اذا كان اسم ستالين ظل مكتوماً بعض الشيء خلال الثورة، حيث برزت تلك الاسماء التي ستشكل القيادة الحقيقية للدولة بعد الانتصار البولشفي، فان ستالين عرف مع اندلاع الحرب الاهلية، وبفضل تدخله فيها بشكل واضح، كيف يفرض حضوره، ويمهد لتسلم مسؤوليات كبيرة لاحقة كانت هي التي اوصلته بعد موت لينين الى زعامة الاتحاد السوفياتي. مهما يكن في الأمر فإن احداً لم يكن ليتوقع منذ تلك الاوقات المبكرة ان يصبح ستالين سوى واحد من مجموعة تتحلق من حول رجال السلطة الحقيقيين، على الرغم من المأثرة التي ارتبطت باسمه، وأدت الى انقاذ موسكو وبتروغراد من الاختناق والتجويع. حدث ذلك يوم السابع من حزيران يونيو 1918، حين توجه ستالين وزوجته الشابة ناديا، التي كان تزوجها قبل شهور قليلة وهي في السابعة عشرة من عمرها، الى مدينة تساريتسين، وهي عبارة عن مرفأ يقع على نهر الفولغا، ويتم عبره تزويد المدينتين الروسيتين الرئيسيتين بالمؤن والوقود. كان الاستيلاء على تلك المدينة النهرية يتيح في ذلك الحين، للمنتصر ان يتحكم بموسكو وبتروغراد. وكانت القيادة البولشفية تضع يدها على قلبها خوفاً من استيلاء الكوزاق البيض على تساريتسين، خصوصاً وان من يقود القوات المعادية للثورة هناك، كان البارون المرعب فرانغل، الذي سبق له ان حقق اختراقات جعلت منه العدو الأول للثورة، وأثبت خلالها تفوقه كاستراتيجي بارع. والحال ان القيادة البولشفية، حين تطوع ستالين بالتوجه الى المدينة لمجابهة الكوزاق، لم تكن واثقة من انه سيحقق انتصاراً. ولكن، من جديد، ما العمل وتروتسكي والقيادات الكبرى في الجيش الاحمر منشغلة في معارك اخرى لا تقل أهمية من الناحية الاستراتيجية؟ إذن، لا بد من ارسال ستالين ومعه ناديا، و400 مقاتل يفتقرون الى الاسلحة الثقيلة. ثم انتظار معجزة. وهذه المعجزة تمكن ستالين من تحقيقها في ذلك اليوم، حيث بفضل مناورات عسكرية غريبة، كما بفضل تفاني المقاتلين الذين كانوا برفقته، تمكن من الحيلولة دون قطع المؤن والوقود عن المدينتين الكبيرتين. وكان وضع تساريتسين، كما اشرنا، ميئوساً منه، حيث ان الكوزاق كانوا يحيطون بالمدينة تماماً. ولئن كان ستالين قد وعد لينين وهو في طريقه الى المدينة قائلاً: "ان يدي لن ترتجف ابداً. وأعداؤها سوف يعامَلون كأعداء، وسيلقون مصير الأعداء" وكان ذلك هو المناخ السائد في طول روسيا وعرضها في ذلك الحين، حين كانت الحرب الاهلية على اشدها. وكان اخطر ما يواجهه الثوار البولشفيون، هو ان قيادات القوات المعادية لهم كانت مؤلفة من الضباط ذوي الخبرة الذين كانوا يقودون الجيوش القيصرية، في مواجهة قيادات عسكرية بولشفية معظمها جديدة على "مهنة القتال". فإذا اضفنا الى هذا ان وطنيين كثيرين ومعارضين سياسيين للقيصر سابقين، كانوا الآن قد انقلبوا ضد الثوار البولشفيين، يمكننا ان نفهم ضراوة الحرب الاهلية التي كان على هؤلاء ان يخوضوها. ما جعل اي نصر صغير يحققونه اشبه بالمعجزة. واضافة الى هذا كله كان الاشتراكيون - الثوريون، الذين يفترض بهم ان يكونوا حلفاء للبولشفيين، لا يتوقفون عن اغتيال كادرات ومفوضي التعبئة التابعين لهؤلاء الاخيرين، ما يحرم الثوار البولشفيين من المسؤولين الفاعلين في عدد كبير من المناطق والأقاليم. في ذلك الوقت بالذات كان الجيش الأبيض يقاتل في اوكرانيا أملاً في الوصول الى فصل هذا البلد عن روسيا وحكمه بشكل مستقل. وكانت الفرقة التشكيلية وقوامها 45 الف مقاتل تتقدم داخل سيبيريا. هذه الفرقة المؤلفة من أسرى حرب ومن هاربين من الجندية كانت قد تشكلت اصلاً لمقاتلة الألمان، ضمن اطار من التعاون مع الجيش الروسي القيصري. ثم حين انتصرت الثورة البولشفية، وخرجت روسيا من الحرب، طلب تروتسكي، بوصفه قائداً للجيش الأحمر، من تلك الفرقة ان تلقي اسلحتها، لكنها رفضت واستدارت لتقاتل ضد الجيش الأحمر. أما في شمالي روسيا فكانت القوات البريطانية وصلت الى مورمانسك، حيث تمكنت من ان تمنع الألمان والبولشفيين معاً من وضع ايديهم على الذخائر التي كان الحلفاء قد ارسلوها، اصلاً، الى القوات القيصرية. في مثل ذلك المناخ من الحصار الجماعي كان على اصحاب لينين ان يحاربوا. وكانت كل معركة يخوضونها تعتبر معجزة صغيرة، سواء أكان الانتصار ام مجرد الصمود من نصيبهم فيها. ومن هنا كان ما حققه ستالين في تساريتسين، من الحيلولة دون منع المؤن والوقود من الوصول الى موسكو وبتروغراد، مأثرة كبيرة سجلت لحسابه، وسوف يعود الى ذكرها و"المتاجرة بها" كثيراً بعد ذلك، حسبما سيقول المؤرخون. في الصورة: ستالين حين كان يقود المعركة في تساريتسين.