بدأت حرارة الانتخابات الرئاسية في الجزائر ترتفع شيئاً فشيئاً مع اقتراب موعد الاقتراع المقرر في 15 نيسان ابريل المقبل. وحرص المرشحون السبعة الذين وافق المجلس الدستوري على خوضهم المنافسة على تقديم برامجهم قبل الاطلاق الفعلي، خلال أيام، للحملة. وإذا كانت القضايا المطروحة أمام المرشحين فإن قضية السلم والمصالحة تحتل مركزاً أساسياً بينها. وتسعى "لجنة الحوار والمصالحة" التي يرأسها الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عبدالحميد مهري الى جعل هذه القضية محوراً أساسياً في الحملة الانتخابية. وهي قدمت مذكرة الى المرشحين السبعة نقلها السيد عبدالعزيز بلخادم. وكان لافتاً حضور السيد عبدالقادر حشاني لقاءات عقدتها اللجنة مع بعض المرشحين. وتعتقد اللجنة أن معظم المرشحين يطرحون مسألة الحوار والمصالحة والسلم شعاراً لكسب الناخبين. ولا يستبعد ان تدعو اللجنة الى مؤتمر شعبي بعد الانتخابات من أجل تحقيق ما تطمح إليه، علماً أنها ترفض اعلان تأييد أي مرشح، داعية مناصريها الى دعم كل من يحمل شعار السلم والمصالحة والحوار من دون إقصاء. كيف ينظر المرشحون الى فكرة السلم والمصالحة؟ وما هي حسابات كل واحد للتأهل للدورة الثانية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لأصحاب النفوذ في الجزائر؟ بوتفليقة: الدورة الأولى أو الانسحاب يعتقد الطاقم الذي يقف وراء السيد عبدالعزيز بوتفليقة، خصوصاً الجنرال العربي بلخير والمكتب السياسي لجبهة التحرير، والوزراء ال 12 في حكومة اسماعيل حمداني، وحزب التجمع الوطني الديموقراطي وحركة النهضة، والأحزاب الصغيرة والجمعيات المدنية، ان فوز مرشحهم مضمون من الدورة الأولى، خصوصاً ان منظمات مهمة مثل الاتحاد العام للعمال وابناء المجاهدين والشهداء اعلنت تأييدها له. ويعتبر بعضهم ان بوتفليقة يحمل مشروع "الاجماع الوطني" ويدعم كل مبادرة للمصالحة الوطنية، وتاليا ستقتطب ما يكفي من الناخبين لضمان الفوز. حتى ان قريبين منه لا يستبعدون انسحابه من المنافسة اذا لم ينل الغالبية الكافية لاختياره في الدورة الأولى. لكن بعض المراقبين يعتبرون ان التأييد الواسع لبوتفليقة، خصوصاً في الأوساط والأحزاب القريبة من السلطة، قد ينعكس عليه سلباً، نظراً الى الحذر الذي يطبع شطراً واسعاً من الناخبين ازاء "الاجماع". وترى أوساط اعلامية في بوتفليقة "مرشح انشطار وليس اجماع"، معتبرة ان فوزه في الانتخابات، مهما كانت نزيهة، ستصاحبه مخاطر، اذ من الصعب ان يعترف له منافسوه، خصوصاً السيد حسين آيت أحمد الذي أعلن عدة مرات رفضه لمرشح ما سمى ب "الاجماع" حتى لا يتكرر ما حصل في انتخابات 1995 حيث كان الكل يدرك أن زروال هو الرئيس الفائز بالانتخابات. الابراهيمي: دعم "الانقاذ" وعلى رغم أن كثيراً من المحللين السياسيين في الجزائر يعتقدون بأن الدورة الثانية ستكون بين بتوفليقة وأحمد طالب الابراهيمي، إلا أن هناك مخاوف من ان يخسر الأخير في أوساط التيار الديموقراطي بعد الدعم العلني له من الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة. ويتساءل بعضهم عن أهداف جبهة الانقاذ، فهل تريد إعادة الاعتبار اليها كحزب أم انها تدعم الانتخابات الرئاسية كوسيلة لحل الأزمة، بعدما دخل أطراف من اتفاق "سانت ايجيدو" معركة الرئاسة؟ ولا يفكر أحد أن مرشحين يراهنون على قواعد الجبهة، لكن أكثر البرامج شفافية ووضوحاً هو برنامج الابراهيمي الذي يعتبر المصالحة أساس بناء الدولة. وفي هذا الاطار اعطيت تفسيرات كثيرة للقاء عبدالقادر حشاني الذي رافق بلخادم لتسليمه مشروع المصالحة على رغم أن هذه الخطوة شملت جميع المرشحين. حمروش: العجلة الاحتياط يعتبر السيد مولود حمروش المرشح الثالث الذي يحظى بدعم قوي من المجتمع المدني، وجناح واسع في جبهة التحرير الوطني، وهو في برنامجه الانتخابي يحمل السلطة والمعارضة "الأسباب الموضوعية التي أدت الى الانزلاق في العمل السياسي"، ويدعو الى عقد سياسي لتحرير المجتمع و"فتح أبواب مجالات التعبير والتنظيم ضرورة التكفل بمعالجة آثار العنف، والعودة الى الاستقرار والسلم المدني. وعلى رغم انه يتجنب استعمال مصطلح "المصالحة الوطنية" فإنه يدعو الى "حركة قادرة على جمع الحساسيات السياسية المختلفة"، وتاليا ينطوي مفهوم المصالحة عنده على "تهيئة الأجواء". وعلى رغم محاولاته التقرب من المؤسسة العسكرية، خصوصاً الجانب الأمني، فإن هناك من يتخوف من حركته الاصلاحية، خصوصاً أنه لعب دوراً مهماً في إقالة الجنرال محمد بتشين في عهد الشاذلي بن جديد، وان أحد أسباب اقالته من رئاسة الحكومة في 1991 هو "المفاوضات السرية" التي أجراها مع الشيخ عباسي مدني، الى جانب تبنيه الفرنسية كافة ثانية، واحاطته بطاقم من المستشارين ذوي أصول يهودية. لكنه يبقى في نظر كثير من المراقبين "العجلة الاحتياط" في حال تعثر الخيارات الأخرى. آيت أحمد: ضمانات للمشاركة ترى أوساط سياسية أن الجولة التي قام بها اسماعيل حمداني قبل تعيينه رسمياً رئيساً للحكومة كانت تهدف الى حملة ضمانات الى آيت أحمد، الذي لا يتصور أي عمل سياسي أو اقتصادي من دون توافر السلم. ويدعو الى "عقد تاريخي لوقف عملية تدمير البلاد" معتبراً أن وقف العنف يخلق "ديناميكية للمصالحة الوطنية واسترجاع السلم"، لكنه يتطلب ضمانات متبادلة من الجميع. ولتحقيق هذا "العقد التاريخي" يجب فتح حوار صريح وشفاف مع كل القوى السياسية من دون اقصاء، خصوصاً تلك التي تنبذ العنف. ويدعو الى اجراءات تهدئة مرافقة لأي مبادرة لخلق جو من الثقة والطمأنينة. وهو مقتنع انه لن يكون الرئيس المقبل للجزائر لكنه يعتبر مشاركته للانتخابات الرئاسية تأكيداً لحضوره السياسي، فهو يسعى الى ان يكون قائداً وزعيماً للتيار الديموقراطي المعارض. كما أنه لا يستبعد أن يكون رئيساً لمجلس الأمة أو رئيساً لمجلس الشعب وهو يدعو الى مجلس تأسيسي لتعديل الدستور. وما يمكن أن يحققه آيت أحمد هو اضفاء صفة الوطنية على حزبه وتمكينه من لعب أدوار مهمة في المستقبل. جاب الله: بديل نحناح؟ إذا كان الشيخ عبدالله جاب الله حقق هدفين، وهما انشاء حزب جديد بقواعد حزبه القديم، وانتزاع تأشيرة التأهل للترشح رسمياً للرئاسة، فإن ما يطرحه أقرب الى مضمون جبهة الانقاذ الاسلامية. فهو لا يكتفي بالعفو، وانما إعادة الاعتبار. ومع ذلك، لن يكون الحزب المحظور الى جانبه، وانما يمكنه استقطاب جزء من حركة مجتمع السلم. اذ ترى أوساط مراقبة انه سيكون البديل للشيخ محفوظ نحناح الذي أنهت السلطة مشواره السياسي برفض شرعية "جهاده في الثورة" والمعروف في الجزائر ان صفة المجاهد من أساسيات الاحترام في الميدان السياسي. ويبدو أن السلطة تريد من حزب جاب الله الجديد "حركة الاصلاح الوطني" ان يكون رقماً مهماً في الحياة السياسية المقبلة. سيفي: حزب السلطة! اعتبر بعض المراقبين إقحام السيد مقداد سيفي في الانتخابات الرئاسية بمثابة عملية