اختتمت السنة الثقافية دورتها الاعتيادية في المغرب بثلاثة احداث مهمة لا تتكرر في الواقع الا نادراً، فاذا بها تجتمع صدفة في شهر. فقد انعقدت في الرباط 19 و20 كانون الاول / ديسمبر دورة جديدة ل "المجلس الاعلى للثقافة"، ونظم "اتحاد كتاب المغرب" بعدها مباشرة، حفلاً لتسليم جائزة الادباء الشباب في القصة والشعر والرواية والمسرح. كما يتهيأ المغرب لاستضافة "المؤتمر التاسع عشر للاتحاد العام للأدباء العرب" في الدار البيضاء بعد ايام 5 - 11 كانون الثاني/ يناير 95، لكن النقاشات التي يثيرها الحدث طبعت نهاية العام المنتهي. جهود فردية غير مدعومة واذا اضفنا الى تلك الاحداث انعقاد دورة ربيع المسرح العربي التي نظمتها وزارة الثقافة اذار/ مارس، وأيام المسرح الجامعي التي تنظمها دورياً جامعة ابن مسيك في الدار البيضاء تموز / يوليو، وانعقاد "المعرض الدولي الخامس للنشر والكتاب" نوفمبر، فضلاً عن الاحتفال السنوي الاعتيادي لمنح "جائزة المغرب" والموسم الثقافي ل"جمعية المحيط" في مدينة اصيلة آب/اغسطس... يكون من الطبيعي ان نقرر، من دون تردد، ان السنة 1994 كانت مثمرة ثقافياً في المغرب من حيث الوفرة، وايجابية لجهة الحفاوة التي رافقتها بالثقافة والمثقفين ... كل ذلك ونحن لم نأخذ بعين الاعتبار العدد الوافر من الانشطة الثقافية والعلمية والفنية ذات الطابع الموسمي في مختلف المدن المغربية، في الاطار الجامعي او على صعيد المنتديات الثقافية المنتشرة في شتى انحاء المملكة. لكن اول ما يلفت الانتباه، ويدعو الى الاستغراب، هو ان المتابعة الاعلامية لأغلب النشاطات كانت في المجمل ضعيفة، لم ترق الى مستوى الاحداث التي لعبت دوراً حيوياً في الحياة الثقافية، وتركت اثاراها الواضحة على المبدعين والجمهور. ويعود ذلك، بصورة خاصة، الى سيادة نوع من الاعلام المتحيز القائم على الاختيار السياسي تحديداً، وهو ما يترك الباب مفتوحاً للتقديرات الشخصية والولاءات، وما شابه ذلك من الوان الاختيار والاقصاء، وكل ذلك يأتي، بطبيعة الحال، على حساب التواصل بين المبدع والمتلقي، بين الحركة الثقافية والمجتمع المدني... وعلى حساب الاهتمام بكنه الاشياء، ومتابعة النقاش الفكري في العمق، ومد الجسور بين مختلف اطراف النقاش. تميزت السنة الثقافية بانتعاش حركة الاصدارات، وما يتعلق منها بالكتاب الثقافي والابداعي بشكل اساسي. فقد بين المعرض الدولي الخامس للنشر والكتاب ان هناك جهوداً فردية، غير مدعومة في معظم الاحيان، تتحمل عبئاً كبيراً في سبيل اغناء المكتبة المغربية والعربية، وتعزيز التراكم الحاصل. وفي غياب اي احصاء رسمي للاصدارات الخاصة بالكتاب الثقافي على الرغم من الزامية "الايداع القانوني في الخزانة الوطنية، لا نبالغ اذا اعتبرنا ان حجم الاصدارات الثقافية والابداعية فاق معدل السنوات الماضية بدرجات. والاهم من ذلك ان تلك الاصدارات التي جاءت متنوعة تتراوح بين القصة القصيرة والمسرح والرواية والشعر ... ابصرت النور في اغلبها بفضل مغامرات معزولة، وفي ظروف انتاجية وتوسيقية بالغة السوء. غياب الاستثمار الثقافي على ان هناك ظاهرة اخرى تستحق التسجيل تتمثل في الاهتمام المتزايد بصدور الكتاب الابداعي والثقافي، وخصوصاً من قبل الجمعيات الثقافية التي تخصص لذلك لقاءات دورية تكون غالباً مناسبة لتوزيع الكتاب الذي يدور حوله الحديث. وفي هذا الاطار يمكن الاشارة الى ظهور ناد ثقافي في الدار البيضاء هو "فضاء الواسطي" الذي خصص معظم انشطته للاهتمام بالاصدارات الجديدة في مختلف حقول الابداع والمعرفة، وذلك ضمن برنامج مضبوط لاقى الكثير من الاهتمام لما يتحلى به من جدية ورصانة في التنفيذ. واذا كان من الصعب الحديث عن تطور ثقافي بالمعنى الذي يؤشر الى تحول ما خلال السنة، لفعله من الضروري ان نذكر ان أهم الصعوبات التي يعاني منها العمل الثقافي بشكل عام، من غياب الدعم المنظم من طرف الدولة او تأخر بروز مؤسسات تهتم بالاستثمار الثقافي من دون مراعاة الربح الفوري، ما زالت قائمة. ولم تنفع المناظرات التي اقيمت لهذا الغرض، سواء برعاية وزارة الثقافة او بتنظيم من جهات اخرى تعمل في الميدان، في دفع الوضع الى شيء من التطور خلال العام 1994. ولا شك ان الانحسار سيكون من نصيب العمل الثقافي، لو استمر تراجع دور القوى المعارضة التي كانت تتوسله لتنفيس الضغوط الناتجة من اوضاعها الذاتية. ويبدو هذا العمل اليوم اكثر من اي وقت مضى، مشدوداً الى الازمة العامة التي تعاني منها الثقافة المغربية الباحثة عبثاً عن شخصيتها وتميزها في مناخ التأثيرات المختلفة الوافدة من الشرق او الغرب. على ان هناك بطبيعة الحال افقاً مختلفاً يرتسم امام هذه الثقافة في اطار من التنوع، وخصوصاً بعد ان تم الاعتراف للثقافة الامازيغية بدورها التاريخي في رفد النسيج الثقافي المغربي بوصفه مكوناً اساسياً من مكوناتها التاريخية ... في حين يبدو ان العمل بمقتضيات حقوق الانسان واحترام الرأي الآخر وضمان التعدد وقبول الاجتهاد، من الأمور التي يمكن ان تخلق مناخات اساسية لبلورة اهتمامات جديدة غير مسبوقة.