عندما زار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفاتلندن أخيراً حصلت "الوسط" على موعد مع زوجته السيدة سهى عرفات لإجراء لقاء صحافي. غير أن زيارة أبو عمار لم تستمر سوى بضع ساعات. وطلبت زوجته ان يكون لقاء "الوسط" معها على متن طائرتها. غير أن الوقت لم يسمح باتمام الاجراءات الرسمية في مثل تلك الحالات. واثر عودتها من واشنطن إلى غزة، أجابت عن اسئلة "الوسط" هاتفياً، في ما يعدّ أول حوار صحافي مع سهى عرفات بعدما رأت ابنتها "زهوة" النور، وفي أعقاب مشاركتها في احتفالات التوقيع على الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي في واشنطن. في ما يأتي نص المقابلة التي أجريت معها: كيف يمكن أن تصفي زيارتك الأخيرة مع الرئيس عرفات إلى واشنطن؟ - كانت هذه الرحلة مميزة بالنسبة إليّ لأكثر من سبب، فهي رحلة توقيع المرحلة الثانية من اتفاق السلام، وأعترف - واعتقد انك تعلمين ذلك - أنني كنت مكتئبة إلى حد ما عند توقيع الاتفاقية الأولى اتفاقية أوسلو، لكنني بتّ مؤمنة اليوم وأنا أعيش على أرض وطني مع زوجي وابنتي، وبين أبناء وطني، بأنه لا عودة عن طريق السلام، وأن الدولة الفلسطينية قادمة. وهذه الرحلة كانت مميزة أيضاً لأنها الرحلة الأولى التي أقوم بها أنا وزوجي وابنتي معاً، وكانت مناسبة لأن يتعرف أبو عمار على زهوة التي شاهدها فقط في باريس وفي المستشفى لوقت قصير بعد مولدها ببضع ساعات. لقد شعرت بالفخر والثقة بأنني أشاهد التاريخ يكتب، وأن أرض شعبي وأرضي تعود لنا. شعرت بأن حلم حياتي وحلم والدتي ووالدي واخواني وزوجي يتحقق، وان اسم فلسطين وعلم فلسطين سيرفع فوق الأراضي الفلسطينية. بين تونسوواشنطن وكيف تصفين علاقتك بزوجات الرؤساء اللاتي التقيتهن في واشنطن؟ - أذكر قبل سنة عندما كنّا في تونس لم أكن راغبة في مقابلة السيدة رابين. كنت أشعر بأنني غير قادرة على ذلك. وشعوري كان أنني لن أملك القدرة على مصافحتها ومجاملتها. غير أنني قابلتها منذ أشهر في أوسلو، عندما تسلم الرئيس عرفات ورابين جائزة نوبل للسلام، ووجدت انني مع عظمة المناسبة قادرة على التركيز على أحاسيسي المتفائلة، وعلى أحلام السلام، وبناء الوطن والأمة. والحقيقة أنني شعرت في لقائي مع زوجات الرؤساء بأهمية المسؤولية التي نحملها، وكنا نتبادل الأحاديث العادية بكل ود واحترام، وتشاركنا جميعاً في الشعور بأن ما نعيشه يشبه الحلم، وأن لا أحد منا كان يتصور قبل بضع سنوات اننا سنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. كانت مضيفتنا السيدة هيلاري كلينتون في غاية البساطة والتواضع، جعلتنا نشعر بالألفة والترحاب. وقد أبدت لي رغبة في التعرف إلى طفلتنا زهوة، ودعتني إلى تناول الشاي صباح اليوم التالي في حديقة البيت الأبيض وعندما شاهدتها علقت بقولها "إنها جذابة جداً وتشبه والدها". على ماذا تركزت الأحاديث الأخرى التي دارت في هذا اللقاء؟ - دارت، في مجملها، على وضع المرأة الفلسطينية داخل الأرض المحررة وفي الخارج. وقدمت للسيدة كلينتون معلومات عن المستوى التعليمي والثقافي للمرأة الفلسطينية، وكذلك معلومات عن مشاركتها في بناء الوطن وما لعبته المرأة من دور وتلعبه دوماً في تاريخ الشعب الفلسطيني. كما بحثنا في مسألة السجينات الفلسطينيات، وهذا موضوع يهمني جداً وآمل أن ينتهي قريباً، بحيث لا تبقى سجية واحدة داخل السجون الإسرائيلية. وأخبرتني السيدة كلينتون من جهتها عن رحلتها إلى بكين ومؤتمر المرأة العالمي. والواقع أنها أبدت اهتماماً واضحاً بوضع المرأة الفلسطينية وتفهماً له. وهل دعوت السيدة كلينتون إلى مناطق السلطة الفلسطينية؟ - دون شك. وقد أجابت بأنها تحب أن تلبي هذه الدعوة في الوقت المناسب. وماذا عن علاقتك مع لينا زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين؟ - علاقة ودية لكنها رسمية. لأنني أجد صعوبة في أن أصبح صديقة حميمة لها وجزء كبير من أراضينا لا يزال يرزح تحت الاحتلال، وهناك أمور كثيرة لا تزال عالقة، والسجينات لم يفرج عنهن جميعاً بعد. علاقتي مع السيدة رابين فيها تحفظ واحترام. ولقد بحثت معها في قضية السجينات الفلسطينيات وأمور أخرى تهم المرأة الفلسطينية. زوجة رابين ولوحات رينوار في حديث صحافي قالت السيدة رابين إنها انزعجت من اثارتك معها موضوع الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، وذكرت أن النساء لا يتدخلن عادة في مثل هذه الأمور. وقالت إنك لم تشكريها على الهدية حمامة السلام التي ارسلتها لابنتك زهوة. فما ردك؟ - الحقيقة انني عجبت كثيراً من انزعاج السيدة لينا من سؤالي هذا، فأنا سيدة فلسطينية عاشت معاناة الاحتلال منذ طفولتها، وأنا زوجة الزعيم والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فما هي المواضيع التي يتوقع أن اهتم بها أو اتحدث عنها. فأنا لست في مزاج فكري أو نفسي يسمح لي بالحديث عن لوحات رينوار أو آخر صرعات الموضة. بحثت مع السيدة لينا الأمور التي تهمني والتي تستأثر بأفكاري، ومن قال إن اهتمامات الوطن والمواطن وطموحاته ومشاغل الزوج وآلامه ليست من اهتمامات المرأة؟ اعتقد أن كل هذه الأمور من صلب اهتمامات المرأة. أما بالنسبة للهدية التي ارسلتها السيدة لينا، مشكورة، وهي عبارة عن حمامة سلام فضية تحيط بالعنق، فلم أعلم بوصولها، لأنني كنت في باريس. ماذا عن علاقتك مع الملك نور؟ - علاقة حميمة وودية. استقبلتني الملكة نور أجمل استقبال عندما زرت الأردن، ووجدت فيها دوماً الانسانة المتفهمة لقضايانا ومشاعرنا. والسيدة سوزان مبارك؟ - كان لقاء واشنطن الأخير لقائي الأول مع السيدة مبارك وشعرت بأنني اعرفها منذ زمن بعيد، فهي انسانة متواضعة جداً، وقريبة من القلب. وتركزت أحاديثنا حول الوضع المعيشي في غزة والضفة، وطبعاً حول مشاركتها في مؤتمر بكين. هؤلاء السيدات جميعهن أكبر منك سناً، وأكثر منك خبرة في ميدان العمل العام. هل تعلمت منهن شيئاً خلال هذا اللقاء؟ - أنا اراقب دوماً، والانسان يتعلم باستمرار من أي تجربة يمر بها. وقد خرجت من هذه الرحلة، الشاهدة على مناسبة مهمة تعرفت اثناءها إلى رجال صنع القرار وزوجاتهم، وأهمية نعمة التواضع. ووجدتهن جميعاً كذلك. وماذا كان شعورك خلال حفل التوقيع وتبادل الكلمات؟ ماذا كان يدور في خلدك؟ - شعرت بأن هذا التوقيع الثاني يختلف كثيراً عن التوقيع الأول. فنحن اليوم نوقع ونحن داخل ارضنا، وأصبحنا أكثر ثقة بأن السلام حقيقي وموجود وباق، وأن الطريق إلى السلام لا عودة عنها. صحيح ان هذه بدايات، لكنها في الاتجاه الصحيح. لقد شعرت بالطمأنينة أكثر خلال حضوري هذا التوقيع، بعد أن شاهدت التوقيع الأول على شاشة التلفزيون ودموع الفرح والخوف والقلق تحكم مشاعري. أشعر اليوم بأننا نعيش مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة. أبو عمار يكتشف زهوة وهل كان لوجود زهوة معكم تأثير خاص؟ - من دون شك. فقد اكتشف أبو عمار زهوة في هذه الرحلة وأثناءها وعلى متن الطائرة كان يحملها ويدللها باستمرار ويسأل عن راحتها، وبرنامج نومها وأكلها. واليوم أصبحت جزءاً مهماً من حياته، ففي كل صباح يداعبها ويلاعبها. ولكن وقته لا يسمح له بمشاهدتها سوى في الصباح، إذ تنام باكراً، وهو ينهي عمله في ساعات الصباح الأولى كما تعلمين. وعادة تناول الغداء أصبحت منذ قدومنا إلى غزة تتصل بساعات العمل الأخرى. وماذا عن حياتكما العائلية؟ - عندما تزوجت أبو عمار كنت أعرف تماماً برنامج حياته ومشاغله، وإذا ما زادت هذه المشاغل اليومية، فإنني أعلم اننا أمام بناء وطن ودولة، وعليّ وعلى ابنتي وزوجي تقديم التضحيات في سبيل هذا الحلم كما يفعل كل مواطن فلسطيني، كل حسب ظروفه وواقع حياته. ما هو تأثير ولادة زهوة على حياتكما؟ - ولادة زهوة ادخلت الكثير من الفرح إلى قلبي وحياتي، وكذلك إلى حياة أبو عمار، وهو بدأ يتعود على وجودها في حياتنا، ويهتم بها ويسأل عنها دوماً. وقد شعرت بأن وجودي أضحى له طعم آخر، وبأن لصباحي ونهاري نكهة أخرى ومعنى. أتمنى أن لا يحرم الله أحداً من نعمة الأولاد، فهي نعمة كبيرة. وأحاول دوماً أن أجد الوقت الكافي لزهوة ضمن مشاغلي العديدة. وأصر على تربيتها بطريقة عادية جداً، وأريد لها حياة بعيدة عن التعقيدات الناجمة عن كونها ابنة زعيم ورئيس، وأتمنى أن اوفق في ذلك. من حسن الحظ أن منزلي ومركز عملي وعمل زوجي في المبنى نفسه، مما يعطيني الفرصة بأن اهتم بكل أمورها وأتوجه إلى عملي، واستقبل أهل الوطن الذين جاؤوا بالمئات للترحيب والتهنئة بمقدم زهوة. وكيف يمكن أن تصفي لنا منزلك؟ - مؤلف من طابقين، الطابق الأول مقر عمل أبو عمار والثاني مقر عملي وسكننا. وهو منزل فلسطيني عادي متواضع مليء بالطموحات والآمال وهو خلية عمل. كيف توازنين بين كونك أماً وزوجة لزعيم معاً؟ - حقيقة أجد بعض الصعوبة في ذلك، خصوصاً أن الطريقة التي نعيش بها ومحبة الناس الكبيرة وبالتالي الزيارات المستمرة تجعل من الصعب جداً تنظيم الوقت. لكننا - أبو عمار وأنا - نحب لقاء الناس، وأنا استمع إلى العديد من مشاكل الناس لأنقلها إلى أبو عمار الذي لا يملك الوقت للقاء كل الناس وسماعهم. وكما سبق وقلت لك فإن وجود عملي ومنزلي في مكان واحد يسهل ذلك، كما أن معي بعض المُسَاعِدات في المنزل والعمل، وهذا يخفف بعض العبء. سؤال شخصي جداً قيل الكثير في شأن قرارك أن تتم ولادة زهوة في باريس وليس في غزة... - هذا سؤال شخصي جداً، واعتقد ان من حق أي امرأة في العالم أن تقرر مثل هذه المسألة وحدها. واسمحي لي أن أقول انك لو لم تكوني صديقة لرفضت الاجابة عن هذا السؤال، وآمل أن تكتبي هذا... الحقيقة جئت إلى باريس وأنا حامل في نهاية شهري الثامن بعد أن تلقيت نبأ مرض والدي الذي اشتد عليه حتى توفي رحمه الله قبل وضع زهوة ببضعة أيام. وعندما وضعت زهوة كنت لا أزال اتلقى التعازي. كما اني في تلك الفترة علمت من الطبيب الذي أشرف على الحمل خلال وجودي في باريس بأن ولادتي ستكون قيصرية وأنه قد تحصل بعض التعقيدات، وكان من الطبيعي أمام كل هذه الظروف الصحية والعاطفية والنفسية أن اختار البقاء إلى جانب والدتي