الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر الشريف من الشخصيات العلمية الدينية البارزة، عمل مدرساً في كلية الشريعة والقانون لفترة وجيزة، ثم وكيلا لنيابة الاحوال الشخصية ثم قاضيا شرعيا في محاكم مصر. وبعد رحلة عمل طويلة اختير وزيرا للاوقاف، ولم يلبث بضعة اشهر حتى عُين مفتيا للديار المصرية، وبعد عامين تولى مشيخة الازهر الشريف. وفي ليالي شهر رمضان المبارك يحلو الجلوس الى فضيلة الشيخ من خلال حديث حواري حول خواطره المتعددة بدأها بفريضة الصوم. - الصوم بمفهومه الجذري فريضة عظيمة الشأن بقدر ما تحتويه من حكمة بالغة في تقويم شخصية المسلم لترقى به الى مرتبة المؤمن الذى ينتمي الى عباد الله الصالحين. ذلك بأن فريضة الصوم يكرّم بها الله سبحانه وتعالى المسلمين شهرا كاملا في كل عام ليعتادوا ان يكونوا مع الله الذي يراهم ويراقبهم لا يخفون عنه طرفة عين. فإذا علم الصائم ذلك فإنه يلتزم بما يمليه علىه الصوم فيمتنع عن اشياء واشياء. فالصوم من الناحية الشرعية امساك عن الطعام والشراب من الفجر وحتى المغرب، والصوم في اللغة الامساك. ولذلك يصوم المسلم عن الطعام والشراب وعن اللغو وفحش الكلام، ويصوم عن اتباع الشهوة، ويصوم عن قول الزور والعمل به. ولذلك نقرأ حديث رسول الله صلى الله علىه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس من حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. والصوم امساك عن الكذب والخوض في نميمة او رذيلة مهما صغر شأنها وان يمتنع عن السب والشتم فإن رسول الله صلى الله علىه وسلم قال: "ليس منا من كان شتّاما او لعّانا". كيف يكون الصوم؟ - الصوم واجب الاداء على المسلم العاقل البالغ والمكتمل الصحة، والنساء المتطهرات من الحيض والنفاس، فلا صوم - اذن - على كافر ولا مجنون ولا صبي ولا مريض ولا مسافر ولا حائض ولا نفساء ولا شيخ كبير ولا حامل ولا مرضع. ومن يسر الله بالمسلم انه رخص له. فمثلا تفطر المرأة العجوز والمريض الذي لا امل في شفائه وكذلك الذين يقومون بأعمال شاقة ويجهدهم الصوم مثل الفران وعمال المناجم والغطاس في اعماق البحار والحامل والمرضع اذا خافتا على نفسيهما او اولادهما افطرتا وعلىهما الفدية ولا قضاء علىهما عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وعند أحمد والشافعي رضي الله عنهما لانهما ان خافتا على الولد فقط او على نفسيهما فعلىهما القضاء لا غير. كما يجوز الفطر للمسافر ويجب علىه القضاء وكذا للمقاتلين في حرب فعلىة ويقومون بتدريبات شاقة لا بد منها، لهم ان يفطروا وعلىهم القضاء بعد الحرب وعلى الصائم ان يكون مؤديا للصلاة ويباح له اثناء صومه الاغتسال وشم الروائح الطيبة كما يباح له علاج العين بالقطرة والاكتحال ويباح الحقن عدا الفيتامينات. ويصح للصائم ان يصبح جنبا وعلىه ان يغتسل من أجل الصلاة والأَوْلى ان يبيت طاهرا. ويبطل الصيام بالفتى عمدا فإن غلبه فلا شيء ومتى التقى الصائم مباشرة بزوجه بطل صومه وعلىه القضاء والكفارة وهي صيام ستين يوما غير الىوم الذي افطر فيه. وما هي انواع الصوم ومناسباته؟ - الصوم متنوع لكن لا فرض فيه إلا لشهر رمضان فالصوم منه: صوم الكفارة وصوم النذر وصوم عدم الزواج وصوم المواسم وصوم الدهر. ولا يكتمل إيمان المرء الا بصوم رمضان ان لم يكن له رخصة وهو من العبادات المقررة في جميع الاديان السابقة: "كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". والمسلم الذي يؤدي فريضة الصوم عليه ان يتقرب الى الله سبحانه وتعالى بألوان من الطاعات كقراءة القرآن والاحسان الى الناس والفقراء والمساكين وصلاة القيام والجهاد في سبيل الله قدر استطاعته. ما هو في رأيك المنقذ للأمة الاسلامية والعربية من الضياع وسط الصراعات التي نعيشها هنا وهناك؟ - العمل... العمل... هو المنقذ للامة الاسلامية والعربية من الضياع والتخلف والعمل على علم أجدى وأنفع وفي النتائج أسرع، وليس العمل على غير علم الاعتماد على النية البريئة والقلب الطيب كما يروج لذلك بعض المستشرقين والمعجبين بهم الذين ابتلعوا الفلسفات المتخمة بالاسرائيليات المدسوسة من الغرب والشرق لتحويل المسلمين عن دينهم فتلين عريكتهم بعد ان دانت لهم الدنيا ورفعوا راية الاسلام خفاقة فوق ربوع الاندلس في الغرب حتى جبال الهمالايا في اقصى الشرق وترتب على ذلك فزع الدول المعادية للاسلام التي اكتشفت ان قوة المسلمين تكمن في دينهم الذي يستمدونه من القرآن الكريم والسنة فعقدوا العزم على محاربة الدين الاسلامي وتطويعه لهم وحشدوا لذلك أذكى علمائهم في صورة مستشرقين متظاهرين بحبهم للدين الاسلامي ودأبوا على تفسير القرآن وتحريفه وكذلك السنة. كما انضم الىهم بعض المنتفعين من علماء المسلمين الذين ادخلوا كثيرا من البدع والدجل الى الدين. وما زالت الدسائس الاسرائيلية والشيوعية تدفع الكثير لاضعاف وضرب المسلمين بعضهم ببعض باثارتهم بالطائفية والنعرات المذهبية والعصبيات لاستنفاد جهودهم وثرواتهم حتى لا يجدوا الفرصة ليفيقوا من تخلفهم عن ركب الحضارة بما يتيح لغير المسلمين التفوق عليهم والسيادة على المسلمين بواسطة الاختراعات واحتكارها وتحكمهم بعد ذلك في مصائر المسلمين بالمنح والمنع. - لقد تم لاعداء المسلمين والاسلام مخططهم ومازال المسلمون يبتلعون الطعم الذي أُلقِي لهم فابتعدوا عن القرآن والسنة وفيها المنهج القويم والمنقذ الحقيقي من هذه البدع وهذه الفرقة وهذا التخلف لذلك ونحن في الشهر الكريم ادعوا جميع المسلمين ان يعودوا للقرآن وان يحتكموا إليه وان يتركوا هوى النفس فهو سوء البلاء والفرقة. فلو حكمنا القرآن بيننا بحقه وعدله لاستتب الامن وسعدت البلاد والعباد وتآخت الشعوب. انظر في عالمنا تجد من المشاكل التي تنسب لهوى النفس الامارة بالسوء ما يدمي قلبك ويوجعه ولا مناص من العودة الى شريعة السماء وإلا فخذ من قولة تعالى ما يرضيك: "ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك الىوم تُنسى". هل لكم رأي في الصلح مع الىهود؟ - افلحوا ان صدقوا.. ولقد طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي شمعون بيريز مقابلتي في الأزهر لكنني رفضت وأعلنت رأيي، لن التقي مع الىهود إلا بعد تحرير القدس وسائر البلاد الاسلامية المحتلة. أين الازهر من البوسنة والهرسك والشيشان وسائر الخلافات العربية؟ - هذه احقاد تتسلط على المسلمين في حين غفلة من اهل الاسلام. انهم كما قلت يثأرون من حضاراتنا التي أضاءت حياتهم بنور العلم. انهم يكرهون الاسلام وأهله وبخاصة العرب. وهم يظنون ظن الجاهلية. والازهر لا يكف عن مناشدة المسلمين للوحدة والاعتصام بحبل الله والوقوف صفا واحدا خلف القرآن لنرد به غيلة الىهود وحقدهم. وليت العرب يحتكمون الى الله والقرآن من خلال محكمة للعدل تقوم على منهج الله الحق بالعدل والقسطاس المستقيم. وماذا عن جهودك مع المفتي الدكتور محمد سيد طنطاوي في هذا الصدد؟ - الاستاذ الدكتور مفتي الجمهورية اخي وصديقي وما بيننا خلاف في الرأي وذلك لا يفسد قضية الود بيننا. احترمه واحترم علمه ويحترمني كذلك ولكن بعض المغرضين يضخمون المسائل للاستفادة منها. وهم واهمون وعموما سنلتقي في "الملتقى الفكري الاسلامي" الذي يقيمه الازهر والاوقاف طوال شهر رمضان، ويلتقي فيه الشعب بالعلماء والمفكرين والمسؤولين.