صدر كتاب "نساء الكرملين" للاريسا فاسيليفا قبل مدة وسرعان ما أصبح من الأكثر مبيعاً. وكان القراء الذين يقفون متعبين في الدور لشرائه، يأملون بأن يصبح السر معروفاً أخيراً وأن تنهض رفيقات زعماء الكرملين أمام أنظارهم على حقيقتهن، ليس في الأقاويل والنكات، بل في الاطار الحقيقي لاحداث تلك السنين الممتدة من تشرين الأول اكتوبر 1917 حتى أيامنا هذه. كتبت المؤلفة تقول ان نساء الكرملين غبن عملياً من تاريخ روسيا الضخم والجنوني في القرن العشرين و"رسبن في قعر الأحداث". قبيل صدور كتاب لاريسا فاسيليفا بالانكليزية في لندن ستعرّف "الوسط" قراءها بأهم ما جاء فيه. ناديجدا كروبسكايا زوجة لينين كان عمرها 49 سنة عندما دخلت الكرملين كربة بيت جديدة. ولم تكن شابة ولا جميلة. وجه كبير منتفخ، وشفتان غليظتان بارزتان دليلاً على طبع متأجج لم يتجرأ أحد على افتراضه فيها، وأسنان بيضاء غير متساوية وغير مصبوغة بالنيكوتين، وجبين ضخم عريض وشعر اسبل له فرق مستقيم ومجموع في عقدة، وقامة غير مكتنزة، لكنها منسقة خالية من التعرجات المثيرة، ووقفة مستقيمة تنم عن أن صاحبتها تربت في مدرسة جيدة. انها ناديجدا كروبسكايا زوجة لينين، ورفيقة المنتصر في الثورة. ولم تكن غرف القياصرة في الكرملين تنتظرها، فأقامت في شقة صغيرة متواضعة جهزت خصيصاً لها وللينين. ولم تعترض اذ لا يليق بزوجة زعيم البروليتاريا الا العيش المتواضع. لم يكن الكثيرون في روسيا يعرفون القيصرة الجديدة، كما سماها بعضهم في بادئ الأمر. فقد أمضت 14 سنة من حياة الرشد قبل سنة 1917، مع فترة قصيرة خارج البلاد. وجعلت ناديجدا نصب عينيها منذ صباها هدفاً سامياً: السعادة والمستقبل المضيء لشعوب روسيا، لكنها وسعت لاحقاً، بتأييد من لينين ذي التفكير الشمولي، حدود أهدافها الى شعار "يا عمال العالم اتحدوا". ووجدت ان الرغبة في جعل روسيا سعيدة كانت موجودة في هذا الشعار. وشاءت الصدف ان التقت ناديجدا بلينين مساء ذات يوم وهي تخرج من المكتبة. وسار الاثنان في الشوارع الى أن وصلا الى بيتها. كانا يتحاوران ولمعت في فكرها كلمات "ان الثورة قريبة وممكنة". وهكذا تقرر مصيرها. فالثورة كانت دائماً وبقيت حبها الوحيد. من أجلها عاشت ومن أجلها عملت وبها حلمت. ولم يكن ينقص هذا الحب سوى شيء واحد: صار فلاديمير اوليانوف - لينين ليس زوجها فحسب بل صار الزعيم. وكان عليه أن يجسد حلمها. وآمنت به إيماناً أعمى. وكانت مستعدة للحاق به ولو الى أقصى الدنيا أياً كان الدور الذي أعده لها، كل ذلك من أجل القضية. كثيراً ما يتجادل دارسو حياة لينين وكروبسكايا في معنى جوابها "الغريب" له عندما كتب لها في سجنها بعد بضع سنين من لقائهما الأول قائلاً انه يرجو أن تقبله زوجة له. اذ أجابت "حسناً، زوجة فليكن الأمر كذلك"... ولكن لمَ الجدل هنا؟ لقد عبرت كروبسكايا عما في فكرها بوضوح: أياً كان عرضه لها فهي مستعدة لكل شيء. وبالطبع انه لشيء جيد أن تكون زوجة. فالزوجة أفضل من "الرفيق في العمل" وأقرب بكثير. بعد موت لينين راح تلميذه الوفي يوسف ستالين يتابع بانتباه كيف يستقبل الشعب ورجال الحزب في اجتماعاتهم بالتصفيق أرملة لينين. وخطر بباله: ماذا لو أرادوا استخدام العجوز لدور قيصرة جديدة، فذكرى القيصرة الأخيرة الكسندرا رومانوفا التي قتلت في يكاتيرينبورغ لم تكن قد زالت بعد من ذاكرة الناس. ... وبدأ يضيق عليها ويسيء اليها. ورأى الجميع ذلك وفهموه، لكن أحداً لم يتجرأ على الشفاعة لها. وقال لها مواجهة أنها بسوء عنايتها أرسلت لينين الى العالم الآخر. وأجبرها على التردد على الضريح معاتباً إياها لأنها نسيت زوجها المحبوب. في 26 شباط فبراير 1939 احتفلت كروبسكايا بعيد ميلادها السبعين. واجتمع الأصدقاء مساء وارسل ستالين كعكة أكلها الجميع معاً. وفي الصباح ماتت وحدها في المستشفى نتيجة تسمم شديد! لكن كل من بقي على قيد الحياة من الذين شاركوا في تلك الأمسية عند كروبسكايا يرفض رفضاً قاطعاً رواية "الكعكة المسمومة". وحمل ستالين شخصياً الوعاء الذي وضع رماد كروبسكايا فيه الى مثواها الأخير. شرلوتا كوردي الفاشلة تقول لاريسا فاسيليفا: "ان نساء الكرملين جديرات بأزواجهن. فهن رفيقات نضال ونصيرات فكر وثوريات ومسقطات دعائم. مثلهن مثل ناديجدا كروبسكايا، ولكن بمقياس أصغر". وتضيف: "ان الزوجات البلشفيات كن مصابات بتقاليد السرية والكتمان التي لا تقل عما عرف عن أزواجهن. فقد عرفن هن أيضاً السجون والمنافي والهجرة. والى هذا كله أضيف خوف جديد، خوف من الثورة المضادة: ماذا لو جاؤوا وطالبوا بما لهم؟". هل يتفق هذا مع مواصفات ناديجدا آليلوييفا زوجة أكبر طاغ عرفته العصور - يوسف ستالين - التي حلت على عرش الكرملين محل ناديجدا كروبسكايا؟ من الحكايات التي روتها آنا أخت ناديجدا آليلوييفا في السنين الأخيرة من حياتها بعد عودتها من المعتقل الستاليني، هناك حكاية تقول ان ناديجدا رافقت ستالين سنة 1918 إلى مدينة تساريتسين وكانت موظفة ورافقهما والدها سيرغي آليلوييف. وسافروا جميعاً في حافلة صالون، وكان القطار يسير ببطء ويتوقف طويلاً في المحطات. وفي احدى الليالي سمع آليلوييف صراخ ابنته، فهرع الى مقصورتها. وقابلته ناديجدا منتحبة وقالت ان ستالين اغتصبها. فأراد الأب ان يردي المغتصب رمياً بالرصاص، لكن هذا ركع أمامه وطلب يد ابنته. أما سفيتلانا آليلوييفا ابنة ستالين فتروي في كتابها "سنة واحدة فقط": "كانت اولغا آليلوييفا حماته المقبلة تعامله بحنان كبير... لكن زواج ابنتها لم يفرحها وحاولت طويلاً اقناع أمي، بل وبختها ووصفتها بأنها حمقاء. لم تكن تستطيع أن توافق في دخيلة نفسها على زواج أمي، وكانت دائماً تعتبرها تعيسة جداً ورأت في انتحارها نتيجة لكل هذه الحماقة". وشاءت الأقدار أن تجد ناديجدا ابنة الاثنين وعشرين ربيعاً نفسها في قلب نزاع لينين - ستالين - كروبسكايا