سينضم يوم تشييع رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل اسحق رابين الى قافلة المواعيد الكبيرة والخطيرة في تاريخ النزاع العربي - الاسرائيلي والجهود المبذولة لانهائه. وأسباب هذا الانضمام كثيرة، تتعلق بشخص الرجل الذي استهدفته الرصاصات وبتوقيت عملية الاغتيال ورد الفعل عليها. للمرة الأولى يقتل رئيس وزراء اسرائيل، وهو قتل برصاص يهودي، وللمرة الأولى ىنقسم الاسرائيليون على السلام الى حد الاغتيال واطلاق مخاوف الحرب الأهلية. يضاف الى ذلك ان اسم رابين ادرج في طليعة لائحة كبار المحاربين في تاريخ الدولة العبرية قبل ان يدرج في لائحة المسؤولين الذين أبدو ااستعداداً للمخاطرة "من اجل اعطاء السلام فرصة". ولا حاجة للتذكير بأن الأرض التي تسعى اسرائيل الى تقاضي ثمن الانسحاب منها أو من بعضها هي أرض احتلت يوم كان رابين رئيساً للأركان. وربما لهذا السبب امتلك رابين حق التنازل عن بعض الأرض وشرعية الترويج لمثل هذا التنازل داخل المجتمع الاسرائيلي خصوصاً داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وهي شرعية لا يستطيع ادعاء امتلاكها خليفته شمعون بيريز الوافد من خارج تلك المؤسسة. ثم ان عملية الاغتيال جاءت في وقت بالغ الدقة بالنسبة الى جهود السلام، سواء لجهة اختبار اعادة الانتشار في بعض الضفة الغربية أو لجهة التجاذب على المسار الاسرائيلي - السوري. وربما بسبب هذه الأخطار والأسباب اختارت الدول الكبرى وفي طليعتها الولاياتالمتحدة تحويل تشييع رابين الى فرصة لتوسيع المظلة الدولية المنصوبة فوق جهود السلام. والرسالة الواضحة من المشاركة الواسعة في التشييع كانت تهدف الى "طمأنة اسرائيل من جهة وطمأنة معسكر السلام من جهة اخرى" على حد قول مصدر ديبلوماسي غربي. ورأى المصدر ان المظلة التي وفرها التشييع كانت أكبر وأوضح من تلك التي توفرت لانطلاق مؤتمر مدريد الذي أكدت طبيعة المشاركة نفسها انه نجح في تحقيق اختراقات وتحولات. ماذا يفعل بيريز وكيف سيحاول ترميم البيت الداخلي للافادة الى أقصى حد من التعاطف الدولي؟ وكيف سيحصل بيريز على تفويض صريح بمتابعة عملية السلام وهل الحل في الانتخابات والافادة من العزلة التي قد يكون الاغتيال فرضها على تكتل ليكود والقوى المتشددة؟ وهل يكفي تعزيز موقع ايهود باراك لضمان موافقة المؤسسة العسكرية والأمنية على مستلزمات الحلقات المقبلة من عملية السلام؟ أسئلة حاولت "الوسط" البحث لها عن اجابات. لا يختلف كثيرون على ان حزب العمل الاسرائيلي بات الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى لقيادة سياسية جديدة تحل محل قيادته "التاريخية" التي ظلت متمثلة طوال العقدين الماضيين بالثنائي اسحق رابين وشمعون بيريز. وهذا الأمر ليس جديداً، اذ هو مطروح منذ سنوات عدة. لكن اغتيال رابين جاء ليدفعه بحدّة أكثر نحو الواجهة. فرابين كان قارب أواسط السبعينات من عمره، في حين ان زميله بيريز الذي خلفه الآن في زعامة العمل ورئاسة الحكومة لا يصغره الا بعامين فقط. وكان واضحاً منذ عودة التحالف العمالي الى الحكم عام 1992 ان أياً من الرجلين لن يكون قادراً على "الاستمرار الى الأبد"، وان البحث لا بد ان يبدأ، عاجلاً أم آجلاً، للعثور على شخصية جديدة مؤهلة لتولي الخلافة الحزبية والسياسية عندما يصبح ذلك ضرورياً وملحاً. وبالطبع، فإن احداً من أركان حزب العمل أو قياداته الناشئة لم يكن يجرؤ على منافسة رابين حين كان لا يزال في موقع الزعامة. وحتى بيريز نفسه الذي سبق ان خاض غمار تلك المنافسة خلال الثمانينات كان وصل الى قناعة منذ سنوات بأنه طالما ظل رابين موجوداً فإن عليه أي بيريز الاكتفاء بموقع الرجل الثاني