لا يزال شبح الشيوعية يخيم فوق روسيا، ففي الانتخابات النيابية الاخيرة نال الشيوعيون 22 في المئة من الأصوات وصعدوا الى المرتبة الأولى. وسارع زعيمهم غينادي زيوغانوف الى تهدئة خواطر معارضيه قائلاً: "لسنا بحاجة الى تحول حاد الى اليسار". ويبدو ان المرتبة الثانية سيشغلها لوبين الروسي، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي ضمن لحزبه الليبرالي الديموقراطي 11 في المئة من الأصوات، وهي نسبة أقل من ال 23 في المئة التي نالها في انتخابات سنة 1993. ولكنه مع ذلك رقم محترم تماماً. اما حزب السلطة كما تسمى كتلة فيكتور تشيرنوميردين "بيتنا هو روسيا" فبنيله حوالي 10 في المئة من الأصوات لا يزال يحتفظ بفرصة ضئيلة لإزاحة جيرينوفسكي والوقوف وراء الشيوعيين. واضطر الديموقراطيون الروس الذين خاضوا معركة الانتخابات مشتتين من دون ان يستطيعوا جمع شملهم في قائمة انتخابية واحدة، الى التنحي واخلاء المكان لغيرهم. فانجازاتهم متواضعة جداً على رغم النجاح النسبي الذي حققته كتلة "يابلوكو" الانتخابية برئاسة غريغوري يافلينسكي الاقتصادي المعروف واضع برنامج ال "500" للتغلب على الأزمة، اذ جاءت في المرتبة الثالثة ونالت 9 في المئة من الأصوات. اما كتلة "خيار روسيا الديموقراطي" التي يتزعمها رئيس الوزراء بالنيابة سابقاً يغور غايدار فغير واضح تماماً ما إذا تخطت حاجز الخمسة في المئة الضروري لدخول البرلمان أم لا. وقال الكسندر شوخين منظّر "بيتنا هو روسيا" فور اعلان أولى نتائج الانتخابات: "اننا مستعدون للتعاون مع كل الاحزاب والحركات ذات التوجه الديموقراطي في مجلس النواب". وفي رأيه ان على الديموقراطيين "ان يتعلموا الاتفاق في ما بينهم". ويافلينسكي ايضاً مستعد للتعاون مع كل "من يعمل لوقف الحرب الشيشانية ومواصلة نهج الاصلاحات". لكن اتفاق يافلينسكي مع تشيرنوميردين سيكون أصعب بكثير من اتفاق غايدار معه. فيافلينسكي ورئيس الوزراء الحالي مرشحان فعليان للرئاسة في انتخابات حزيران يونيو المقبل. وسيكون اتحاد يافلينسكي مع غايدار أشبه، كما لاحظ أحد المحللين البارزين، بتعايش القط والكلب في بيت واحد. وعموماً لا ينضب معين الزعماء الحزبيين بعد الانتخابات في عرض أكثر المشاريع بهجة. فالشيوعي زيوغانوف لا يستبعد التحالف مع القومي المتطرف جيرينوفسكي ويحلم الى ذلك بايجاد "وضع جديد نوعياً". ويقول: "سنرغم الرئيس والحكومة على ان يحسبا حسابنا". اما يافلينسكي فيرى ان على رئيس الوزراء الحالي تشيرنوميردين ان يكون أول من يذهب، ويقول ان الأصوات التي نالتها كتلة "بيتنا هو روسيا" لا تؤهله للاحتفاظ بمنصبه. طبعاً يستطيع رئيس الدولة، كما يعتقد المراقبون، ان يدخل بعض التعديلات "التجميلية" على مجلس الوزراء وان يعطي الشيوعيين وانصار جيرينوفسكي بعض الحقائب الثانوية، لكن ليس اكثر من ذلك. وفي رأي ميخائيل كراسنوف معاون رئيس الدولة في المسائل القانونية "انه في ظروفنا التي لا يفترض فيها تغيير الحكومة تعديلاً للنهج بل تغييراً شديداً لها، يحق لرئيس الدولة ان يتجاهل مطالب الطامحين الى الحقائب الوزارية الرئيسية". والواضح منذ الآن انه لن يحدث أي شيء مخيف، وان كانت صورة التمثيل في مجلس النواب ستتغير بشكل ملحوظ بسبب نتائج الاقتراع في الدوائر الانتخابية الافرادية. وفي رأي مدير ادارة رئيس الدولة سيرغي فيلاتوف ان فوز الشيوعيين "يدل على استياء الفقراء وضرورة تغيير السياسة الاجتماعية". ويجب أيضاً، على ما يبدو، تغيير السياسة في شيشانيا التي جرت فيها كذلك انتخابات مجلس النواب الروسي وفاز فيها أنصار تشيرنوميردين والشيوعيون. كما انتخب لرئاسة الجمهورية الشيشانية الموظف الحزبي الشيوعي السابق دوكو زاوغايف الذي نال، كما كان ينال الأمناء العامون للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في زمانهم، زهاء 90 في المئة من الأصوات. ان الاستنتاج الرئيسي الذي يمكن ان نخلص اليه بعد النتائج الأولى للانتخابات ان اكثر الناخبين يريدون تغييرات حادة. فالروس يريدون تحسين السياسة الاجتماعية بشكل متماسك والحياة الطبيعية في اطار النظام الاقتصادي والسياسي الذي نشأ. ولهذا على ما يبدو لم يزدد نفوذ الاحزاب "اليسارية" اجمالاً بل تضاءل.