بعد ان وصلت قضية تهريب البلوتونيوم الى مدينة ميونيخ الألمانية الذروة بتوجيه اتهام علني الى المستشار الالماني هيلموت كول بالتورط فيها، بدا واضحاً ان هناك عددا من التساؤلات في بون وموسكو بحاجة الى إجابة. وقال المراقبون ان الاجابة عن حقيقة الدور الروسي، في هذه "الفضيحة الكبرى" تنطوي، في الضرورة، على الاحاطة بظروف المؤسسة الحاكمة هناك، وعلاقاتها مع مجموعة العسكريين الذين مع أنهم فقدوا شىئاً من هيمنتهم الا ان إرادتهم لا زالت في الكثير من الاحيان نافذة. المانيا، حسب المستشار كول تعتبر نفسها الآن "الرقم الأول في أوروبا". وما من شك في ان للألمان حساباتهم الخاصة مع الروس، ولا يعني ذلك انهم يفكرون في تصفيتها حالياً. وهذه الصورة وحدها كفيلة بإبقاء القلق لدى الجانب الروسي. تفاقمت تلك الشكوك والمخاوف إثر فضيحة البلوتونيوم ومزاعم وجود مافيا نووية تنطلق من موسكو، فلجأ الجانب الالماني الى اتهام نائب وزير الطاقة النووية الروسي فيكتور سيدورينكو بالتورط في الفضيحة، وينسب الى دائرة التحريات الجنائية في اقليم بايرن الالماني تأكيدها وجود أقوال لمخبر سري يعمل لحسابها تشير الى صلة المسؤول الروسي بالعملية. وان "مهمته" متابعة تسليم البلوتونيوم في ميونيخ الى المشترين وتأمين نقل الثمن الى موسكو. ومع ان المدعي العام الالماني نفى توفر مؤشرات من ذلك القبيل في آب اغسطس الماضي، الا ان وجود وكيل الوزارة الروسي على متن الطائرة الالمانية التي نقلت البلوتونيوم الى ميونيخ في 10 آب 1994 أبقى تلك الاتهامات، رغم تمسك سيدورينكو بأن الأمر ينطوي على "مؤامرة" ضد بلاده، وان وجوده على متن الطائرة كان بمحض الصدفة. وقال المسؤول الروسي انه كان مدعواً من وزير داخلية اقليم بايرن الذي أرسل اليه تذكرة السفر. وهكذا يسود اعتقاد لدى الروس بوجود تآمر ضدهم. ويعتقد العسكريون، خصوصاً، ان ذلك ينطلق من رفضهم توسيع نطاق عضوية حلف شمال الاطلسي. المثير في القضية وجود مكالمة "هاتفية" سجلتها الأجهزة الأمنية، يؤكد فيها احد المهربين الثلاثة المزعومين الذين تجري محاكمتهم حالياً في ميونيخ، عزمه على "إرسال كيلوغرام من المواد المشعة الى المانيا، وسيطير معي شخص آخر لتسلم المال ثم يعود". هذا الشخص وهو من كولومبيا ويدعى بينيتز، أشار في المكالمة بوضوح الى نائب وزير الطاقة الذرية الروسي. هذه التدخلات زادت من اصرار المسؤولين الروس على وجود مؤامرة المانية ضد بلادهم، تنفذها "الجهات التي تريد العودة بالعلاقات بين البلدين الى عهد الحرب الباردة". ويدعم الموقف الروسي ان مسؤولين كباراً في اجهزة الأمن الالمانية منهم الرئيس السابق للاستخبارات الالمانية، أعلنوا ان العملية "احترازية" في معناها ومغزاها. وأثار ذلك حفيظة المعارضة الالمانية التي طالبت بپ"ضرورة الكشف السريع عن ملابسات الموقف، وتحميل المسؤولين عنه التبعات المترتبة عنه". وطالب زعيم الحزب الاشتراكي، رودولف شاربنغ، الذي يسعى الى استثمار هذا التطور لصالح مساعي حزبه تولي السلطة في أقرب وقت، بالكشف عن أبعاد دور محتمل للمستشار كول في الفضيحة.