NHC توقع اتفاقيات وصفقات لتأمين سلاسل الإمداد ودعم توطين الصناعات بقيمة تتجاوز 5 مليارات ريال    الصين تلدغ البحرين بهدف قاتل وتحيي آمالها في تصفيات المونديال    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل "ملحمة الصراع" بين دعاة الاصلاح وخصومه . حمروش : على الجيش في الجزائر أن يترك السياسة للأحزاب
نشر في الحياة يوم 22 - 08 - 1994

السيد مولود حمروش رئيس "حكومة الاصلاحات" يفتح صدره ل "الوسط" في اول حديث شامل يتعرض فيه بإسهاب لمرحلة غنية من تاريخ الجزائر، مرحلة مخاض الاصلاحات وولادتها العسيرة والتآمر عليها وهي في المهد:
ويقف حمروش طويلاً عند احداث مهمة عاشتها الجزائر ولا تزال تعيش تبعاتها ومضاعفاتها، بدءاً ب "أحداث اكتوبر 88" و"التعددية الفوضوية" التي أعقبتها، ومناورات اعداء التغيير ضد برنامج الاصلاحات، وملابسات استقالة حكومته، ووقف المسار الديموقراطي الذي يقول ان جبهة الانقاذ استُدرجت للمشاركة فيه.
ويتناول مواضيع الساعة مثل الدور الامني للجيش ومخاطره، وقلّة حظوظ الحوار الوطني في ظل موازين القوى الحالية. ويدلي بتصريحات مثيرة مثل نصيحته للعميد الامين زروال قبيل تعيينه خلفاً للمجلس الاعلى للدولة، وقوله "ان الرئيس بن جديد كان مرشحاً للعزل منذ احداث "اكتوبر 88"، ويشرح لماذا توقع مطلع العام 1992 بقصر عهد الرئيس بوضياف. ويتحدث عن ثقة الرئيس بومدين، وقلّة ثقة خلفه الرئيس بن جديد.
هل كان ممكناً ان يحدث في الجزائر بعد رحيل الرئيس هواري بومدين، مثلما حدث في مصر غداة وفاة الرئيس جمال عبدالناصر؟ بعبارة اخرى: هل كان بوسع الرئيس الشاذلي بن جديد ان يرفع راية الانفتاح الاقتصادي بعد سنة من انتخابه رئيساً للجمهورية في 7 شباط فبراير 1979؟
مثل هذا السؤال كثيراً ما يُطرح في معرض الأسف على تأخر الاصلاحات في الجزائر واضطرار المسؤولين فيها في نهاية المطاف، الى اختيار اعادة الجدولة بعدما كانت بمنأى عنها.
الجزائر، كما البلدان النفطية، أفادت من فورة 1979، التي تلت ثورة الخميني في ايران، اذ تجاوز سعر بترولها آنذاك 40 دولاراً للبرميل الواحد. ولو كانت للرئيس بن جديد جرأة الرئيس انور السادات لشرع في اصلاح شؤون البلد بعيداً عن الضائقة المالية التي تمسك بخناقه اليوم.
مثل هذه المقولة كان من الطبيعي ان تطرحها "الوسط" على السيد مولود حمروش رئيس حكومة وُصفت عن حق ب "حكومة الاصلاحات" وايلول/ سبتمبر 89 - 5 حزيران/ يونيو 91. وأجاب باختصار: "ان الرئيس بن جديد لم يكن بوسعه ان يتوجه مباشرة نحو الانفتاح". وقبل ان يصل الى هذه النتيجة بيّن أوجه الشبه والاختلاف بين النظامين الجزائري والمصري:
- وجه الشبه يكمن في نظام الحكم واسلوب ممارسته. فالنظام في كل من الجزائر والقاهرة كان يقوم اساساً على قوة شخصية الزعيم وتأثيرها في جماهير شعبية تُجنّد في مناسبات معينة لتحقيق اهداف محدّدة. ويعتمد النظام هنا وهناك على أجهزة دولة متفاوتة الاهمية من جيش وادارة وجهاز سياسي حزبي.
- ويكمن وجه الاختلاف أساساً في قدم النظام الاجتماعي في مصر واستقراره، وحداثته وحركيته في الجزائر التي "عاشت ثورة شعبية افرزت وعياً اجتماعياً حاداً وتعلّقاً قوياً بمبدأ العدالة الاجتماعية … بينما نجد في مصر هيكلاً اجتماعياً راسخاً، اعتمد الرئيس السادات عليه سواء في سياسته الانفتاحية الجريئة او في مسعاه السياسي الى حلّ ازمة الشرق الاوسط".
لقد شكّلت البورجوازية المنفتحة قاعدة السادات الاجتماعية في نهجه الاصلاحي الشامل ولم يكن ذلك ممكناً في الجزائر نظراً الى حداثة التبلور الاجتماعي وهشاشة النظام الطبقي فيها.
