لا تقتصر اهتمامات "دار الثقافات العالم" في باريس على المسرح. فهذه المؤسسة الثقافية التي يشرف عليها المخرج السوري الأصل شريف خزندار، تولي الموسيقى كذلك اهتماماً كبيراً، وتتولّى اصدار سلسلة موسيقية خاصة بالفنون الأصيلة التي تنبع من ثقافات بعيدة تضيق بها أحياناً أدغال الحياة الثقافية الباريسية. وتحتل الموسيقى العربية مكانة أساسية ضمن قائمة الاسطوانات الصادرة عن "دار ثقافات العالم". وضمن هذا السياق يندرج حرص الدار على التعريف بالمقام البغدادي من خلال أسطوانتين رقميّتين لايزر، تأتيان على شكل تحيّة إلى الفنّان يوسف عمر 1918 - 1987 في ذكرى وفاته. من بين التسجيلات النادرة المتوافرة، تم اختيار ستّ قطع، يعود تاريخ تسجيلها إلى العام 1972، ويمثّل كل منها طابعاً متميّزاً، من حيث ايقاعاته وايحاءاته الموسيقية، ومن حيث المضامين التي تلائمه أو ترتبط به على مستوى النصوص. وهذه الطبوع الستّة الرست، البيات، المنصوري، حجاز الديوان، العجم، النوى، هي التي تشكّل خصوصية وثراء المقامات البغدادية. ويمكن اعتبارها خلاصة لاندماج ثلاثة روافد هي العربية والفارسية والتركية. ولد يوسف عمر، وهو من أشهر من غنّوا هذا اللون، في حيّ حسن باشا الشعبي في بغداد، حيث تعرّف منذ صباه على موسيقى "المقامات" في الحفلات التي كانت تحفل بها المقاهي الشعبية هناك مطلع القرن. بدأ بالغناء عام 1948 في بعض البرامج الاذاعية، ثم في التلفزيون مع مطلع الخمسينات. أقام في حياته ما لا يقلّ عن ألف حفلة في العراق وخارجه، وكان يعتبر الوحيد الذي يحفظ تراث موسيقى المقامات البغدادية بشكل كامل. ومع وفاته اندثر جزء كبير من هذا التراث، وضاع العديد من تسجيلاته في ظروف الحروب المتتالية التي شهدتها بلاده.