وسلكت سلوكاً لا شائبة فيه. وشاءت الأقدار أن تشهد منذ أيام تساريتسين نزاع ستالين - تروتسكي... وان تعرف عن زوجها ما لا يعرفه أحد. عندما كان يشرب ويتثاقل يصبح الموضوع المحبب لديه معها: "قريباً، قريباً جداً ستكون السلطة كلها في يدي، كلها! التنفيذية والتشريعية". ولم تكن تحب هذه الأحاديث وتبدو لها غير بلشفية، لكنها قد تكون مخطئة، فهو ادرى. فاذا أمعنا النظر في رفاق لينين، رأينا أنهم تغيروا بعد الثورة تغيراً ملحوظاً. تغيروا بموقفهم بعضهم من بعض. فمن قبل كانوا يرتابون من النظام القيصري. اما الآن فإن أحدهم يخشى الآخر، وستالين مثلهم وربما اسوأ منهم. وكانت من أول من عرف ب "وصية لينين" التي يصف فيها زوجها بدقة وبلا رحمة. واضطرت الى أن تقول لنفسها ان لينين على حق، فستالين فظ خشن وكثيراً ما يكون غير منصف، حتى بالنسبة إليها... أم ترى هي ليست المنصفة؟ انهما مختلفان جداً. ربما لم يكونا يفهمان أحدهما الآخر. فهي صبية شابة تريد أن تمرح وتلهو وتتعلم كيف تعيش... لكنها في قفص الكرملين أشبه بالسجينة. في ظل الحراسة والناس الذين حولها مسنون في الأربعين والخمسين. تثقلهم هموم السلطة، ويرتابون بعضهم ببعض. فيا للملل! لقد سئمت "أسرار قصر مدريد"، كما كانت أمها تسمي العمل في الكرملين. لكنه هو أيضاً خاب أمله. كان من الأفضل له أن يأتي بفتاة من قرية جورجية، كان يفعل كل شيء لناديجدا وكانت كل رغبة من رغباتها قانوناً عنده. البيت لا يعرف التقتير: "اطلبي من الطعام ما تريدين فيأتونك به. وأمامك كل مسرح أو سينما". صحيح انه لا يرافقها دائماً فتنزعج. ولكن ما عليها هنا الا ان تصبر فهو مشغول. وماذا ينقصها؟ كانت منكمشة على نفسها. وفي قصة "وصية لينين" لم تلتزم جانب زوجها. هذا عموماً صحيح من حيث المثل الأعلى، بالأسلوب البلشفي، لكن هذا يسوؤه، فهو انسان. كانت عصبية جداً، مثل أمها أولغا آليلوييفا التي كانت مصابة بانفصام الشخصية. وأصبح ستالين يعرف هذا حق المعرفة. كانت اولغا تتردد على عيادة الكرملين الخاصة وكانوا يطلعونه على كل شيء. كانت عصبية جداً وأصيبت مراراً بأزمات هستيرية. لكنها كانت السيدة الأولى في الامبراطورية، وتستطيع ان تسمح لنفسها بالكثير. فهي زوجة ستالين وكفى. ولكن... في تشرين الثاني نوفمبر 1932 جرت حفلة استقبال مسائية لمناسبة أحد الأعياد، انتهت بالنسبة الى عدد قليل من رجالات الكرملين بأمسية في شقة كليمينت فوروشيلوف التي منها عاد ستالين وناديجدا الى البيت كل على حدة وفي وقتين مختلفين. عادت هي قبله وتأخر هو كثيراً. كان كل واحد منهما ينام منفصلاً عن الآخر: هي في غرفة النوم وهو في مكتب عمله أو في غرفة صغيرة متصلة بقاعة الطعام قرب الهاتف الحكومي. وكانت القهرمانة توقظ ناديجدا عادة في الصباح. وكان هذا ما يجب أن يكون في هذه المرة ايضاً. ولكنها وجدتها راقدة على الأرض قرب الفراش وهي في بركة من الدم وبجانبها