اعادة الهيكلة وثقل الاجهزة
ما حدث في الجزائر قبل احداث تشرين الاول اكتوبر 1988 سواء في ظل حكومة عبدالغني 79 - 84 او في عهد حكومة عبدالحميد ابراهيمي 84 - 88، يعتبره رئيس "حكومة الاصلاحات" مجرد "محاولات من داخل اجهزة الدولة، هدفها تصحيح بعض الاخطاء وتقويم بعض الانحرافات، لكنها اصطدمت بسرعة بثقل الاجهزة ما دام كل اجراء تصحيحي كان يتطلب كثيراً من الوقت والجهد لاقناع مراكز القرار المختلفة".
عرفت هذه المحاولات بتجربة "اعادة الهيكلة"، وكان مهندسها الرئيسي السيد عبدالحميد ابراهيمي وزير التخطيط في حكومة الرئيس بن جديد الاولى. ويرى السيد حمروش في هذه التجربة "تسلسلاً منطقياً لتطور الاقتصاد الجزائري ولتنامي رواسب الاقتصاد الموجّه ونقائصه في الوقت نفسه".
هذه التجربة شرع في تطبيقها منذ 1980 بهدف تصحيح اهم الاختلالات الاقتصادية، وهي في نظر حمروش فكرة جيدة من حيث المبدأ "لكن تطبيقاتها جرت بطريقة ادارية غير اقتصادية. ومن الصعب التوفيق او الجمع بين المسعيين الاداري والمالي. وما لبث المسعى الاداري، ويا للأسف، ان أفرغ العملية من محتواها وغيّر مجراها من عمل تصحيحي ايجابي لمسار الاقتصاد الى عملية سلبية تضاف الى قائمة السلبيات الاخرى".
ويذكر في هذا الصدد ان من ابرز ضحايا تجربة "اعادة الهيكلة" شركة "سوناطراك" التي اصبحت في فترة قصيرة واحدة من الشركات النفطية المرموقة في العالم. هذه الشركة التي جسّدت في وقت ما طموح البلدان النامية الى التحرر وامتلاك زمام استغلال ثرواتها الطبيعية قسمت بطريقة ادارية الى اربع شركات بحجة انها اصبحت تشكّل "دولة داخل دولة"! ويعلّق السيد حمروش على ذلك قائلاً: "اعتقد بأن العملية لو تمت على مستوى سوناطراك وكوادرها لكانت النتيجة مخالفة بكل تأكيد".
فهل كانت احداث تشرين الاول 1988 بمضمونها الاصلاحي بداية نهاية التسيير الاداري لشؤون الجزائر؟
ان مثل هذا الهاجس كان بعيداً عن انشغالات مدبّري تلك الاحداث ومن التحق بالركب من اسلاميين ومواطنين شرفاء.
عاملان وراء الانفجار
قراءة رئيس "حكومة الاصلاحات" لاحداث 1988 بعد ست سنوات تؤكد ذلك بوضوح. يقول حمروش: "في الحقيقة ان عوامل انفجار الوضع كانت كامنة في تفاعل أمرين: انجازات حركة التنمية الشاملة التي عرفتها الجزائر منذ اواخر الستينات من جهة، وما أفرزت هذه الحركة من سلبيات وإحباطات من جهة ثانية.
وفي مثل هذا الوضع المشحون بالتوترات الاجتماعية، الجاهز للانفجار في اي لحظة، كانت عملية التطاحن على السلطة بين مختلف الشلل بمثابة الصاعق".
هذا الجانب السياسي الذي ظل مخفياً الى حدّ ما يفسّره بقوله: "ان ممارسات الحكم على اساس وحدة التصور والتنفيذ، لم تكن تمنع ظهور التناقضات والصراعات الداخلية. وينبغي ألا ننسى في هذا السياق ان المؤتمر السادس لجبهة التحرير الوطني كان على الابواب، وان التحضيرات كانت على قدم وساق. وكان كل ذلك فرصة اخرى لتغذية التطاحن بين الأجنحة وسعي كل منها الى دعم مواقعها في صناعة القرار وكسب مواقع جديدة ومحاولة إضعاف الجناح المنافس".
في اطار هذه المعركة الشرسة، كان من الطبيعي ان يحاول كل جناح تجنّب السقوط ضحية الاحداث، بل استخلاص ما يناسبه ويخدم مصالحه من دروس وعبر!
لكن هناك درساً كان محل اجماع مختلف الأجنحة تقريباً ألا وهو ضرورة التغيير السريع. غير ان الخلاف ظهر مرة أخرى، عندما بدأ التفكير الجدي في البحث عن جواب مناسب للسؤال اللاحق: "ماذا نغير؟ ومن نغير؟".