انقاذ للتجمع الوطني الديموقراطي الحزب الحاكم بعد انشطاره الى ثلاثة أجنحة. ويعتقد ان سيفي يمكنه ان يلعب دوراً في المستقبل، كما حصل في عهد الرئيس اليمين زروال. وهو لن يكون أكثر حظاً من الشيخ جاب الله. فهما رقمان في الخريطة السياسية، لكن حزبه يبقى الأكثر احتواء للاطارات في المستقبل. ولا يستبعد أن يتحول مستقبلاً حزباً للسلطة. لغز المرشحين يعتقد كثيرون ان المرشح السابع السيد يوسف الخطيب رئيس لجنة الحوار الوطني هو "لغز المرشحين". فهو أحد رموز المؤسسة العسكرية التي تذكرته في 1994 ليرأس لجنة الحوار الوطني ثم ندوة الوفاق الوطني ثم رئيس الحملة الانتخابية لمرشح الجيش السيد اليمين زروال. وهو أول من عارض اقتراح تعيين بوتفليقة رئيساً لمجلس الدولة في 1994، وأول من سلم "ملف الفساد" الى اللواء محمد العمادي أثناء ظهور اسم بوتفليقة كمرشح للجيش. ويقول انه "عندما سمع بالسيد بوتفليقة مرشحاً للمؤسسة العسكرية أبلغها بأنه هو الآخر مترشح حر". وعلى رغم انه غير معروف شعبياً، إلا أنه لا يمكن لأحد المرشحين أن يطعن في نزاهته وسلوكه الاخلاقي. وترى أوساط نافذة أن السلطات الجزائرية عندما رأت الخطيب يوقع شهادة مجاهد للسيد محفوظ نحناح، بدأت تفكر في اقصاء الأخير حتى لا يكون منافساً له، ووجد مناضلو حركة مجتمع السلم في وثيقة "العقيد حسان" أي يوسف الخطيب شهادة توزع على المناضلين لادانة السلطة، وقد يكون الدافع الى مثل هذا التفكير هو احتمال ان يدعم نحناح الخطيب ابن ولايته. ومجرد حصول الخطيب على دعم حركة مجتمع السلم يتأهل للدورة الثانية، وتاليا سيكون أول "مجاهد حقيقي" وعقيد متقاعد في الجيش، في مواجهة أي مترشح آخر سواء كان بوتفليقة أو الابراهيمي. وفي كل الحالات فهو المؤهل للفوز لاعتبارات أهمها: أولا: انه يمثل منطقة الوسط الولاية الرابعة التاريخية التي أقصيت عن السلطة منذ 1962، علماً بأن أول رئيس كان من الغرب وبقية الرؤساء كانوا من الشرق. وثانيا: ان فوزه لا يثير اعتراض أي مرشح، لأنه لا يمثل "جناحاً في السلطة"، الى جانب ان برنامجه الانتخابي مستمد من برنامج زروال. وأولى المؤشرات الى احتمال نجاح هذا السيناريو هو أنه رفض تعيين ممثل له في لجنة مراقبة الانتخابات بحجة النزاهة والشفافية. كما انه رفض التوقيع على "أرضية الميثاق الانتخابي" الى جانب الابراهيمي وحمروش وآيت أحمد وجاب الله، وبالتالي يكون في صف آخر غير مجموعة العقد الوطني التي تتنافس على طرح مشروع واحد. يشترك خمسة مرشحين في حمل شعار "السلم والمصالحة الوطنية". ويتفرد برنامج الخطيب بمواصلة استئصال الارهاب ومد يد الرحمة، ودعم المؤسسة العسكرية. وبالتالي، لا تستبعد أن يقوم زروال قبيل الانتخابات أو عيد الأضحى باصدار عفو يشمل سجناء الرأي والمعتقلين غير المتورطين في جرائم القتل ورفع حال الطوارئ، والرفع الجزئي للقوانين الاستثنائية، وبهذا يسحب البساط من تحت جميع المترشحين باستثناء الخطيب الذي كان مدير حملته الانتخابية. ولا شك ان أي اجراءات تهدئة يقوم بها الرئيس الحالي ستكون لمصلحة الخطيب بصفته عقيداً متقاعداً في جيش التحرير، وأحد رموز الحوار، وهو بذلك يحقق هدفين: اولا: يسجل اسمه في التاريخ كأحد الرؤساء الذين فضلوا التداول على السلطة على مصالحهم الضيفة، وانه أعاد الاعتبار للجميع. ثانيا: دعم بطريقة غير مباشرة من يخلفه في الرئاسة بحيث تنقل السلطة من الشرق الى الوسط من دون أن تكرس الجهوية.