وعائلتي حتى تتم الولادة. وأريد أن أكرر هنا مرة أخرى ان هذا سؤال شخصي جداً، ولا اعتقد ان لأحد الحق أن يأخذ هذا القرار عني وزوجي. ونحن في فلسطين والعالم العربي لدينا قضايا مهمة ومصيرية عدة، ويؤلمني أن يجد الناس وأهل الاعلام الوقت للبحث في مثل هذه القضايا الهامشية والخاصة. وأنا وأبو عمار لم نعطِ مثل هذه الانتقادات أو الآراء أي اهتمام، ولم نتوقف عندها. فقد اعتدنا المرور بمثل هذه المواقف. ما هي المشروعات التي تفكرين في القيام بما يدعم مكانة المرأة الفلسطينية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية؟ - هناك مشاريع عدة نعمل لانجازها في مختلف المجالات، ربما كان أهمها عيادات الاسنان المتنقلة، وقد عالجت هذه العيادات حتى اليوم 70 ألف حالة. وقدمت لنا مؤسسة سرفاي الفرنسية المعروفة للنظارات الطبية برنامجاً لفحص عيون الأطفال في غزة وتزويدهم النظارات الطبية في حال الحاجة إليها. وقد زارني قبل أيام وزير العمل والاسكان الفرنسي السابق برنار كوشنار وبحثنا في توسيع مستشفيات الولادة والأطفال بتمويل فرنسي. هل تعتبرين ورقة مشروع الدستور الفلسطيني منصفة للمرأة؟ وهل دار بينك وبين ممثلات اتحاد المرأة نقاش حول وضع النساء في دستور الدولة الفلسطينية المرتقبة؟ - تعقد اجتماعات عدة بيني وبين ممثلات الحركات النسائية والعمل يجري بجدية لعرض تصورنا بعد الانتخابات الفلسطينية المقبلة إن شاء الله. ونريد عرض هذه الأفكار على مجلس النواب الجديد وجعلها قانوناً يعطي المرأة الفلسطينية كل حقوقها. هل فكرت أو تفكرين في تأسيس مجلة للمرأة الفلسطينية تعكس تطور وضعها الاجتماعي والثقافي والسياسي، بما يجعلها تقدم الوجه الحضاري للمرأة في بلادك؟ - لم أفكر بذلك، ولا أحبذ أن أقوم شخصياً بمثل هذا العمل. لكني ارحب بقيام مشروع من هذا القبيل، وأقر بأن هناك حاجة لمثل هذه المطبوعات. ولا شك في أنها ستلقى مني كل دعم معنوي وفكري. زوار الرئيس نصف مليون! مر أكثر من عام على عودتكم إلى الأراضي الفلسطينية. ما هو أثر ذلك في حياة أبو عمار؟ - زادت همومه وانشغالاته، وأصبحت حياته مرهقة أكثر. وهو انسان مؤمن، ولهذا فهو متفائل دوماً بالوصول إلى هدف بناء الدولة. وإلى جانب هذا كثرت الانتقادات الموجهة إليه. بعضهم يتهمه بأنه متسلط وديكتاتوري، وهم لا يدركون أن طبيعة العمل الفلسطيني حتى الآن فرضت عليه ذلك. وأنا أرى وأراقب، فالجميع يريد الاجتماع بأبو عمار والحديث مع أبو عمار. هل تعلمين أن أبو عمار استقبل 500 ألف شخص لتهنئته بمناسبة العيد؟! هل تفكرين في انجاب اخ أو اخت لزهوة، وما رأي أبو عمار في ذلك؟ هل يحب العائلة الكبيرة؟ - هذه أمور تقررها مشيئة الله وارادته، وأنا وأبو عمار نتمنى أن يرزقنا الله بشقيق أو شقيقة لزهوة، وأبو عمار تعود أن يعيش ضمن عائلة كبيرة وهو يحب الأولاد، وكما تعلمين فإنه تبنّى العشرات من أبناء الشهداء، ونحن نشرف على تربيتهم ونعتبرهم أولادنا. وقد قابلوا زهوة، واعتقد أنهم يشعرون بأنها شقيقتهم. ما هي أحب المناطق الفلسطينية إليك؟ وأين ترغبين في بناء منزلك بعد انسحاب إسرائيل من مدن الضفة وقرارها؟ - ولدت في القدس، وهي أقرب المدن إلى قلبي، وأتمنى أن استطيع بناء بيت فلسطيني مريح ومتواضع أعيش فيه مع عائلتي وبين أهلي وأبناء شعبي في جوٍّ من الاستقرار والامان والاستقلال.