يقول السيد حمروش في هذا الصدد: "هناك من كان يتصور ان التغيير يعني الأشخاص الذين استقطبوا غضب الشارع. وهناك من كان يرى ان التغيير ينبغي ان يشمل نظام الحكم وأساليب عمله، لأن كليهما أصبح في حاجة ماسة الى نقلة نوعية تضمن التجديد مع الاستمرار".
ويلاحظ رئيس الحكومة السابق ان أنصار الطرح الأول كانوا ينشطون من داخل السلطة ومن خارجها، مشيراً في هذا المجال الى "نداء الثمانية عشر" الذين دعوا غداة "أحداث اكتوبر" الى عقد ندوة وطنية بغية عزل الرئيس بن جديد ومجموعته، والى أعضاء في المكتب السياسي لجبهة التحرير كانوا يشاطرونهم الرأي نذكر منهم رئيس الحكومة عبدالحميد ابراهيمي والعميد رشيد بريلس وزير النقل.
ان الرئيس بن جديد في نظر هؤلاء أصبح "ممجوجاً جماهيرياً، طالما ان شباب اكتوبر كان يطالب باستقالته". ويصف السيد حمروش - وكيل رئاسة الجمهورية آنذاك ورئيس فريق الاصلاحات - دعاة هذا الطرح بپ"أنصار تغيير الواجهة"، مفضلاً الأطروحة الثانية التي يرى انصارها ان الرفض لم يكن يستهدف شخصاً بذاته بقدر ما كان يستهدف أسلوب التعامل مع مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويفسر ذلك بقوله: "ان شباب اكتوبر اتجه الى احراق كل ما يرمز الى ممارسات الحكم من مقر البلدية الى مقر الحزب الى القطاع الاشتراكي من خلال أسواق الفلاح، ألخ… فالمس بهذه الرموز معناه في الحقيقة ان نظام الحكم هو المستهدف وليس شخصاً بعينه ولو كان الرئيس بن جديد".
اذن فالعبرة التي يمكن استخلاصها من "أحداث اكتوبر" هي: لا بد من العمل فوراً على تغيير نظام الحكم وأساليبه. ورجحت في بداية الأمر كفة أنصار التغيير وخابت موقتاً مساعي تبديل الواجهة، أي تقديم الرئيس بن جديد كبش محرقة، أو على الأقل ثنيه عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة في المؤتمر المقبل أواخر تشرين الثاني.
وتجاوب الرئيس بن جديد مع الطرح الاصلاحي - الذي ينقذ كرسيه موقتاً - ووافق بسهولة على برنامج الاصلاحات المقدم الى مؤتمر جبهة التحرير الذي صادق عليه بلا عناء. وان كان الأصح ان نقول بخصوص الجانب الاقتصادي من الاصلاحات ان المؤتمر قام بتزكيته فقط، ما دام ان بت الخطوط العريضة لهذا الجانب حصل قبل "أحداث اكتوبر"، بل ان النصوص التشريعية التي تترجم هذا الجانب بدأت بالصدور منذ أواخر 87 ومطلع 88.
فالمصادقة اذن تصدق أكثر على الاصلاحات السياسية التي تكرس مبدأين أساسيين:
- الفصل بين السلطات مع ضمان استقلال كل منها.
- الانفتاح على التيارات والحساسيات الأخرى. وتطبيقاً لمبدأ الانفتاح السياسي ظهرت في البداية فكرة السماح بوجود منابر سياسية متمايزة داخل جبهة التحرير، ولكن تبين سريعاً ان الفكرة صعبة التطبيق من الناحية العملية لسببين اثنين: أولهما المعارضة الشديدة لمناضلي جبهة التحرير. وثانيهما التحفظ على الفكرة أصلاً من قبل دعاة التعددية الذين بادروا بتأسيس تنظيمات مستقلة يعبرون عن أنفسهم من خلالها.
والسؤال الذي ما انفك يطرح نفسه بالحاح على "أنصار الديموقراطية والتعددية" هنا هو: لماذا اختارت السلطة في الجزائر منهج "التعددية الفوضوية" - اذا صح التعبير - علماً ان التيارات السياسية الجديرة بهذا الوصف تعد على أصابع اليد الواحدة؟ ألم يكن من الأسلم ان تبدأ باعتماد الأحزاب التي كانت تنشط في السرية مثل جبهة القوى الاشتراكية وحركة الرئيس بن بيلا والحزب الشيوعي الجزائري؟ ثم لماذا اعتمدت احزاب على أساس ديني أو لغوي مثل الأحزاب الاسلامية وحزب سعيد سعدي خلافاً لروح الدستور وخرقاً لقانون الأحزاب الذي يحظر انشاء الجمعيات السياسية على أساس من الدين أو اللغة أو الاقليم أو الجنس الخ…؟
مناورات وأساليب
كل هذه التساؤلات يجيب عنها رئيس "حكومة الاصلاحات" بقوله: "ان الجناح الذي كان يهمه فقط تغيير واجهة النظام لم يستسلم على رغم مصادقة المؤتمر السادس لجبهة التحرير على برنامج الاصلاحات، وراح يناور لمنع ظهور تعددية حقيقية أو منظمة، خصوصاً بعدما أدرك ان العملية يمكن ان تفلت من قبضته، أو تنقلب عليه". وقد لجأ في ذلك الى أساليب مختلفة مثل:
1 - تشجيع كل من هبّ ودب على تأسيس جمعية سياسية، بتبسيط الاجراءات الى أبعد الحدود، اذ يكفي ان يوقع 15 شخصاً استمارة لدى وزارة الداخلية ليحصلوا على رخصة اعتمادهم حزباً سياسياً كامل الحقوق.
