخرى من هذا النوع. البداية لطفلة في الثالثة على ذكر الزمن، تعالي نعود بالزمن الى الوراء ونتحدث عن مسارك منذ كنت طفلة وحتى الآن… - ابتدأت مواهبي الفنية البريئة تظهر وأنا بعد في الثالثة من عمري. كنا أربعة اخوة انا الصغرى فيهم، وكنت امضي كل وقتي في الرقص وتقليد الفنانين والغناء. بل كنت أقلد كل الناس وأسخر منهم بشكل كاريكاتوري. وحدث ذات يوم ان كانت شركة نحاس فيلم تنظم مسابقة للهواة شاء والدي ووالدتي حضورها واصطحباني معهما، وهناك، دون ان يطلب مني أحد ذلك اعتليت الطاولة ورحت ارقص وأغني كما يحلو لي متأثرة بالأجواء الاحتفالية وبالأنوار والموسيقى، وكانت النتيجة ان نلت الجائزة الأولى ودوراً صغيراً في فيلم استعراضي. قبل والداي ذلك وهما يعتقدان ان المسألة لن تعدو كونها فيلماً وينتهي. لم يتصورا، كما لم أتصور أنا، ان تلك اللحظة قد حددت حياتي كلها، وان عمري كله سوف اقضيه في الفن: فن التقليد، فن الغناء، فن المرح والضحك. خلال المرحلة الأولى من عملي وحتى سن السابعة عشرة اكتفيت بتقليد الفنانين وتلك المرحلة توقفت عند سن السابعة عشرة حين تعرفت على ابن جيراننا وأحببته. وابن جيراننا لم يكن سوى الفنان حسن يوسف الذي ارتبطت به بزواج مثالي دام سنوات عديدة وأبعدني عن السينما، لكنه لم يبعدني عن الفن كلياً، بل استمريت في المشاركة في الحفلات ولا سيما في حفلات أضواء المدينة إلى جانب الفنان عبدالحليم حافظ، كما رحت أعمل في التلفزة. ومنذ انفصالي عن حسن يوسف في العام 1974 عادت أبواب السينما تتفتح في وجهي من جديد وكانت بداية شهرتي السينمائية المتجددة عبر دوري في فيلم "مولد يا دنيا" الذي لفت إليّ الانظار وجاءني بعشرين فيلماً. ومع هذا كنت غالباً ما أقوم بالبطولة المشتركة أو ألعب دور صديقة البطلة، حتى كان فيلم "خللي بالك من جيرانك" وكانت أول بطولة مطلقة لي إلى جانب الفنان عادل إمام. وأقول لك بصراحة ان المصادفة هي التي لعبت دورها في توفير تلك البطولة لي، فالدور كان في الأساس للزميلة ميرفت أمين لكن بعض الظروف حال بينها وبين العمل فوقع الاختيار عليّ لأحل مكانها، من قبل الكاتب المنتج فاروق صبري والمخرج محمد عبدالعزيز. ولكن، والحمد لله، أديت دوري بشكل جعل الجميع يعتقدون أن الدور كتب لي في الاساس. ونجح الفيلم نجاحاً كبيراً يومها وظل عاماً كاملاً في دور العرض. بعد ذلك مثلت بطولات عديدة مع عادل إمام ومع غيره. لكني لفترة أطول من اللازم ظلت أدواري أدوراً مرحة وطفيفة. حتى كان التغيير الأساسي الذي حل أخيراً، وجعلني أشعر انني أعيش مرحلة جديدة. وكل ما آمله اليوم هو ان تأتيني ادوار جيدة، لأنه سيكون من الصعب عليّ أن أقبل بلعب أي دور كان بعد الآن! يوم كان الفن فناً إذا كان لنا أن نقارن بين المرحلة الذهبية الرائعة للسينما المصرية، وبين المرحلة الراهنة، سنجد انكِ في المرحلة الذهبية لعبت ادواراً خفيفة، وفي المرحلة الحالية التي يقال إنها مرحلة هبوط، ها أنت تلعبين أدواراً متميزة، فما تعليقك على هذا؟ - تعليقي الوحيد هو ان الفرصة الطيبة بدأت تتفتح أمامي. والفنان يعيش دائماً وكله أمل في الوصول إلى هذا. فالفرص الطيبة لا تأتي كل يوم، وهي تأتي بصرف النظر عن المناخ العام الذي تعيشه السينما ككل. المهم ان ما يخيفني في هذا كله هو انني اليوم أشعر ان كماشة الزمن بدأت تضيق، وان كل ما أعيشه يبدو كحلم تأخر عن موعده بعض الشيء. أشعر انه بقيت لي سنوات قليلة، فيا ليت الفرصة الطيبة تأتيني قبل فوات الاوان. اصارحك بأن هذا الكلام المرير يتناقض مع شخصيتك المرحة وسماتك الطفولية... - تعني طفولة شكلي؟ بل أكثر من هذا، طفولة شكلك وصوتك ونظراتك وتصرفاتك مع الناس... - صحيح... صحيح، أنا طفلة دائمة وذلك لسبب بسيط وهو انني لم أعش أبداً طفولتي الحقيقية. معجزة الفن هو أنه يتمكن الآن من ان يجعلني اعيش طفولة جديدة. قد تكون طفولة مستعارة، لكنها طفولة احساس ممتع. الفن طفولة دائمة... أليس كذلك؟ طبعاً. لقد تحدثنا عن السينما، لكنك تعملين أيضاً في المسرح وفي التلفزة، فأي الفنون الثلاثة هو الأحب اليك؟ - السينما. أحس انني ابدع أكثر في السينما. هذا على الرغم من انني اعتبر المسرح بيتي وملجأي الأول والأخير. الحقيقة انني اشعر دائماً ان كون المسرح سيد الفنون يحتم علينا ألا نقاربه إلا عبر أعمال استثنائية. فأن تصعد كل مساء خشبة المسرح وتقول أمام الناس ما يجب عليك أن تقوله، أمر يحتم على ما تقوله ان يكون شديد الحضور والاستثنائية. والمحزن ان ما يقدم على مسارحنا لا يرقى إلى هذا المستوى الاستثنائي. أما الغناء المسرحي فإنني ابتعد عنه بالتدريج. ويمكنك أن تدرك هذا إذ تقوله كل فنانة، مثلي، اعتادت أن تغني في اضواء المدينة إلى جانب عبدالحليم حافظ. في تلك الأيام كانت الحفلات ذات مستوى. غناء اليوم هو غناء كاباريهات ومطاعم لا أكثر. في الماضي كان الجمهور يدخل القاعة وينصت إلى الفنان بكل خشوع. كانت ثمة هالة احترام تحيط بالفن وبالفنان. وكان هذا الاخير يغني وهو في غاية الفرح، يغني وكأنه يعانق الكون كله، ويضع الجمهور في حضنه وفي قلبه. اليوم تبدلت الأمور جذرياً، لذلك أقول ان السينما هي، دون غيرها، عشقي الوحيد، لأنها المكان الذي لا يزال بإمكان الفن ان يحافظ فيه على مكانته. والتلفزيون؟ - أحب ان أطلع على شاشة التلفزيون ولكن بحرص شديد. اشعر دائماً ان اكثار الفنان من الظهور على الشاشة الصغيرة يحرقه. لذلك لا أريد ان أكثر من الظهور التلفزيوني. ولذلك ظللت أرفض مسلسلا بعد الآخر حتى جاءني المسلسل الوطني الذي رضيت العمل فيه واشتغل عليه حالياً بدوافع وطنية خالصة. عماذا يتحدث؟ - عن حكاية "الحفار" التي حدثت في العام 1970، وهي حكاية نضال ضد اسرائيل عبر عمليات مخابرات وبطولات وطنية. أنا كنت منذ زمن أريد أن اساهم في عمل وطني، لذلك حين عرض علي هذا المسلسل لم أتردد لشعوري انه يخدم بلدي. هل ترين أن دورك في فيلم "ليلة ساخنة" يخدم بلدك أيضاً؟ - بالتأكيد، فالدور والفيلم يقولان أشياء كثيرة، اشياء اساسية. دورك، دور حورية، في "ليلة ساخنة" هو دور فتاة ليل تمارس هذه المهنة لكي تعيش لا أكثر، برأيك، لو عرض عليك مثل هذا الدور قبل عشرين سنة هل كان من شأنك ان تقبلي القيام به؟ - يمكن كنت اخشى ذلك، ربما تملكني دون ذلك خوف شديد. اليوم اشعر انني بت أكثر نضجاً بكثير؟ أنت التي بت أكثر نضجاً أم المجتمع هو الذي أصبح ناضجاً وحاداً وقاسياً؟ - مش عارفه، ربما كان ما تقوله صحيحاً عن المجتمع. اما بالنسبة اليّ فأشعر أنني قد تغيرت. أحس انني ما كان من شأني ان أرضى بتمثيل مثل هذا الدور قبل الآن لذلك أقول ان الله هو الذي يرسل الينا الأشياء في وقتها، ليس قبل وقتها ولا بعده. أنت لو كنت مكان حورية هل كان من شأنك ان تتصرفي مثلها؟ - الحقيقة انني فكرت كثيراً بحورية قبل ان أمثل دورها. هي امرأة كانت تتمنى ان تعيش في المجتمع عيشة شريفة. لكن ظروفها وأميتها وفقرها رمتها في أحضان الحرام. ومن المعروف ان من يدخل طريق الحرام، لا يكون صعباً عليه سوى الخطوة الأولى وحدها. وما دامت حورية قد قامت بالخطوة الأولى فإن كل الباقي سوف يكون سهلاً. هي كانت ماشية مشية "مش شريفة" منذ فترة، لكنها، خلال المرحلة التي تلتقيها بنهاية الفيلم، ستكون عادت لممارسة حياة شريفة مكتفية بأن تكون عاملة تنظيف. ولكن حين جاءتها فرصة الحرام ثانية، وتحديداً عن طريق شخص كانت تضع فيه كل آمالها قالت لنفسها، بصورة واقعية قاسية: مدام الأمر كده يبقى نطلب 500 جنيه. كانت عارفة بما سوف يحصل، والدليل دخولها الغرفة بعد الرقص. لكل هذا أريد ان أقول ان ظروفنا هي التي تدفعنا الى الحرام. كل انسان يجب ان يعيش عيشة شريفة. اذن.. انت تدافعين عن حورية وتبررين موقفها؟ - بالطبع. حتى بالنسبة الى استيلائها على حقيبة المال في النهاية؟ - تضحك.. في النهاية، أجل. أنا شخصياً كنت اضع يدي على قلبي خوفاً من ان تعيد حورية الأموال الى الحكومة! - إذن كلكم كنتم معايا؟ طبعاً، لو اعدت الفلوس لزعلت أنا كثيراً، ولسقط الفيلم... - تضحك بسرور ثم تصمت وتكمل شوف هي اتعذبت قد إيه، ثم فجأة ترى الفلوس مرمية أمامها على الطاولة. لقد كان فحوى الصراع ان تقنع الرجل بأخذ الفلوس، فهو شريف ومثالي ومؤمن بالقيم الاجتماعية. لاحظ مثلاً، انه لم يعانقها رغم حبه لها، حين طلبت منه ذلك. خسارة! المهم، انا أرى ان نهاية الفيلم قد تبدو للكثيرين غير اخلاقية، لكن بإمكاننا ان نرضى عنها بسبب قيمتها الرمزية كعقل تمرد ضد قسوة الظروف وسماجة البيروقراطية ولكن هناك ملاحظة تفرض نفسها: ان المبادرة التمردية السائرة على عكس تيار المجتمع، تتخذها المرأة لا الرجل، وكأننا هنا امام خطيئة حواء الاساسية... - كانت مضطرة لان تبادر، فهو مثالي وسلبي. كان يليق بها ان تفعل ذلك. عندما اشعر بالغيرة ما هي مشاريعك المقبلة بعد هذا الفيلم في السينما؟ - لا شيء واضحاً الآن. اننا ننتظر عرض الفيلم امام الجمهور العريض لنرى كيف ستكون ردود الفعل. في انتظار ذلك، برأيك نيل الفنان لجائزة ما، أمر يفيده او يضره؟ - المفروض ان يكون فوز الفنان بجائزة أمراً جيداً، شرط ألا يدفعه الى الغرور. انا شخصياً لم يعرف الغرور طريقه اليّ على الاطلاق، وذلك لسبب بسيط وهو انني اعتدت طول عمري ان اراقب مصائر الفنانين من حولي، ولطالما رأيت اناساً وصلوا الى قمة المجد، ثم زال المجد عنهم في لحظة لم يحسبوا لها حساباً. اذن، في الفن ليست هناك شطارة او خلود، فلماذا الغرور. أي بني آدم يمكن ان يكون اليوم في القمة ويصير غداً في القعر، ومن هنا اعتقد ان على الفنان ان يكتفي بالاخلاص لفنه بكل تواضع، وان يحاول ان يجعل من حياته اليومية العادية حياة هادئة وبسيطة. أنا اعتبر ان 50 في المئة من حب الناس لي يعود الى هدوء حياتي اليومية وخلوها من المشاكل. أنا اعرف انك، خارج اطار عملك الفني، هاوية سينما. اراقبك في المهرجانات تحضرين الافلام بحب ومتعة فما هو نوع الافلام التي تحبينها؟ - أنا احب الافلام الانسانية التي تخاطب المشاعر، واحب الافلام التي فيها ادوار مركبة. مثلاً عشقت فيلم "فورست غامب" وشاهدته ثلاث مرات. احب الاداء الحلو. حين اشاهد فيلماً متميزاً اترك الصالة مبهورة واحلم واقول: يا رب متى ستوفر لي ادواراً كبيرة في أفلام من هذا النوع. من هم الممثلون الذين تشاهدين اعمالهم بحب ومتعة؟ - من المصريين المعاصرين: نور الشريف، أحمد زكي، يسرا وليلى علوي بين آخرين. هل تشعرين بغيرة حين تشاهدين فنانة مصرية أو غير مصرية تلعب دوراً متميزاً وتبدع في ادائه؟ - طبعاً، كثيراً ما يحدث هذا. حدث قبل فترة حين شاهدت في مهرجان كان فيلماً اميركياً، نسيت اسمه، تلعب فيه ممثلة رائعة دورين، احسست بغيرة شديدة. مثل تلك الغيرة احسستها كذلك وأنا اشاهد فيلم "درس البيانو"، بل كدت ابكي وانا افكر بحالي وادرك كم انني اخاف ان تمضي السنوات دون ان يتاح لي ان العب دوراً كبيراً ولكن والحمد لله، بعد دوري في "ليلة ساخنة" لم يعد خوفي هذا كبيراً.