في تراتبية الحزب والسلطة عندما يكون العمل فيها. والمراقبون الاسرائيليون الذين كثيراً ما انصرفوا الى تحليل طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين رابين وبيريز ودرس فرص حزب العمل وآفاقه بعد غيابهما المفترض عن الساحة لا يرون في ذلك الوضع أي انتقاص من قيمة بيريز أو كفاءته، بل انهم كانوا يعتبرونه نتيجة طبيعية لواقع الحزب وتراثه وطريقته في اختيار زعاماته منذ قيام دولة اسرائيل التي لا يزال عتاة العماليين يؤمنون بأنها قامت أولاً وأخيراً على اكتافهم. فبيريز السياسي المحنك والديبلوماسي البارع والمنظر المرن كان ضرورياً للعمل ولرابين بالذات، لكنه لم يكن من "طينة الزعامة" التقليدية التي دأب الحزب على انتاجها منذ بداياته. والسبب في ذلك بسيط، وهو ان بيريز لم يجمع في شخصيته العنصرين الأساسيين اللذين طالما شكلا جوهر أي زعامة عمالية، وهما الارث السياسي من جهة والتراث العسكري من جهة اخرى. وهذا الجوهر بالذات هو ما جعل من رابين وريثاً شرعياً ومقبولاً في صورة اجماعية تقريباً للزعامة العمالية التقليدية ولرئاسة الحكومة الاسرائيلية في كل مرة كان الحزب يصل فيها الى السلطة. جيل القيادة المفقود ولعل الأزمة المزمنة التي واجهها العمل على صعيد القيادة والخلافة خلال العقدين الماضيين كان افتقاره الى العدد الكافي من الشخصيات الجامعة لهاتين الميزتين. وبكلام آخر، لم يتدرج في صفوف الحزب خلال تلك الفترة الكثير من القيادات الجديدة التي تدرجت وقاتلت في صفوف القوات المسلحة الاسرائيلية قبل ان تقرر ترك المعترك العسكري والدخول الى ساحة العمل السياسي. وما حدث بعد غياب الرعيل الأول من القيادات العمالية التاريخية، مثل دافيد بن غوريون وليفي أشكول وموشي دايان وايغال ألون وغولدا مئير، كان بمثابة دليل واضح الى تلك الأزمة. فباستثناء حاييم بارليف الذي خلف رابين في أواخر الستينات كرئيس لأركان القوات المسلحة، ثم أفل نجمه بسرعة نسبية لأسباب عدة، لم "يفز" حزب العمل بالكثير من رؤساء الأركان من ذوي "التراث القتالي البطولي" بالمفهوم الاسرائيلي. فالجنرال دافيد اليعازر الذي كان رئيساً للأركان ابان حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 توفي بسرعة في أعقاب تحميله مسؤولية الاخطاء التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في مطلع تلك الحرب. وبعد الجنرال موردخاي غور الذي تولى المنصب خلال النصف الثاني من السبعينات وكان بمثابة آخر رئيس أركان "عمالي" من حيث توجهاته السياسية الشخصية والحزبية آنذاك، شهد الجسم السياسي الاسرائيلي برمته في تلك الفترة تحولاً قوياً نحو اليمين تمثل في وصول ليكود بزعامة مناحيم بيغن الى السلطة للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية قبل ان يعود العمل اليها في مطلع التسعينات. وكان من أبرز الدلائل الى ذلك التحول ان المؤسسة العسكرية، وخلافاً لكل ماضيها السابق، "انتجت" خلاله رئيسين للأركان ما لبثا ان تحولا الى اثنين من أبرز دعاة التطرف السياسي اليميني عند دخولهما مضمار العمل الحزبي بعد تقاعدهما من الخدمة، وهما الجنرال رفائيل ايتان والجنرال دان شومرون. والمعروف جيداً عن رابين انه كان لا يتردد في الاعراب علناً عن امتعاضه الشديد من "الاختراق اليميني" للمؤسسة العسكرية، كما انه كان مصمماً على وضع حد لذلك الاختراق واعادة "التراث العمالي" اليها فور عودة الحزب الى السلطة. وهو من هذا المنطلق كان يعتبر ان "التشدد في المجال الأمني والاستراتيجي لا يجب ان يترجم تطرفاً بالمعنى السياسي والعقائدي". ويرى كثيرون ان هذه "النظرة الثنائية" الى مسألتي الأمن والسياسة كانت دائماً