2 - تحريض بعض الأحزاب على العنف اللفظي والفعلي والتجاوزات الخطيرة مثل وصف رئيس الجمهورية بمسمار جحا! أو التعريض برؤساء الدول الشقيقة.
3 - اعتماد أحزاب يتنافى وجودها مع روح الدستور ونص قانون الجمعيات السياسية كما سبقت الاشارة.
4 - محاولة تقسيم بعض الأحزاب التي كانت تنشط في السرية مثل "جبهة القوى الاشتراكية" وحركة الرئيس بن بيلا، بتحريض عناصر من الحزبين على التمرد والانشقاق مع الاحتفاظ بالعنوان نفسه. وهكذا ظهرت في وسائل الاعلام حركات باسم "جبهة القوى الاشتراكية "الرقم 2"! و"الحركة الديموقراطية الرقم 2". ولم ينبع من هذا التقسيم حزب جديد مثل "الحزب الديموقراطي الاجتماعي" الذي اصبح بدوره حزبين. وكانت الاحزاب السرية سباقة الى رفض فكرة المنابر داخل الحزب الحاكم الوحيد رفضاً باتاً، مما دفع السلطة الى الانتقام منها بمحاولة تقسيمها واضعافها من جهة، وبتشجيع التعددية الفوضوية من جهة ثانية.
وكان الهدف من اللجوء الى مثل هذه الاساليب واضحاً وهو ضرب التجربة التعددية في المهد وتشويهها لدى الرأي العام والنيل من صدقيتها ومحاولة اظهارها كأنها تتناقض مع المصلحة الوطنية العامة. وهنا يفتح حمروش قوساً ليذكر بأن "النواة التي وضعت نص دستور 23 شباط فبراير 1989 كانت تنوي مواصلة مهمتها بترجمة هذا القانون الأساسي في جملة من القوانين مثل قانون الاعلام والاحزاب والانتخابات وحرية التنظيم النقابي. وقد وضعت مثلاً صياغة اولية لقانون الاحزاب، تتضمن مادة صريحة في نصها على رفض بناء برنامج اي حزب على الدين، مع الاشارة في المادة نفسها الى رفض برنامج اي حزب يتضمن مواقف تتنافى مع القيم الاسلامية".
ولكن بمجرد المصادقة على الدستور حولت هذه المهمة الى رئيس الحكومة قاصدي مرباح والبرلمان، كأن رئيس الجمهورية تخلى طواعية عن حقه في تطبيق الدستور والمبادرة باقتراح القوانين.
بين بن جديد ومرباح
هذه الملاحظة جعلتنا نسأل حمروش عن سر قصر التعايش بين الرئيس بن جديد ورئيس حكومته مرباح الذي لم يعمر أكثر من 10 أشهر، فرأى ان في الأمر جانبين:
- جانب مؤسساتي يتعلق بصلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في اطار الاصلاحات التي كرسها دستور 23 شباط. فقد راعى الدستور الجديد ضرورة التوازن بين المؤسستين، مع النص صراحة على وحدة السلطة التنفيذية. ومعنى ذلك ان رئيس الحكومة - مهما بلغت صلاحياته - لا يشكل قطباً مستقلاً أو منافساً لرئيس الجمهورية.
- جانب سياسي ومصدره استمرار الصراع الخفي بين انصار "تغيير واجهة النظام" ودعاة تغيير أعمق يمس النظام وأساليب عمله. وقد سعى الجناح الأول الى استغلال رصيد مرباح وقوة شخصيته وطموحه بتشجيعه على طرح نفسه بديلاً من الرئيس بن جديد، مما أدى الى اختزال فترة التعايش بين الرجلين.
حكومة الاصلاحات
في 9 أيلول سبتمبر 1989 عين السيد مولود حمروش رئيساً لحكومة وصفت بپ"حكومة الاصلاحات" خلفاً لمرباح و"حكومة الملفات". قبل هذا التعيين الذي نقل فجأة الى رئاسة الحكومة وكيلاً لرئاسة الجمهورية، كان حمروش يرأس فريق عمل منذ العام 1986 مهمته وضع الخطوط العامة لبرنامج اصلاحات شاملة بدءاً بالجانب الاقتصادي. ومعنى ذلك ان الرئيس بن جديد - بعد مغامرته مع مرباح - فضل باختصار تكليف فريق الاصلاحات تطبيق هذه الاصلاحات في الميدان.
