بعد أن أنهى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي زيارته لبون وعاد الى نيويورك بدأت تظهر الآفاق الحقيقية لمحادثاته مع المسؤولين الألمان، ذلك أن الموضوع الأساس الذي بحثه الأمين العام مع كلاوس كينكل وزير الخارجية الألماني تركز، على عكس ما رددته الأنباء، على امكان نقل مؤسسات المنظمة الدولية لشؤون التنمية من واشنطن وجنيف الى بون، التي ستعاني بعد استكمال نقل مؤسسات الحكومة الاتحادية الى برلين من فراغ السلطة والسياسة. وتأكد ان الأممالمتحدة تواجه ضغوطاً من أبرز الأعضاء تهدف الى عدم السماح باتمام هذه الخطوة، التي يبدو أن غالي هو الذي اقترحها وروج لها في أوساط الدول الأعضاء في مجلس الأمن، محاولاً حث المانيا، الدولة الممولة الرئيسية لنشاطات المنظمة الدولية، على زيادة دعمها السنوي الذي يصل حالياً الى حدود مئة مليون دولار. وكانت الحكومة الالمانية أقرت تقديم دعم سنوي بملايين الماركات لهيئة انمائية فرعية لا يتجاوز عدد أعضائها 150 في حال الانتقال الى بون، مع ضمان تقديم حوالي خمسين مليون مارك لتغطية نفقات النقل. ولكن خطوة الحكومة أثارت مجدداً مخاوف من احتمال تنامي الدور الالماني الى "حدود غير مقبولة"، فكان أول المعترضين واشنطن التي كانت طالبت قبل ذلك بضرورة قيام شراكة سياسية واضحة المعالم بين المانياوالولاياتالمتحدة. وعُلم في هذا الصدد أن فكرة منح الألمان مقعداً دائماً في مجلس الأمن لا زالت "دون مستوى النضوج" على رغم تخلي الحكومة البريطانية عن تحفظاتها المعروفة في هذا المجال، وعلى رغم الاستعداد الذي أبدته بون في تحملها مسؤوليات اضافية تتعلق بدعم نشاطات الأممالمتحدة في مناطق الكوارث والأزمات الدولية. ولأن هذا الموقف كان معروفاً للحكومة الالمانية، والوزير كينكل أبرز المتحمسين فيها ل "الدور المقترح"، قبل وصول غالي الى بون فإن المصاعب التي واجهها الأمين العام في مهمته حقيقية خصوصاً فشله في اقناع محادثيه بارسال جنود ألمان خارج الحدود ليشاركوا في عمليات فضّ النزاعات وفرض السلام. وبدا هذه المرة وزير الدفاع نفسه من المعترضين، على رغم كونه أيّد سابقاً تخصيص عدد محدود من الجنود لمثل هذه المهمات. والمعروف ان المانيا تعتبر حتى الآن ثالث أكبر دولة في العالم، بعد الولاياتالمتحدة واليابان، من حيث الدعم المالي الذي تقدمه بانتظام الى الأممالمتحدة ومنظماتها الفرعية، وقد يؤدي موقف المنظمة الأخير الى ثني الحكومة عن خطط بزيادته، بل قد يدفعها الى التقاعس عن دفع المستحقات السنوية الى المنظمة، ومحاولة خفضها بسبب "تراجع الاقتصاد الدولي".