من العناصر الرئيسية التي جعلت رابين في "موقع فريد من نوعه" بالنسبة الى الرأي العام الاسرائيلي من حيث كونه الشخصية الملائمة تماماً للتفاوض مع العرب على أسس السلام والتعايش. وبحكم هذا الموقع الذي يفتقر اليه بيريز على اليسار وزعامات ليكود على اليمين، نجح رابين في "تحقيق المستحيل"، حسب خبير معروف في الشؤون السياسية الاسرائيلية، اذ "تمكن على الدوام من التمتع بثقة المؤسسة العسكرية والأمنية من جهة، والاحتفاظ بتأييد النصف المعتدل من الرأي العام السياسي والشعبي الاسرائيلي من جهة ثانية". وكان بدا في وقت من الأوقات ان الشخص المؤهل لخلافة رابين على رأس حزب العمل هو الجنرال موردخاي غور. بل ان جميع الدلائل كانت تشير الى ان الزعيم العمالي الراحل كان يحضر غور فعلاً لتولي ذلك المنصب عندما عينه رابين رئيساً للأركان أثناء توليه رئاسة الحكومة في أواسط السبعينات. وليس من المبالغة القول ان غور كان نوعاً من "النسخة طبق الأصل" عن رابين، لا على الصعيد السياسي فحسب بل وأيضا من حيث الطبائع الشخصية وحتى الشكل والمظهر. والى جانب الصداقة الحميمة التي كانت تربط الرجلين، فإن غور كان مثل رابين قائداً عسكرياً ذا سجل ميداني حافل من بين أبرز وقائعه عملية "الليطاني -1" في جنوبلبنان عام 1978. وما ان تقاعد غور من الخدمة العسكرية في مطلع الثمانينات حتى اعلن انضمامه رسمياً الى العمل الذي كان آنذاك في صفوف المعارضة.، وتدرج بسرعة في تراتبية الحزب حتى أصبح يعتبر الرجل الثالث في زعامته بعد رابين وبيريز. لكن خلافة غور للثنائي لم تتم فصولاً، اذ وقع فريسة المرض خلال الثمانينات، ومع انه ظل يمارس مهماته الحزبية والسياسية التي كان آخرها تعيينه نائباً لوزير الدفاع أي نائباً لرابين نفسه في الحكومة التي انبثقت عن انتخابات 1992، فإنه كان واضحاً ان ذلك التعيين كان من باب التقدير المعنوي أكثر منه منصباً فعلياً، لأن اشتداد وطأة المرض عليه كانت كفيلة بوضع حد عملي لحياته السياسية، وذلك قبل ان يقرر هو نفسه وضع حد لمعاناته عندما فضل الانتحار بمسدسه في وقت سابق من هذا العام. والواقع ان حزب العمل افتقد جيلاً كاملاً من القيادات التي كان يمكن ان تكون مؤهلة لزعامته، وبات عليه الآن الانتقال الى جيل جديد تماماً. وهذا ما تجنبه تكتل ليكود الذي كان نجح في حسم خلافة الثنائي بيغن - شامير لمصلحة زعيمه الحالي بنيامين نتانياهو مع احتفاظه بعدد لا بأس به من "الأسماء الكبيرة" سياسياً وانتخابياً، مثل وزير الدفاع السابق ارييل شارون ورئيس الأركان السابق رفائيل ايتان وغيرهما. ومع انه يصعب توقع بروز صراع فوري على الزعامة داخل الحزب في أعقاب اغتيال رابين، فإن هذه المسألة ستتحول بسرعة الى احدى الأولويات القصوى التي سيتعين على اركانه التعامل معها خلال المرحلة المقبلة. الجيل الجديد ويبدو ان هناك شبه اجماع حالياً على اعتبار بيريز زعيماً موقتاً أو مرحلياً على الأقل، حيث ستكون مهمته تأمين الاستمرارية على صعيدي الحزب والحكومة في انتظار الانتخابات العامة التي يفترض اجراؤها رسمياً قبل نهاية العام المقبل. لكنّ القيادة الحزبية ستكون مضطرة الى النظر أبعد من ذلك في سعيها الى ضمان احتفاظ الحزب بقدرته على البقاء والتطوّر في ظل كل التيارات والتكتلات والاتجاهات المتمايزة والمتعارضة احياناً التي تعمل في صفوفه، والتي كانت تصعب السيطرة عليها في الكثير من الاحيان حتى بالنسبة الى قيادي مثل رابين يبتسم بقدر كبير من الصرامة. وهناك مجموعة من الشخصيات العمالية البارزة حالياً مثل حاييم رامون ويوسي ساريد ويوسي بيلين، لكنها تعاني جميعاً مما يمكن وصفه ب "عقدة بيريز"، أي جذورها