وكانت رؤية الفريق على المدى البعيد تنطلق من الاصلاحات الاقتصادية لتمهّد الطريق امام الاصلاحات السياسية التي ستكون نتيجتها الطبيعية تغيير طبيعة السلطة ذاتها. ويفسر حمروش، رئيس الفريق، ذلك بقوله: "ان السلطة في الجزائر كانت منذ الاستقلال سلطة كلية شاملة، اي سياسية واقتصادية واجتماعية في آن. وهي بهذه الصفة تختلف عن مثيلاتها في بعض المجتمعات العربية حيث هناك فصل موضوعي بين السلطات، لأن الاقتصاد فيها حّر جزئياً او كلياً. بينما الاقتصاد الجزائري قائم على القطاع العام بنسبة 85 في المئة او اكثر وتترتب على ذلك سلطة اقتصادية شبه مطلقة".
فجوهر المشروع الاصلاحي اذن يتمثل في تغيير طبيعة نظام الحكم بإحداث توازن ضروري بين السلطات، وهذا ما حاولت حكومة الاصلاحات تجسيده خلال عمرها القصير 20 شهراً.
اقتصاد السوق والاستثمارات
وبدأت الحكومة الجديدة بتنفيذ برنامجها الذي صادق عليه البرلمان في آذار مارس 1990، بمحاولة تصحيح الاختلالات الاقتصادية والمالية الكبرى لتجنيب الجزائر "اعادة جدولة الديون"، وما يترتب عليها من قيود اقتصادية وسياسية، وانعكاسات اجتماعية من الصعب توقع عواقبها. وكان حمروش يتوقع من هذا التصحيح تحقيق نتيجتين على الأقل:
- فتح الطريق امام اقتصاد السوق وتحرير ادارة الاقتصاد خصوصاً من الهيمنة المباشرة للجهاز السياسي والتنفيذي، واكتفاء الحكومة بالتدخل بواسطة الاجراءات الخاصة بالجباية والضرائب.
- الانفتاح على الاستثمارات الاجنبية بما سيؤدي الى التخفيف من اعباء الديون من جهة وتوفير مبالغ مالية اضافية من جهة اخرى يمكن توظيفها في عملية الاستثمار الوطني.
ولكن بسبب الاحداث المتتالية اثر سقوط "حكومة الاصلاحات"، والسياسات المتبعة في ظل حكومتي سيد احمد غزالي وعبدالسلام بلعيد خصوصاً احجام المستثمرين الاجانب عن تلبية النداء، ومع الاستمرار في دفع مستحقات الديون، توقفت عملية الاستثمار الوطني كلياً او كادت، ووقعت البلاد في ازمة مالية خانقة.
وهكذا اصبحت "اعادة الجدولة" نتيجة منطقية وممراً اجبارياً، بعدما كانت احتمالاً بعيداً.
اعادة جدولة الديون
لكن خصوم "حكومة الاصلاحات" يزعمون انها هي التي مهدت لاعادة الجدولة باتفاق في حزيران يونيو 1991 مع صندوق النقد الدولي. فما حقيقة هذا الاتفاق؟
يجيب حمروش على هؤلاء ان حكومته شرعت في تطبيق الاصلاحات فعلياً بدءاً من ربيع 1990 باتخاذ مجموعة من الاجراءات الصارمة، ساعدت في ضبط وتيرة النفقات والاجور والحد من التضخم السريع وظهور مؤشرات إيجابية تبشر بالعودة وشيكاً الى حركة إنمائية عادية. وبفضل هذه الاجراءات - اضافة الى خفض قيمة الدينار - حققت موازنة العام 1990 فائضاً للمرة الأولى منذ بضع سنوات.
وبناء على هذه الاجراءات وضع مخطط العام 1991 وكذلك قانون المالية، وكلاهما يفتح آفاق تحرير التجارة الخارجية. وقد سجلت الحكومة مجمل الاجراءات في رسالة نية بعثت بها الى صندوق النقد الدولي الذي صادق عليها في 3 حزيران 1991، أي قبل يومين من سقوط "حكومة الاصلاحات".
"لكن السياسات اللاحقة - كما يقول حمروش - لم تحترم الالتزامات والآجال التي تضمنتها الرسالة، مما أوقع البلاد في مطب إعادة الجدولة".
