خرج فاروق جعفر مطرودا من نادي الزمالك، الموسم الماضي، وظل يحلم بالعودة الى بيته، ولكن الحلم لم يتحقق.. فما كان منه الا ان وافق على تدريب اكثر من فريق.. اخرهم بلدية المحلة، وتشاء الظروف والاقدار ان يحسم فاروق وفريقه المغمور بطولة الدوري لصالح الاهلي بعد ان تصدى للزمالك في مباراتين متتاليتين، ليبعده عن المنافسة نهائيا. نجح فاروق جعفر كمدرب عندما عمل الى جوار الاسكتلندي ديف مكاي لموسمين متتاليين 92/93 و93/94... وخلالهما فاز الزمالك بالدوري، بعد ان قدم سلسلة من العروض القوية.. وبالطبع لم تجد ادارة النادي مفرا من ان تجدد تعاقدها مع مكاي وجعفر للعام الثالث، ولكن لم تمض إلا اربعة اسابيع حتى صدر قرار الاقالة، والسبب هزيمة الزمالك أمام الاهلي صفر/3. كان القرار مفاجأة لكل الوسط الرياضي في مصر، لان هذا الجهاز حقق للزمالك ما لم يحققه اي جهاز سابق... ولكن يبدو ان ادارة النادي كانت تريد ان تتخلص من جعفر بالذات وتحينت الفرصة، ولم يكن هناك افضل من الهزيمة الثقيلة امام الاهلي - المنافس التقليدي - للتخلص منه. والغريب ان المفاجأة لم تستمر طويلاً، لان مفاجأة اكبر غطت عليها وهي تعاقد الزمالك مع محمود الجوهري، ابن الاهلي، وهي المرة الاولى في تاريخ الكرة المصرية يقوم فيها "اهلاوي" بتدريب الزمالك... حينئذ جن جنون فاروق جعفر وتساءل: "لماذا طردني وجاءوا بمدرب ليس من أبناء النادي"... وبسبب هذا التساؤل اتهمه الكثيرون بأنه سعى الى إفشال مهمة الجوهري. وبمرور الايام... هدأت الامور خصوصا بعد ان قرر الجوهري ان يرحل قبل نهاية الموسم... وجاء النمساوي الفريد ريدل، وفي كل يوم كان الكثيرون يتساءلون مع جعفر: "لماذا لا يعتمد النادي على ابنائه" الى ان تمت إقالة ريدل... وتوقع البعض ان يعود جعفر الى الزمالك عقب ذلك والذي حدث هو ان ادارة الزمالك اصرت على عدم عودته بحجة انه صارم جدا مع اللاعبين"، واستعان مجلس الادارة بجهاز فني يضم ثلاثة من أبناء النادي هذه المرة هم: أحمد مصطفى مديرا للكرة وطه بصري مديرا فنيا وحسن شحاته مدربا.. ولم يحقق الثلاثي نجاحا يذكر لاسباب عدة منها ما تردد عن "ان فاروق جعفر لا يكل ولا يمل من التدخل عبر بعض مؤيديه في الشؤون الكروية للنادي". "الوسط" التقت فاروق جعفر وكان معه الحوار الآتي: حنين العودة هل تتمنى العودة الى تدريب نادي الزمالك؟ - انا ابن الزمالك... دخلت عندما كان عمري 11 عاما، وتدرجت في فرقه الى ان لعبت للفريق الاول ثم لمنتخب مصر... وأكاد اجزم انني امضيت بين جدران النادي اكثر مما عشت مع اهلي واسرتي، وغيرتي على الفريق الذي لعبت في صفوفه كبيرة، واتمنى دائما ان اراه في احسن حال... لهذا اتمنى العودة الى تدريب الفريق. ولكن هل من الممكن ان يكون الفريق في حالة ممتازة من دونك؟ - نعم... مع أنني كمدرب من أبناء النادي حققت للزمالك انجازات لا تنسى. لماذا؟ - الارقام لا تكذب... ففي عامين متتاليين، لعب الفريق 67 مباراة لم يهزم في اي منها، وفاز بالدوري مرتين، وقدم اللاعبون احسن عروضهم، واشاد النقاد والخبراء بالفريق بل واعترفت جماهير الاهلي بروعة اداء لاعبي الزمالك... وبعد ان تم طردي مع ديف مكاي تدهور الفريق مع انه يضم اللاعبين انفسهم الذين فازوا بالدوري مرتين خلال فترة عملي مدربا للفريق. ما هو شعورك بعد ان أقصى فريق بلدية المحلة الذي تدربه حاليا فريق الزمالك عن المنافسة على بطولة الدوري هذا الموسم؟ - أشعر بالارتياح فأنا مدرب محترف، ويسعدني جدا ان يوفق فريقي، ولا فرق عندي بين الزمالك والنادي الذي أتولى تدريبه. لقد تسلمت مهمة تدريب فريق البلدية وهو في موقف حرج، يتهدده الهبوط، والحمد لله نجحت في إعادة التوازن اليه في وقت قياسي، والآن الفريق في منطقة الامان بعد ان حقق سلسلة من النتائج الممتازة منها التعادل مع الزمالك مرتين في أسبوع واحد. وما الفرق بين البلدية والزمالك من الناحية الادارية؟ - بلدية المحلة... فريق صغير، يتبع احد الاقاليم، ويضم مجموعة طيبة من اللاعبين المجتهدين، ولهذا فإن التعامل معهم غير صعب... كما ان ادارة النادي تعرف كيف تتعامل مع المدرب لجهة انها لا تتدخل في عمله ولا تثير له المتاعب والمشاكل، اما الزمالك فهو نادٍ جمهوره كبير، ولاعبوه مدللون بعض الشيء، والاعلام مسلط عليهم، لهذا يحتاجون الى معاملة خاصة، وازعم انني أملك سر التعامل معهم. يقولون أنك "شديد وعصبي" مع اللاعبين، وكانت هذه مشكلتك في الزمالك؟ - المدرب يجب ان يتمتع بشخصية قوية والا "سيأكله" اللاعبون، ولا شك ان المدرب الذي أمضى سنوات طويلة في الملاعب ووصل الى اعلى درجات التمثيل الدولي، يستطيع ان يفرق بين لاعب مهذب، ولاعب قليل الأدب، او بين لاعب ملتزم، وآخر غير ملتزم. إن مشكلة اللاعب المصري عموما انه يريد ان يلعب ويحصل على اعلى المكافآت، ويتمتع بكل المزايا... كل هذا من دون ان يتدرب او يبذل الجهد المطلوب... ولأنني اعرف هذه الألاعيب، فلا شك ان التصدي لها لا يمثل لي أية مشكلة. وهل الشدة مع اللاعبين تجعلهم يلتزمون؟ - اللاعب الملتزم يحصل على كل حقوقه، ومستواه يرتفع، واللاعب المستهتر ليس له مكان في الملعب. ما هي العوائق التي تقف أمام فوز الزمالك بالدوري وهو يملك كل المقومات التي تؤهله لذلك؟ - مشكلة الزمالك - وبمنتهى الصراحة - تكمن في وجود مجموعة داخل النادي تحارب النجاح، وللاسف فإن هذه المجموعة تجد من يساندها ويقف وراءها، كما ان هناك دائما بعض اعضاء في مجلس الادارة يدسون انوفهم في كرة القدم التي لا يفهمون فيها. وهل هذا موجود في الاهلي مثلا... او في اندية اخرى غير الزمالك؟ - اعتقد ان الاهلي ليس فيه مثل هذه المشاكل، واعتقد ايضا انه لا يضم لاعبين مثل الموجودين في الزمالك!! وتلك هي المعادلة الصعبة. ومتى ستعود الى تدريب الزمالك؟! - من مصلحة الزمالك ان اقوم بتدريبه في الظروف الراهنة. لماذا؟ - لأنني أعرف كيف أعمل مع اللاعبين ومع الادارة. ولكنك تشكو من معوقات وعوائق! - العوائق التي اشرت اليها لن تزول، ولن تختفي، وكانت موجودة عندما فزنا بالدوري مرتين متتاليتين... ان الزمالك يشبه المريض الذي يعيش بعيب خلقي لا يؤثر على حياته.. اي ان النادي يعيش بصورة عادية... وانا اعرف العيب الخلقي، واتعامل معه. لأنه أهلاوي لهذا لم يكمل الجوهري. - نعم... وبالمناسبة، كنت ادرك ان الجوهري لن يكون بمقدوره ان يستمر، ولا بد له ان يرحل بين لحظة واخرى. لماذا؟ - لانه "أهلاوي". ولكن الكرة الآن لا تفرق بين الأندية، بعد سياسة الاحتراف. - إلا في مصر... سيظل الاهلي والزمالك هما الكرة، فلا "الأهلاوي" يدرب الزمالك، ولا "الزملكاوي" يدرب الاهلي... ومهما تقدمت السياسة الكروية فلن ينتهي التعصب للاهلي والزمالك. إذن... اذا عرضوا عليك تدريب الاهلي سترفض؟ - لن يعرضوا علي اساسا. وإذا حدث؟ - لا يمكن... واذا حدث فستكون مسؤولية سهلة لأنني املك مقومات المدرب المؤهل... والاهلي يملك الادارة الناجحة والجمهور العريض جدا. هل المدرب الوطني مظلوم في مصر؟ - نعم... والتعامل معه يتم في ظروف صعبة، فيلجأون اليه ليلعب دور المنقذ، ويستغنون عنه اذا كانت النية تتجه لاحتواء ازمة، او اذا توافرت العملة الصعبة التي تستخدم في جلب المدربين الاجانب. هل هذا حدث معك؟ - نعم... مع الزمالك ومع المنتخب، حدث مع الزمالك عندما وجدت ادارة النادي انني سأحقق ما لم يحققه غيري فتم طردي مع ديف مكاي على الرغم من ان مسابقة الدوري كانت في بدايتها واعتبروا ان الفريق يغرق، وجاءوا بالجوهري ليلعب دور المنقذ... وبعدما ذهب الجوهري أرادوا ان يبتعدوا عن القيل والقال فجاءوا بالمدرب النمساوي ريدل... وهكذا. اما مع المنتخب... فقد اتفق اتحاد الكرة مع الكابتن طه اسماعيل ومعي في ظروف غامضة.. وقبل بطولة الامم الافريقية بأقل من ثلاثة أشهر.. وذلك لنلعب دور "المنقذ"... ونجحنا في الفوز بدورة الامارات... وخرجنا من بطولة الامم الافريقية في تونس لسوء الحظ... ومع ذلك تمت التضحية بنا، ليتعاقدوا مع الهولندي راوتر الذي هرب بعد خمسة أشهر من توليه مهمة تدريب المنتخب القومي، اي انهم يعتبرون المدرب الوطني مجرد محطة توصل حتما الى مدرب أجنبي جديد. ولكن المدرب الوطني المصري لا يتطور مع العصر؟! - من قال هذا الكلام... هناك مجموعة ممتازة جدا من المدربين المؤهلين، ولكن ينبغي ان يتم احترام مهنة التدريب في مصر اولا. ومن هم هؤلاء المدربون المؤهلون؟! - كثيرون... واخشى ان انسى بعضهم، ولكن عموما منهم محمود الجوهري وهاني مصطفى وفؤاد شعبان وأنور سلامة وشحته. وأين أنت من هؤلاء؟ - أنا في الصفوف الاولى. هل انت مغرور؟ - وهل احترام النفس يعد غرورا... اذا كان كذلك فأنا مغرور!. هل أنت سعيد؟ - ليس هناك انسان سعيد في الدنيا، لان هناك دائما ما يقلقه، ومع ذلك اذا كانت السعادة لحظات جميلة، فاعتقد انني عرفتها في مراحل عدة في حياتي. وهل لحظات السعادة عرفتها مدرباً أم لاعباً؟ - كلما تقدم الانسان في العمر، زادت مسؤولياته... وانا عندما كنت لاعبا كانت مسؤوليتي عن نفسي، كوني فردا في فريق... اما الآن فمسؤوليتي تشمل فريقا بأكمله ولذلك فإن لحظات السعادة في حياتي كانت اكثر عندما كنت لاعبا. هل حققت كل ما تتمنى كلاعب؟ - حققت كل شيء في مصر.. وفشلت في الاحتراف خارج مصر. الجيل الحالي محظوظ هل الجيل الحالي من اللاعبين محظوظ اكثر من جيلك؟ - بكل تأكيد... واذا تكلمت بصراحة اقول ان جيلي كان يضم افضل نخبة من اللاعبين... ربما في تاريخ مصر، جيلي فيه الخطيب ومصطفى عبده ومصطفى يونس وجمال عبدالعظيم وطاهر الشيخ واكرامي وثابت البطل ومختار وحسن شحاته وطه بصري والخواجة وعلي ابو جريشة ومسعد نور وغيرهم ولحق بنا الشاذلي ومصطفى رياض... هذه الاسماء لا يمكن ان تعوض، ومع ذلك لم تستفد شيئا من الكرة مثل لاعبي هذا الجيل الذين اصبحوا يتحدثون بأرقام فلكية. إذن... اختفت المواهب! - لا استطيع ان اجزم بأن المواهب اختفت، بل قل ان المواهب تضاءلت، لدرجة انه لا يمكن الاشارة الآن الى عدد من النجوم... اما في السبعينات مثلا، فكان كل فريق يضم مجموعة كبيرة من المواهب. وأين تكمن المشكلة إذن؟ - في المناخ. كيف؟! - حتى الآن لا تستطيع ان تحدد ملامح سياسة الكرة المصرية.. هل هو الاحتراف، ام الهواية؟ لا احد يعرف. كما ان النظام غير مستقر، فلا الدوري ثابت، ولا المدربون يأمنون على انفسهم... انه القلق الذي من شأنه ان يحطم اي عمل... ولا امل الا بوضع سياسة كرؤية ثابتة. أين يقف طموحك؟! - طموحي ليس له حدود... ولكن سيأتي يوم أقود فيه منتخب مصر بأسلوب عصري. وماذا عن الزمالك؟ - قلت انه ينظر الى المدرب الوطني على انه محطة.. وانا انظر اليه على انه بيت. من هو خليفتك في الملاعب؟ - لا يوجد لاعب يشبهني، وهذا لايعني انه لا يوجد مثلي. ما هي طبيعة علاقتك بنجم الاهلي السابق محمود الخطيب؟ - صديق احترمه. وعلاقتك بالجوهري؟ - زميل أعتز به.