الكتاب: بناء دولة - دور المساعدات الخارجية لإسرائيل 1948 - 1996 المؤلف: أحمد السيد النجار الناشر: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية - القاهرة ، 1998 في العام 1953، أمر الرئيس الأميركي ايزنهاور بوقف المساعدات الاقتصادية الرسمية الأميركية عن إسرائيل لإقدامها على بناء قناة لتحويل معظم مياه نهر الأردن إلى فلسطينالمحتلة في نقطة تقع عند جسر بنات يعقوب في حوالى منتصف الطريق فوق النهر بين بحيرتي الحولة وطبريا. ولم يكن ذلك القرار لأن واشنطن تعارض تل أبيب في سياستها، بل بسبب الاحراج الذي تسببت به الخطوة الإسرائيلية في وقت كانت الإدارة الأميركية تحث الأممالمتحدة على وضع خطة موحدة للاستفادة من مياه نهر الأردن مقبولة من جميع الأطراف المعنية. طبعاً تراجعت إسرائيل، وطبعاً استأنف ايزنهاور وكل الرؤساء من بعده تقديم المساعدات للدولة اليهودية... وطبعاً لم يتكرر مثل هذا الاجراء الأميركي منذ ذلك الحين على رغم كل الخطوات التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وضد المناطق المجاورة وذلك في خرق واضح لكل الشرائع الدولية ومقررات الأممالمتحدة. هذا المثال المنفرد أورده الباحث المصري أحمد السيد النجار في كتابه الصادر أخيراً عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة ويتناول فيه دور المساعدات الخارجية الأميركية والأوروبية في بناء الدولة اليهودية بين 1948 و1996. ويقصد بعبارة "بناء الدولة" تدعيم الأسس الاقتصادية والعسكرية للاغتصاب الصهيوني في فلسطين، وليس المعارك الاستيطانية التي سبقت قيام الدولة اليهودية. وهذا يعني أن ملايين الدولارات التي قدمت للحركة الصهيونية في فلسطين منذ مطلع القرن الحالي وحتى العام 1948 لا تدخل في الاحصاءات التي يوردها الباحث. ومع ذلك، فإن الأرقام التي يعرضها الكتاب أمام القراء لا بد وأن تثير الدهشة. صحيح أن طبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل معروفة على نطاق واسع لدى القاصي والداني، لكن عندما تطرح الأرقام مجردة من خلفياتها التبريرية يشعر القارئ كم أن واشنطن معنية ليس بسلامة الدولة اليهودية فقط، بل وبتفوقها المبالغ فيه على الدول العربية مجتمعة، وعلى معظم الدول الأخرى في الشرق الأوسط. وما كانت إسرائيل لتستمر في الوجود لولا الدعم الأميركي غير المحدود وغير المرتبط بأية اعتبارات سياسية اللهم إلا المصلحة الأميركية في وجود شرطي متقدم جاهز للتحرك عند الطلب. ولنعرض هذه الأرقام لنكتشف طبيعة الدولة اليهودية من جهة ونوع العلاقة التي تربطها بأميركا من جهة أخرى: "بلغ مجموع المساعدات الرسمية التي قدمتها الولاياتالمتحدة الأميركية لإسرائيل من عام 1949 وحتى عام 1996 حوالى 66588 مليون دولار بينها 2105 ملايين دولار كقروض اقتصادية ونحو 23013 مليون دولار هبات اقتصادية، و11413 مليون دولار قروض عسكرية، و29380 مليون دولار هبات عسكرية، و5،677 مليون دولار قدمت كمساعدة لاستيعاب اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفيتتي السابق خلال الفترة من 1973 - 1992. هذا فضلاً عن ال 10 مليارات دولار التي وافقت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على تقديمها لإسرائيل والتي سحبت منها إسرائيل بالفعل نحو 3،7 مليار دولار حتى خريف عام 1996". أما المساعدات الألمانية تعويضاً عن آثار الحرب العالمية الثانية، فكانت كالتالي: "وتحدد بعض المصادر اجمالي ما تلقته إسرائيل كتعويضات شخصية وحكومية من الحكومة والمؤسسات الألمانية الغربية حتى نهاية عام 1987 بنحو 37 مليار دولار. وقد أشار وزير الخارجية الألماني كلاوس كينكل أمام المؤتمر اليهودي في أيار مايو 1996 إلى أن المانيا قدمت لإسرائيل نحو 97 مليار مارك الماني، أي ما يوازي نحو 60 مليار دولار أميركي منذ بدء تقديم التعويضات الألمانية لإسرائيل وحتى منتصف عام 1996. وأشار الوزير الألماني إلى أن المانيا سوف تستمر في تقديم التعويضات لإسرائيل حتى عام 2030 وعندها سيصل اجمالي ما ستكون المانيا قد دفعته إلى إسرائيل إلى نحو 124 مليار مارك الماني أو ما يوازي نحو 80 مليار دولار". ومع أن الدولة اليهودية تحاول جاهدة التعتيم على حجم التبرعات التي تقدمها الجاليات اليهودية في العالم، إلا أن الباحث أحمد السيد النجار يقدم مجموعة من الأرقام الكفيلة بإعطاء فكرة عامة عن هذا الجانب: "وقد بلغت متحصلات الجباية اليهودية 10635 مليون دولار خلال الفترة من 1950 - 1980، وبين هذه المتحصلات بلغت قيمة التبرعات 6595 مليون دولار، وبلغت مبيعات السندات الإسرائيلية 4040 مليون دولار ... وعلى أي الأحوال، فإن الرقم الحقيقي لمجموع ما قدمته الجباية اليهودية لإسرائيل من عام 1950 وحتى عام 1994 لا يمكن تحديده بدقة بسبب التعتيم على البيانات المتعلقة بهذا الأمر. لكن في حدود البيانات المتاحة، فإن الجزء المعلوم من حصيلة الجباية اليهودية يمكن ان يصل إلى نحو 19368 مليون دولار خلال الفترة من عام 1950 وحتى 1994". وهكذا يمضي الكتاب في عرض الأرقام المذهلة اعتماداً على الاحصاءات الرسمية الإسرائيلية نفسها وعلى احصاءات الدوائر الحكومية الأميركية وكذلك معلومات المؤسسات العالمية كالبنك الدولي وصندوق التنمية الدولية وما إلى ذلك. وسرعان ما تتأكد قناعتنا، من خلال التحليلات المرافقة للأرقام، بأن الدولة اليهودية هي عبارة عن وجود غير طبيعي منذ البداية وحتى اليوم وما كانت لتستمر لولا الدعم الأميركي المطلق على الأصعدة كافة، وكذلك المساعدات الأوروبية واليهودية. وهذه الأرقام والتحليلات تدحض المزاعم التي يروجها الاعلام الغربي، وبعض الاعلام العربي ذي الميول العبرية، عن "معجزة" قيام إسرائيل وتطورها وازدهارها وتفوقها في مقابل التراجع العربي. فالدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل كان يسير دائماً بموازاة السعي الدؤوب إلى تدمير البنى العربية التحتية في دول الجوار الفلسطيني... فهل نستغرب والحالة هذه أن تكون إسرائيل "معجزة" الغرب في قلب العالم العربي، طالما ان المليارات تتدفق عليها من دون قيد أو شرط؟ وهل نستغرب أن الحكومات الإسرائيلية لا يمكن أن تقدم أية تنازلات لصالح أوهام التسوية السياسية طالما أن واشنطن لم تستخدم قرار قطع المساعدات سوى مرة واحدة وحيدة... ولن تتكرر أبداً