كان حمروش يقدر ان مهلة ثلاث سنوات ضرورية لوضع قطار الاصلاحات على السكة، إضافة الى ترويض القاطرة وتمكين الاحزاب من الاستعداد الجدي لمرحلة الديموقراطية والتعددية:
- الممارسة الديموقراطية كانت في حاجة الى فترة نضج طبيعية، من خلال احتكاك الأفكار وتقديم الحلول والبدائل وإتاحة الفرص لبروز وجوه سياسية جديدة وتمكين المواطن عندما يحين الوقت المناسب من الاختيار الواعي والمسؤول انطلاقاً من معرفة جيدة بالرجال والبرامج.
- والمؤسسات الاقتصادية بدورها في حاجة الى ان توضع لفترة معينة على محك اقتصاد السوق وحقائقه الجديدة.
- والمهلة كانت ضرورية ايضاً لتنصيب المؤسسات الدستورية الجديدة، بناء على الفصل بين السلطات واستقلال القضاء والبرلمان خصوصاً.
منطق هذه المهلة كان يقتضي - كما يقول حمروش - تأجيل الانتخابات النيابية سنة على الأقل بداية 1993، وليس تقريبها سنة كما حدث.
ويعلق رئيس الحكومة السابق على ذلك بقوله "أجهضت، ويا للأسف، مساعينا لأن الرهان كان في غاية الأهمية، وكانت نتيجته الطبيعية هي تغيير أساليب ممارسة السلطة بعمق وليس تغيير الوجوه فقط".
الانقاذ... رأس حربة
ويعزو ذلك الى القوى المناهضة للتغيير الحقيقي، تلك القوى التي "تحركت في الخفاء لتدفع بالتجربة التعددية الديموقراطية الى منزلق التهور والتجاوزات". ويؤكد ان "الجبهة الاسلامية للانقاذ استغلتها هذه القوى رأس حربة، بعدما استدرجت الى تبني منطق تغيير الواجهة، بدل ان تساهم إيجابياً من خلال التجربة التعددية في تغيير النظام وأساليب الحكم".
ويعترف بنصيبه من المسؤولية عما حدث، فقد سهلت بعض أخطائه إضافة الى أخطاء السلطة وأخطاء جبهة الانقاذ، مهمة الجناح المناوئ لتغيير منظومة الحكم الذي نجح مرة اخرى في توجيه الاحداث بما يخدم مصالحه ويدعم مواقعه في اجهزة الحكم.
احداث أيار - حزيران
وللمرة الأولى يتحدث حمروش عن أحداث أيار مايو وحزيران يونيو 1991 التي انتهت بتقديم استقالة حكومته واعتقال قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ:
أعلنت الجبهة إضراباً مفتوحاً ابتداء من 25 أيار، تحول بعد فشله في الأيام الأربعة الأولى الى مسيرات فوضوية تعرقل النشاط العادي. وتفادياً لإرباك هذا النشاط وعرقلة حركة المرور، اتصلت وزارة الداخلية بقيادة الجبهة واقترحت عليها التجمع في ساحات عمومية محددة - في العاصمة أساسا - ورخصت لها بذلك فعلاً. ولكن مع انطلاق حملة الانتخابات النيابية في أول حزيران سحبت الداخلية الرخصة من جبهة الانقاذ، لأن الساحات العمومية وزعت بالتساوي بين الاحزاب المشاركة في الحملة لإقامة المهرجانات الدعائية. وعندما رفضت الجبهة استجابة طلب الداخلية أمرت قوات الأمن بالتدخل مع فجر 3 حزيران لإخلاء الساحات العمومية بالقوة.
وبررت جبهة الانقاذ آنذاك "إضرابها المفتوح" برفض القوانين الانتخابية التي صادق عليها البرلمان في نيسان ابريل بحجة انها صيغت على قياس الحزب الحاكم سابقاً، وان حكومة حمروش تنوي تزوير الانتخابات التي كان مقرراً أجراء الدور الأول منها في 27 حزيران.
ويرفض حمروش هذه الحجة قائلاً: "إن التذرع بالقوانين الانتخابية ذريعة واهية لأن القانون ينطبق على الجميع والمواطن هو الحكم. وحتى اذا سلمنا بفكرة انحياز القوانين الى طرف معّين فإن الآثار المترتبة على ذلك لا تتجاوز 5 في المئة في أحسن الأحوال. وقد أقرت بذلك قيادة الانقاذ نفسها بعد استقالة الحكومة، حينما أخذت تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مسبقة، مؤكدة بذلك ان المشكلة تكمن في الرئاسة وليس في القوانين الانتخابية".
استقالة حمروش... وحملة اتهامات
ملابسات استقالة "حكومة الاصلاحات" يرويها رئيسها: "قدمت استقالتي في 2 حزيران خلال لقاء مع الرئيس بن جديد، إثر عرض الوضع العام، والتعقيدات السياسية والأمنية الطارئة، والاجراءات التي تنوي الدولة اتخاذها لمواجهة هذه الطوارئ.
