شاركت في ملتقيات ابداعية وثقافية كثيرة، ولكن اليوم يحمل لي شخصياً ما يستحق الاحتفاء بشكل خاص. دعتني اللجنة المشرفة على المهرجان الوطني للتراث في الجنادرية، ان ألقي قصيدة في حفل افتتاح النشاط النسائي. ومهرجان الجنادرية حدث معروف يحتفل به سنوياً بأبهة تستحق الوقوف والمباهاة. ولكن هذا الموسم العاشر يحمل تطوراً خاصاً يستحق الوقوف في حدّ ذاته كمؤشر ايجابي ثقافياً واجتماعياً ورسمياً. فهو اول مهرجان تشارك فيه المرأة فعلياً في الفعاليات الثقافية، وكان وجودها يقتصر في المرات السابقة على الاستماع في صالات مخصصة وعبر الدائرة المغلقة. وفي المواسم السابقة كانت هامشية مشاركة المرأة نقطة رئيسية يجد فيها كثير من الباحثين عن نقاط الانتقاد ما يضعونه تحت مجهر التكبير. وما زالت المشاركة مؤطرة بشرط الانفصال عن الاحداث العامة في المهرجان بعيداً عن الاحتكاك بجمهور الرجال. والحقيقة انه حلّ توفيقي لمجتمع يحاول الامساك بطرفي المعادلة: المحافظة على طمأنينة الحياة التقليدية من حيث انفصال الجنسين خارج نطاق العائلة، ودعم مشاركة المرأة في المشاريع الطموحة والبناء التنموي. ويكاد المراقب من الخارج ان يجزم باستحالة الجمع بين هذين الطرفين. ولكن السعودية تجد حلولاً ذاتية، كالبنوك النسائية مثلاً، والاستفادة من الكفاءات الرجالية في تعليم البنات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة. وهذه حتى لو لم تكن حلولاً نهائية مثالية النتائج الا انها تتلافى الكثير من الاشكالات ومطبّات معايشة مجتمع تقليدي حي الجذور لهزات التحديث ومتطلباته. كل عام يقدم المهرجان اسبوعين مكتظين ببرنامج ثقافي حافل بالنشاطات الفنية والابداعية بدئاً بالأوبريت السنوي الذي يكتبه كل عام شاعر سعودي معروف، جاء من بينهم الأمير خالد الفيصل والأمير بندر بن عبدالمحسن والدكتور غازي القصيبي وشاعر هذا العام خلف الهذال. ثم يقوم بالتلحين والاداء ملحنون ومطربون سعوديون متميزون في مجال الغناء. والأوبريت عادة حدث يستحق الحضور فهو تظاهرة غنائية وموسيقية راقصة ضخمة تستعيد الرقصات الاحتفالية في المناطق المختلفة بأزيائها ولهجاتها المميزة والمحور دائماً هو التغني بالوطن الموحّد الذي اصبح به حلم الامس واقع اليوم وطريق المستقبل. ويشمل برنامج المهرجان ايضاً الكثير من النشاطات الاخرى تتوالى على مدى ايام المهرجان في الامسيات الادبية والندوات الفكرية واللقاءات مع الزوار من الادباء والمبدعين العرب. ويختار المنظمون للمهرجان محاور مختلفة كل عام. ابتدأت بالتراث في اول المواسم وتوسعت لتشمل نواحي اخرى من حياتنا الفكرية المعاصرة منها مثلاً هذا العام محور "الشعر العربي". وهناك نشاطات ثقافية غير منبرية منها معرض للكتاب المحلي، وبرامج مسرحية، وتمثيليات بالفصحى والشعبية تقدمها الفرق المختلفة التي جاءت من المناطق البعيدة لتشارك، ومن بينها مسرحيات خاصة للاطفال. هذا بالاضافة الى تجوال في القرية التراثية التي تبعث الى الحياة نكهة الخطى القديمة في البيوت والحوانيت المهنية. حتى هذا العام، كان نصيب المرأة من هذه النشاطات ان تتاح لها فرصة تقديم مرئياتها، وان تعمل ضمن لجان نسائية للاشراف على ايام النساء. وان تشارك بالحضور والاستماع عبر الدائرة التلفزيونية. وللتجول في القرية التراثية الشاسعة خُصص للمرأة يومان من اسبوعي المهرجان. اليوم يفتتح للجانب النسائي نشاط ثقافي مواز، يشمل ندوات، الرئيسية منها تناقش دور المرأة ومساهمتها في العمل التوظيفي واليد العاملة، تشارك فيها مثقفات سعوديات، وامسية شعرية تشارك فيها اربع شاعرات من السعودية وضيفتان من موريتانيا ومصر، وعرضاً تراثياً عن حياة المرأة في نجد. وقد يرى البعض ان هذه المشاركة ليست على قدر المساواة، ولكها خطوة اولى واعدة بالنجاح والأمل ان تكون فاتحة مسيرة متنامية. ومن يدري قد تأتي أوبريت موسم قادم من تأليف شاعرة سعودية…!