ليس أمرًا جديدًا عندما أشير إلى أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» بات تظاهرة ثقافية منتظرة كل عام، وأصبح علامة مميزة يفخر بها كل أبناء وبنات هذا الوطن من خلال إبرازه لتراث البلاد، وإسهامه في زيادة الرصيد المعرفي والثقافي لهم، بل إنه ونتيجة لنجاحاته المتكررة في المواسم السابقة انتشر صداه خارج الحدود ليصبح أحد المعالم الثقافية والتراثية والفنية على المستويين الخليجي والعربي. ومنذ تأسيس مهرجان الجنادرية، اعتدنا في كل عام أن يتم تكريم مفكر أو أديب أو ثقافي سعودي، بعيدًا عن الأسماء النسائية، ولكن من خلال الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية التي تزين فعاليات المهرجان في كل عام، كان للمرأة السعودية مشاركات فاعلة وقوية، وفي الدورات الأخيرة للمهرجان أصبحت مشاركة المرأة السعودية إحدى أهم سمات المهرجان. وفي تجسيد محسوس لرغبة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تسليط الضوء على منجزات المرأة السعودية، وحرصه الشديد -حفظه الله- على إعطائها ما تستحق من فرص لإثراء مجتمعها بما تمتلكه من إبداع وعطاء معرفي وثقافي وفكري، وقع اختيار المسؤولين والقائمين على مهرجان الجنادرية على اختيار الدكتورة ثريا عبيد، عضو مجلس الشورى، لمنحها وسام الملك عبدالعزيز ولتكون الشخصية المكرمة في مهرجان هذا العام (الدورة 28) كأول امرأة تكرم في مهرجان الجنادرية منذ تأسيسه. تكريم المرأة السعودية في مهرجان الجنادرية لهذا العام لم ينحصر على الشخصية المكرمة فحسب، إنما امتد ليفسح المجال لها أيضًا للمشاركة في الأوبريت الوطني للمهرجان، في تعزيز رائع لمستوى التطور النوعي للبرامج والأنشطة السنوية لمهرجان الجنادرية، حيث شكلت إبداعات الشاعرتين مستورة الأحمدي -رحمها الله- ونجلاء المحيا حروف وكلمات الأوبريت الغنائي الوطني «قبلة النور»، والذي يتضمن نحو عشر لوحات درامية تركز على الدور التاريخي للمرأة السعودية في مجتمعنا وتكاتفها مع شقيقها الرجل في بناء الوطن. إن تكريم المرأة السعودية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» من خلال اختيارها شخصية العام وكتابتها للأوبريت الوطني في المهرجان هو تكريم يليق بالجهود التي تبذلها المرأة السعودية التي تعيش الآن أزهى عصور نيل الحقوق بفضل الله أولًا ثم بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهي بكل المقاييس تستحق هذا الدعم كونها دأبت على الاهتمام ببيتها، وأثبتت جدارتها في مناسبات ومواقف عديدة، وبات لها حضور بارز في النشاط العلمي والثقافي لا ينكره إلا حاقد، وظلت صامدة أمام ما يعتري مسيرتها من تحديات زرعتها العقول الضيقة، مما جعلها جديرة بالوصول إلى المواقع المرموقة، ولعل هذا التكريم يشير في نفس الوقت إلى أن المستقبل سيكون جميلًا للسيدات السعوديات اللاتي يرغبن في تحقيق مزيد من الأماني المشروعة والحصول على كل ما هو ممكن من حقوق وفقًا للضوابط الشرعية التي فرضها ديننا الحنيف. (*) دكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة الملك عبدالعزيز [email protected]