مسدس صغير من طراز "فالتر". كلما مضى الوقت ازدادت عقدة التناقضات التي أدت بناديجدا الى النهاية الفاجعة، تشوشا وابهاما واكتنفها الكثير من الأقاويل والاشاعات والأساطير والخرافات على رغم الوقائع القليلة التي تبدو صحيحة. تقول الكاتبة ان ليس ممكناً حل عقدة "ستالين وآليلوييفا" أياً كانت الاكتشافات الجديدة، والجديدة دائماً دامغة مقنعة، وان الأجيال الأخرى ستشاهد مسرحيات وأفلاماً عن هذا الزواج الغامض بين الفتاة والطاغية. وتضيف: بدأ الكذب حالاً، ففي 10 تشرين الثاني ظهر في جريدة "برافدا" النص الآتي: "في ليلة التاسع من نوفمبر توفيت عضو الحزب النشيطة والمخلصة الرفيقة ناديجدا سيرغييفنا آليلوييفا. ماذا يمكن فهمه من هذه الجملة الصحافية المألوفة؟ ماتت. ولكن كيف؟ هل مرضت؟ هل حدث لها حادث مؤسف؟ لا كلمة عن سبب الوفاة. تركت ناديجدا آليلوييفا لستالين رسالة كتبتها قبل موتها لم يعرف أحد غيره مضمونها، على ما يبدو. ماذا كان في الرسالة؟ ان من السهل التكهن. كل امرأة توافرت لها قبل موتها الطارئ فرصة البوح بكل ما تراكم لديها في خمس عشرة سنة من الحياة المشتركة لا بد ان تكتب عن الشيء الرئيسي: عن جرائمه بحقها وعن جرائمه عموماً. ان موتها أطلق يدي ستالين ويتكهن الكثيرون ويفترضون: ترى لو أنها لم ترحل بنفسها أما كان يرحّلها هو مع غيرها من "أعداء الشعب"! اني اعتقد غير ذلك: انها كانت ستثأر وسيجدونه سابحاً في دمه في الحمام. "صديقات" السفاح ان "بطل" هذا الفصل ليس امرأة من الكرملين، بل رجل كان الجميع، رجالا ونساء يرتعدون أمامه. انه لافرينتي بيريا وزير الداخلية الدائم أيام ستالين، والذي حتى وان كان في منصب آخر، ظل يدير شؤون ال "كي. جي. بي.". وهو متهم في جملة ما اتهم به، بالضلوع في موت ستالين. المدعي العام يستنطق بيريا المجرم كالآتي: هل تعترف بانحلالك الأخلاقي الاجرامي؟ - هناك شيء من هذا. أنا مذنب في هذا. هل تعترف بأنك وصلت في انحلالك الأخلاقي الاجرامي الى اقامة علاقات مع نساء لهن ارتباطات بالاستخبارات الأجنبية؟ - ربما. لا أعرف. قدمت اليك تسع قوائم فيها اسماء 62 امرأة. هل هذه قوائم باسماء من ضاجعتهن؟ - ان أكثر النساء المدرجة اسماؤهن في هذه القوائم ضاجعتهن. هناك أيضاً 32 قائمة بعناوين نساء ستقدم اليك، فهل هن أيضاً من اللواتي ضاجعتهن؟ - فيها أيضا من ضاجعتهن. هل مرضت بالزهري؟ - أصبت بالزهري في أيام الحرب، أظن في سنة 1943، وعولجت. وتقدم المدعي العام بدعوى على المتهم باغتصاب تلميذة من الصف السابع وانجبت منه ولداً. وأعلن المتهم ان ما جرى كان برضاها. من يحاكم؟ مجنون جنسي؟ وحش من القرون الوسطى؟ أم متشرد قبيح الأخلاق ورئيس عصابة من مصطادي النساء؟ المجرم هو عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي للاتحاد السوفياتي، وزير الداخلية نائب رئيس مجلس الوزراء، مارشال الاتحاد السوفياتي، بطل العمل الاشتراكي، لافرينتي بيريا. له ألقاب ومكافآت أخرى كثيرة لا يمكن تعدادها. ... وفي المحكمة تنكشف وقائع مخيفة من اللاشرعية والسفالة، وبشاعات من كل نوع: قتل بالجملة على مدى عشرات السنين. وبين أمور أخرى في النهاية، يظهر كالعادة، هذا الموضوع في آخر كل حادث: شيء صغير لا يؤبه له، ثانوي، كأنه تتمة للوجه غير الأخلاقي، شيء له دلالته: يتعلق بالنساء. استدعى بيريا زوجة المارشال بلوخير المعتقل. لم يهددها ولم يسألها عن زوجها، بل أمعن فيها النظر. وكانت غلافيرا آنذاك في الثالثة والعشرين. وقالت في ما بعد مستعيدة ذكرى ذلك: "أجرى التحقيق معي بيريا نفسه، وذلك بالتأكيد لمجرد الفضول السادي. كان متعالياً. لم يكن ينظر، بل كأنما يتفحص الانسان كما يتفحص المرء حشرة صغيرة تحت العدسة المكبّرة. وكان منظره يثير الاشمئزاز. كانت تنبعث منه البرودة واللامبالاة بكل ما هو انساني في ضحيته...". انتشرت آنذاك شائعات مختلفة، شائعات أن بيريا كان يغتصب الموقوفات الجميلات الصبايا في مكتبه ثم يقتلهن رمياً بالرصاص. ولكن حتى هذه الشائعات تحتاج الى براهين أياً كان الموقف من بيريا. ولم تصدق نينا زوجة بيريا قط ان لزوجها مئات من العشيقات حسب بعض المعلومات أكثر من 700. وكانت تقول ان لافرينتي يقضي يومه وليله في مكتبه. "وفي رأيي ان كل شيء بخلاف ما يقال. ففي أيام الحرب وبعدها كان لافرينتي يشرف على المخابرات ومكافحة التجسس. وكانت كل هذه النساء عاملات في المخابرات وعميلات ومخبرات له. ولم يكن يتصل بهن غير لافرينتي". صيف 1985 سمعت للمرة الأولى رأيين مختلفين، سمعت إمرأتين تتجادلان: - وأخيراً، حان الوقت منذ زمان. أنيقة رشيقة ذكية وطليقة اللسان. سيدة أولى بكل معنى الكلمة. ولا عيب في أن تظهر خارج البلاد. - راييسا غورباتشوفا أنيقة؟ انها عديمة الذوق صفيقة تحشر نفسها أمامه حشراً. تسافر معه أينما سافر. ومن تكون حتى تتحدث أمام الجمهور؟ أفضل لها أن تجلس في البيت. بدأت راييسا غورباتشوفا المرأة النحيلة تظهر كل مساء تقريباً على شاشات التلفزيون، في موسكو وفي القرى النائية، وتثير انفعال الجميع رجالاً ونساء. لطيفة الشكل دائمة الابتسام في ثياب تتناسب جيداً مع قوامها الممتاز، لكنها لم تكن تلقى الاعجاب لدى الجميع. لماذا؟ لم تكن تثير حنق الرجال هي شخصياً وانما لأن "الزوج يأخذها معه معطياً بذلك قدوة جديدة قد لا تكون حسنة". أما النساء فكانت تثير حنقهن لأنها تبدو صبية شابة. ولا تفعل شيئاً ولا تقف في الدور لشراء ما تريد، وتسافر معه في كل مكان وشعرها مصفف دائماً. ولو توافر هذا لأي امرأة أخرى لما بدت بمظهر اسوأ. كتبت المؤلفة: قالت لي راييسا غورباتشوفا كاشفة لي لواعج نفسها راغبة بكل وضوح في أن تجد لديّ تعاطفاً معها: - لا أدري أي ذنب ارتكبت؟ أنا زوجة زوجي، أذهب معه حسب البروتوكول واساعده ما استطيع. فما رأيك؟ كيف أرد على هذه الأقوال؟ - اسمعي وتجاهلي. فرحت وتابعت: هذا صحيح! هذا ما فعلته. تدافع إليّ اليوم صحافيون أجانب وراحوا يسألونني عن رأيي في الانتقاد الموجه إليّ، فأجبتهم اني لم ألاحظ أي انتقاد. لقد رسخت في ذاكرتي بداية حديثنا هذه. ولن أورد تتمة الحديث حرفاً بحرف، لكنني سأقول مضمونه. تكلمت راييسا طويلا. وقالت كيف تعلما هي وميخائيل غورباتشوف وكيف تزوجا وكانت الفرصة متاحة لهما لأن يبقيا في موسكو ليدرسا وينالا الدكتوراه، لكنهما اختارا طريقاً آخر: التحق هو بالعمل بين الشباب الشيوعي ثم بالعمل الحزبي. وقالت انها وجدت مشقة في العمل واعداد الرسالة العلمية لنيل درجة الدكتوراه والاشتغال بأمور البيت عندما ولدت ابنتهما، وأنها كثيراً ما كانت تبكي من الصعوبات، ولم يكن عندها شيء، لا ثياب جميلة ولا معطف جيد. فكل هذا ظهر في ما بعد. رأيت في سلوكها النسوي الصرف الذي أعرفه في من سبقها من نساء الكرملين، ان شيئاً لم يتغير وأنها مثل غيرها. بعد فشل محاولة انقلاب آب اغسطس 1991 مباشرة غابت راييسا غورباتشوفا طويلاً عن شاشات التلفزيون. وانتشرت الشائعات: تأثرت. انفعلت. جلطة دماغية. شلت يدها... ولكن لتعويض هذا الغياب ربما، ظهر في كل مكان كتابها "أنا آمل" وعلى غلافه صورتها وهي مبتسمة. انتقد الكتاب: ممل، مصقول، صحيح، حزبي، عتيق، متأخر عن عصره، لأن "محاولة الانقلاب" قضت على الحزب الشيوعي كحزب. كان القراء يتمنون بوضوح ان تحدثهم زوجة غورباتشوف الذي يناقش كل شيء معها - حسب قوله هو بالذات - عما يبحثان في السياسة وما هو موقفهما من هذا أو ذاك وكيف يعدان هذا أو ذاك من أعمال بيريسترويكا. أخذتُ الكتاب وقرأت سطوره وما بين السطور. ان هذا الكتاب الممل رائع. فيه ترى البطلة التي تنطق بصراحة لطيفة من دون أن تقول شيئاً نافلاً في 189 صفحة. كلا، كلا، اني لا أسخر. فكتاب غورباتشوفا يرسمها هي نفسها بدقة تقارب دقة الرياضيات. فمن تكون هذه؟ انها واحدة من بنات الحرب، فتاة من أسرة متواضعة بعد الحرب، مجدة متفوقة، أنهت دراستها الثانوية بميدالية ذهبية، امرأة من عصر الدفء الخروشوفي، زوجة اقليمية لموظف كومسومولي حزبي ارتقى باستمرار في معارج القيادة وبلغ ذروة السلطة. جريئة ووجلة. قاسية ولينة. معتدة بنفسها وغير معتدة. كان سلوكها في أثناء "محاولة الانقلاب" اعجب سلوك وأقربه الى الطبيعة. لم تسلك سلوك الرجال، بل سلوك النساء إذ خافت على أسرتها خوفاً جعلها تقعد مريضة. وكان ذلك هو تصرفها الرئيسي. وللأسف، لم يعلم خوفها العالم اللاهي، لكن هذا ليس ذنبها. انها قالت بالخوف كلمتها النسوية الناعمة التي ستبقى ذكرى طيبة... اللهم ان لم يكن ذلك دوراً جيد الأداء. بدءاً من ناديجدا كروبسكايا كانت كل نساء الكرملين يذعن للسلطة ويخدمن زعماءهن... وكان مصيرهن كمصير ناديجدا آليلوييفا وكثيرات غيرها. فعالم الرجال الحاكم البلشفي لم يكن يعترف للمرأة الا بدور السند له، كما كان الحال في كل العصور.