فرح أطفال حقيقي هو ذاك الذي يمكن للمرء أن يراه مرسوماً على وجه الفنانة لبلبة حين يقول أمامها إنها أجادت في تمثيل دور من أدوارها. فيدفع بها الفرح الى حد أن ترقص، دائرة حول نفسها، مثلما كانت تفعل وهي في العاشرة من عمرها، حين كانت نجمة طفلة تغني وترقص وتقلد الكبار، مثيرة الضحك والإعجاب في آن. لبلبة، مثل الفتى بطل رواية "الطنبور" لغونتر غراس. طفلة قررت ذات يوم ألا تواكب السنين التي تمر بها. قررت أن تترك للزمن أن يمر وحده وأن تتناساه.. وفي اعتقاد الذين يعرفونها جيداً، من الواضح أن لبلبة كسبت رهانها. ولكن ليس على الشاشة... ومنذ سنوات عدة. فالطفلة الدائمة حين تؤدي اليوم دوراً من الأدوار التي تسند اليها، تنسى طفولتها تماماً، وتندمج فيه لتبدو واحدة من آخر الفنانات القادرات في تاريخ السينما العربية. وحسب المرء أن يشاهدها في "ليلة ساخنة" لعاطف الطيب أو في "جنة الشياطين" لأسامة فوزي، أو في "الآخر" ليوسف شاهين، ليجد نفسه امام فنانة تتقن قواعد اللعبة تماماً، وتؤدي الدور المطلوب منها، بكل جوارحها: بنظرات عينيها، بحركات يديها، بالانكسار الماثل في انفراجة فمها حين يدعو الأمر الى ذلك، وفي تأديتها حواراتها التي تبدو نابعة من القلب. اليوم تقول لك لبلبة متطوعة انها تشعر بأنها منذ سنوات عدة، ولدت من جديد. ولدت بعدما نُسيت طويلاً. وكانت ولادتها، تحديداً، على يدي عاطف الطيب "انه هو، تقول لبلبة، من قرر أن ينتزعني من طفولتي ويسند إليّ أدواراً أكثر جدية من كل ما كان يسند إلي قبلاً. اكتشف عندي ما لم أكن أنا نفسي اكتشفته لدي". وهكذا حولها عاطف الطيب من طفلة مدللة راقصة لا تأبه بأي شيء في الحياة، الى امرأة ناضجة تقوم بأدوار صعبة وغالباً مأسوية. لكن الشيء الذي عجز عنه عاطف الطيب كان انتزاع لبلبة من طفولتها وجعلها تشبه الأدوار التي تمثلها اليوم على الشاشة. فهي مصرة على ألا تترك الحياة تسرق عمرها. ولأن الحياة والفن عندها شبيهان، ها هي تصر أيضاً على ألا تترك الفن نفسه يسرق ولو لحظة من ذلك العمر. لذلك، تقول لك لبلبة: "اذا كان البعض ينسى دراما الحياة التي يعيشها في حياته اليومية، حين يدخل العمل الفني ويقدم على ذلك العمر فرحاً مستبشراً، لعل الفن يبقيه على الدوام شاباً، مثلما تقول حكاية صورة دوريان غراي. أنا من ناحيتي قررت أن أفعل العكس تماماً: قررت أن أترك في الفن كل دراما وحزن وتقدم في السينما، وحين أدخل الحياة تاركة أعمالي الفنية ورائي، ها أنذا أدخل الحياة مستبشرة. أنا في الحياة أصر على أن أكون طفلة دائمة". وما تقوله لبلبة "نونيا" للأصدقاء تفعله، وفي كل يوم ولحظة: تشاهد الأفلام بفرح طفلة، وتستمع الى الأغاني بفرح طفلة، وتقيم الصداقات بفرح طفلة. تضحك دائماً وتستبشر بالخير دائماً. وحين تسألها هل تعرف شيئاً عن الشر والحزن، تقول لك: "أجل، في السينما... في السنيما وحدها يمكنك أن تعثر على السلبي والشرير والقبيح" أما الحياة، فجمال دائم وفرح دائم وإيجابية دائمة. أو هكذا يجب أن تقبلها على الأقل. "عين"