السياسية - التكنوقراطية غير العسكرية. ومع انه لا يمكن استبعاد اي منها كزعيم جديد محتمل، فان الاهتمام يتركز في المقابل على شخصية اخرى تشكل في الواقع الامتداد المباشر المطلوب لإرث رابين وتراثه العسكري - السياسي المزدوج، وهي الجنرال ايهود باراك رئيس الأركان السابق ووزير الداخلية الحالي الذي كلفه بيريز في اعقاب اغتيال رابين الاشراف ايضاً على شؤون وزارة الدفاع. ويمكن القول ان باراك يتمتع فعلاً ب "مزايا الزعامة" التقليدية التي افتقدها العمل طوال العقدين الماضيين، كما انه لم يكن سرّاً انه تحوّل بسرعة خلال السنوات الماضية، وتحديداً اثناء تولّيه رئاسة الاركان في الفترة 1991 - 1995، الى أحد أقرب المقرّبين من رابين والشخص المفضل في نظره لخلافته في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة في حال احتفاظ العمل بها مستقبلاً. وكان باراك تقاعد من الجيش عقب انتهاء خدمته كرئيس للأركان مطلع هذا العام، وانضم على الفور الى حزب العمل ثم اصبح بسرعة أحد أبرز الشخصيات القيادية فيه. وبعد أقل من ستة أشهر من دخوله ميدان العمل السياسي عيّنه رابين وزيراً للداخلية في خطوة اعتبرها المراقبون اذذاك واحدة من أسرع الترقيات الحزبية والسياسية في تاريخ اسرائيل. وثمة توقعات متزايدة بأن يعمد رئيس الحكومة الجديد الى تعيين الجنرال باراك رسمياً في منصب وزير الدفاع الذي شغر بوفاة رابين خصوصاً بعد ان كلفه الآن بالاشراف على شؤون تلك الوزارة. وستكون خطوة كهذه مرحلة اخرى من مراحل تدرج باراك السريع في الهيكلية القيادية الحزبية والسياسية، ولا يمكن ان يليها منطقياً عندئذ الا دخوله رسمياً مضمار التنافس المباشر على الزعامة عندما يحين الوقت المناسب لذلك. وعلى رغم انه لا يزال مبكراً اعتبار موضوع الخلافة محسوماً لمصلحة اي من الطامحين لتولّي الزعامة العمالية حالياً، فان باراك يبدو بوضوح الأكثر حظاً للفوز بها. فهو يشكل في نظر الكثيرين الامتداد الطبيعي لإرث رابين ومن قبله القيادات العمالية التاريخية السابقة التي كان الحزب وجد صعوبة في العثور على امثالها خلال السنوات الماضية، اضافة الى اعتباره مؤهلاً افضل من غيره، بحكم تاريخه وخبرته، لمتابعة عملية المفاوضات السلمية مع العرب، خصوصاً في جوانبها الأمنية والاستراتيجية الشائكة على المسار السوري المجمّد حالياً. وهكذا قد يصبح باراك "الضالة المنشودة" التي بحث عنها العماليون طويلاً، والزعيم الجديد الذي سيجد فيه الاسرائيليون تعويضهم عن رابين الذي فقدوه، ليتولى قيادة الدولة العبرية وهي على أعقاب القرن الواحد والعشرين. من هو إيهود باراك؟ قليلون جداً ربّما هم الذين يعرفون القصة الحقيقية ل "السيدة الشقراء" الغامضة التي شغلت اجهزة الأمن اللبنانيةوالفلسطينية اثناء تحقيقها في جريمة اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة، ابو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، في "عملية فردان" الشهيرة التي نفّذتها قوات الكوماندوس الاسرائيلية الخاصة في قلب بيروت ليلة 13 نيسان ابريل 1973. فتلك "السيدة"، التي لم يتوصل التحقيق انئذ الى اكتشاف هويتها، لم تكن في الحقيقة سوى ضابط اسرائيلي شاب يدعى ايهود باراك تولّى قيادة احدى المجموعات التي نفذت العملية وهو متنكر في زي امرأة شقراء. كان ايهود باراك آنذاك برتبة رائد، ومنها تدرج بسرعة في صفوف الجيش ليصبح في مطلع الخمسينات رئيساً للأركان، وليشارك بحكم منصبه في أول مفاوضات عسكرية من نوعها بين سورية واسرائيل على مستوى رؤساء الأركان عندما اجتمع مع العماد حكمت الشهابي رئيس اركان القوات المسلحة السورية في واشنطن عام 1994. ولد باراك في