لقد شعرت في هذا اللقاء بأن هناك نية لتأجيل الاصلاحات ووضع التجربة الديموقراطية بين قوسين لبعض الوقت وإلغاء الانتخابات التشريعية الخ... وانطلاقاً من هذا الاحساس اقترحت على الرئيس تشكيل حكومة أخرى لتطبيق السياسة الجديدة، إذ ليس من المعقول ان يطبق الرجل السياسة ونقيضها"!
وهكذا قدم حمروش استقالة حكومته تاركاً للرئيس حرية اختيار الوقت المناسب لاعلان قبولها، وقد تم ذلك صبيحة 5 حزيران. ومثلما حدث اثر إقالة حكومة مرباح، تعرضت "حكومة الاصلاحات" بعد سقوطها لحملة إعلامية عنيفة وألصقت بها تهم شتى من بينها وضع مصير التجارة الخارجية بين أيدي مكتب دراسات يديره المدعو بن حاييم من باريس!
ويذهب حمروش الى ان توقف المسار الديموقراطي بدأ مطلع حزيران 1991 لأن القرارات التي اتخذت يومها كانت باختصار مناقضة للانفتاح الديموقراطي. ومن هذه القرارات:
- إعلان حال الحصار التي استمرت حتى أواخر أيلول.
- إغلاق وسائل الاعلام العمومية، وفي مقدمها التلفزيون، في وجه الاحزاب.
- إعتقال قيادة جبهة الانقاذ في 30 حزيران.
- محاولة تشويه الأحزاب عبر "مسرحية صيف 91".
ودشنت حكومة غزالي عهدها بدعوة 50 حزباً الى حوار مفتوح بثه التلفزيون مباشرة. وفهم الملاحظون - شأن بعض الاحزاب التي قاطعت "المسرحية" مثل الانقاذ وجبهة آيت أحمد - ان غزالي وأعضاء مجموعته كانوا يهدفون من وراء ذلك، كما يقول حمروش الى "إقناع الرأي العام بتفاهة الاحزاب وضحالة برامجها وبساطة شخصياتها. والرسالة من كل ذلك، تبدو في غاية الوضوح، وهي ان هذه الاحزاب ليست جديرة بتعويض السلطة القائمة. أي ان البديل الوحيد من النظام القائم هو النظام نفسه!".
ويعتبر حمروش مسرحية الثنائي غزالي - بالقايد "أكبر ضربة للتجربة الديموقراطية وهي في المهد ... وهذا ما يؤكد ان إلغاء نتائج الانتخابات النيابية مطلع 92 لم يكن سوى تتمة لوقف المسار الديموقراطي في مطلع حزيران 91 واستمرار للمنطق نفسه".
بداية نهاية بن جديد
هذه النظرة تقود الى استنتاج ان الرئيس بن جديد كان مرشحاً للإقالة منذ العام 91، لكن رئيس الحكومة السابق يذهب في رده على هذه الملاحظة الى أبعد من ذلك، "فالرئيس بن جديد كان مرشحاً للعزل منذ اكتوبر 88 حسب خطة أنصار تغيير واجهة النظام الذين واصلوا سعيهم حتى حزيران 91 الذي يعتبر حلقة مهمة في بداية نهاية الرئيس بن جديد فعلياً".
ذلك ان رحيل فريق الاصلاحات أفقد الرئيس بن جديد سنداً مهماً ومبرراً قوياً لاستمراره في منصبه، وبالتالي أصبح عزله سهلاً.
ويعتقد حمروش بأن "عملية العزل ارجئت فقط الى مطلع العام 92 لاستكمال مخطط تخريب المسار الديموقراطي وإيجاد مسوغات اخرى مثل نتائج الانتخابات واتهام جبهة الانقاذ بتزويرها، والتلويح بمخاطر اندلاع حرب أهلية".
مصير بوضياف
غداة تأسيس المجلس الأعلى للدولة وعودة محمد بوضياف في 16/1/1992، خرج حمروش عن صمته ليفاجئ الجميع بتصريح مثير خلاصته "ان الرئيس بوضياف لن يمكث في منصبه أكثر من شهر"!
ترى كيف توصل الى هذا التوقع الذي اعتبره بعضهم في وقته ضرباً من الطيش والاستهتار؟ يجيب حمروش ان تصريحه كان مبنياً على العوامل الآتية:
"أولاً - ظروف الجزائر وما يعرف عن شخصية المناضل بوضياف، فقد كنا نتوقع - بمجرد إطلاعه على بعض الأمور - ان يرفض رئاسة نظام حكم أصبح يتعارض مع الرأي العام ومع الشعب ورغبة الجماهير الجامحة في التغيير. وكنت شخصياً مقتنعاً ومطمئناً في الوقت نفسه الى ان الرئيس بوضياف سيصل بسرعة الى هذه الحقيقة وأنه سيرفضها حتماً لأن الرجل من رواد نضال مريري وشرس في سبيل حرية الشعب".
