مع كل التوقعات كانت تشير قبل الانتخابات الجزائرية الى نجاح الرئيس المرشح اليمين زروال. الا ان عنصر المفاجأة ظل مسيطرا، خصوصا بالنسبة الى عدد الاصوات التي سيحصل عليها كل مرشح وبما ان صناديق الانتخابات اقفلت فيما كانت "الوسط" تدفع الى الطبع ما جعل تغطية النتائج امرا متعذرا، لذلك نرسم احتمالين لهذه النتائج، فوز زروال او حصول نحناح علي نسبة مهمة من الاصوات. يأتي فوز "المرشح الحر" اليمين زروال في الانتخابات الرئاسية يوم الخميس الماضي مثلما كان متوقعاً، حسب الخطة التي رسمها انصاره في جهاز الحكم خصوصاً داخل المؤسسة العسكرية فهذه الخطة كانت تقضي باستبعاد عنصر المفاجأة حتى لا تتكرر "مأساة" الانتخابات التشريعية قبل أربع سنوات. وقد ساهمت مجموعة "العقد الوطني" من دون ان تشعر في تحييد المفاجأة، عندما قررت - ربما مكرهة! - مقاطعة الانتخابات. والملاحظ ان فوز "المرشح الحر" في الدورة الأولى كان "مبرمجاً" قبل الاعلان عن ترشيحه. ويكمن سر نجاح الرئيس زروال في تضافر مجموعة من العوامل أهمها: أولاً: نجاح أنصار زروال في خلق ديناميكية انتخابية حقيقية، من أبرز مظاهرها تلك الصور الغنية عن كل تعليق للجالية الجزائرية في أوروبا خصوصاً في فرنسا، وهي تتزاحم أمام القنصليات الجزائرية لاداء واجبها الانتخابي، اضافة الى الاقبال الكثيف على التسجيل واعادة التسجيل في القوائم الانتخابية، ما جعل القائمة الوطنية ترتفع من 12.5 مليون ناخب مسجل في نهاية 1991 الى 16 مليوناً لغاية 31/10/1995. ثانياً: نجاحهم أيضاً في تبليغ رسالة أمل، أصبح التصويت بمقتضاها مرادفاً لانقاذ البلاد من أزمتها الراهنة. ثالثاً: التمكن من ضرب حصار محكم على دعاة المقاطعة سياسياً واعلامياً حيث وجدت "مجموعة روما" نفسها مضايقة بشكل لم يسبق له مثيل… فجبهة التحرير مثلاً منعت من عقد اجتماع تنظيمي لكوادرها على مستوى وطني كان مقرراً يومي 9 و10 من الشهر الجاري، والقي القبض في 12 من الشهر نفسه على جمال الزناتي مسؤول "اللجان الوطنية" الجناح الموالي لپ"جبهة القوى الاشتراكية" في الحركة البربرية… رابعاً: احباط مخطط "المعارضة المسلحة" التي كانت تحاول تعطيل العملية الانتخابية بالتهديد والتخريب. لكن ماذا بعد هذا الفوز المنتظر لپ"الرئيس المرشح"؟ لقد استطاع زروال ان يحقق للنظام نوعاً من تجديد الشرعية وهذا ما كانت المعارضة التمثيلية تتوقعه وتخشاه في آن واحد، ففي أي اتجاه سيوظف هذا المكسب؟ وأية سياسة سيخدم؟ تصريحات الرئيس المرشح في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية أكدت ان هناك ميلاً للاستمرار على النهج نفسه، لا سيما في موضوع "الحوار الوطني" و"الجماعات المسلحة". فهو لم يقدم أي وعد واضح أو التزام محدد بخصوص الحوار، كما انه استمر في التعامل مع ظاهرة العنف الذي يدمي الجزائر منذ أربع سنوات بالمنطق نفسه، أي اعتبار "الجماعات المسلحة" مجرد "مجرمين وخونة ومرتزقة". ويرى بعض المراقبين السياسيين ان التزكية الشعبية التي فاز بها الرئيس زروال قد تغير موازين القوى لمصلحته في الدوائر العليا للسلطة، ومن ثم قد تشجعه على انتهاج سياسة جديدة لا تستبعد الحوار غير المشروط، خصوصاً مع المعارضة السياسية. ولتبين الاتجاهات الجديدة - أو دلالاتها على الأقل - في سياسة زروال يترقب الكثيرون خطاب التنصيب، وكذلك اسم رئيس الحكومة الجديد الذي سيكون بمثابة عنوان للمرحلة الجديدة. مفاجأة نحناح؟ اذا حقق الشيخ محفوظ نحناح مفاجأة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تكون المفاجأة ليس فقط في الزام مرشح السلطة الرئيس اليمين زروال خوض الدورة الثانية، بل كذلك في حصول مرشح "حركة المجتمع الاسلامي" على نسبة من الأصوات لم تكن متوقعة. ومغزى هذه المفاجأة ان الحركة الاسلامية لا تزال قادرة على "التشويش السياسي" ومعاكسة ما تخطط له السلطة. لقد كانت هناك مؤشرات عدة تؤكد ان السلطات خططت لفوز "الرئيس المرشح" في الجولة الأولى. فقبيل اعلان الرئيس زروال عن ترشيحه في 19 ايلول سبتمبر الماضي لم يكن السؤال المطروح هو هل يترشح أم لا، بل كان هل يفوز في الدورة الأولى أم في الدورة الثانية؟ وغداة اعلان زروال عن ترشيحه ارتفعت أصوات تطالب باستقالته من منصبه حتى تكون فرص جميع المرشحين متكافئة. وكان صوت الشيخ نحناح في طليعتها. ترى ماذا كان رد زروال؟ لقد رد باختصار انه يمكن ان ينظر في ذلك بعد 16 تشرين الثاني! وقبل أسبوع من هذا الموعد صرح وزير الاتصال السيد الأمين بشِّيشي انه "يتمنى" ان "ينفض العرس" في دورته الأولى عن فوز عريس السلطة طبعاً. وكانت حملة جمع التوقيعات المؤهلة للترشيح الرسمي، قد أثارت مخاوف أنصار مرشح السلطة نظراً الى السهولة الكبيرة التي استطاع بها الشيخ نحناح الحصول على 75 الف توقيع في فترة قياسية مقارنة ببقية المرشحين، ومنهم سعيد سعدي ونورالدين بوكروح اللذين تؤكد بعض المصادر ان الجهاز الاداري وعدداً من المؤسسات العمومية ساعدتهما في الحصول على النصاب المطلوب. يؤكد هذه المخاوف ان وزارة الداخلية ساهمت في اختتام حملة الدورة الأولى مساء الاثنين الماضي ببيان شديد اللهجة، ردت فيه على مرشح "حماس" الذي تساءل في مؤتمر صحافي عقده قبل 48 ساعة، عن الارتفاع الكبير والمفاجئ للبطاقة الانتخابية الوطنية التي انتقلت من 12.5 مليون ناخب مسجل، حسب تصريح وزير الداخلية السابق في حزيران يونيو الماضي، الى 16 مليوناً حسب بيان لوزارة الداخلية. هذه الزيادة المفاجئة أثارت استغراب ممثلي كل من سعدي وبوكروح، المرشحين اللذين سقطا في الدور الأول، ومعهم جانب من الرأي العام المحلي أيضاً. وان كان البعض ينسبها الى الاقبال الكبير على التسجيل في القوائم الانتخابية. لكن هل يحقق نحناح مفاجأة أخرى في الدورة الثانية؟ معظم المراقبين يستبعد ذلك لسبب جوهري هو ان النظام الجزائري لم يعد في وضع يسمح له بتحمل نتائج اخطاء اخرى في التقدير مثلما حدث في الانتخابات المحلية والتشريعية عامي 1990 و1991. ومن ثم يكون قرأ مسبقاً جميع الاحتمالات وانتهى الى قناعة بأن الشيخ نحناح لن يهدد مرشحه تهديداً جدياً في الدورة الثانية. وعلى رغم توقعات السلطة المتفائلة، من المحتمل الا يكون الفارق كبيراً بين الفائز بالدور الثاني ومتحديه… وكشفت نتائج الدورة الأولى عن حقيقتين: الأولى، ان "تأثير المرشح زروال" لم يكن بالأهمية التي تحول ديناميكية الانتخابات لمصلحته بشكل حاسم. وليس مستبعداً ان يؤثر ذلك لاحقاً في اتجاه تطور موازين القوى داخل سرايا السلطة نفسها. الثانية، ان اختيار الشيخ نحناح - من قبل السلطة - لتمثيل التيار الاسلامي تم على أساس اداء دور ثانوي متواضع فإذا بالجولة الأولى ترشحه لدور المتحدي الرئيسي، ما يؤكد ان متاعب النظام مع هذا التيار لم تنته بعد. فإذا كانت السلطة تسعى عبر الانتخابات الى تجديد شرعيتها، فإنها أكدت بذلك أمام الرأي العام الدولي ان التيار الاسلامي لا يزال يُشكل قوة سياسية لا يستهان بها، طالما ان أضعف جناح فيه استطاع ان ينافس مرشحها منافسة الند للند.