جاءت حصيلة ردود الاحزاب الجزائرية على مذكرة رئاسة الدولة الخاصة بشروط اجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة وكيفياتها مؤكدة لتوقعات غالبية المراقبين في العاصمة الجزائرية بأن "الحوار بالمراسلة" لن يكون أحسن حظاً وأسعد مآلا من الحوار المباشر. فالحصيلة المعلنة من قبل رئاسة الدولة تسجل إحجام ثلاثة أحزاب مهمة هي جبهة التحرير وجبهة القوى الاشتراكية وحركة الرئيس الأسبق أحمد بن بله، بالاضافة الى إقصاء جبهة الانقاذ المحظورة وهو إقصاء يبدو نهائياً من جانب الرئيس زروال ورفاقه. وكانت رئاسة الدولة قد حددت في مذكرتها 11 شباط فبراير الجاري كآخر مهلة لاستقبال ردود "الأحزاب والمنظمات والجمعيات والشخصيات الوطنية". وبعد 48 ساعة من انتهاء المهلة أعلن عن رد 45 حزباً من بينها ثلاثة أحزاب مهمة هي حركة "حماس" بزعامة الشيخ محفوظ نحناح وحزب سعيد سعدي بربري بالاضافة الى حركة "النهضة" التي يقودها الشيخ عبدالله جاب الله. من بين أحزاب "العقد الوطني" المبرم في روما في 13 كانون الثاني يناير الماضي أجاب على مذكرة الرئاسة حزبان فقط من مجموع سبعة هما النهضة وحزب العمال تروتسكي بزعامة الآنسة الويزة حنّون. وكان الحوار المباشر الذي تم تحت شعار الحوار من دون إقصاءإ قد شمل جميع الاحزاب المهمة بما في ذلك جبهة الانقاذ المحظورة... هناك إذن تراجع واضح، يبرر الى حد ما تشاؤم المراقبين بشأن جدوى "الحوار بالمراسلة" ومآله. وكانت كتلة "العقد الوطني" قد عبرت عشية الاعلان عن حصيلة "الحوار بالمراسلة"، في مؤتمر صحافي مشترك في فندق الأوراسي، عن تشاؤمها من تشنج السلطة وتعنتها، محملة إياها مسؤولية الانسداد السياسي الراهن ومخاطره. لقد ظلت الاحزاب السبعة الموقعة على "العقد الوطني" تنتظر، على مدى شهر كامل، إشارة ما من السلطة، ولما خاب أملها بعد طول انتظار بادرت الى عقد مؤتمر صحافي - قاطعته التلفزة والاذاعة المحليتان - وضعت فيه أمام الرأي العام المحلي والدولي جملة من الحقائق أبرزها: - ان رفض أرضية "العقد الوطني" جملة وتفصيلاً، يعني "ان السلطة لا تعترف حتى بحق المعارضة في تقديم اقتراحات لحل الأزمة". - ان الأرضية المقترحة ليست أداة للمجابهة بين السلطة والمعارضة ولكنها مسعى واع لخطورة الأو ضاع العامة في البلاد واقتراح مسؤول لعودة السلم والطمأنينة وإيجاد مخرج سياسي شامل من الأزمة. - إن الأرضية تعارض كل تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، وتندد بالتدويل الفعلي الناجم عن سياسة المواجهة، وتؤكد ان حل الأزمة لا يمكن ان يكون إلا من صنع الجزائريين، وانه لا يتجسد إلا على الأرض الجزائرية... بناء على هذه الحقائق وغيرها تؤكد "كتلة روما" ان "العقد الوطني" يشكل عرض سلام حقيقياً، وان السلطة برفضها له "تتحمل مسؤولية كبيرة في تضييع فرصة اخرى لحل الأزمة، والتمادي في سياسة المواجهة المتبعة منذ أكثر من ثلاث سنوات". وماذا تقترح "كتلة روما" لتجاوز الانسداد السياسي الراهن والذي تحاول السلطة إحكامه أكثر فأكثر بالإصرار على تنظيم انتخابات رئاسية تستبعد عملياً مشاركة الجبهات الثلاث الفائزة بالدور الأول من الانتخابات النيابية في 26 كانون الأول ديسمبر 1991؟ تقترح المواجهة السياسية والديبلوماسية مع السلطة القائمة، فالبيان التمهيدي للمؤتمر الصحافي يتضمن نداء صريحاً "الى الشعب الجزائري بجميع فئاته والى الاحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات والشخصيات الوطنية لمساندة أرضية العقد الوطني ودعم هذه المبادرة لعودة السلم والرجوع الى الإرادة الشعبية". وعلى الصعيد الدولي دعا السيد حسين آيت احمد الى تكوين لجان مساندة للعقد الوطني لا سيما في دول الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط. لكن من الناحية التكتيكية يؤكد السيد عبدالحميد مهري باسم الكتلة "ان الطلاق مع السلطة ليس بائناً..." ومن هذا المنطلق تطالب الكتلة السلطة مرة اخرى بمراجعة موقفها واتخاذ الاجراءات التي تمكن من الشروع في حوار جدي مع قوى المعارضة السياسية لأن الشعب الجزائري يتطلع الى السلم والاستقرار". إن احتمال تطور المواجهة السياسية بين السلطة وأحزاب "العقد الوطني" يجعل المراقبين يميلون الى الاعتقاد بأن لقاءات روما وما أسفرت عنه تشكل نقطة تحول مهمة في مسار النزاع الجاري في الجزائر من الناحية السياسية على الأقل: قبل روما كانت السلطة الجزائرية تساهم في تغذية العنف السياسي من طرف خفي، آملة ان تظهر نفسها بمظهر البديل الأفضل لقوى "التطرف الأعمى والارهاب الأرعن" لكن بعد روما أصبح للسلطة بديل آخر عبرت عنه صحيفة محلية "بالقوة الهادئة" مقارنة بتشنج السلطة وغوغائية الأحزاب الدائرة في فلكها بشكل أو بآخر. وهذه "القوة الهادئة" تحظى بقدر من الشعبية الداخلية والمصداقية الدولية ما يرشحها الى لعب أدوار رئيسية في النزاع الجزائري كطرف من الصعب الاستغناء عنه أو تجاوزه.... لذا يعتبر المراقبون مناورات السلطة وتهربها من مسعى الحوار الجدي مع "كتلة روما" بمثابة رهان غير مضمون على الغيب! ومن آخر هذه المناورات الفصل بين الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج! أي الرد بعكس ما جاء في "العقد الوطني" حيث تبنت "كتلة روما" مطلب قيادة جبهة الانقاذ بتمكينها من التلاقي والتشاور تمهيداً لتوجيه نداء للهدنة أو وقف العنف كما تطالبها السلطة بذلك.