"ثانياً - ان الرئيس بوضياف سيجد أمامه مراكز قوى مختلفة تتضارب وتتصارع حوله، ولن يستطيع ان يلعب دور الحكم في ما بينها، لأن مصالحها في تعارض مطلق مع التغيير الحقيقي".
"ثالثاً - ان الرئيس بوضياف ستتجاذبه ضغوط قوية في اتجاه التغيير، مصدرها الشارع والظروف السياسية الخاصة...".
هذه العوامل كان منتظراً ان تدفع بوضياف الى تحكيم الجماهير، بواسطة مشروع التجمع الوطني الذي كان ينوي اتخاذه قاعدة اجتماعية لسلطته، يرتكز عليها للتحرر من آثار مراكز القوى المتطاحنة حوله. واستناداً الى هذه الحقائق لم يكن من الصعب الاستنتاج ان تعايش الرئيس بوضياف مع مراكز القوى المحيطة به لن يدوم طويلاً".
ثلاثة شروط
ولمناسبة دعوة الرئيس زروال الى استئناف "الحوار الوطني" بدءاً من 21 آب اغسطس الجاري، سألت "الوسط" حمروش رأيه في الأزمة الجزائرية وسبل تجاوزها ورأيه في تجربة الحوار الى الآن. فكشف للمرة الأولى انه قابل في كانون الأول ديسمبر من العام الماضي وزير الدفاع - آنذاك - العميد الأمين زروال، وأشار عليه بأن مواجهة الازمة السياسية الحالية تستدعي توافر ثلاثة شروط أساسية:
"أولاً: اتفاق أطراف السلطة على برنامج عمل تقبل به غالبية المواطنين أو الاحزاب الممثلة لهم.
- ثانياً: ان يسود أطراف السلطة انسجام تام.
- ثالثاً: ان تتحلى هذه الأطراف بإرادة ثابتة وتصميم راسخ".
هذه الشروط لا تزال مفقودة، ومسيرة الحوار الوطني منذ آذار مارس الماضي لم تؤكد عكس ذلك. فقد اكتشف حمروش ورفاقه في جبهة التحرير الوطني "ان الحوار لم يكن سوى غطاء لاستمرار الوضع القائم ومنظومة الحكم الحالية. فالغاية لم تكن البحث عن سياسة بديلة من سياسة اثبتت فشلها التجارب والاحداث، بل مواصلة السعي الى تغيير الواجهات، فقد ذهب بن جديد وبعده بوضياف ثم كافي، وجيء بالعميد زروال... لكن حال الأزمة كما هي من دون تغيير، ولا حتى أمل في التغيير. ولا تزال مراكز القوى نفسها تهيمن على مقدرات البلاد ومصير الشعب وتحاول تغطية هيمنتها بلباس الحداثة والعصرنة ومحاربة الظلامية.
وتحاول السلطة - المعبرة عن مراكز القوى هذه - في الوقت نفسه إيهام الرأي العام الدولي بأن هناك حواراً وتشاوراً مع الاحزاب وبوادر انفتاح ديموقراطي، بينما المنطق الغالب في الحقيقة هو استمرار متعنت في تطبيق سياسة فاشلة، لا تأخذ في الاعتبار هموم المواطنين ومطالب الاحزاب".
الجيش والسياسة
إن الطريق المسدود لمثل هذا المنطق أثار تخوف حمروش على الجيش الجزائري واحتمال تورطه أكثر فأكثر في وحل ما يسمى "الحل الأمني" إلى درجة أنه دعا في 8 تموز يوليو الماضي أمام اللجنة المركزية لجبهة التحرير الأحزاب المهمة الى مساعدة المؤسسة العسكرية على الخروج من هذه الورطة، فماذا يعني هذا النداء؟
يقول حمروش في هذا الصدد، ان دعوته مبنية على معطيات وتحاليل وتجارب أهمها:
- إن انشغال الجيش بالمهمات الامنية والبوليسية يؤثر سلباً في معنوياته ويضعف قدرته في التكفل بمهمته الاساسية وهي الدفاع عن الوطن.
- ان الجيش ليس قادراً على منع الانهيار السياسي والانزلاق نحو الحرب الأهلية.
- ان الجيش القوي هو ذلك الذي يقف وراءه مجتمع مهيكل بأحزابه ونقاباته ومنظماته المختلفة. "فالجيش الجزائري عليه ان يدرك ان عهد القوة المنظمة الوحيدة قد ولى، وان الاستمرار على النهج نفسه يشكل أكبر خطر عليه. ومن ثم عليه ان يعترف بحتمية وجود الاحزاب كأدوات مفضلة لاحتواء الظاهرة السياسية والتعبير عنها، بما يستجيب مع التوازن الضروري بين مختلف فئات المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.