فلسطين عام 1942 في كيبوتز يهودي لعائلة مهاجرة. وفي عام 1959 التحق بالجيش وانضم منذ بداية خدمته العسكرية الى وحدات الكوماندوس الخاصة، ثم اصبح في عام 1962 ضابطاً برتبة ملازم، قبل ان يذهب بعد ذلك بعامين الى فرنسا حيث تابع دورة اختصاص بعمليات الكوماندوس والمظليين. وفي عام 1967 شارك باراك في حرب 5 حزيران يونيو، وكان اصبح برتبة نقيب، فتولى قيادة احدى كتائب الكوماندوس التي شاركت في العمليات وراء خطوط القوات العربية. وبعد الحرب اجرى باراك دورات عسكرية في سلاح المدرعات. لكن تخصصه الأساسي ظل في مجال الكوماندوس والعمليات الخاصة. وعند اندلاع حرب تشرين الاول اكتوبر 1973 تولّى باراك قيادة كتيبة دبابات شاركت في الحرب على الجبهتين السورية والمصرية. وعاد بعد الحرب الى القوات الخاصة، فشارك خلال السبعينات بكثافة في عمليات ما يعرف في اسرائيل ب "شعبة مكافحة الارهاب" التي كانت استحدثت آنذاك في مواجهة العمليات الفدائية الفلسطينية داخل اسرائيل وخارجها. وكان من أبرز ما قام به في تلك الفترة قيادة مجموعة الكوماندوس الاسرائيلية التي اقتحمت طائرة ركاب تابعة لشركة "سابينا" البلجيكية خطفها فدائيون فلسطينيون وهبطوا بها في مطار اللد بن غوريون. كما شارك في تخطيط "عملية عنتيبي" وتنفيذها التي اقتحمت فيها الوحدات الاسرائيلية الخاصة طائرة ركاب المانية تابعة لشركة "لوفتهانزا" خطفها فدائيون فلسطينيون وهبطوا فيها في أوغندا. وفي كانون الثاني يناير 1982 رقي باراك الى رتبة لواء وأصبح رئيساً لشعبة التخطيط والاستطلاع المخابرات العسكرية. لكنه عاد وتولى قيادة ميدانية في صيف ذلك العام عندما قاد مجموعة فرق مدرعة فيلق خلال الغزو الاسرائيلي للأراضي اللبنانية. وبعدها عاد الى رئاسة شعبة التخطيط والاستطلاع الى ان اصبح في عام 1986 قائداً للمنطقة الوسطى في الجيش، وهو المنصب الذي جعله مسؤولاً مباشراً عن الضفة الغربيةالمحتلة ابان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية هناك في اواخر الثمانينات. وبينما تتجنب المصادر الاسرائيلية الرسمية التحدث عن نشاطات باراك خلال تلك الفترة، فان المصادر غير الرسمية تؤكد انه كان مسؤولاً عن التخطيط لعملية اغتيال القائد الفلسطيني الراحل خليل الوزير ابو جهاد في مقره في تونس عام 1988. وبعد ذلك عين باراك في منصب رئيس شعبة العمليات في هيئة الاركان اي نائب رئيس الاركان الذي يعتبر عادة بمثابة "المحطة النهائية" لأي مرشح لتولّي منصب رئاسة اركان القوات الاسرائيلية. وظل فيه طوال فترة غزو الكويت وحرب الخليج حتى تمت ترقيته الى رتبة فريق أعلى رتبة عسكرية في الجيش الاسرائيلي واختاره رابين رئيساً جديداً لأركان القوات الاسرائيلية، وهو المنصب الذي شغله حتى مطلع عام 1995 حين تقاعد من الجيش وخلفه كرئيس للأركان نائبه الجنرال أمنون شاحاك الذي يتولى هذا المنصب حالياً. يحمل الجنرال باراك شهادة اختصاص جامعية في الرياضيات والفيزياء من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا الى جانب اختصاصاته العسكرية لتي تلقاها في المعاهد الاسرائيلية والفرنسية والأميركية، وهو عمل طوال الأشهر الماضية التي تلت تقاعده من الخدمة العسكرية على تعزيز مواقعه السياسية داخل حزب العمل الذي انضم اليه رسمياً فور تركه الجيش، مستفيداً من العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه برابين. ولم يكن مضى على بداية عمله السياسي والحزبي اكثر من أشهر عدة قبل ان يعيّنه رابين في الصيف الماضي وزيراً للداخلية، الأمر الذي فسّره كثيرون بأنه تحضير مباشر له لخلافة رابين في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.